اليمن تحت رحمة البرد والسياسة والاستيراد

الجمعة 19 ديسمبر-كانون الأول 2014 الساعة 03 مساءً / مأرب برس - ارم
عدد القراءات 2629

هذا العام جاء مختلفا، فالكثير من تجار الجملة لم يتجهوا إلى مأرب، التي يحتشد أبناؤها على أطرافها، تحسباً لهجوم مسلح من قبل جماعة "أنصار الله".صنعاء -حتى ساعة متأخرة من الليل، يظل سعد التهامي يسقي زراعات البطاطس في المزرعة التي يشرف عليها منذ أربع سنوات في محافظة مأرب على بعد قرابة 173 كم شرق العاصمة صنعاء، اتباعا لنصيحة زراعية تقول إن موجة البرد لا تُضر بالزراعات طالما كانت ممتلئة بالماء.

لا شيء يدعم هذه العادة سوى التجارب والحظ، فكثيرا ما تحول موجات البرد المزرعة إلى مساحة سوداء محترقة، ويخسر المزارعون ملايين الريالات، لا سيما في مزارع البطاطس التي تنشط زراعتها في موسم البرد نظراً للطبيعة الصحراوية لمأرب، وعرفت قديما بـ"أرض الجنتين" وورد ذكرها في القرآن الكريم باسم "سبأ"، موطن الملكة "بلقيس".

والزراعة هي النشاط الرئيس لسكان مأرب، وهم حوالي 286 ألف نسمة من أصل أكثر من 26 مليون نسمة، حيث تحتل المحافظة المرتبة الثالثة بين محافظات اليمن في إنتاج المحاصيل الزراعية بنسبة 7.6% من إجمالي إنتاج المحاصيل الزراعية بعد محافظتي الحديدة وصنعاء، وأهم محاصيلها الزراعية هي الفواكه والحبوب والخضروات.

سعيد حسن، وهو مزراع شاب، يرجع، جانبا من الخسارة الكبيرة في مزارع البطاطس إلى "غلاء البذور الجيدة، حيث يتجاوز سعر كيس بذور البطاطس العشرة 10 آلاف ريال (حوالي 50 دولارا أمريكا)، إضافة إلى غلاء أسعار الأسمدة الطبيعية والصناعية التي تضاف إلى الأرض لتنمو الزراعات قوية".

 

وبحسب سعيد، "يبلغ سعر كيس السماد الصناعي 5800 ريال (قرابة 27 دولارا أمريكا)، وسعر الأسمدة الطبيعية المستخرجة من مخلفات الحيوانات 1200 ريال للكيس الواحد ( 6 دولار)، بالإضافة إلى المبيدات الزراعية لمكافحة الحشرات الضارة، والتي التي تكلف قرابة 13 ألف ريال (60 دولارا) للرشة الواحدة".

 

ويسمي المزراعون موجات البرد التي تضرب الزراعة بـ"الضرب"، وفي مناطق أخرى جبلية يسمونها "الضريب"، ويجمعون على أنها خطر كبير يهدد المزارع دون حل حتى الآن، في ظل غياب تام، بحسب مزارعين، لوزارة الزراعة والجمعيات الزراعية، التي تكتفي بإصدار برامج إرشادية يبثها التلفزيون والإذاعة الرسمية، دون أن ينتبه إليها الكثير من المزارعين.

 

وتمتلك مأرب مساحات واسعة من الأراضي، إلا أن جزءا منها بحاجة إلى لتصبح اتصبح صالحة للزراعة، التي تعتبر النشاط الرئيسي لمعظم سكان المحافظة. ووفقا للمركز الوطني للإحصاء (حكومي) بلغ إنتاج مأرب عام 2011 من الحبوب 25 ألف طن، ومن الخضروات 70 ألف طن، ومن الفواكه 85 ألف طن، ومن البقوليات قرابة 3 آلاف طن، تم جنيه من مساحة زراعية بلغت 39 ألف هكتار.

 

وإلى مأرب يتجه سنويا الكثير من العاطلين عن العمل من مختلف المحافظات اليمنية، وتجار الجملة للاستثمار في الأراضي الزراعية عبر ضخ أموال يفتقد إليها أصحاب المزارع.

 

ويدخل هؤلاء التجار في شراكة مع أصحاب الأرض لزراعة الكثير من المحاصيل، أبرزها البطاطس والطماطم والبصل، كما يشترون محصول البرتقال الموسمي وينقلونه إلى الأسواق المركزية في صنعاء وغيرها من المحافظات الرئيسية.

لكن، هذا العام جاء مختلفا، فالكثير من تجار الجملة لم يتجهوا إلى مأرب، التي يحتشد أبناؤها على أطرافها، تحسباً لهجوم مسلح من قبل جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، التي يسيطر مسلحوها منذ سبتمبر/ أيلول الماضي على العاصمة والعديد من المحافظات حتى صارت الجماعة، وفق مراقبين، هي الحاكم الفعلي في البلاد.

هذه الأوضاع الأمنية الملتهبة أدت إلى عزوف كثير من تجار الجملة عن الذهاب إلى مأرب هذا العام، ومن ذهب منهم لم يستثمر الكثير من أمواله، مكتفيا بشراء نصف ما كان يشتريه عادة.

"الصراع بين أطراف النزاع في صنعاء جعل الوضع الأمني متوتراً في مأرب؛ ما أدى إلى تراجع التجار عن الذهاب إلى مأرب لشراء المحاصيل ونقلها"، بحسب سالم طالب، وهو شاب من منطقة "النقيعا" في مأرب، لديه مزرعة برتقال وبطاطس، ويخشى "كسادها هذا العام جراء الوضع الأمني والصراع السياسي في صنعاء".

ولا تقتصر معاناة مزارعي مأرب على ذلك، فبحسب طالب، "هناك مشكلة أخرى، وهي "الاستيراد من الخارج بكميات كبيرة وأسعار رخيصة نسبياً مقارنةً بالإنتاج المحلي؛ ما أدى إلى تحكم تجار ومؤسسات الاستيراد في أسعار السوق وكساد البضاعة المحلية".