المؤتمرات اليمنية في الخارج.. تاريخ مفتوح من مفاوضات لاتنتهي

الثلاثاء 03 مايو 2016 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - ثابت الاحمدي
عدد القراءات 2401

لا تشبه اليمن أية دولة في كثرة مؤتمراتها الخارجية إلا فلسطين. ذلك أن المشكلة اليمنية قديمة/ جديدة، ومتعددة بتعدد أمراء الحرب وكهنة السياسة فيها.

كما أنها موضع اهتمام عالمي، جعل العالم يلتفت إليها، لا حبا فيها، ولكن حفاظا على مصالحه المتعلقة بأمنها، إضافة إلى كونها على تماس مباشر مع حدود المملكة العربية السعودية؛ الدولة الأكثر تأثير على مستوى الوطن، ولولا هذه الميزة لكانت اليمن صومالا منهارا يأكل بعضه بعضا.

كل مشاكل اليمن الكبيرة تبدأ في الداخل على يد أبنائها، وتنتهي في الخارج على يد الإقليم أو المجتمع الدولي. ولم يحدث أن صنع اليمنيون مشكلة ثم كان الحل على يدهم أبدا؛ إذ تتفلت خيوط الحل غالبا من أيديهم، لأكثر من سبب، من بين ذلك عدم وجود قيادة سياسية بحجم البلد نفسه، المتعدد والمتنوع إيجابيا. كما أن الإمامة بفكرها الرجعي وعقيدتها الكهنوتية تمثل العامل الأبرز والأكبر في أغلب مشاكل اليمن، خاصة المعقدة منها، وسواء ما اتصل بها مباشرة، أو ما كانت على علاقة خفية به عن بعد..!

قبل الحديث عن مؤتمر الكويت الأخير في الشأن اليمني، في الثامن عشر من شهر ابريل الجاري، نتوقف أولا عند المؤتمرات واللقاءات اليمنية خارج اليمن، منذ عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م في الجنوب، وإلى اليوم.

مؤتمر الطائف 1965م

نتيجة لما آلت إليه الأوضاع بعد ثلاث سنوات على قيام الجمهورية وتفرق وحدة الصف الجمهورية نفسه، بسبب بعض الأخطاء التي مارستها القوات المصرية في اليمن، وعدم القضاء بصورة نهائية على أذناب الإمامة في الداخل أو الخارج، وبعد أكثر من مؤتمر محلي تشكل مؤتمر الطائف من شخصيات أغلبها قبلية جمهورية، منهم: النقيب سنان أبو لحوم والشيخ أحمد علي المطري والشيخ علي بن ناجي القوسي والشيخ ناصر على البخيتي والعميد مجاهد أبو شوارب والشيخ أحمد ناصر الذهب والشيخ نعمان بن قائد بن راجح والشيخ حسين أحمد القردعي، ومشايخ بيت القيري مثل الشيخ عبد الولي القيري وغيرهم من كبار مشايخ الجمهورية، إضافة إلى شخصيات أخرى بعضها بنفس المستوى، بعضها محسوبة على الصف الملكي، وبعضها من تيار البين بين، مثل بيت الوزير، المناوئين للإمام وللجمهوريين معا.

وكان الهدف العام للمؤتمر الاتفاق على إزاحة بيت حميد الدين والسلال من المشهد، والدعوة إلى إعلان الدولة الإسلامية بدلا عن الجمهورية...ألخ. والنتيجة فشل المؤتمر، وتفرق المؤتمِرين أنفسهم، حتى أن بعضهم لم يعد إلى اليمن، بل غادرها إلى دول أخرى. ومن عاد إلى اليمن أعلن تنصله من الاتفاقية..!.

مصالحة عام 1970م

من الناحية التكتيكية نستطيع القول أن مصالحة عام 1970م الشهيرة كانت ناجحة، أما استراتيجيا فكانت فاشلة، لأنها أعادت بعض الوجوه الإمامية تحت غطاء الجمهورية، فأعادت إنتاج نفسها من جديد، وبهدوء، نخرت في بنية الدولة الضعيفة أصلا، وقوضتها من داخلها مذاك وإلى اليوم؛ لأن التصالح بين نقيضين ينتج نقيضا هجينا ثالثا ويفقد انتماءه الكلي إلى أصله..!

