مسار الحرب والمفاوضات في اليمن رهن الصراع الإقليمي والدولي

الأحد 28 أغسطس-آب 2016 الساعة 03 مساءً / مأرب برس – صنعاء
عدد القراءات 4131
عامان مرا على الانقلاب والحرب، وما زالت الاضطرابات تعصف باليمن دون أن يكون هناك أي مؤشرات واضحة للوصول إلى نهاية، فحجم التدخل الإقليمي والدولي في اليمن توسع ليشمل لاعبين دوليين مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا، حيث أن لكل دولة مصالح معينة في اليمن وحجم تدخلها وفقا لهذه المصالح ووفقا للمواجهة الإقليمية والدولية في المنطقة العربية. 
وجاء لقاء وزير خارجية الولايات المتحدة مع نظيره السعودي لمناقشة عدد من الملفات الساخنة ضمنها الملف اليمني، وما جاء من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي نحو السلام في اليمن بما يضمن وجود الميليشيات بشكل سياسي يعطي لنا التوجه الدولي للقطب الواحد الأمريكي الغربي تجاه أزمات المنطقة العربية. ففي عام 2003 أطلق الكونغرس الأمريكي مشروع «الرمال المتحركة» وهو مشروع يهدف إلى دراسة التيارات الإسلامية في المنطقة العربية والتي تنامت خلال السنوات العشر الأخيرة بعد حرب الكويت، وإمكانية أن تصل هذه التيارات الإسلامية إلى الحكم وفرص ايجاد قنوات اتصال بها، وفي عام 2012 خرج أحد أهم التقارير تحدث عن الأقلية الشيعية ذات الطابع الطائفي والتواقة إلى السلطة، وأصبح التوجه الأمريكي والغربي ينصب في دعم الأقليات الدينية في المنطقة العربية التي تنامت فيها الصراعات الطائفية وهي امتداد لسياسات الاستعمار القديمة في استخدام الأقليات للسيطرة على المناطق المستعمرة في المنطقة العربية وافريقيا وجنوب شرق آسيا. 
ولهذا، اليمن جزء من منطقة الصراع الإقليمي الدولي، حيث أنه جزء من الصراع في الشرق الأوسط (العراق وسوريا) ويدخل اليمن أيضا في ملـــف الــحـــرب الباردة في أسعار النفط بين الغرب والشرق الروسي. 
فإمكانية التدخل الروسي في اليمن أصبحت كبيرة مع توسع الصراع الأممي، ويتوقع أن يكون طبيعة التدخل في مرحلتين، الأولى عبر مجلس الأمن يتخطى استخدام الفيتو ضد أي قرار يدين صالح والحوثي إلى استحداث قرار يلزم التحالف بإيقاف الحرب والحصار، والمرحلة الثانية، وهذه تكون ضمن ما سيكون في سيناريو روسيا في أوكرانيا، حيث سيكون التدخل عسكريا عبر كسر الحصار واحراج التحالف ورفع حجم المواجهة إلى حدود الحرب الإقليمية في المنطقة، حيث ان أرتيريا وأثيوبيا تلعبان دورا مهما في توريد السلاح وفتح موانئهما للسفن الإيرانية والروسية، فالمصالح الجيوسياسية ومضيق باب المندب لها جاذبيتها الخاصة لروسيا والصين التي ما زالت تلعب دورا بسيطا حتى هذه اللحظة. 
ولا ننسى الدور الإسرائيلي في المنطقة، حيث انها تشكل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، التي تهمها بدرجة عالية عدم تحول أي دولة عربية إلى دولة ذات نفوذ استراتيجي يهدد مصالحها، حيث أن نفوذ السعودية آخذ في التوسع شمالا في سوريا والعراق وجنوبا في اليمن ما يحول السعودية إلى دولة متقدمة إقليميا عسكريا وسياسيا، ولهذا تسعى إسرائيل عبر اللوبي الصهيوني بتحفيز الإدارة الأمريكية للضغط على التحالف بوجوب الحل السياسي في اليمن يضمن بقاء الحوثيين وصالح في السلطة حتى تنشغل المملكة في حدودها الجنوبية، ولهذا ظهر على السطح التنسيق الإسرائيلي مع جهات استخباراتية تمتد من العراق إلى إيران إلى صنعاء، ومن نتائجها اخراج اليهود من صعدة «مقر الحوثيين» وصنعاء «مقر صالح» إلى إسرائيل، وهنا ظهر التقاطع في المصالح بين إيران وإسرائيل في المنطقة خصوصا في اليمن. 
ومن واقع طبيعة الصراع الإقليمي والدولي والتشابكات بين دول الصراع في المنطقة يتأكد التأثير في سير الحرب والمفاوضات في اليمن. فعلي عبدالله صالح غير استراتيجيته العسكرية إلى سياسية، حيث أعلن عن مجلس سياسي وأعاد البرلمان ويتجه الآن إلى تشكيل حكومة، وهنا يظهر لنا أمران، الأول أن علي عبدالله صالح أدرك أن الخيار العسكري بالنسبة لقواته أصبح ضعيفا في التمدد من جديد إلى المحافظات المحررة، وامتدت مخاوفه إلى امكانية ما تبقى من قواته من الصمود وحماية صنعاء والمناطق التي ما زالت تحت سيطرته، لهذا اتجه إلى التحرك السياسي وسحب البساط من الشرعية التي لا تزال تحركاتها السياسية ضعيفة. 
وخطوات علي عبدالله صالح تعني الانتقال من الشكل الثوري «اللجنة الثورية» إلى الشكل التنظيمي «الدولة» ويهدف علي صالح إلى إعادة السياق السياسي في المفاوضات المقبلة من الصفر، أي أن تحركاته السياسية تهدف إلى اسقاط المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، والبدء من جديد في مفاوضات تحقق مكاسب سياسية له من أهمها إعادة النظر في مشروع الأقاليم والفيدرالية. 
أما مكاسب علي صالح الداخلية فخطواته السياسية مكنت من ابتلاع جماعة الحوثي سياسيا بعد أن استنزفت عسكريا في الحرب، حيث تم تضخيم الصماد رئيس المجلس السياسي المعلن، في مقابل تهميش دور عبدالملك الحوثي الذي تلاشت صورته القيادية خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي جاءت خطابات علي عبدالله صالح الأخيرة يناشد فيها المملكة العربية السعودية المفاوضات المباشرة معه، حيث أن المفاوضات السرية التي انكشفت بين الجانب السعودي والجانب الحوثي وكان يرأسها محمد عبدالسلام الناطق الرسمي لجماعة الحوثي، أظهرها علي عبدالله صالح على أنها كانت وهمية من الجانب الحوثي وأن الفاعل الحقيقي هو علي عبدالله صالح ومنظومته. في المقابل، يظهر جليا ضعف الحكومة الشرعية والرئيس الشرعي حيث أن التحركات السياسية كانت ضيقة الأفق في ظل دعم التحالف الكبير والقرار الأممي 2216 ، ومع هذا فان استجابة الشرعية والحكومة لتحركات صالح الأخيرة كانت أيضا ضعيفة ما جعل الرأي الدولي والإقليمي يدفع بالحل السياسي أكثر من الحسم العسكري. 
ويبقى السؤال الأهم، هل في امكانية الشرعية حسم المعركة عسكريا؟ 
في التحليل العسكري، تملك الشرعية القدرة في حسم المعركة عسكريا ودخول العاصمة صنعاء، وهذه القدرة تكمن في الدعم اللامحدود من التحالف، لكن ما يعيق المعركة هو تخوف التحالف من قدرات الشرعية الحالية في إدارة اليمن بعد الحرب، حيث أن حجم التضخم في الاقتصاد وصل أرقاما قياسية ( أكثر من 21٪ )، إضافة إلى خسارة الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتوقف الايرادات، وانهيار رأس المال الخاص الذي يشكل 53٪ من الناتج المحلي، وارتفاع الدين العام لأكثر من 74 ٪ من الموازنة العامة، وأكثر من 82 ٪ من الشعب تحت خط الفقر. 
وأضف إلى ذلك ظهور جماعات متطرفة «القاعدة» تهدد الوضع الأمني أيضا خاصة مع انهيار الأمن وجهاز الأمن القومي، وانتشار مجاميع مسلحة لا تخضع للدولة. 
ولهذا فان ضعف الشرعية السياسي في المناطق المحررة، يدفع الرأي الأممي إلى الحل السياسي الذي قد يتنافى مع توجهات بعض القوى على الأرض. ففي الجنوب تتنامى الحركة المطالبة بتقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية، وهذا التنامي جاء بسبب ما حققته المقاومة الجنوبية من انتصارات في الحرب أعطت للتحالف والشرعية موقعها المفاوض الجيد نسبيا، يواجهه ضعف جبهات الشمال في منطقة نهم وتعز وميدي، التي لم تحقق انتصارات كبيرة وحاسمة في أي معركة. 
وبناء على الكثير من المعطيات، فان التوجه إلى الحل السياسي في هذه المرحلة يعد الخيار الأكثر ترجيحا عن الحل العسكري والذي ينتظر كثير من اليمنيين أن تنتهي عسكريا، فكثير من المحللين السياسيين يرون ان انتصار الشرعية في المعركة هو الحل الأنسب إلى تحقيق الاستقرار في منطقة مهمة سياسيا ودوليا، وأن أي اتفاق مقبل تنقصه دوما الضمانات لتحقيقه، لهذا يبقى الشأن اليمني رهن التدخلات الخارجية ورهن الصراعات الداخلية ما لم يحدث تحول سياسي وعسكري يدفع الجميع إلى مربع الاتفاق.