الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي على أبواب اليمن

الخميس 18 ديسمبر-كانون الأول 2014 الساعة 08 مساءً / مأرب برس - الخليج الجديد
عدد القراءات 3451


دخلت اليمن بعد سبتمبر الماضي حقبة جديدة مضطربة لا يعرف على وجه الدقة ما ستسفر عنه تفاعلاتها المستمرة والخطيرة من نتائج وصراعات، فبعد أن صارت التركيبة السياسية القبلية المستقرة في اليمن مهددة ربما إلى غير رجعة على إثر دخول الحوثي صنعاء وتهاوي مؤسسات الدولة أمام قواته الزاحفة من الشمال وما سببه ذلك من آثار اجتماعية دامية قد تعصف بكل المكتسبات التي حققتها ثورة التغيير ونضال العقود الماضية منذ الثورة السبتمبرية في 1962.

وفي هذا السياق نشر الدكتور «محمد السعدي» الوزير السابق في حكومة الوفاق اليمني والقيادي الإصلاحي المحسوب على «الإخوان المسلمين» تحليلاً مطولاً أشار فيه أن اجتياح الحوثي للعاصمة كان مخططاً إقليمياً مدروساً للثورة المضادة في المنطقة نفذه تحالف ثلاثي مكون من جماعة الحوثي والدولة العميقة (علي صالح) والمتضررين من ثورة فبراير (بعضهم مقربين من دائرة الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي) تم على إثره تقويض العملية السياسية السلمية برمتها بما في ذلك الدور الأممي على يد ميليشيات متطرفة مما قد يفتح الباب واسعاً للسقوط في منزلق الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي في جنوب الجزيرة العربية.

وأشار السعدي إلى ظهور التصدع الكبير في المؤسسة العسكرية (الجيش والحرس الجمهوري) والمؤسسة الأمنية (الداخلية وجهاز الأمن القومي والسياسي) حيث ظهرت هذه المؤسسات مشلولة الحركة وتعاني من انقسامات بين قادتها ومسؤوليها، وهذا بسبب التأخير في هيكلة الجيش والأمن التي كان من المفترض أن تتم قبل أن يبدأ مؤتمر الحوار الوطني الذي أنعقد وأنجز مهامه في عام 2013.

ساعد ذلك قوى الدولة العميقة في إبقاء سيطرتها على أجزاء واسعه من المؤسستين العسكرية والأمنية وساهم هذا في تسليم كثير من المعسكرات وتحييد بعضها، وبل وشارك جزء كبير من هذه القوات ميليشيات جماعة الحوثي في معركة العاصمة.

ويساهم اليوم في انهيار ما تبقى من المؤسسات الأمنية والعسكرية عملية نهب مخازن السلاح والسلاح الثقيل في عمل هو الجريمة المنظمة بعينها. بالإضافة إلى إهمال متعمد من وزير الدفاع السابق وقيادات عليا في الجيش لسلاح الجو بكل قطاعاته، وبالتالي خسر اليمن منظومته الدفاعية الأساسية ليصبح بلا ترس وبلا سيف .

التوجيهات التي جاءت من رئيس الجمهورية بدمج ميليشيات جماعة الحوثي في الجيش مخالفة للبند الخاص في المبادرة الخليجية والذي نص على هيكلة الجيش والأمن والوصول بالمؤسستين إلى أن تكونا وطنيتين، فاليمن عانى سابقا وحاليا من عدم حيادية المؤسسات العسكرية والأمنية. وقد تقرر في مخرجات الحوار الوطني أن يتم بشكل منهجي ووطني تجنيد كثير من الشباب بنسب واضحة تحفظ التوازن بين جميع الأقاليم والمناطق في المؤسسات العسكرية والأمنية بما فيها الرتب حسب تدرجها، وذلك ضمانا لعدم تفرد قوة بعينها بالمؤسسة الأمنية والعسكرية وبالتالي بالقوة الغليظة. ولكن هذا التوجيه الأخير سيسبب تداعيات في المجتمع اليمني حيث يطالب الجنوبيون الآن بحقهم في تجنيد أبنائهم وكذلك المناطق التهامية والمناطق الوسطى ورفض أي دمج لأي فئة بعينها دون الأخرى.

