هل حور الغفوري كلام الأحمر؟ .. مأرب برس ينشر نص ما كتبه الغفوري ورد الشيخ حميد الأحمر عليه

الأحد 11 أكتوبر-تشرين الأول 2015 الساعة 05 مساءً / مأرب برس-خاص.
عدد القراءات 9820


علق الشيخ حميد الأحمر على ما كتبه مروان الغفوري حيث شرح في مقالا له جانبًا مما دار بينهما في لقاء جمعه بالشيخ الأحمر في المانيا.

حميد الأحمر امتدح الغفوري في منشور بصفحته على فيس بوك، غير انه وجه انتقادا للغفوري بقوله أن ذكراته احيانًا لا تسعفه.


مأرب برس ينشر نص ما كتبه الغفوري وتعليق الشيخ حميد الأحمر عليه:

نص منشور الأحمر:

لقد كانت ساعات شيقة تلك التي قضيتها بصحبة الدكتور مروان الغفوري والأخ الرائع زياد قاسم في مدينة دوسلدورف الألمانية ليلة الأربعاء الماضي.

تبادلنا وجهات النظر حول ما يجري في وطننا المنكوب وآفاق الحسم وعودة الأمن والاستقرار بإذن الله وسعدت كثيرا بصحبتهما في تلك الليلة ..

ومع أن اللقاء كان خاصا إلا أن الدكتور نقل عبر صفحته بعض مما دار خلاله، والحقيقة أن الأخ مروان يمتلك موهبة ممتازة في التدوين والكتابة وان كانت ذاكرته أحيانا لا تسعفه في بعض الجزئيات أو أن اسلوبه الخاص في نقل بعض المعلومات قد يحور معناها.

وكما كان متوقعا فهناك ردود أفعال متباينة حول ما كتب وانا شخصيا معتاد على هجوم الخصوم و تجني قليلي التجربة والخبرة واستقبل كل ذلك بسعة صدر

إلا أنني ومن خلال هذه الأسطر أود التأكيد على أن لا أحد يستطيع أن يزايد على محبتي لتعز وأبنائها كيف وانا من غرس الشيخ عبدالله رحمة الله في وجداني محبة تعز وأبنائها وكان دائما يردد أمامي أن (( اليمن تعز ))..

أسأل الله أن يحفظ اليمن ويحقن دماء أبنائها ويعيد لها أمنها واستقرارها واتمنى لأخي د مروان كل التوفيق مع تحيتي له على جهوده ومتابعاته وكتاباته و تمنياتي أيضا للأخ زياد بالتوفيق في دراسة الدكتوراه التي هو بصددها..

خالص مودتي

نص مقال الغفوري:

سألني رجل الأعمال والسياسي المعروف حميد الأحمر ما إذا كان ممكناً أن نلتقي مساء الأربعاء في مدينة دوسلدورف.

لم يسبق أن التقيت الأحمر من قبل، وكان بيننا هاتف وحيد قبل دخول الحوثيين الجوف.

قلت لنفسي: أوه، الأربعاء! سيكون قد مضي علي أكثر من خمسين ساعة لم أنم فيها سوى ثلاث ساعات، واليوم التالي سأكون على سفر لأكثر من ست ساعات..

في دوسلدورف، في لوبي الفندق، انتظرته. كلمني: أنا الآن في غرفتي، لي ربع ساعة أدور القبلة، شصلي وشنزل، أنت قد صليت؟

قلت له: أنا أصلي على طريقتي.

ضاحكاً: المفروض طريقتنا واحدة.

بعد عشرين دقيقة، تقريباً، نزل حميد إلى اللوبي. كان يحمل بيده ملفاً طبياً صغيراً، وفي الأخرى هدية صغيرة "طبق حلوى تركية".

كان قادماً من تركيا عبر برلين.

- زرت دوسلدورف قبل عشرة سنوات في زيارة عمل، قدنا الليلة "قالها بالإنجليزية".

قلت:لنسأل الريسبشن عن أفضل طريقة للوصول إلى شارع الملك بوسط المدينة.

راح حميد يتحدث إليهم بالإنجليزية وهم رسموا له على الخريطة خطوطاً. كان المكان بالقرب من الفندق، بالفعل.

في شارع الملك نزلت زخة من الأمطار وعندما كنا نجتاز جسراً صغيراً على الأقدام كان حميد يمتدح التنظيم الناصري ليس كحزب وحسب، بل كحزب وإيديولوجيا. قال إن الإصلاح بشكل عام يجد الأنس إلى جوار التنظيم الناصري، وأنه شخصيا ومن خلال تجربته في اللجنة التحضيرية اقترب من الناصريين كثيراً وارتبط بهم عبر علاقات عميقة.

"لماذا يبدو صالح وكأنه لا يرى في العالم سواك" سألته.

"يعتقد صالح أني سبب تحريك حزب الإصلاح. اعتاد صالح على حزب مملوء بالحسابات ويقوده كهول طيبون لا يحبون المغامرة، إلى أن جاء الجيل الجديد، أنا وحميد شحرة وآخرون وحركنا الحزب وسحبنا شيوخنا إلى الأمام. وعندما تحرك الإصلاح بكل حجمه اهتز صالح واهتز الكرسي" أجاب حميد.

"هل فعلاً وضعت جائزة بمبلغ 50 مليون ريال لمن يلقي القبض على صالح؟" سألته.

وهو يضحك: مش باسمي، باسم المجلس الوطني، والجائزة عادها قائمة لمن يلقي القبض عليه.

"اللوموند قالت قبل شهر إن السعودية عثرت على صديقها الحقيقي بعد أن ضلت الطريق إليه: حزب الإصلاح. أنت كنت في السعودية مرات عديدة خلال هذه الفترة. ما تعليقك على ذلك؟"..سألته.

"حتى الآن لا نزال رفاق سلاح، ما قد صرناش أصدقاء بمعنى الصداقة. يا أخي إحنا حزب موجود في كل قرية في اليمن، وهذا الأمر يقلق السعوديين وهم صارحونا بمخاوفهم" قال.

قلت له: أرسلت أنا، قبل عاصفة الحزم، رسالة مطولة إلى رئيس اللجنة الخاصة "أبو فارس" عن خارطة الحلفاء والأصدقاء. قلت له: لا يطمح حزب الإصلاح لأفضل من أن يكون صديقاً للملكة. رد على رسالتي عبر الواتس أب، قال إن كل المسائل التي طرقتها صارت مواضيع مفتوحة للنقاش.. إلى آخره.

قاطعني: حتى الآن لم يلتق الإصلاح ولا علي محسن القيادات العليا في المملكة. لا نزال رفاق سلاح إحنا والسعودية ونحن نحاول تبديد مخاوفها..

فقدنا الطريق مرة ومرتين، وكانت سماء دوسلدورف تشع مطراً خفيفاً. عبرنا شارع هاينرش هاينه. قلت له:

كان هاينه شاعر ألمانيا الأعظم في القرن التاسع عشر، قال عنه ماركس إنه يضاهي غوته.

وما إن تجاوزناه حتى قال حميد، رداً على سؤالي:

لواء هاشم الأحمر يتألف من سبعة آلاف مقاتل مزودون بأفصل السلاح وسيقتحمون إقليم آزال عندما يعطون الإشارة.

قلت له: وصعدة؟

قال: هناك جيش سعودي عربي من عشرات الآلاف.

ثم راح يشرح خارطة القبائل والحروب بين مأرب وصنعاء وفي صعدة وما خلفها.

سألته: والمحويت، حجة؟

قال: هذه محافظات هادئة تقع في الأطراف تسلم شأنها لكل من يصل صنعاء.

جلسنا، بعد ساعة ونصف من الحركة، إلى مطعم ألماني. طلب حميد سمكاً مشترطاً أن يكون عشاء خالياً من الزيت.

سألته: ماذا عن أموالك في اليمن؟

قال: مجمدة ومنهوبة. نهبوا كل شيء.

"والقبائل، لماذا لم تدافع عنكم؟"

هنا تدفق حميد بالكلام موجها عباراته تجاهي بشكل مباشر:

أنتم المثقفين من تعاليتم على شعبكم.

وراح يحكي عن ظروف القبيلة. قال إن 50% من قبيلته تقاتل مع الحوثي، ليس لأنها تؤيده بل لأن جزء من القبيلة يعتقد أنه خلق للقتال. نحن كنا نلجم القبيلة ، قال، ونستخدم غريزتها لمصلحة الدولة كما فعلنا في حروبنا ضد الحوثي وفي الانتخابات. الآن خرجنا نحن وجاء من يستخدمها ضدكم كلكم وضد الدولة ويخوض بها حرب غير وطنية وغير شريفة. هل تصدق يا دكتور أن القبيلي كان يجي لشركاتي ويشتي يشتغل حارس أو سواق؟

لم أستطع أن أخرجهم من هذه الرغبة: حارس أو سائق.

