إذا كنا لا نريد صومال آخر، فإن من الأولى مد يد العون لليمن

السبت 02 مايو 2009 الساعة 05 مساءً / مارب برس - متابعات: العرب اون لاين
عدد القراءات 8624

ما من بلد عربي يواجه الوضع الصعب الذي يواجهه اليمن. ومع ذلك، فقلما تمتد اليه يد العون والتضامن. خريطة اليمن

فعدا الفقر، الذي يعد أرضية خصبة لانتشار العنف والتطرف، فهناك سلسلة من التحديات السياسية الداخلية التي تهدد الاستقرار في هذا البلد. وهناك المنظمات الإرهابية التي لم تفتأ تستعرض عضلاتها بين الحين والحين. وهناك الأزمة التي تثيرها أعمال القرصنة البحرية في الجوار، وهي ما تحوّل، بدوره، الى فرصة لانتشار قوات تابعة للحلف الأطلسي في البحر الأحمر لتزيد المخاوف من تداعيات أخطر.

وفي حين، لم توفر القيادة اليمنية مناسبةً إلا وذكّرت فيها بالحاجة ولو الى القليل من المساندة للتغلب على تلك المصاعب، إلا أن القليل لم يأت.

واليمن الذي يعيش وسط محيط إقليمي غني، قد يشعر أن فقره لا يثير الكثير من القلق في الجوار، إلا انه يشعر أيضا، أن عدم الاهتمام هو جزء من مألوف الإهمال العربي التقليدي.

وقد يتفق الخبراء وأهل الحل والعقد في المنطقة على أن الفقر يشكل مرتعا خصبا لانتشار التطرف وأفكار العنف والإرهاب. إلا أن مواجهة هذا التهديد لم تصل بعد الى المستوى الكافي من الحكمة لاستباقه بمشاريع بناء وتنمية شاملة، تحول دون تمدد الخطر إلى بقية دول المنطقة.

والسؤال الذي لا بد وان يخطر في أذهان ذوي الحكمة هو: هل تحتاج المنطقة الى هزة إرهابية جديدة قبل أن تفطن الى أن اليمن يحتاج الى القليل من تضامن الأخوة؟

ما يزال من الأولى بدول الخليج العربية الغنية، وهي تعرف أن اليمن يشكل امتدادا طبيعيا لها، أن تضع مشروع بناء شامل، لا يكون أقل من “مشروع مارشال” يسمح بإخراج اليمن من دائرة الفقر ويضعه على سكة التقدم.

لقد كان يجب على دول الخليج ان تفعل ذلك ليس حبا باليمن، بالضرورة، ولكن حبا باستقرارها هي نفسها على الأقل.

فهل هناك من هو بحاجة الى هزة لكي يصحو من غفوته؟ أم أن هناك من هو بحاجة الى “معهد استراتيجي” لكي يقول له أن فقر الجوار، فقرٌ لك، وان عجزه عن التنمية هو عجزك، وان التطرف الذي ينشأ فيه هو وجهٌ آخر لفشلك؟

الكل يعرف ان قيادة الرئيس علي عبد الله صالح تقدم أفضل ضمانة للاستقرار والاعتدال والعقلانية في اليمن.

ولكن أليس من المفجع، بحق، ان تُترك هذه القيادة لتتطاحن بمفردها مع الفقر والقلاقل والإرهاب والتهديدات الخارجية، من دون أن تمتد لها يد العون والتضامن؟

أليس من المفجع، أن يرى الجميع خطر التطرف والإرهاب، ويتركوه ينمو، بدلا من أن تنمو المستشفيات والمدارس وطرق المواصلات؟

وهل يعجز الذين يستثمرون المليارات فوق المليارات في مشاريع بناء في أوروبا وأميركا عن أن يستثمروا القليل في بلد يكاد يصرخ بالحاجة الى تنمية تبعث في نفوس أبنائه الأمل بمستقبل أفضل، بدلا من الوقوع فريسة سهلة لثقافة التطرف؟

أم هل من المرغوب لليمن أن يتحول الى صومال أخرى؟

النزاعات التي أدت الى شن خمسة حروب في محافظة صعدة كانت ستكفي لتمزيق أي بلد آخر من المنطقة، لولا تماسك البلد وراء قيادة الرئيس علي عبد الله صالح. ولكن، بدلا من الوقوف الى جانبه لتعزيز مناعة الدولة، فهناك الكثير من الشكوك بان تلك الحروب الداخلية ما كانت لتُشن ضد استقرار الدولة من دون دعم خارجي.

