تداعيات إسقاط الطائرة الروسية.. "نقطة تحول" للمنطقة ستتحدد معالمها قريباً

الأربعاء 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2015 الساعة 06 صباحاً / مأرب برس - هافينغتون بوست عربي
عدد القراءات 4182

لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الذي اعتاد أن يظهر بمظهر المتحكم، يعتقد أنه سيواجه في زيارته لمنطقة الشرق الأوسط الساخنة، ما لم يكن يضع له حسباناً.

فالرجل البارد في ملامحه بدا متوتراً قاطباً جبينه بعد أن أسقطت تركيا طائرة عسكرية روسية قرب الحدود السورية، وهو يجيب على أسئلة الصحفيين في المؤتمر العاجل الذي عقده مع العاهل الأردني عبد الله الثاني في في سوتشي الروسية.

رجل روسيا القوي بدء زيارته للمنطقة وهو يشعر بأنه يمسك بـ"خيوط اللعبة" في المنطقة بين يديه بعد أن دكت مقاتلاته مواقع المعارضة السورية على مدار أشهر عدة منذ تدخله في سوريا سبتمبر/ أيلول الماضي.

الأحداث أخذته على حين غرة

لكن الأحداث أخذت بوتين على حين غرة عندما تهاوت إحدى مقاتلات السوخوي على الحدود السورية أمام ضربة وجهتها لها القوات التركية بعد اختراقها لمجالها الجوي وتوجيه عشرات التنبيهات لقائد الطائرة الذي لم يُعر بالاً للتحذيرات التركية.

الحادث أثار غضب موسكو ومخاوف الأسرة الدولية من العواقب الجيوسياسية لهذا الحادث.

وبحسب موسكو وسوريا كانت الطائرة تحلق فوق الأراضي السورية لكن تركيا أكدت بالخرائط أنها خرقت مجالها الجوي.

المقاتلة الروسية التي أصيبت سقطت في أقصى شمال غرب الأراضي السورية حيث تدور معارك عنيفة بين الجيش السوري المدعوم من الطيران الروسي وفصائل المعارضة المسلحة.

موسكو كانت تعلم المخاطر

موسكو المعروفة عموماً باختبار حدود الدول الأخرى خصوصاً في أوروبا الشرقية والشمالية، تضاعفت حوادثها الحدودية مع أنقرة منذ بدء تدخلها في سوريا. ومطلع أكتوبر/ تشرين الأول دعا حلف شمال الأطلسي روسيا إلى "الاحترام التام للمجال الجوي للحلف وتفادي تصعيد التوتر".

ويقول كير غيلز، الخبير في معهد شاتهام هاوس اللندني أن هذه القضية "مختلفة تماماً عن القضايا الأخرى في أوروبا من حيث كان يصعب تحديد ما إذا كانت روسيا تتصرف بكل بساطة بإهمال أو تتعمد الاستفزاز".

غيلز علق قائلاً على الحادث الأخير "كانت روسيا تعلم جيداً المخاطر"

حفظ ماء الوجه

رد بوتين جاء تصعيدياً، لكن تقريراً نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، اعتبر أن لهجته التحذيرية بأن بلاده تلقت "طعنة في الظهر" وأن الحادث سيكون له "عواقب خطيرة"، إنما هو على سبيل "حفظ ماء الوجه" أمام الداخل الروسي.

ورغم أن وزير خارجيته سيرغي لافروف ألغى على الفور زيارة رسمية لتركيا، إلا أنّ دراغ ماكداول، المحلل لدى "فريسك مايبلكروفت كونسالتنسي" يرى أن الكرملين "سيسعى إلى التقليل" من وقع هذه القضية على الرأي العام الروسي.

ماكدوال قال هذه "ليست الأزمة الوحيدة التي تشهدها روسيا حالياً" في إشارة إلى أزمة أوكرانيا.

على الجانب التركي، يرى ماكداول أن الأتراك الذين يشعرون باستياء لموقف روسيا حول سوريا و"الانتهاكات المنتظمة" لمجالهم الجوي من قبل الطائرات الروسية، قد يستغلون هذه القضية "لزيادة مستوى المواجهة مع موسكو".

روسيا سوف تنتقم!

لكن غالب دالاي، مدير "منتدى الشرق"، ومقره في إسطنبول، يرى العكس تماماً، وقال لـ"هافينغتون بوست عربي" إن "روسيا سوف تنتقم بطريقة أو بأخرى، ومن الصعب التنبؤ بتوقيت هذا الرد وطبيعته".