أنتم ظلمتم القبيلة وتعاليتم عليها كما فعل النعمان ورفاقه. تعالوا عليها وهي قاتلت معهم. في الأخير القبيلي معه صميل وأنت ما معكش. المثقف تعالى والقبيلي خبطه بالصميل وشل الدولة. وهذه هي النتيجة. القبيلي ما يعرفش يدير دولة والمثقف يحتقر القبيلي والقبيلي معه صميل، المثقف معرفش يستغل طاقة القبيلي ودخل معه في صراع واحتقره وحاول يبعده والنتيجة خسرنا الدولة.أنا مرتاح لأن القبيلة ما حمتش أموالي. قريبا جداً سنعود إلى صنعاء. سأقول للقبائل: الآن بيننا دولة، علينا كلنا، لم تحموا أموالي ولا حافظتم على أرواحكم، ليس لكم أي فضل علينا، ولم تعودوا تحرسوننا، ف، فأنتم لم تفعلوا ذلك وتفرجتم على أموالنا وهي تنهب. الآن ستكون هناك دولة فوقنا جميعا ولا فضل لأحد على أحد.

وماذا عن هادي؟

أخذ نفساً عميقاً "رحت له وعمران محاصرة وكنت أعرف إنه متواطئ مع الحوثيين. قالت لي السفيرة البريطانية الناس يسيئون تقدير الحوثيين، لن يتوقفوا سوى في صنعاء،لديهم أجندة خاصة وسيخلقون الذرائع لأجلها. رحت لهادي وجلست على ركبتي قدامه، وهو فوق الكرسي. قال لي قوم قلت له: لا والله لن أكلمك إلا هكذا، أتوسل إليك، افعل شيئاً. سأغادر اليمن إذا شئت وأعلن اعتزالي العمل السياسي لخمس سنوات. سنخرج أنا وإخواني من اليمن إذا شئت. إذا كنت تريد الخلاص من عيال الأحمر أرجوك لا تجعل هذه الرغبة سبباً في تدمير اليمن، والحوثيون لا يريدون عيال الأحمر بل هذ الكرسي . أرجوك افعل شيئاً. وبقي هو صامتاً.

عند تلك الكلمات صمتنا.

قطع حميد حجاب الصمت: ب

عد ذلك راح علي محسن وقال له نفس الكلام.

"لماذا فعل هادي كل ذلك"سألته.

"كان صاحب مشروع صغير مثل صالح" أجاب.

سألته:

ماذا يفعل الآن في الرياض؟

ابتسم محاولاً الهرب من شيء ما بداخله:

في الأيام التي فاتت قرر إقالة بحاح وتعيين رشاد العليمي رئيساً للحكومة وتشكيل حكومة جديدة. يشتي يجمد بحاح عبر فكرة إنه لا يجوز أن يكون نائبا للرئيس ورئيساً للوزراء. راح إليه الإرياني وقال له: من سيمنح حكومتك الثقة؟ هذه الحكومة هي آخر تشكيلة شرعية ممكنة لأنها استمرار لحكومة التوافق.

رشاد العليمي ذهب إليه واعتذر. أما اليدومي فقال له: نحن الآن في حرب، ثم لكل حادث حديث.

قبل ذهابي إلى دوسلدورف هاتفت صديقي زياد قاسم، طالب الدكتوراه في البرمجيات، فوافق على الحضور. رحنا معاً، وكنا في تلك السهرة المتحركة ثلاثة.

الدقائق الأخيرة، الواحدة فجراً، أوصلتنا إلى مطعم ماكدونالدس في وسط مدينة دوسلدورف..هناك شربنا قهوة، فبعد خمس ساعات سيكون علي أن أعود إلى المشفى ومن الأفضل أن أبقى مستيقظاً.

هناك سأله زياد، وهو ناصري سابق:

هل حزب الإصلاح مستعد للتنازل عن الوحدة؟

حميد: إذا كانت رغبة الجنوبيين في الانفصال على عيني وراسي

سأله: ولن تقاتلوا؟

أجاب وهو يحاول أن يضع رجلا على رجل: نحن لا نقاتل ضد رغبات الناس.

زياد:لكنكم حزب وحدوي

حميد:نعم، وحزبنا موجود في الجنوب، وهو وحدوي. المعركة الأخيرة ضد صالح والحوثي أظهرت قوتنا ووجودنا وشاهد كل الناس حقيقتنا في الجنوب. نحن حزب موجود في كل قرية.

وبدت عليه ملامح ثقة عالية وهي يلفظ تلك الكلمة.

أخبرنا عن أمور ربما لن يكون يكون سعيداً لو قرأها الناس، حالياً. وذكر لنا مسؤولاً كبيرا من صنعاء، ومن كبار رجال صنعاء المقربين من صالح، وصل مؤخراً إلى تركيا . المسؤول الكبير "ع. ه" يبحث عن وسطاء يقربونه من السعودية ويطلب خمسة مليون دولار قال إنه مستعد لأن يشتري ولاء قبائل صنعاء وفتح أبوابها للشرعية. فقط بخمسة مليون دولار. معترفاً أن صالح يقامر حالياً، وأن لعبته تلك قد تتسبب في تدمير صنعاء.

في منتصف المشي وفي الطريق قال لي:

شوف، أنت كتبت ضدي عدة مقالات، وكنت أرفض قراءتها. لأني متأكد أن الأيام ستجمعنا بمناسبة أو أخرى ومن الأفضل أن لا يكون في قلبي شيء. أما أنت فمن متابعتي لأغلب ما تكتبه رأيت أنك شخص يكتب فقط قناعاته، وفي أحيان كثيرة كانت تخونك معلوماتك.

------

هذا ملخص بسيط لليلة حافلة، بدا فيها حميد الأحمر واثقاً كل الثقة أن صنعاء ستعود عاصمة، وأن نهاية صالح والحوثي مسألة وقت قريب.

وفي لغة لم تخذلها المجاملة قال:

قلت للتحالف حرروا لنا تعز لكي نعود إليها، تعز مدينة لا ترد أحداً ولو تحررت لعدنا.

على أن كل ما سردته على لسانه، وما سمعته ولم أذكره تبقى هي رواية حميد الأحمر وطريقته في رؤية العالم، وموقفه وتأويله..

غير أن أكثر ما لفت انتباهي هو أن حزب الإصلاح لا يوجد في قمصان حميد الأحمر بل في خلاياه. وهذا ما لم أكن أتوقعه.

------

غادرناه وعدنا بالقطار. في الطريق قال زياد:

إذا كان حميد الأحمر واثقاً من النصر فأنا واثق.

قلت له: في الصباح سأعمل طيلة النهار وأسافر حتى منتصف الليل.

وقد صحوت، أخيرا، قبل قليل. أجواء الفندق والبلدة ملأتني بالسحر. ستبتدئ الورشة العلمية بعد ساعة في مكان قريب من الفندق، هنا في لايبتسيج، في أقصى شرق ألمانيا..

نهاركم سعيد.

م. غ.

.....................

وكتب الغفوري في منشور لاحق مقالا بعنوان :

حميد الأحمر .. قبل العجلة السادسة.

ينحدر حميد الأحمر من أسرة إقطاعية معروفة. كانت تلك الأسرة تحصل على أكبر قدر من المال بأقل درجة من الجهد. تلك هي طبيعة الإقطاعيات. انتقل حميد الأحمر من إقطاعي إلى رجل أعمال، وصار قادراً على أن يحصل على المزيد من المال عبر اقتصاد الخدمات. بخلاف الاقتصاد التعزي القائم على الصناعة/ الإنتاج سلك حميد الأحمر أيسر السبل: الخدمات، وراكم مزيداً من الثروة. انتقل من الإقطاع إلى الأعمال، ومن الأعمال إلى السياسة، ثم من السياسة إلى الثورة، ومن الثورة إلى المقاومة/ الحرب. داخل هذه العجلات الخمس يمكننا مشاهدة تحولات الأحمر الشاب. ثمة عجلة سادسة وأخيرة تدور في وجدان حميد الأحمر، العجلة التي إذا ما وضعت في مكانها الشاغر فإن "شاحنته" السداسية ستنطلق في الخطوط الطويلة ولن يوقفها أحد: الحُكم.

هل يحدث نفسه بالحكم؟ أظن أن الإجابة ب"نعم" لن تكون خاطئة مائة بالمائة.

سألته البارحة "لماذا تثير تصريحاتك كل هذا الضجيج، لماذا أنت؟". لا يحب حميد الأحمر الإجابات المختصرة. لديه ما يقوله بالتفصيل. وكالعادة: يحضر علي صالح في قلب إجاباته، كما يسيطر هو على الفص الجبهي لعلي صالح بصورة مأساوية. "علي عبد الله هو السبب، إعلامه وأدواته صوروا للناس إن حميد الأحمر هو الخطر وهو من يقود الثورة والمعارضة. وإذا كنت تتذكر فقد كنتُ أول من تحدث عن الهبة الشعبية في ٢٠٠٣". حاولت أن أصحح التاريخ، فقال لي بثقة: لا، ٢٠٠٣.

أكد أمامي أكثر من مرة إنه يسير في "طريق شاق اخترته بتصميم ووعي". عاد وقال لي في رسالة كتابية الجملة نفسها. إلا أنه استثنى من ذلك الطريق ما قال إنه "حرصه على أن لا يخسر أصدقاءه". فبمقدوره احتمال الكثير من المشقة في طريقه "الواعي" إلا أن يخسر ياسين سعيد نعمان ومحمد قحطان وتوكل كرمان وباسندوه. قلتُ له أفهم من ذلك أنك تعتبر بعض ما دار من حديث بيننا فضفضة غير صالحة للنشر، فأجاب بكلمات كثيرة تفضي إلى "نعم". لا يحب حميد الأحمر أن يقول "نعم" عندما تواجهه بسؤال: هل تخشى أن ننشر بعض كلماتك. تختفي لغته الإنجليزية، ويتنحى رجل الأعمال المعاصر ويبرز القبيلي المحارب الذي "لا يخشى".

كان حريصاً على أن يؤكد مظهره المتحضر، وعندما تحدث عن الدولة التي يريدها قال "دولة مدنية باستثناءات ثقافية". تلك الاستثناءات الثقافية تتسلل في كلمات الأحمر، وتتكاثر. في الصورة الأخيرة للدولة التي يريدها تتجلى "الدولة الدينية" على طريقة الإخوان المسلمين. "التقيت قياداتهم في كثير من الدول وفي تركيا" قال حميد الأحمر. "يملكون وعياً شاملاً ومعرفة عميقة عن بلدانهم وعن العالم" يردداً مبهوراً ومعجباً. ثم يعود ليؤكد إنه ليس عضواً في الإخوان المسلمين بل في حزب الإصلاح، وأن كثيرين من أعضاء الحزب ليسو أعضاء في الإخوان.

كل ما يجري في العالم هو نتيجة مباشرة لإرادة الله، هكذا يحدثك حميد الأحمر. الثورة التونسية أيضاً، ومصير بن علي. بالنسبة لحميد فإن الله يترصد الأعداء وسيوقع بهم. لكنك لا تنتظر كثيراً حتى تكتشف إن الذين يوقع بهم الله هم أعداء مشتركون للطرفين: الله، وحميد الأحمر. وتتساءل: ما إذا كان الله سيوقع بك أيضاً فيما لو أخطأت التقدير.

يتمتع الأحمر الشاب بذكاء غير عادي، من ذلك النوع الذي تبدو فيه الخبرة أكثر حضوراً من الوراثة. يوقف كلماته ثم يتدخل ليشرح لك طبيعة الأعداء الذين يكمن الله لهم بالمرصاد: من ينتهكون الحريات والحقوق ويحبسون الشعوب. كالعادة، كما في الخطاب الإسلامي الكلاسيكي، فالشعوب هم الإسلاميون في المقام الأول، ومعهم باقي الناس. كنت أستمع إليه وأتذكر التنظير الإنشائي الشهير الذي كتبه مراقب الإخوان في اليمن "ياسين عبد العزيز" حول الحرية. في صفحات عديدة امتدح الحرية مستخدماً كل فنون المجاز الكلاسية، متحاشياً الإشارة إلى طبيعتها. فالحرية حق طبيعي للبشر، لكن تعريفها مسألة أخرى. هو ضد أن ينتهك ذلك الحق الطبيعي، لكنه يضمر تعريفاً للحرية ينطوي على درجات عديدة من مصادرة الحرية، تلك التي هي حق طبيعي للبشر. وكالعادة: فمصادرة الحرية هنا لن تكون طغياناً، بل امتثالاً لإرادة عليا سماوية.

ينتمي حميد الأحمر، أو كلماته التي سمعته منه، إلى ذلك اللون من التفكير الإسلامي الكلاسيكي.