لذا كانت الفترة ما بين عامي 1970 ـ 1974م حالة هجينة من الجمهورية الدستورية والملكية المتسللة من خارج الشرعية الثورية، فكانت حركة التصحيح يوم 13 يونيو 74م في مضمونها احتجاجا صارخا على هذه الحالة وما آلت إليه الأوضاع بحكم هذا الخليط "المتصالح"!! وهو تصالح يشبه تصالح الجسد مع الورم الخبيث، إذا ما ضعف الجسم أو هزل سرعان ما ينقض عليه المرض. وهو ما بدا عليه الأمر جليا حين وصلت الدولة إلى حالة من شبه الانهيار التام في العام 2014م فأطل الأخطبوط القاتل من كهوف الزمن الغابر معلنا مزعوم حقه في الحكم...!

باختصار.. لم تكن مصالحة عام 1970م إلا ترحيل للمشكلة وتأجيل لها، لا حلا جذريا، بحكم حالة الإرهاق السياسي التي كانت كل الأطراف قد توصلت إليها، ورغبة المتحكمين إقليميا بالمشهد في التوصل إلى أي حل وسطي، مهما كان، وبهذا يكون الإماميون العائدون من جديد قد حققوا بالسياسة ما لم يحققوه بالمواجهات العسكرية. وها نحن اليوم ندفع هذا الثمن غاليا..!

لقاء طرابلس 1972م

نتيجة لحالة التوتر والحذر المريب بين حكومة الشطرين في اليمن، نتيجة لطبيعة النظامين المتضادين يومها، كانت قد حصلت عدة مناوشات عسكرية على الحدود، إلا أن هذا الخلاف الفوقي هو خلاف ساسة وحكام، لا خلاف شعب، تغديه أطراف خارجية. وقد كان مطلب التوحد بين الشطرين حلما رومانسيا لدى الشطرين، خاصة الإخوة في الجنوب؛ لذا كانت الزيارات الداخلية على مستوى الوفود الرسمية بين الشطرين متواصلة.

تكللت تلك الزيارات بلقاء طرابلس الشهير بين الرئيسين: القاضي عبدالرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري في الشمال، والرئيس سالم ربيع علي، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، في 26 نوفمبر 1972م. وحينها تم الاتفاق بين الطرفين على اتفاقية الوحدة اليمنية، ووضع التصورات والأسس الأولية لها، برعاية الرئيس الليبي معمر القذافي. كما تم الاتفاق على وضع مشروع دستور الدولة الموحدة، والاتفاق على تشكيل اللجان الفنية المشتركة بين الشطرين حتى يتم الإعلان عن الدولة الموحدة.

وكادت الوحدة أن تتم يومها لولا التدخل الخارجي يومها وعرقلة الوحدة، رغم تلهف الشعب في شطريه لها.

قمة الكويت 1979م

مع مطلع العام 1979م كانت العلاقة بين الشطرين على أوجها من الاختلاف والتوتر الحاد المصحوب ببعض المناوشات العسكرية على الحدود الشطرية، وكاد الوضع أن ينفجر عسكريا بصورة كلية لولا قمة الكويت المنعقدة في 28 - 30 مارس 1979 م، بين الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، وعبد الفتاح إسماعيل، أمين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، ورئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وبإشراف الجامعة العربية.

وقد تم مناقشة الخلاف بين الشطرين ووضع التصورات الأولية للوحدة اليمنية بين الشطرين. ورغم بعض النجاحات التي تحققت من هذه القمة، كتوقف الحشود العسكرية على الحدود الشطرية، والسماح للمواطنين بالتنقل بالبطاقة الشخصية بينهما، إلا أن تحقيق الوحدة اليمنية ظل حلما معاقا، إضافة إلى ما ساد من توتر بحكم نشاط الجبهة الشعبية في المناطق الوسطى ورفعها لمطالب بعضها مثالية يومها، ولا تروق لسلطة الشمال، وإن كانت تحقق أغلبها لاحقا، كالوحدة والديمقراطية، ولو في صورتهما الشكلية.

لقاء صلالة

في يومي 3 و 4 إبريل عام 1994م انعقد لقاء صلالة بسلطنة عمان بين الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، ونائبه علي سالم البيض، برعاية سلطان سلطنة عمان قابوس بن سعيد، وبإدارة وزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي، وذلك لحل الخلاف الناشب بينهما، حول عدة قضايا طرحها النائب في إطار تصوره لدولة الوحدة، وهو ما رفضه علي عبدالله صالح وراوغ بشأنه كثيرا، لأجندة خفية يومها تكشفت حقيقتها فيما بعد.

وعلى الرغم من حاجة اليمنيين للسلام وتخفيف الوضع المتوتر وقد كانت الأصابع على الزناد لكل الطرفين المتصارعين، إلا أن القيادة السياسية لم تقدر ذلك، ولم تتفق على حل وسط يحفظ لليمنيين دماءهم وللدولة كيانها، ولضيق الجانب العماني بهما أعلن وزير الشؤون الخارجية فشل المفاوضات بين الطرفين، داعيا اليمنيين إلى الاعتماد على أنفسهم في حل الخلاف.

لقاء الأردن ووثيقة العهد والاتفاق

كان لقاء الأردن للمرة الثانية بين الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض نتيجة لفشل لقاء صلالة بينهما، ونتيجة لتوتر الوضع أكثر من ذي قبل، وبدت الحرب وكأنه لا مناص منها.

وعلى الرغم من ارتفاع منسوب الأمل المعقود عليها من قبل الشعب اليمني وللجدية التي بدت عليها من خلال التوقيع وما رافق ذلك من صدى إعلامي كبير، وأيضا من خلال مضمونها المهم وبنودها القوية والمتقدمة التي شملت إصلاحات دستورية، وكذا عسكرية وأمنية، وإصلاحات تتعلق باللامركزية الإدارية وهي جوهر الوثيقة نفسها، إلا أنها ماتت في مهدها، وانفجر الوضع عسكريا في اليمن قبل أن يجف مداد التوقيع عليها.. ففشل اللقاء وما انبنى عليه، ومن بين ذلك الوثيقة. وإلى اليوم يدفع اليمنيون أيضا ثمن الخروج على وثيقة العهد والاتفاق وإعلان الانفصال بعدها. بل لقد اعتبر البعض أن فشل تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق فشل للوحدة اليمنية نفسها..!

مؤتمر المانحين بلندن

في العام 2006م كانت ملامح فشل الدولة اليمنية تلوح في الأفق وبصورة واضحة، ولحرص المجتمع الإقليمي والدولي على تلافي المشكلة، وتقديم حل عاجل يضمن تلافي المشكلة وبناء الدولة اليمنية ولو في حدها الأدنى، انعقد مؤتمر المانحين، وطابعه اقتصادي بدرجة رئيسية في 14 نوفمبر، من نفس العام، افتتحه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بنفسه في قصر لانكاسترهاوس بالعاصمة البريطانية لندن، بحضور أكثر من 150 مشاركاً ومشاركة يمثلون ما يزيد عن 80 جهة مانحة، وسبعة وزراء يمثلون الجهات المعنية في اليمن، وفريق فني، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني في بلادنا، بالإضافة إلى ممثلين لوزراء الخارجية والمالية بدول مجلس التعاون، وممثلي الصناديق الخليجية ووزراء ونواب وزراء من الجهات المانحة ورؤساء المنظمات والمؤسسات الاقليمية والدولية المانحة والمنظمات غير الحكومية الاقليمية.

وبحسب المحلل السياسي نصر طه مصطفى فإن هذا المؤتمر كان آخر الفرص لعلي عبدالله صالح وللدولة اليمنية، لتجاوز الخطر الذي كان محدقا بالدولة، ولتجاوز شللية الحكم وعصبويته، لاسيما وقد كانت منظومة الإصلاحات المقترحة شاملة كافة المجالات العسكرية والاقتصادية والقضائية.

إنما فشل المؤتمر بسبب تعنت علي عبدالله صالح أمام هذه الإصلاحات التي تتعارض ومشروعه العائلي الخاص، بما في ذلك التوريث الذي كان يسعى له بقوة. وآلت الأمور بالنهاية إلى ثورة فبراير 2011م.

مؤتمر الرياض 2015م

تحت شعار "انقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية" انعقد مؤتمر الرياض، في الفترة 17 - 19 مايو 2015م وذلك لاستعادة الدولة اليمنية، وعودة الشرعية، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل. وتطبيق المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216. وهدف المؤتمر إلى المحافظة على أمن واستقرار اليمن، وفي إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها، وعدم التعامل مع ما يسمى بالإعلان الدستوري ورفض شرعنته.

وكذا إعادة الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الدولة، وعودة الدولة لبسط سلطتها على كافة الأراضي اليمنية؛ داعية إلى الخروج باليمن من المأزق إلى بر الأمان بما يكفل عودة الأمور إلى نصابها واستئناف العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني.

إنما على أرض الواقع لم يتم شيء من ذلك حتى اللحظة، ولا تزال المليشيا الانقلابية، الحوثي/ صالح مسيطرة على أغلب اليمن، تمارس القتل والتنكيل بصورة يومية.

مؤتمر جنيف 1

في منتصف العام 2015م، وتحديدا في 16 يونيو 2015م، انعقد مؤتمر جنيف بسويسرا، بعد فترة من انعقاد مؤتمر هناك يخص دولة سوريا الشقيقة والذي فشل ولم يتوصل المتحاورون إلى حل. وهي ذات النتيجة بالنسبة لليمنيين؛ إذ لم تكن آمالهم كبيرة على جنيف 1، المنعقد بين فريق الحكومة الشرعية، وفريق الانقلابيين، برعاية أممية، افتتح المؤتمر رسميا بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الذي دعا إلى وقف إطلاق النار، وركز عليها في حديثه، وكأن المؤتمر كله حول هذه النقطة فقط..! وقد كان فريق الحوثي/ صالح مطالبين أن يكون الحوار بينهم وبين المملكة العربية السعودية مباشرة، وليس بينهم وبين إخوانهم اليمنيين، فريق الشرعية. الأهم أن المؤتمر انتهى إلى الفشل، ولم يتوصل المؤتمرون إلى حل بحسب تصريح وزير الخارجية يومها رياض ياسين في 19 من نفس الشهر.

جنيف 2

في منتصف شهر ديسمبر 2015م بدأ مؤتمر جنيف 2، بعد أن أخذ جدلا أكبر من سابقه في الإعلام، وإلى حد ما كانت أعين الشعب تنظر إليه بقليل من الأمل وكثير من الحذر، مع أن الجو السياسي في مؤتمر جنيف 2 كان لصالح الشرعية أكثر مما هو لصالح الانقلابيين، خاصة وقد وافق الانقلابيون على تنفيذ القرار الدولي 2216، وأعلن مبعوث الأمم المتحدة ولد الشيخ وقف إطلاق النار رسميا، وبدأت المحادثات بين الوفدين، إلا أن الانقلابيين تمترسوا خلف مطالبهم المتعلقة بالوقف النهائي لعمليات دول التحالف، في الوقت الذي أصر فريق الشرعية على ضرورة تنفيذ القرار الدولي. ولأن المؤتمر قد فشل، فقد تم الإعلان عن جولة جديدة من المفاوضات منتصف شهر يناير 2016م في أثيوبيا؛ إلا أن ذلك لم يتم.

مؤتمر الكويت

نتيجة لما آلت إليه الأمور من تدهور أكثر في حياة الناس، ولتواصل الحرب في أكثر من مدينة، ولفشل المؤتمرات السابقة دعا المجتمع الدولي لانعقاد مؤتمر في الكويت يوم 18 ابريل 2016م، للتفاوض ثم الحوار من أجل التوصل إلى حل شامل للخروج من الأزمة اليمنية.

وينعقد المؤتمر وسط اهتمام ومتابعة من اليمنيين والعالم أكثر من ذي قبل، آملاً في خروج يجنب البلد مزيدا من الدمار والفوضى والعنف، ويعد الاحدث في تأريخ المؤتمرات اليمنية الخارجية، وإما انه سيفضي الى حلول فعلية، او انه سيكون كجنيف الاول والثاني.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن