ما دلالات عودة أردوغان لقيادة  حزب العدالة والتنمية؟

الإثنين 22 مايو 2017 الساعة 06 مساءً / مارب برس - جلال سلمي
عدد القراءات 2588

 

 

بعد انقطاعه عن زعامة الحزب، دستوريًا، لما يناهز الثلاثة أعوام، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأحد 21 من أيار/مايو 2017، إلى قيادة حزب العدالة والتنمية الذي قام وثلة من رفاقه كعبد الله غل وعلي باب جان وبولنت أرينتش، الذين غابوا عن المؤتمر، بتأسيسه يوم 14 من آب/أغسطس 2001، فما الدلالات التي يحملها الحدث؟

دلالاتٌ عدة يحملها الحدث، لكن يبدو أن الدلالة الأهم تكمن في إبراز الرئيس أردوغان إصراره وعزمه على تطبيق التعديلات الدستورية التي وافق عليها نسبة 51% من الشعب التركي، في الاستفتاء الذي أُجري في 16 من نيسان/أبريل 2017، والتي تعرضت للكثير من الانتقادات الداخلية والدولية، بذريعة أنها توطد "السلطوية" في البلاد.

فعلى الأرجح، يرغب الرئيس أردوغان، في تسريع تنفيذ هذه التعديلات، بوضع جميع الأطراف ذات العلاقة، تحت سياسة الأمر الواقع، رافعًا لواء التحدي والإصرار على إكمال مسيرته، ومؤكدًا على التحصن بإطار سياسي وقاعدة شعبية يشدان على يده لمواصلة إحراز أهدافه.

بعد عودة أردوغان إلى الحزب، بات من المؤكد لدى الجميع أن الشخصية الأكثر نفوذًا وتأثيرًا، أي الشخصية الكاريزمية في الحزب هي شخصية أردوغان ولا أحد غيره.

لقد حاول أحمد داوود أوغلو بعد ولوجه إلى منصب زعامة الحزب، كبديل لأردوغان، أن يُحدث بعض السياسات غير المتوافقة مع طموح الرئيس أردوغان، كطرح نظام رئاسي يوازنه البرلمان في عملية اتخاذ القرار، في حين كان الرئيس أردوغان يطمح إلى نظام رئاسي يمنح الرئيس صلاحيات موسعة، إلا أنه لم يظفر بذلك، على الرغم من كونه زعيم الحزب، وذلك نتيجة اعتراض أعضاء الهيئات العليا للحزب في حينه على سياساته، وربما اعتراض كان بإيعازٍ من الرئيس أردوغان.

وفي نهاية المطاف، اضطر داوود أوغلو إلى ترك الحزب، مؤكدًا بذلك على الشخصية الكاريزمية التاريخية المؤثرة لأردوغان على الحزب وأعضائه الإداريين، وكما يأتي في إطار التشديد على ارتباط الحزب الراسخ بشخصية أردوغان التي أضحى مؤكدًا من الصعب منافستها داخل الحزب.

وفي حين تحمل هذه الدلالة التي تُشير إلى أن الرئيس أردوغان الرائد الأول والأوحد لمشروع إنشاء تركيا الجديدة، في طياتها نتائج إيجابيةً للحزب، كعودة عنصر التماسك القوي إلى الحزب، وبالتالي عودة الحزب لكسب قاعدة شعبية أوسع، تدلل على أن حزب العدالة والتنمية لم يستطع التحول إلى حزب مؤسساتي تحكمه المؤسسات لا الشخص، مما قد يؤدي، مستقبلًا، إلى اهتزاز الحزب أو اندثاره في الوقت الذي تندثر فيه الشخصية الكاريزماتية لأردوغان.

 أيضًا، يساهم رجوع أردوغان إلى الحزب في تمكينه من سلطات الحزب ومسارات العملية السياسية بشكلٍ أكبر، الأمر الذي يعزز صلاحيته في إصدار القرارات الموسعة، والتي ظفر بها أصلًا من خلال التعديلات الدستورية.

وهذا الأمر الذي قد ينعكس بالإيجاب على التحركات التركية حيال الأزمات المحيطة كالأزمة العراقية والسورية، وتعجيل تطبيق عملية تأهيل المناطق ذات الكثافة الكردية في إطار إحراز عملية سلام جذرية لحل القضية الكردية في تركيا، وربما برنامج "خارطة طريق 6 أشهر" الذي أشار إليه أردوغان، خلال كلمته في مؤتمر إعادة اختياره كزعيم للحزب، وبين أنه سيتم إعلان تفاصيله في الأيام القليلة القادمة، يحمل الكثير من الملفات العاجلة التي يسعى الرئيس أردوغان إلى إحرازها خلال الفترة القادمة.

وفي ضوء تلك الدلالة، لا بد من الإشارة إلى أن النخبة التنظيمية ممثلةً بشخص أردوغان ورفاقه المدنيين والعسكريين المقربين جدًا منه في عملية اتخاذ القرار، وجزء من النخبة الاقتصادية لتركيا ممثلةً بثلة واسعة من الاقتصاديين ورجال الأعمال الذين تم ضمهم إلى هيئة اتخاذ القرار العليا كبولنت كاراكوش وجودت يلماز، وقسمًا من النخبة المؤسسية لتركيا ممثلةً ببعض رؤوساء وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني كأدهم سانجاك وأحمد سورغون وعبد الحميد غل، باتوا في مربعٍ واحدٍ يحصن المشروع المنشود بشكلٍ وثيق، ويرسي التوزان في عملية اتخاذ وتنفيذ قرارات سريعة، ويرسخ عملية إقناع شريحة كبيرة من الشعب التركي بالقرارات المتخذة.

وفي هذا السياق، لا يمكن أن يغرب عن البال احتمال أن تُسهم السيطرة الكاملة لأردوغان على مفاصل الحزب والدولة، في إحداث تحركات موازية ومناوئة له على يد الشخصيات القديمة التي تم نفي دورها بالكامل كعبد الله غل وأحمد داوود أوغلو وبشير أتالاي وعلي بابا جان وغيرهم، أو على يد المؤيدين لهم، لاستعادة دورهم المؤثر في الحزب أو في إطار بوتقة النخبة التركية المحافظة، وموازنة تحركات أردوغان.

في العموم، تُثبت هذه الخطوة الحنكة والقوة السياسية لدى الرئيس أردوغان الذي خطط لذلك منذ عزمه على الترشح لرئاسة الجمهورية، حيث سلم منصب زعامة الحزب على أن يعود إليه بعد إجراء التعديلات الدستورية سريعًا، إلى أحمد داوود أوغلو، ومن ثم بن علي يلدرم، وها هو اليوم يحقق ذلك المكسب ويسترد أمانته، على الرغم من الكم الهائل من التحديات التي واجهها خلال تلك الفترة.