عبر امتدادات عديدة حاز حميد الأحمر عناصر تأثيره: فهو الشيخ القادم من مملكة اقطاعية ممتدة في التاريخ. أبعد من ذلك، فهو لا يرى نفسه شيخاً وحسب بل صانع الشيوخ. يشير إلى بعض شيوخ قبيلته مثل جليدان، وغيره، قائلاً إنهم كانوا جنوداً مع جده ووالده، وأن العائلة نصبتهم شيوخاً. لا يتعاطف معهم ولا يحتقرهم. فقط يصفهم، معتقداً أنهم يفتقرون إلى العزم التاريخي للاستمرار كشيوخ في المستقبل.

على نحو أفقي اخترق المجال الاقتصادي وصل حدد تأسيسه لبنوك وشركات عملاقة وامتلاكه مؤسسات إعلامية ضخمة. جمع ثروة عظيمة قال إنها كانت حلماً في صباه. ذلك عندما سمع والده يخاطب أميراً سعودياً، وكان الشاب يبلغ ١٨ عاماً، بلغة فيها تبجيل بلغ حد استفزاز النجل المغرور بذاته ووالده. عندما سأل والده مستنكراً الطريقة التي خاطب بها الأمير، يروي حميد، أجابه الوالد برضا "لأنه يدفع لي المعاش". "قررت أن أصبح رجلاً حراً لا يدفع لي أحد المعاش ولا أقول فيه لأحد يا سيدي" يكمل رجل الأعمال سرديته.

كانت صندقته، كما يتحدث عنها، قد استوت على الجودي. وما إن أرسل الحمامة الثالثة، إذا استعرنا من التوراة، حتى عادت له تحمل الأغصان وتخبره إن لا أحداً في الطريق، لا أحداً في الطريق. فسلكه. ولم يكتف، فيما يبدو، حتى قال له عشرات الآلاف يا سيدي. كان بحاجة إلى أن يسمع تلك الكلمة من عشرات الآلاف عشرات المرات، فيما أتخيل، حتى يطمر صوت والده القادم من عشرات السنين. وقد نال ذلك. ها هو يمشي مطمئناً بعد أن سوى حساباته مع تاريخه وصار يبحث عن المستقبل.

من التجارة إلى السياسة، وكانت تلك عجلته الثالثة. عثر على الإصلاح أو عثر عليه الإصلاح، وتحركا معاً على طريقة فرسان ألكسندر داموس: الواحد للكل، الكل للواحد.

عندما حاصر الحوثيون صنعاء زاره اليدومي وقاله له بلهجة مليئة بالحنان والحزم "غادر، نحن نخشى عليك ونحبك، ونريد توقيع تسوية مع الحوثيين ولا نريد لهم أن يختلقوا الذرائع. فغادرت صنعاء." تلك روايته، بدا متأثراً وهو يرويها. غادر اليمن ودخل الحوثيون صنعاء يبحثون عن فساده. وبدلاً عن أن يعثر الحوثيون على ملفات فساده فقد عثروا على أمواله. ولكي يحاربوا الفساد قاموا بسرقتها.

يقول حميد الأحمر إنه شارك في خلق الوظائف، وأن رجال الأعمال ينتظر منهم أن يخلقوا الوظائف وحسب. يتوافق هذا المنطق، بالطبع، مع الرأسمالية في فلسفتها المعاصرة. لكن الأحمر لا يترك جملته وحيدة: عملنا مدارس، ودفعنا القبيلة للتعلم، لكن القبيلة تقاوم ضد التعليم. روى لي قصة شاب من حاشد حصل على خمس دورات في اللغة الانجليزية، ثم ذهب إلى مدير منظمة دولية في صنعاء مهدداً إياه إذا لم يحصل على وظيفة رفيعة. "قطعت شهادته ورميتها في وجهه" يتحدث الأحمر عن ردة فعله عندما وصلته الشكوى. تعلم الأحمر من تلك الحادثة أن التعليم قد يكون خطراً على القبيلي المتعالي تماماً مثل الجهل، ولم يشغل نفسه بمزيد من الأسئلة أو الإجابات.

عندما غادر صنعاء كانت قبيلته لا تزال في المهد، قبل التاريخ. يقول الأحمر أن أسرته فعلت الكثير، وأن الدولة قصرت في واجبها، وأنه لا يمكن أن يحل محل الدولة. يلمح إلى أن قبيلته بحاجة إلى زمن طويل، فهي لا تزال تواجه العلم وتنظر إلى المدرسة بشك عميق. البروفيسور فيصل الحذيفي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحديدة، حدثني البارحة عن جانب فانتازي التقطه بنفسه. قال إنه كان ماراً بنقطة تفتيش في سيارة أجرة. أثار مشادة مع جنود النقطة ثم عرف بنفسه "أنا دكتور في الجامعة". أراد، بحسب كلماته، أن يعلم الناس درساً في الرفض. لكن قائد الجنود في النقطة، وكان من عمران، نهره قائلاً:

" ما خرب البلاد غير المتعلمين. كان في عندنا اثنين متعلمين من عمران ملأوا البلاد مشاكل، ولما قتلناهم هدأت البلاد".

هذه الصورة الفانتازية لم ينتجها حميد الأحمر، بالطبع، بل الجمهورية التي ضلت الطريق. وليست تلك الصورة الميلانخولية حكراً على قبيلة الأحمر، بل على كل القرى. ففي اليمن ٦٣٪ من الأمية، و٨٠٪ من الفقر. وتلك ليست صناعة حميد الأحمر. لقد نجح الرجل إلى حد بعيد في تحولاته، وصار قادراً على خلق الوظائف. يحتاج البلد، أي بلد وكل بلد، لمن يخلقون الوظائف. واليمن في مسيس الحاجة، بالفعل، للقادرين على خلق المزيد من الوظائف. هي بحاجة إليهم ليخلقوا الوظائف لا ليصنعوا أموراً أخرى.

يمكنك أن تلاحظ معاناته وشتاته وهو يتحدث كرجل متعدد الشخصيات والتجارب: كسياسي، كرجل أعمال، كشيخ، كشاب متعلم وطموح، وكمثقف ينتمي إلى حزب ديني. في مطعم ماكدونالدس جلسنا ثلاثتنا وأصر هو على أن يقف في الطابور ويحضر لنا القهوة. فعل ذلك. كان يحاول كسر صورة الشيخ الثري، صاحب أفخم قصر في الجمهورية اليمنية.

بمناسبة قصره سألته: هل قصفت قصورك؟ أجاب:

مرة واحدة، ضربت الأدوار العليا لقصري في حدة. تواصلت مع السعوديين فأخبروني أنهم حصلوا على معلومات مضللة من الأرض، هناك من طلب منهم أن يضربوا قصري.

بمقدروك أن تفهم، ببساطة، إلى من يشير حميد الأحمر.

غير أن ما أثار أسئلتي كان شيئاً آخر. فقد سألته: هذا يعني أن الحوثيين لم يحتلوا قصرك ولم يستخدموه كمخزن للسلاح؟

أجاب: لا، وضعوا فيه بعض الحراسة فقط. ربما لأنهم "ناويين يديولوا" فهم بحاجة إليه.

انطلق حميد الأحمر من السياسة إلى الثورة.

ونحن نمشي قام الرجل بعمل مشهد تمثيلي، وكان يرتدي بنطالاً وجاكتة رياضية كحلية اللون، وقفز بعض الخطوات ليشرح فكرته:

"كنا إذا أردنا أن نحرك الإصلاح مائة خطوة إلى الأمام نسحبه أولاً ثلاث خطوات، من هنا إلى هنا، حتى يطمئن ويتأكد أنه لا يوجد ما يدعو للخوف. ثم ننقله ثلاث خطوات، وهكذا".

يعتقد حميد الأحمر أنه جر الإصلاح بتلك الطريقة إلى الأمام حتى صار الحزب جاهزاً للثورة. في واحد من المؤتمرات العامة لحزب الإصلاح حاز الرجل أعلى الأصوات، قافزاً على شيوخ الدرجة الأولى. داخل الحزب الكبير صار الرجل يمارس لعبة الـ. ون مان شو، أو استعراض الرجل الواحد، إلى أن جاءت توكل كرمان.

لكن حميد يرفع يده معترضاً:

"هناك فرق بين من صنع الثورة ومن صنعته الثورة، بين من خسر كل شيء في سبيل الثورة وبين من أعطته الثورة كل شيء".

وتفهم، من كلماته تلك، كل ما يريد قوله.

لا يزال يتحدث عن الثورة.

ما يجري الآن، بالنسبة لحميد الأحمر، ليس سوى شكل من أشكال الثورة، وهي تستكمل بطريقة ما. لم يعد فخوراً بقبيلته، كما يبدو من كلماته. لكنه فخور بأمرين آخرين: والده والإصلاح.

قال إن شيخاً كبيراً تربطه به علاقة اجتماعية صاح به قبل سنوات "صلي على رسول الله، هذا كرسي، هذا نار" ونصحه بالابتعاد عن طريق صالح. لم يكن يعلم الكثير عن حيل صالح ولا إمكاناته، ولا عن مستوى التعقيد في أدواته وشبكاته، ولا حتى قدراته. يبتسم، وينسب ذلك الجهل اللذيذ إلى الله. فلو كان يعرف حدود قدرة صالح، يقول، ربما لتردد قبل معارضته. لكنه انطلق في المواجهة مسنوداً بغريزته المحبة للخير، وبطاقة الشباب. هكذا يشرح الطريقة التي قفز بها إلى الواجهة والدوافع التي جعلته أشهر خصم لصالح خلال سنواته السبعين.

نصحه والده، وهو في السعودية، أن يتنحى عن طريق صالح.

"بعد سنة، وقد صار ما صار، وضع يده على يدي وقال لي: الآن أنا فخور بك" بهذه الكلمات المنتقاة يروي حميد الموقف الأخير لوالده، بينما يحاول أن يصرف نظره عني. "قلت للوالد رحمه الله هذه الكلمة هي أفضل ما أملكه وأفضل من كل ما أعطيتني إياه" يضيفُ الرجل.

المقاومة/ الحرب هي الحقل قبل الأخير الذي وضع حميد الأحمر فيه قدميه. يعترف:

"الإصلاحيون في الداخل والخارج يديرون المعارك بالهاتف".

لم يقل إنه واحد من الذين يديرون المعارك بالتلفون، لكنه بدا على علم واسع بما يجري على الأرض، وعلى ثقة أيضاً..

مر حميد الأحمر، ولا يزال في منتصف العمر، عبر تجارب ثرية، وفي كل تجربة كان في الواجهة. نادراً ما تجد رجلاً يتصدر حقولاً كبيرة ومتناقضة في الوقت نفسه، وكلها معاً: القبيلة، الأعمال، السياسة، الثورة، الحرب. ذلك الثراء والتنوع مكن حميد الأحمر من اختراق الطبقات والمجالات. بدأب لافت ونادر لم يكتف الرجل بالوجود بل بالحضور، وكان في المركز. فالسياسة تلتف حوله لأنه يملك المال. ورجال المال يلتفون حوله لأنه يملك السياسة. القبيلة تحيطه وتحرسه لأنه يملك الحزب والمال والسياسة. أما الحزب فاختبأ خلفه وخلف والده لفترة طويلة، وإن قالت مدوناته الراهنة غير ذلك فهي تحاول أن تدفن تلك الحقيقة التاريخية في الظلام.

خرج الأحمر الشاب بتجربة كبيرة، وبدراية شاسعة، وبأعداء لا يطالهم الحصر، وبأصدقاء كثيرين. جلب أعداءه خلف ظهره: من القبيلة، من الساسة، من مجتمع المال، ومن داخل الثورة.

أخبرني مبتسماً: أعلم أن الناس يكتبون عني، ونادراً ما أقرأ أو أستمع لما يقال عني.

لكنه البارحة أكد لي أن ما نشرته حول لقائنا وصل إلى هاتفه حوالي عشرين مرة. لقد تغير الزمن الذي كان يمنح حميد الأحمر فرصة للإفلات من الكتابات. إنها تصله، وهو يحسب لها حساباً، ويقيس ما يقوله الناس مع ما تقوله تجربته. في الحقول الخمسة التي خاضها سمع لغة غير اللغة التي تقولها الطبقات السفلى، المجتمع الأرضي، مجتمع الفيس بوك وكتاب المقالات. يدرك حميد الأحمر أن الذين يقفون له بالمرصاد، حالياً، لم يختبرهم من قبل.

بينما هو يفكر بالعجلة السادسة، بالحكم، يحاول الآن أن يقول للطبقات

التي في الأسفل أنه واحدٌ منها، أو على الأقل: إنه يفهم لغتها وحساسيتها..

وتلك هي المعركة القادمة لحميد الأحمر، وذلك هو الحقل الأخير.. حقل العجلة السادسة، قبل أن تنطلق شاحنته الضخمة في طريقها الطويل.

م. غ.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن