أسباب ونتائج سياسات بوتين في الشرق الأوسط؟

السبت 26 مارس - آذار 2016 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - معهد واشنطن- هشام دغمش
عدد القراءات 2879

سلط "معهد واشنطن"، الضوء في تحليل نشره على موقعه الإلكتروني، على الدوافع والمآلات للتدخل الروسي في منطقة الشرق الأوسط.

وناقش في تحليل حمل عنوان"سياسة بوتين الشرق أوسطية: الأسباب والنتائج"، الأسباب التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتدخل في سوريا، وما انعكاسات سعي الدب الروسي لتأمين موطئ قدم في المياه الدافئة، واي التحالفات ستسعى موسكو إلى إبرامها وأي القضايا ستهتم بها ولماذا؟.

شرق أوسط هش وطموحات قيصرية كبرى

وأشارت الباحثة السياسية، آنا بورشفسكايا، إلى أن روسيا "لم تعد (القوة العظمى) التي كانت في السابق، إلا أن منطقة الشرق الأوسط منطقة هشة، ولا تحتاج موسكو إلى بذل الكثير من الجهود لتأكيد نفوذها فيها والحصول على موطئ قدم عسكري هناك، خاصة ضد ما قد يُتصور بأنه تراجع غربي من المنطقة".

واضافت بأن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يختبر الغرب باستمرار، الأمر الذي يحوّل الأنظار عن المشاكل الداخلية في روسيا ويسمح له بمواصلة لعب دور الزعيم الضروري في هذا الإطار".

ولفتت الباحثة إلى أن "النفوذ الإقليمي الروسي آخذ في التزايد، وليس فقط في سوريا. ففي الشهر الماضي، زار العراق أكبر وفد روسي منذ سنوات عديدة، وتعهد بتقديم المزيد من الأسلحة والمساعدات لحكومة بغداد.

كما دافعت موسكو عن تجارب الصواريخ البالستية الإيرانية الأخيرة، وحرصت على أن مبيعاتها من الأسلحة الممكنة لإيران، بما فيها الطائرات المقاتلة، لا تخرق حظر الأسلحة الذي تفرضه للأمم المتحدة على أساس أن المقاتلات هي أسلحة دفاعية. وفي الوقت نفسه، تستمر مواجهة الكرملين مع تركيا بعد إسقاط أنقرة لطائرة روسية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وفي هذا الشهر تحديداً، زار العاهل المغربي الملك محمد السادس، روسيا للمرة الأولى منذ عام 2002".

وحول ثورات الربيع التي شهدتها المنطقة أشارت الباحثة إلى أن روسيا تنظر إليها بعين المصالح فقط.

وقالت بأن "هناك العديد من أوجه التشابه بين رد فعل روسيا على الانتفاضات التي شهدتها دول الاتحاد السوفيتي السابقة بعد انهيار (الاتحاد)، ورد فعلها على (الربيع العربي).

وتابعت "تاريخياً، لم تهتم روسيا القيصرية ولا الاتحاد السوفيتي بالمنطقة نفسها بقدر اهتمامها باحتمالات تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية منها، فضلاً عن الحد من النفوذ الغربي، وبالتالي خلق صورة لروسيا كـ (قوة عظمى)".

وأكدت على أن ولاية بوتين تميزت بـ"عدم الثقة والعداء تجاه الغرب. فهو يعتبر أن انهيار الاتحاد السوفيتي شكل مأساة ويرى أن الغرب يستهدف الآن وحدة روسيا على نحو مماثل، فكلام الغرب عن الديمقراطية هو ستار لتغيير النظام، ولا يمكن لبوتين إدراك الفكرة بأن الشعب قد يطيح بحكامه من دون تلقي تعليمات من قوى أجنبية".

وأشارت آنا بورشفسكايا، إلى أن السياسات الروسية "تميل إلى رد الفعل، وبالتالي تنشأ استجابة للسياسات والإجراءات الغربية. ومن جهته ينظر بوتين إلى الدبلوماسية على أنها لعبة لا رابح فيها ولا خاسر، ويسعى للحد من النفوذ الغربي من خلال استغلال الفجوات التي يتركها الغرب".

وضربت الباحثة السياسية مثالا على ذلك قائلة: "استغل(بوتين) تراجع العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر لتعزيز العلاقات الروسية المصرية.و استفادت موسكو إلى حد كبير من العمل في المجالات التي فشلت فيها واشنطن بفرض الخطوط الحمراء الخاصة بها، كما هو الحال في سوريا. وعموماً، سعى بوتين إلى تحسين العلاقات الروسية مع الأصدقاء والأعداء التقليديين على حد سواء في الشرق الأوسط، وذلك في المقام الأول عن طريق التجارة والأسلحة والوسائل المتعلقة بالطاقة".

حرب باردة في المياه الدافئة

من جهته أكد الباحث فيليب غوردون ما ذهبت إليه، بورشفسكايا، من كون "مصالح روسيا في الشرق الأوسط ترتبط بانعدام الثقة والعداء تجاه الغرب".