دالاي أشار إلى ملفات ساخنة أخرى يمكن لموسكو أن تستغلها لإزعاج أنقرة، وقال إن الخطوات المتوقع اتخاذها من الجانب الروسي قد تكون أولاً من خلال تلاعبها بالملف الكردي بدعم قوات YPG الكردية ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، وثانياً من خلال تكثيف الحملات الجوية على مواقع المعارضة السورية. وثالثاً قد يكون من خلال استهداف روسي للطيران التركي، ورابعاً وكما أشار بوتين في خطابه من خلال إطلاق حملة تصوّر فيها تركيا كداعم أساسي "لتنظيم الدولة الإسلامية".

دالاي يرى أن الأمر سيصل إلى محاولة روسية بمقاطعة قطاع السياحة في تركيا وإلحاق الضرر اقتصادياً بها. وأوصت موسكو فعلاً رعاياها بعدم السفر إلى تركيا. ولكن مع ذلك، صرح مساعد وزير الطاقة الروسي أناتولي يانوفسكي اليوم عن استمرار ضخ الغاز الروسي إلى تركيا، وفق الاتفاقيات المبرمة سابقاً بين الطرفين، وأضاف أن "الجانب الروسي لا يفكر بخيارات أخرى".

نقطة تحول في العلاقات التركية الروسية!

الأكاديمي التركي أتيلا صانديكلي، رئيس مركز أبحاث "بيلغي سام"، أشار إلى أن التطور الأخير سيزيد من الصدع الموجود أصلاً بين البلدين إذ أن "الخلافات بينهما تطغى على نقاط الاتفاق".

صانديكلي مضى يقول لـ"هافينغتون بوست عربي" إن "هذه الحادثة جاءت لتزيد الطين بلة"، ولكن في الوقت نفسه تركيا تبدو بموقف قوة مقارنة مع روسيا حيث إن طيارين أمريكيين أكدوا أن الأتراك فعلاً وجهوا عدة إنذارات للطائرة الروسية، وتركيا أثبتت بالخرائط انتهاك الطائرة الروسية لأجوائها.

وبسبب التحذيرات المتكررة التركية حول خرق مجالها الجوي سيكون من الصعب على موسكو التأكيد بأن إسقاط طائرتها يشكل "رداً مفرطاً".

ضرورة إنهاء الأزمة السورية

مصدر مقرب من الحكومة التركية فضل عدم ذكر اسمه، قال في تصريح خاص لـ"هافينغتون بوست عربي" إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان من المتوقع أن يستخدم لغة حادة تجاه تركيا كالتي لجأ إليها في تصريحاته الأخيرة، وذلك لإرسال رسالة معينة بأنه غاضب تجاه إسقاط إحدى طائرات سلاحه الجوي".

المصدر أكد أن "تصرف تركيا الأخير يأتي في إطار الدفاع عن أراضيها وأجوائها ضد أي انتهاك، وليس له علاقة بأي تغير تجاه سياسة تركيا نحو سوريا، فهذه السياسة واضحة من اليوم الأول".

المصدر أشار إلى أنه "مما لا شك فيه أن المعارضة السورية المسلحة ترحب بإسقاط طائرة روسية، خصوصاً أنها تمكنت من إحراز تقدم في شمال سوريا في الفترة الأخيرة بتغطية من طائرات تركية وأميركية".

وكان رئيس الوزراء التركي أشار في آخر تصريحات له بعد الحادثة إلى ضرورة إنهاء الأزمة في سوريا، وإلا فإن التصعيد سيكون محتملاً في كل لحظة.

آلان مندوزا من معهد "ذي هنري جاكسون سوسايتي" يقول إن هذا الحادث قد يعطي بعداً دولياً أكبر للنزاع السوري.

وأضاف إن "الأعمال الروسية الأحادية ومواقفها العدائية تعني أن مواجهات عرضية أو متعمدة مع الغربيين وقوات حلف شمال الأطلسي" باتت جزءاً من المعادلة.

وهو الأمر الذي ذهب إليه الكاتب السعودي جمال خاشقجي الذي يرى أن قرار تركيا بإسقاط الطائرة الروسية "قرار سياسي وتصعيد محسوب"، في إشارة إلى أن السياسية التركية قد بدأت مرحلة تحول نوعية، وأن اللعبة السياسية في المنطقة ستشهد نقطة تحول وأنما قبل الحادث ما قبل الحادث لن يكون هو ذاته ما بعدها.

لمزيد من الاخبار اشترك في قناة مأرب برس على التلغرام من الرابط التالي  : 

https://telegram.me/marebpress1