هل ثمة انهيار اقتصادي وشيك في اليمن؟

بحسب الكاتب الذي كان وزيراً للتخطيط في حكومة الوفاق الوطني فإن التداعيات الاقتصادية لذلك ستكون كارثية؛ فاليمن يعاني أزمة اقتصادية منذ عام 1991 وإلى اليوم. وخلال السنوات العشر قبل الثورة تفاقم الوضع الاقتصادي وزادت نسبة البطالة، فساهم هذا بشكل كبير في تفجير الثورة الشعبية السلمية في فبراير 2011، وأعقب المبادرة الخليجية دخل اليمن في تداعيات ما بعد الثورة على الاقتصاد. ولعبت الدولة، التي ما زالت تمسك بركائز الاقتصاد الوطني في المؤسسة النفطية والمالية، دورا كبيرا في دفع البلاد إلى الأزمة الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن المشتقات النفطية بما يسمى بالجرعة، حيث عملت قوى الدولة العميقة لتوجيه الحكومة والسلطة إلى الجرعة ليصبح ذريعة مهمه للحوثيين وحلفائها (التحالف الثلاثي)، للانفضاض على السلطة والدولة.

الآن، أول التداعيات الكارثية هو وقف الدعم المالي للحكومة، حيث لا يخفى على أحد أن اليمن يحصل على دعم مالي من الدول الراعية بشكل مباشر يساعد في سد العجز المالي في الخزينة العامة للدولة، وهذه الدول لها الحق في وقف المعونات والدعم فهي ترى أن دعمها الآن سيقع في يد ميليشيات غير نظامية وهذا ما تتبناه السلطة الحالية من وصف حالها بأنها تعاني الاعتداء من ميليشيات غير نظامية. كما عزف كثير من المستثمرين عن التوجه إلى اليمن لأسباب أمنية ولعدم وجود الدولة كحامية للمستثمرين، وخروج رؤوس الأموال اليمنية والأجنبية من البلاد مع تفاقم مخاطر الحرب الأهلية، وانخفض وصول السفن إلى ميناء الحديدة منذ تاريخ 21 من سبتمبر 2014 من 70? إلى 40 ?، بسبب سيطرة الحوثيين على الميناء وتفتيشهم للسفن، كما انخفضت الرحلات الدولية إلى مطارات اليمن بسبب التخوف من السفر عقب انهيار السلطة ومخاوف من الاختطاف وهجمات القاعدة ومن ميليشيات الحوثي التي ترفع شعار الصرخة: الموت لأمريكا.

وزاد الأمر سوءا تهديد الدول الراعية بوقف الرحلات الدولية إلى صنعاء بسبب سيطرة الجماعة على مطار صنعاء وتفتيشها للطائرات وملاحيها وانخفض معدل التبادل في معبر حرض الحدودي بين اليمن والمملكة العربية السعودية إلى النصف. كل هذا يعني أمرا واحدا هو فقدان اليمن لنصف دخله السنوي وبالتالي خسرت الميزانية العامة نصف إمكانياتها المالية ولا ننسى العجز المالي أصلا .

وكما ان استمرار المعارك في المحافظات، سبب شللا عاما في العمل التجاري والزراعي وقطع للطرقات وحركة نزوح للمواطنين زادت من أعباء الدولة المالية والاقتصادية.

عموما اليمن حاليا يمر بأسوأ حالاته الاقتصادية مع الاستنزاف الخطير للاحتياطي النقدي في البنك المركزي إذ تفيد أنباء أن هناك عجزا ماليا يقدر بمليار ونصف المليار دولار من الاحتياطي النقدي للعملة الصعبة، كل هذا ينذر بانهيار اقتصادي وشيك إذا لم توضع له حلول سريعة.

الاجتماعي والثقافي بعد السياسي والاقتصادي

أما التداعيات الاجتماعية فهي خطيرة جدا - حسب الكاتب -؛ لأن الايديولوجية التي تتبناها حركة الحوثي لها أبعاد على المستوى الاجتماعي لا تقل خطورة عن التداعيات السياسية والاقتصادية، فمنذ نشوء حركة «الشباب المؤمن» في الثمانينيات، تبنت النموذج الفكري الإيراني وهو ما تبناه «حسين بدر الدين الحوثي» وقدمة لأتباعه. وفي السنوات الخمس الأخيرة طورت حركة الحوثي عملها على المجتمع في الجزء الزيدي لتقدم نفسها كحام للزيدية والبيت الهاشمي، وهذا له دلالات خطيرة في تقسيم المجتمع طائفيا وفئويا.

ومنهج الحركة عموما قائم على الخلاف العقائدي والفكري بين الشيعة الاثني عشرية والسنة، وهذا ما يمكن الحركة من جمع أتباع لها فتوظيف الخلاف العقائدي والمظالم التي أثارها بعض رموز الزيدية ساهم في تقوية الحركة وإضفاء شرعية عليها باعتبار أنها تمثل الزيدية. ولكن هذا بدورة قسم المجتمع الذي لم يعرف فصلا ولا تقسيما على حساب طائفي في تاريخه وبدأ هذا التقسيم يأخذ طابعا مجتمعيا مقززا، حيث أن الناس وعلى مستوى الحارات أخذت في تصنيف بعضها البعض وفق اعتبارات طائفية؛ وفي المساجد عمدت حركة الحوثي إلى الزج بعناصرها إلى المساجد وترديد الصرخة وطرد بعض الأئمة السنة في مظاهر يرفضها المجتمع اليمني الذي لم يشهد في تاريخه حدثا كهذا.

هذه الممارسات ستفتح بابا خطيرا في صراع طائفي، وسيسمح للمخابرات الخارجية باللعب في هذه المساحة، وقد يسحب اليمن إلى السيناريو السوري والعراقي.

على أعتاب مستقبل مجهول

وختم الكاتب ورقته بالقول أن الأوضاع السيئة في اليمن ليست جديدة فمنذ الوحدة عام 1990 عانى اليمن من تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولكن ومن خلال ثورة فبراير الشعبية انفتحت آفاق جديدة لحل مشكلات البلد وخرج الحوار الوطني الذي استمر سنة تقريبا بمنجزات ومكتسبات كبيرة منها الاتحادية، دستور جديد، العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية، وثيقة القضية الجنوبية، حل لقضية صعدة.

لكن القوى السياسية لم تكن تحمل مشروعا واضحا حول ما تريد وكيف تحقق ما تريد، والرغبة في الحكم والسلطة خلقت صراعا بين القوى في الساحة السياسية (المؤتمر واللقاء المشترك) وبسبب طبيعة تركيبة الأحزاب غير السوية والطبيعة الآيديولوجية لمن يقودها طفحت على السطح المشاكل والخلافات وتضاربت المصالح التي جارت على مصلحة الشعب والمصلحة العامة.

أما السلطة الحالية وعلى رأسها الرئيس والمقربون منه فقد أصبحوا خارج التاريخ، فسوء الإدارة والضعف الذي أظهرته هذه الإدارة كانا سببا رئيسيا في هذا الانهيار المريع للسلطة. لقد إنزوت هذه المؤسسة وانغلقت على نفسها ولم تنفتح لا على القوى المجتمعية والشبابية ولا حتى على القوى السياسية، وسيطرت عليها أسماء معينه تسببت في الكارثة، وفي فقدان الثقة في هذه المؤسسة وفي الرئيس نفسه .

لقد كان هناك هدف عام للتحالف الثلاثي، الذي تشاركت معه دول إقليمية وتوجه عام دولي وبعض المقربين من الرئاسة، وهو إبعاد الاصلاح (ممثل الإخوان المسلمين في اليمن) من السلطة والقضاء على جامعة الإيمان والفرقة الأولى وهذا تحقق جزئيا خلال الأحداث الأخيرة.

هذا التوجه هو ما يحدث الآن في مصر وليبيا وسوريا والعراق، وليس اليمن ببعيد عنه، ولكن اليمن كان يملك فرصة ذهبية في التحول الديمقراطي الحقيقي، وفرصة كبيرة لخلق التعددية الإيجابية والانطلاق صوب المستقبل، ولكن مع الأحداث الأخيرة وتداعياتها فإنه تراجع للوراء سنوات كثيرة، والمعالجات تحتاج إلى قيادة حكيمة وقوية تنفتح على الجميع دون استثناءات وتجعل المصلحة العامة هي الاطار الذي يجمع الجميع.