لكنه استدرك بالقول أن "موسكو تتمتع بطموحات لتصبح (قوة عظمى) وتريد أن يتم التعامل معها على أنها كذلك. من جانبه، يعتبر بوتين خاتمة الحرب الباردة على أنها هدنة كان ينبغي أن تولد ميزان قوى متساوٍ ولكنها أدت بدلاً من ذلك إلى سعي الولايات المتحدة إلى الهيمنة العالمية. وبالمثل، تستاء روسيا من توسيع (حلف شمال الأطلسي)-(الناتو) ونشاط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".

وأشار الباحث إلى أن إيران وسوريا تمثلان الساحة الكبرى للصراع الأميركي الروسين في المنطقة والذي لا يلتقي في نقاط إلى ليفترق عند أخرى.

وقال غوردون "في هذا السياق، تمثل إيران وسوريا أهم عقدتين في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بإيران، تتناقض مصالح روسيا التي ترغب في منع طهران من امتلاك أسلحة نووية في حين تعارض أي تطور يُعتبر داعماً لهيمنة الولايات المتحدة، فقد أصرت موسكو على أن يمر أي اتفاق نووي مع إيران عبر مجلس الأمن الدولي حيث لروسيا مقعداً فيه. وخلال المحادثات، كانت إحدى مخاوف الغرب أن تقدم روسيا الحد الأدنى كشريك، وتوافق على منع (تطوير) القنبلة (النووية) الإيرانية ولكن ليس على نهج الولايات المتحدة الأوسع نطاقاً حول هذه المسألة".

وأشار إلى أن "الكشف عن منشأة فوردو النووية الإيرانية السرية أثار التوتر في صفوف الروس ودفع بهم إلى دعم قرار مجلس الأمن رقم 1929، وحظر الأسلحة والعقوبات على الصواريخ".

واستطرد "في النهاية، تبيّن أن روسيا شريكة(للولايات المتحدة) فيما يتعلق بإيران أفضل مما توقع الكثيرون، على الرغم من الخلافات حول أوكرانيا وقوانين المنظمات غير الحكومية والدفاع الصاروخي وقضايا أخرى"، مضيفا إلى أنه و"بمرور الوقت تدهورت العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن إيران كانت آخر مجال للتعاون".

وحول سوريا، لفت غوردون إلى أن "نظرة الكثيرين كانت مفرطة في التفاؤل بأن روسيا ستساعد الولايات المتحدة على عزل(رئيس النظام السوري) بشار الأسد. فبوتين دائماً ما سيدعم الأسد، وما كان يجب على المراقبين أن يتفاجؤوا من نشر روسيا قوة عسكرية في سوريا".

وأشار إلى أن "روسيا تكره الفكرة بأنه يمكن للشعب أن ينتفض ويؤمّن الدعم من الغرب إذا كان يكره الدكتاتور الذي يحكمه. ويمكن ملاحظة ذلك في رد فعل موسكو على الاضطرابات التي شهدتها جورجيا وأوكرانيا وقرغيزستان وليبيا. فالكرملين يرى نمطاً واحداً في كل هذه الحالات، ويخشى من انتشاره إلى آسيا الوسطى أو روسيا نفسها".

وتابع "لا يستند الدفاع الروسي عن نظام الأسد على كره روسيا لتغيير النظام فحسب، بل على مخاطر الفوضى في المرحلة التي تلي الأسد في سوريا وعلى رغبتها في البقاء ذات صلة في هذا الشأن أيضاً، بدلاً من نية الكرملين المعلنة القائمة على هزيمة تنظيم (الدولة الإسلامية)".

  واضاف "بالتالي يتماشى الانسحاب الروسي مع هذه الأهداف: فالأسد لن يسقط، ولا يتم تحويل سوريا إلى أفغانستان أو الصومال، وموسكو حافظت على مقعدها على هذه الطاولة. فانخراط الروس لم يكن للمشاركة في احتلال سوريا إلى أجل غير مسمى".

واشار إلى أنه "إذا تمكنت الولايات المتحدة من تقديم خطة لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا تشمل المصالح الروسية، سيوافق الكرملين عليها".

وختم الباحث السياسيي قائلا :"في النهاية، لا بد من الإشارة إلى أن ما يمكن أن تقدمه واشنطن للشرق الأوسط يفوق كثيراً عما تستطيع موسكو توفيره. ففي حين يمكن أن تلعب روسيا دوراً إقليمياً، تفضل دول الشرق الأوسط العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والشروط التي توفرها، بغض النظر عن التوترات الحالية. وتتمتع موسكو أيضاً بالقدرة على أن تكون قوة سلبية في الحالات التي يمكنها بدلاً من ذلك أن تلعب دوراً إيجابياً. ولهذا السبب، لا يمكن تجاهل روسيا".