الألوان وحدها تواجه العنف في اليمن

الأحد 15 يونيو-حزيران 2014 الساعة 11 صباحاً / مارب برس - صالح البيضاني
عدد القراءات 3603


 

في بلد مدجّج بالسلاح ويتصاعد فيه العنف، لم يجد شباب يمنيون حالمون بمستقبل أفضل لبلدهم سوى الألوان لإشهارها في وجه فوهات البنادق. وعلى امتداد مساحات الوطن المثقل بالصراعات السياسية، قاد الفنان اليمني مراد سبيع حملاته الفنية المحملة بهموم الناس من خلال مبادرته للرسم على جدران الشوارع والتي استقطبت العشرات من الفنانين الشباب وحتى الناس البسطاء الذين عبروا بكل حرية عن همومهم وأحلامهم ومخاوفهم في الهواء الطلق وعلى جدران شوارعهم التي كانت على الدوام فريسة سهلة للشعارات الطائفية والسياسية التي فرقت اليمنيين عقوداً.

يقول سبيع إن مبادرته للرسم على جدران الشوارع أتت على شكل ثلاث حملات فنية متشابهة في الطابع والفكرة، كانت أولاها حملة «لوّن جدار شارعك» التي أطلقت في 15 آذار (مارس) 2012، واستمرت ثلاثة أشهر متتالية.

كما أطلقت حملة «الجدران تتذكر وجوههم» في 8 أيلول (سبتمبر) 2012، حتى 4 نيسان (إبريل) 2013 وكانت مكرسة لرسم وجوه المختفين قسراً واستمرت لسبعة أشهر متتالية ونجحت في التذكير بشخصيات سياسية كانت ضحية للصراع السياسي وابتلعتها دوامة الصراعات في مراحل سابقة من تاريخ اليمن المعاصر.

كما دشنت حملة «12 ساعة» الصيف الماضي، ولا تزال مستمرة. ويتحدث الفنان مراد سبيع عن المضامين والأهداف التي تقف خلف هذه الحملات قائلاً: «كانت حملة «لون جدار شارعك» تسعى للسلام ومحاولة طمس آثار الحرب في المناطق التي استهدفناها. وحملة «الجدران تتذكر وجوههم» كانت تستهدف تحريض ذاكرتنا وتذكير الناس بأبطال لم يعرف مصيرهم إلى اليوم.

أما حملة «12 ساعة» التي ما زالت مستمرة فتستهدف مناقشة 12 قضية يعانيها الشعب اليمني عبر الرسم على الجدران: انتشار السلاح، الطائفية، الاختطاف، العبث بالوطن، الدرونز، الفقر، الحروب الأهلية، ضحايا مجزرة العرضي الإرهابية، تجنيد الأطفال، العمالة «الخيانة الوطنية». وفي ساعتها الحادية عشرة ناقشنا «الفساد وسننهي الحملة في الساعة الثانية عشرة».

ويعود سبيع إلى بدايات هذه الفكرة وكيف أستطاع أن يستخدم الريشة سلاحاً في مواجهة الكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع اليمني: «عندما فكرت في حملة «لون جدار شارعك»، لم يكن هناك أي تجارب للرسم في الشارع قد خطرت في بالي... ما كان يشغلني فقط هو قبح الحرب والإحباط الذي كان يلفني كغيري من اليمنيين في تلك الفترة، فأنا احد سكان المنطقة التي كانت تفصل بين قوات تسمي نفسها النظام، وقوات تسمي نفسها أنصار الثورة».

ويضيف: «كانت المدينة تعيش في فوضى من الحرب التي جرت عام 2011، كنت دوماً أتمنى أن أعمل شيئاً، ولم يكن في يدي إلا أن أحمل فرشاتي وخرجت للرسم. وواصلت العمل منفرداً لمدة أسبوع إلى أن استجاب اليمنيون لدعوتي فكانوا ينزلون معي إلى الشوارع للرسم كل خميس من كل أسبوع. وبعد شهر من نزولي يومياً للرسم بدأ الشباب المشاركون في الحملة أيضاً يشاركون في أيام أخرى غير الخميس. هكذا كانت بداية حملة «لوّن جدار شارعك».

وعن مدى تفاعل المجتمع مع الفكرة وتحمسه لها يوضح: «تقبل المجتمع اليمني كثيراً فكرة الرسم من خلال مابات يسمى «فن الشارع» الذي أصبح منصة أخرى لصوت الناس. غير أن ردود فعل مختلفة نتجت من حملة «الجدران تتذكر وجوههم» الخاصة بالمختفين قسراً، ربما لحساسية الموضوع من الناحية السياسية». ويسهب سبيع في الحديث عن النتائج السلبية التي أدت إليها حملة «الجدران تتذكر وجوههم» قائلاً: «كانت قضية المختفين قسرًا ولا تزال حساسة للغاية، وما زال المسؤولون عن إخفاء الناس إلى يومنا هذا يمسكون بالسلطة والقوة، لهذا تعرضت جداريات الحملة «وجوه المختفين قسراً» لطمس من حين إلى آخر».

استطاع الفنان اليمني أن يجعل من الفن عاملاً مؤثراً في مجتمع قبلي محافظ تسيطر عليه عوامل القوة المادية فقط لذلك حظي بتكريم محلي ودولي، ومنحته مؤسسة «فيرونيزي» الإيطالية أخيراً جائزتها التي تمنحها كل عام لفنان أبدى التزامه بالسلام من خلال أعماله. وسيجري تكريم سبيع تزامناً مع مؤتمر السلام العالمي الذي سيعقد في ميلانو في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

ويعتبر سبيع أن نجاحه كان رهناً بتفاعل المجتمع مع مبادرته. ويقول: «أثبت الفن نجاحه لأن الناس في الشارع لم يكونوا مجرد متفرجين بل كانوا مشاركين وداعمين وناقدين... بالتأكيد هو فن تفاعل معه المجتمع ودعمه معنوياً ومادياً. وكانت فرق الحملات الثلاث هي أساس نجاح هذه الحملات وجعلها تصل إلى ما وصلت إليه، فشكراً لكل من ساهم في العمل وأخصّ أصدقائي الفنانين والمشاركين بطريقة أو أخرى».

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة ثقافة