وبدلا من أن تساهم دول المنطقة في الضغط على التيارات الجنوبية لحملها على دعم مسيرة الإصلاح والبناء الديمقراطي والمشاركة الفعالة في الحفاظ على وحدة اليمن، فهناك أيضا من يتغافل عن التهديد الانفصالي، ليترك الحكومة اليمنية محشورة بالعوز عن أن تقدم لتنمية أقاليم اليمن ما يكفي لجعل الوحدة وجها من وجوه الرخاء.

العمليات الإرهابية التي حدثت هنا وهناك، شكلت تذكيرا كافيا للسلطات اليمنية بأنها تحتاج الى تعزيز جهودها الأمنية ضد الجماعات المسلحة التي تتخذ من اليمن ملجأ لنشاطاتها. ولكن ألا تعرف الولايات المتحدة وأصدقاؤها في المنطقة أن المساعي الأمنية لا تكفي، مهما بلغت من الشدة.

أليس من البديهي أن الإرهاب لا يُكافح في بيئة الفقر من دون مكافحة الفقر نفسه؟

واليوم، تظهر أعمال القرصنة كوجه جديد من وجوه الإرهاب. ولكن مثلما كل أعمال الإرهاب الأخرى، فقد تحولت القرصنة الى فرصة أخرى تسمح لقوى التدخل الدولية بأن تفرض وجودها العسكري في المنطقة.

هذا الوجود قد لا يبدو، للوهلة الأولى على انه خطر، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر الحقيقة القائلة انه جاذبٌ، بطبيعته، للمزيد من التوتر، وجاذبٌ، بطبيعته أيضا، للمزيد من أعمال الإرهاب.

ما نراه يقول أن القوات التابعة للحلف الأطلسي تذهب الى حيث يوجد الإرهابيون “لحماية طرق الملاحة البحرية”. ولكن ما نراه أيضا أن الجماعات الإرهابية تذهب بدورها الى حيث يوجد خصمهم، “لحماية طرق الجهاد”.

والخاسرون الوحيدون هم نحن. فالوجود الأجنبي هو قوة تملي على دول الإقليم التزامات أمنية إضافية، وتجبرها على قبول تدخلات هي في غنى عنها لو لم تصبح المنطقة ميدانا مفتوحا للتفكك والانهيار والفوضى.

والصومال الذي عجزت الولايات المتحدة عن السيطرة عليه، عاد ليمثل تهديدا ليس للملاحة البحرية فحسب، بل ولاستقرار اليمن أيضا. فاللاجئون الذين يتكدسون على شواطئه، لا يحملون معهم إلا “كنوزا” من الفقر والجهل والمرض، ليلقوا بتبعاتها على بلد يخشى نفسه من التبعات نفسها.

يجب الاعتراف أن اليمن الذي يبدو مستقرا، تحت قيادة عقلانية ومعتدلة، تمور من تحته الكثير من عوامل عدم الاستقرار. والعنصر الجوهري المشترك في كل هذه العوامل هو الفقر ونقص الموارد.

ولكن، إذا كنا لا نريد صومال آخر، على الضفة الأخرى للبحر الأحمر، فان من الأولى مد يد العون لليمن.

وإذا كنا لا نريد للإرهاب أن ينمو، فنستغني عن الحاجة الى التدخلات الأجنبية، فان مساعدة اليمن في التغلب على مصاعبه الاقتصادية هي خير ما يمكن أن نفعله لاستقرارنا وازدهارنا نفسه.

وإذا كنا لا نريد فوضى جديدة تحول المنطقة الى ميدان شامل للتطرف وأعمال العنف، فلا مكان أفضل من اليمن ليكون منطلقا لمصير مختلف.

الوضع في اليمن صعب تماما. ولكنه يمكن، ويجدر به، أن يكون قصة نجاح تاريخية في الحرب ضد ثقافة العنف والتطرف والإرهاب.

ولتحقيق النجاح، فان “مشروع مارشال” إقليمي هو المدخل.

الوجه الآخر للقصة هو مأساة تستهلك الكثير من الدم والدموع. ولا يحتاج اليمن للتغلب على هذا الوجه إلا الى القليل من العون، والقليل من التضامن.

حقيقة واحدة يجب أن تصحو عليها الأغلبية الغافية في المنطقة، قبل مجيء الهزّة: الكل يخسر، إذا خسر اليمن.

لا يدعى أحد أن اليمن جنة أرضية، والرئيس اليمنى أكثر العارفين بهذه الحقيقة، فاليمن مازال يعانى من مصاعب عديدة تتطلب جهدا خارقا لتجاوزها، وملايين اليمنيين الذين يتمسكون بالرئيس على عبد الله صالح مع كل انتخابات وخلال كل التظاهرات والاجتماعات، إنما أولوا ثقتهم بالرئيس لعلمهم أن اليمن يعانى من الفساد، والشباب يعانى من البطالة، وأن قطاعا واسعا يعاني أيضا من الفقر.

هذه الثقة التي منحها الشارع اليمنى للرئيس صالح لم تأت استجابة لوعود وشعارات براقة يصعب تحقيقها، وأدمنت على إطلاقها قوى المعارضة، بل جاءت حكما على أداء الرئيس اليمنى الذي استطاع خلال فترة ترؤسه للسلطة في اليمن الشمالي أن يحقق الوحدة اليمنية، هذا الحلم الذي يعتبر أهم انجازات صالح محليا وعربيا، ليصبح رئيسا لليمن الموحد بعد اندماج شطريه عام 1990، ولتبدأ بعد ذلك مسيرة إنجاز من نوع آخر ضمن ظروف دولية وإقليمية غاية في التعقيد والخطورة، يمكن حصرها في ثلاثة مستويات، الأول تنامي مفهوم العولمة في ظل أحادية القطب، بعد انهيار الإتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الشيوعية، والثاني الثورة الرقمية وما رافقها من تطور في عالم الاتصالات، أما المستوى الثالث فهو هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحرب التي تبعتها ضد ما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية بالإرهاب، والتي أدت إلى غزو أفغانستان والعراق.

في هذا الجو المشحون والمتوتر، استطاع الرئيس على عبد الله صالح أن يحقق ما يجمع المراقبون على تسميته بالمعجزة، ففي ظل قيادته تم تحسين العلاقات مع دول الجوار، حيث وقعت اتفاقية وضعت حدا للخلافات الحدودية بين اليمن والمملكة العربية السعودية، كما استطاع اليمن أن يسير خطوات ملموسة على صعيد التقارب مع مجلس التعاون الخليجي الذي قبل في كانون الأول/ ديسمبر عام 2001 انضمام اليمن الى أربعة مجالس وزارية هي التربية والشؤون الاجتماعية والصحة والرياضة.

لقد تبنى اليمن بقيادة الرئيس صالح برنامجا للإصلاح الاقتصادي ينفّذ على مراحل بالاتفاق مع البنك والصندوق الدوليين، وبعد تطبيق المرحلة الأولى من هذا البرنامج حدثت تغييرات جذرية في عدة مجالات أشادت بها جميع المؤسسات الدولية.

وعود على عبد الله صالح لشعبه هي وعود حقيقية، تهدف إلى الغد الأفضل، فالإصلاحات التي حققها حتى اليوم مهدت الطريق إلى الدخول في جيل ثان من الإصلاحات هدفها إحداث تغيير في الدور الذي تلعبه الدولة، ليصبح هذا الدور نوعيا وفعالا، يتم خلاله تبنى برنامج للخصخصة يتسم بالشفافية ويهدف إلى تعزيز إمكانيات النمو الاقتصادي.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن