بين انقلابي مصر وتركيا.. عوامل للنجاح وأسباب للفشل

الثلاثاء 19 يوليو-تموز 2016 الساعة 08 مساءً / مأرب برس - تحليل - وليد الجبر
عدد القراءات 3007

من الخطأ بمكان مقارنة الانقلاب العسكري الذي قاده عبدالفتاح السيسي ضد الرئيس المصري محمد مرسي وتمكن من الإطاحة به في 30 يونيو 2013م بمحاولة الانقلاب العسكري الفاشل ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومة بن علي يلدرم قبل أيام .

وليس من المنطق بأي حال من الاحوال مقارنة الحالة التركية بالحالة المصرية في قضية نجاح أو فشل الانقلاب العسكري الذي شهدهما البلدين في فترات متباعدة لأسباب جوهرية تجعل من الحالتين مختلفتين عن بعضهما تماما وأهما الاتي:

1- لم يكن للرئيس مرسي شعب واعٍ بوعي الشعب التركي ،الذي نظر للإنقلاب العسكري الذي قاده قائدي القوات الجوية والبرية على أنه ليس انقلاب على الرئيس أردوغان وحكومة بن علي يلدرم وحسب.

 وانما هو انقلاب على إرادة الشعب وخياراته الديمقراطية ومكاسبه الوطنية ودولته المدنية، فخرج كل ابناء الشعب بكل اطيافه وتياراته في ساعة متإخرة من الليل الى الشوارع والميادين لمساندة الرئيس بمجرد نداء مقتضب وجهه الرئيس اردوغان عبر احد مواقع التواصل الاجتماعي الى ابناء الشعب.

على عكس الحالة المصرية التي سارعت عدد من قوى ثورة 25 يناير للانخراط في إنقلاب 30 يونيو 2013م واعتباره ثورة تكميلية لثورة يناير التي كانوا جزءاً منها.

فلم يكن مع الرئيس مرسي الذي كان الإنقلابيون قد اختطفوه غير جموع غفيرة من مناصريه خرجوا يوما الى الشوارع والميادين في القاهرة وعدد من المحافظات دفاعاً عن ارادتهم المسلوبة ورئيسهم المختطف ؛فتعرضوا للقتل والسحل والحرق بالعشرات كما حدث في مذبحتي رابعة والنهضة وقبلها مذبحة الاتحادية والحرس الجمهوري وغيرها من المذابح المروعة التي ارتكبها نظام السيسي الفاشي على مرآى ومسمع العالم المنافق ،وبمباركة احزاب سياسية و تيارات دينية مصرية وصمت السواد الاعظم من ابناء الشعب. 

2- لم تكن الاحزاب المصرية المعارضة للرئيس محمد مرسي وحكومة الدكتور هشام قنديل أحزاباً وطنية شريفة انحازت للوطن والمواطن ، كمل فعلت أحزاب المعارضة التركية وأبرزها الحزب الجمهوري و الحركة القومية وهن من أعرق احزب المعارضة في تركيا ..فقد تناست خلافاتها البسيطة مع الحكومة واعلنت رفضها القاطع لهذا الانقلاب وخرجت مع جموع الشعب التركي ملبية نداء الرئيس الشرعي ومنتصرة لديمقراطيتها ومبادئها وقيمها الوطنية.

بل كانت الأحزاب المصرية أحزاب هلامية تحركتها اقطاب داخلية وخارجية نسفت بتحالفها مع الشيطان كل مبادئ الديمقراطية لتحقق مكاسب سياسية

 وتنصلت عن كل القيم التي ظلت تتغنى بها لسنوات بمشاركتها في الإنقلاب على أول رئيس مدني وصل بالصندوق إلى سدة الحكم .

3- لم يكن حمدين صباحي ومحمد البرادعي وايمن نور ويونس مخيون وغيرهم من السياسيين المصريين المؤيدين للإنقلاب ككمال كيليتشدار أوغلو أودولت بهتشلي وباقي رموز المعارضة التركية الذين سارعوا ومن وقت مبكر لاعلان رفضهم للانقلاب ودعوا أنصارهم إلى الإتحام بباقي أبناء الشعب والنزول إلى الشوارع والميادين دفاعا عن الديمقراطية والشرعية مسجلين موقفا وطنيا مشرفا لا يمكن لكتبة التاريخ ان يغفلوه في صفحاتهم المشرقة .

بينما كان الساسة المصريين مشاركين فعليين في إنقلاب السيسي الدموي من بدايته إلى نهايته تخطيطا وتنفيذا.

فحشدوا انصارهم إلى ميدان التحرير لإخراج مسرحية ما سميت بثورة 30 يونيو 2013م المضادة لثورة 25 يناير 2011م.

فضلا عن حضورهم قصر الإتحادية لحظة إعلان عبدالفتاح السيسي بيان إنقلابه على الرئيس مرسي في محاولة منهم لإضفاء الشرعية لهذا الإنقلاب.

4- لم يكن للشعب المصري جهاز أمني قوي ينحاز إليه ويحميه..كما هو الحال مع الأجهزة الامنية التركية بوحداتها المختلفة التي سرعان ما خرجت وحدات منها لحماية المواطنين من طلقات الإنقلابيين الذين قطعوا الطرقات و انتشروا في الميادين واقتحموا المؤسسات وفتحوا نيران أسلحتهم بشكل عشوائي على المحتجين الرافضين لانقلابهم في انقرة واسطنبول .

فتصدت قوات الامن الخاصة التركية وببسالة مقطوعة النظير لهذه الحركة الانقلابية رغم التخطيط المحكم والدقيق لهذا الانقلاب والذي عبر عنه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم في مؤتمره الصحفي بقوله"الانقلابيون خططوا لكل شيء لكنهم نسوا الشعب"

لتتمكن تلك القوات المدربة تدريباً عالياً من إفشال هذه الانقلاب وإخماد انفاسه في لحظاته الاولى وتستعيد السيطرة على كل المؤسسات الحكومية التي كان الانقلابيون قد سيطروا عليها في عضون ساعات فقط .

أما الأجهزة الامنية المصرية فقد كانت خلال إنقلاب 30 يونيو السوط الذي جلد به السيسي وجلاده محمد ابراهيم أبناء شعبه من المعارضين لإنقلابه الوحشي ،مستخدما تلك الإجهزة لفض اعتصامات المؤيدين للشرعية فقتلت 817 شخصاً و أصابت اكثر 4200 شخصاً من المعتصمين المناهضين لانقلابه في ميدان رابعة بالقاهرة وميدان النهضة بالجيزة في أبشع جريمة إبادة جماعية وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها من أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث.

5- لم يكن الرئيس مرسي يمتلك رجل مخابرات بدهاء وحنكة رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان الذي تجمع وسائل الإعلام على وصفه ب "منقذ أردوغان " وتؤكد كل المصادر بأنه كان بطل معركة استعادة الدولة من إيدي الانقلابيين في غضون ساعات وكان رأس الحربة في هذه المعركة العصيبة .

فكتبت عنه عدد من وسائل الاعلام العالمية فعنونت احدى تلك الوسائل تقريرها عنه الثعلب التركي الذي أفشل الانقلاب بينما كتبت اخرى تقريرا آخر تحت عنوان "فني الحواسب" الذي حافظ لـ"أردوغان" على عرشه" وذلك بعد الدور المحوري والبارز الذي لعبه فيدان خلال أحداث الإنقلاب في تركيا.

أما جهاز المخابرات المصري فقد لعب دورا قذراً في أحداث انقلاب 30 يونيو وكان الإداة الاقذر بيد السيسسي التي سخرها لخدمة انقلابه وابتّز بها كل قيادات الجيش ممن عارضوا إنقلابه على السلطة في بداية الأمر أمثال المشير طنطاوي والفريق سامي عنان

وعدد من القيادات العلياء للجيش المصري فهددهم بفتح ملفات عنهم يحتفظ بها منذ أن كان مدير لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع قبل أن يعينه الرئيس مرسي  وزير الدفاع الرابع والأربعين والقائد العام للقوات المسلحة المصرية في 12 أغسطس 2012 م.

6- لم يكن السياسي المصري المنشق عن جماعة الإخوان عبد المنعم ابو الفتوح بأخلاق وجرأة رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة الحاكم في تركيا السابق احمد داود اغلو وايضا رئيس الجمهورية السابق عبدالله غول الذان سارعا لمساندة الرئيس اردوغان في الازمة العصيبة التي كان يمر بها ليلة الانقلابً، متناسين كل ما بينهم من خلاف مع الرئيس بعد أن كان قد أبعدهما من منصبيهما الاول باستقالة والثاني بانتخابات.

فكانا من أول السياسيين الاتراك الذين عارضوا الانقلاب وحشدوا ضده بدعوتهم لكل أبناء الشعب التركي النزول الى الشارع ورفض الانقلاب فاستطاعوا بثقلهم السياسي في الساحة السياسية التركية المساهمة في الحشود الكبيرة التي خرجت بعد دقائق فقط من اعلان الانقلاب في عدد من المدن التركية

بينما إلتزم السياسي المصري ابو الفتوح الصمت حينما أعلن السيسي إنقلابه على الرئيس الشرعي محمد مرسي ولم يبدي أي موقف إيجابي تجاه هذا الانقلاب وما رافقه من جرائم بشعة بحق معارضيه.

كما لم يبدي أي إمتعاض حيال كل الانتهاكات الذي تعرض لها رفقاء دربه السابقين من جماعة الاخوان المسلمين الذي بالغ الانقلابي السيسي في جرائمه بحقهم قتلا وتنكيلا .

وفي الانتخابات الشكلية التي أراد بها السيسي تنصيب نفسه رئيسا شراعيا لمصر وجرت في مايو 2014م شارك السياسي ابو الفتوح عبر حزبه مصر القوية في هذه الانتخابات

مماجعل أصابع الإتهام تشار إليه من قبل المقاطعين لهذه الانتخابات من الاسلاميين بمحاولة شرعنتها رغم مقاطعة نسية كبيرة من المصريين لها باعتبارها غير دستورية وغير شرعية.

7- وأخيراً لم يكن أحدا من إعلاميي قنوات التلفزة المصرية بشجاعة المذيعة التركية في قناة "سي إن إن تركيا" التي ظهرت اثناء تغطيتها المباشرة للاحداث المتوالية التي شهدتها أنقرة واسطنبول ليلة الانقلاب .

فاستمرت في تغطيتها إلى آخر لحظة حتى بعد محاولة  الانقلابيين السيطرة على وسائل الاعلام الموالية للحكومة إثر اقتحامهم لمبنى لقناة "تي.آر.تي" الرسمية وسيطرتهم عليها وإجبارهم لإحدى مذيعات القناة على قراءة بيانهم الاول.

متحدية بذلك كل المخاطر التي قد تلحق بها لإصرارها على إفشال الانقلابيين إعلاميا وإيصالها صوت الشرعية إلى الشعب

فتمكنت من إجراء مكالمة فيدو مباشرة أجرتها مع الرئيس رجب طيب اردوغان عبر موقع التواصل الشهير اسكايبي ظهر فيه الرئيس مباشرة لأول مرة مند الانقلاب عليه عبر شاشة "سي إن إن تركيا"

لتنهي بتلك المكالمة التي وصفت بالتاريخية الجدل حول مصير الرئيس الذي كان لا يزال مجهولا حتى تلك اللحظة ، وتدحض كل الشائعات التي روجت وسائل إعلامية معادية عن مصير الرئيس اردوغان

واستطاعت ان توصل صوت الرئيس اردوغان إلىأبناء شعبه، فتسهم بطريقة غير مباشرة في إفشال الانقلاب العسكري عليه بعد نقلها مباشرة دعوته لهم بالخروج الى الشوارع والميادين في الوقت المناسب بعد أن كانت قد انقطعت به السبل.

بينما كان موقف إعلاميو مصر أثناء تغطيتهم لأحداث إنقلاب 30 يونيو وما تبعه من أحداث مخزي للغاية بمساندتهم للإنقلاب وانحيازهم للجلاد ومعاداة الضحية.

 فلم يجرأ أيا منهم على انتقاد السيسي وأخطائه الكارثية وجرائمة المروعة بحق ابناء شعبه عدى بعض الاستثناءات البسيطة التي لا تكاد تذكر .

وعدا معتز مطر ومحمد ناصر وعدد بسيط من الاعلامين المناهضين لانقلاب السيسي فقد جند اغلب الاعلامين المصريين انفسهم في خدمة القصر وتصدر هؤلاء الاعلاميين إبراهيم عيسى، مصطفى بكري، عمرو أديب، هالة سرحان، أحمد موسى، توفيق عكاشة، لميس الحديدي، أحمد شوبير، مجدي الجلاد، خيري رمضان، تامر أمين، سيد على، محمد فتحي، محمد الكردوسي ...فكانوا للسيسي أبواقه القذرة يبررون لكل جرائمه ويشنون أبشع حملات لا أخلاقية على معارضيه.

وبناء على ما تقدم فإنه ليس من العدل و المنطق أن نلقي باللوم على الرئيس المختطف محمد مرسي ونحمله مسؤولية نجاح انقلاب السيسي على نظامه حينما نعقد مقارنة غير متكافئة بين الانقلاب الذي نجح في الاطاحة به والانقلاب الذي فشل في الاطاحة بالرئيس اردوغان.