قراءة في رحلة و قصة التمثال (هوثر عثث) بعد عرضه في المتحف الوطني

الجمعة 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 الساعة 07 مساءً / مأرب برس - -حمزة الحضرمي - سبا نت
عدد القراءات 12014

احتفى اليمنيون مؤخر بعودة احد ملوكهم العظماء بعد رحلة علاجية في فرنسا عاد منها التمثال وقد تماثل للشفاء مما كان مصابا به عندما عُثر عليه ضمن مجموعة من المقتنيات الأثرية القيمة , التي ح صلت عليها وزارة الثقافة من أحد مواطنين محافظة الجوف, في منتصف 2004م.

ومنذ ذلك العام احتفظ المتحف الوطني بالتمثال مجهول الهوية الى حين وقعت اتفاقية تعاون ثنائي ما بين المتحف الوطني ومتحف اللوفر الفرنسي لترميمه ليغادر الى باريس ويعود بعد اكثر من عام استكمل فيها ترميمه واتضحت شخصيته.

يوضح أمين عام المتحف الوطني عبد العزيز الجنداري لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) :في العام 2006م وبعد توقيع اتفاقية تعاون ثنائي بين المتحف الوطني و متحف اللوفر الفرنسي , تولى اللوفر عملية ترميم وصيانة التمثال,وتكفلت شركة توتال الفرنسية باليمن بتكلفة الترميم, التي بلغت نحو 150 ألف يورو, بينما تولت الخطوط الجوية اليمنية تكاليف نقله وشحنه ذهاباً و إيابا,,حيث تمت صيانة التمثال في متحف اللوفر, بينما تمت الدراسة التقنية و العلمية في مركز البحث و الترميم للمتاحف الفرنسية, والذي استضاف متدربين يمنيين في الصيانة ,بالإضافة إلى مشاركة باحث يمني في الدراسة التقنية و العلمية ليعود التمثال الى موطنه بعد مثوله في متحف اللوفر نصف عامٍ تقريباً للعرض".

ويضيف الجنداري: وبعد الانتهاء من عملية الترميم تم عرض التمثال بقسم الآثار الشرقية بمتحف اللوفر خلال الفترة من 16 مايو الماضي وحتى 15 من أكتوبر الجاري وحصل على إقبال واسع من قبل الجمهور الأوروبي وكان مثار إعجاب واهتمام الزوار الذين عبروا عن اندهاشهم بإبداعات الإنسان اليمني القديم وعبقريته الفنية .. لتتم رحلة عودته إلى صنعاء في 26 أكتوبر المنصرم.

وصول التمثال

عند وصوله الى المتحف الوطني بصنعاء تولى فريق يمني- فرنسي من "اللوفر" والهيئة العامة للآثار والمتاحف على مدى ثلاثة أيام فتح صندوق التمثال وتركيب قاعدته الزجاجية وملحقاته الفنية الخاصة بالعرض , ولوحاته التعريفية التي تشرح عملية الترميم و تفاصيل الدراسة , النقشية والتقنية بالإضافة إلى أدوات الإضاءة .. ليكون تاريخ العاشر من نوفمبر الجاري يوم افتتاحه الرسمي , أو عيد ميلاده الجديد إن جاز التعبير, والذي دشنه كل من وزير الثقافة الدكتور محمد أبو بكر المفلحي , ومدير عام متحف اللوفر "هنري ليورتي" والسفير الفرنسي "جيل غوتيير" وكل من مديرة الآثار الشرقية باللوفر السيدة "بياتريس اندريه سلفاني" ومدير عام شركة توتال الفرنسية باليمن "جان ميشل لافارن " , وعدد من الخبراء الفرنسيين والمسؤولين اليمنيين الذين يأملوا أن يضيف هذا التمثال الكثير إلى رصيد المتحف الوطني و ويمثل اضاءة جديدة في ابحاث الآثار اليمنية.

ـ ملامحه

وحسب التقرير الذي اعده فريق صيانة وترميم التمثال المشكل من هيئة الاثار و"اللوفر" , فالهيئة العامة لملامح التمثال الذي اسمي بــ"هوثرعثث " تتمثل في كونه رجل واقف كسرت ذراعية عند المرفق, ويكتسي إزاراً يلتصق بالفخذين و أطرافه في الأمام, ومربوط على الخصر. القدم اليمنى انفصلت عن التمثال ,بينما لا يزال لسان تثبيت التمثال على قاعدته, بادياً أسفل القدم اليسرى. له لحية على شكل حبيبات دائرية تحيط بالوجه, ويوجد نقش على البطن من اثني عشر سطراً, تضمنت بالخط اليمني القديم (المسند) اسمه وكثير من التفاصيل لم يرد فيها عمر التمثال لتخضع كافة تفاصيل النقش للدراسة التاريخية المقارنة وكل ما له علاقة بتقنية صناعته ومكونات بنيته.

ـ ترميمه

ووفقا للتقرير فان الفريق المكلف بترميم التمثال بدأ بالدراسة التقنية , التي ساعدت المرممين في معرفة مكونات بنية التمثال وتحديد اماكن هشاشته البنيوية و التي أظهرتها بوضوح الأشعة السينية, كما ساعدت علي معرفة مدي تآكل البرونز, وهي المعطيات التي وجهت طريقة العمل وأظهرت ضرورة تقوية النواة للحفاظ علي التمثال, لذا تم تغطيس التمثال في (200) لتر من الراتينج الكريليك والأسيتون، وذلك بعد التنظيف الأولي لسطحه، كما طلي بمحلول عازل للحماية المؤقتة كي لا يتشرب سطح البرونز المحلول عند تغطيسه, وهو ما مكن من الحفاظ علي طبقة السطح وعلى هيئتها الأصلية, وسمح بتحريك التمثال بعد أن كان ذلك غير ممكن لهشاشته حيث أن الفحص لظهر التمثال اظهر العديد التشققات , كما أوضح الضعف الشديد للقشرة البرونزية التي تحمل النواة، وبسب هذه الهشاشة استبعدت إمكانية عرض التمثال بوضع عمودي.

وبعد تقوية النواة - حسب التقرير - تم تنظيف السطح البرونزي بمشرط مناسب مركب علي جهاز للترددات فوق الصوتية وهذا الجهاز سمح بالعمل الدقيق خاصة على منطقة النقش. وبعد تركيب القدم اليمنى بأجزائها، عولج سطح البرونز لإكمال الصوره العامة لتمثال.

ـ خصوصيته

ويقول التقرير ان تمثال "هوثر عثث " لم تنزع منه النواة الطينية كبقية التماثيل اليمنية القديمة وهذا اختلاف رئيس عن التماثيل اليونانية والرومانية وميزة خاصة اكتسبتها التماثيل اليمنية إضافة إلى خاصية نادرة في التمثال هي - حسب التقرير - ان نواة الجسم مجوفة , وتتشكل من طبقة متجانسة من الصلصال وضعت داخل الشمع (سمكها ما بين 30مم40مم ) وهو ما أظهرته صورة الأشعة.

ـ مواد التمثال

وحسب التقرير فقد مكنت الفحوصات الاولية لمكونات التمثال من تحديد المعدن الأولى (برونز بالرصاص ) استخدم في كل عمليات الصنع :الصب

الأولي , اللحام , الصب الثانوي.

كما افاد التقرير أن تمثال "هوثرعثث " يشبه في طرازه تماثيل مأرب التي عثر عليها في معبد آوان , كما أن ذارعي التمثال المكسورة حالياً كانت مثنية إلى الأمام , فاليد اليمنى - ربما - كانت مفتوحة للمباركة واليد اليسرى ربما كانت تحمل عصا.

ـ مُقدِّم التمثال

ورجحت الدراسة التي اعدها فريق الصيانة والفحص وفقا لما جاء في التقرير - ان مُقدِم التمثال ينتسب إلى الطبقة العليا في منطقة "نشقم" التي وجد فيها التمثال في محافظة الجوف . واعتبرت تمثاله فريداً في حجمه إذ يصل ارتفاعه إلى (140 سم ) أي أنه أعلى من تمثال معد يكرب بـ(50سم ) , وفي إتقان صناعته وفي رفاعة ودقة تفاصيله ,فالعينين كانتا مطعمتان , وبالرغم من هذه الفرادة إلا أن الصانع اليمني لم يكن على هامش التيارات الفنية في الألف الأول قبل الميلاد وهي الفترة التي اختلطت فيها التقاليد الإغريقية بالشرقية.

ـ نص النقش

ومما ورد في النص المنقوش على بطن التمثال بالخط السبئي بعد فك قراءته:هوثر عثث بن رضوئيل من أسرة شللم عبد ذو مذاب قدم للمقة سيد مستوطني نشقم تمثال من البرونز من بواكير غلاله التي أهداها أباه رضوئيل (بالإضافة ) للحيعث وابنه رأبعتث وكل نسائه وأبنائه, وممتلكاته ودياره في مأرب ونشقم ,وكل نخيله وكرومه ومزارعه في وادي نشقم حيث أعطاه المقة كل ما وعده به بعتثر و المقة وبذات حميم ,وبذات بعدنم ونشقم ونيدعال بنين ملك سبأ وسيده يشرحال والشرح ذي مذاب وبأبيه رضوئيل .

ـ مصدر التمثال

وأوضحت الدراسة في تلعيقها على النقش : من خلال القراءة التحليلية للنص المنقوش على بطن التمثال و المكتوب و المدون بالخط السبئي تبين أنه مقدم لـ(إلمقه) الإله الحامي لمملكة سبأ الذي يوصف في النص " سيد مستوطني نشقم " وهو ما دلل على ان مصدر التمثال هو مدينة نشقم القديمة

في الجوف و التي كانت مستوطنة سبئية.

كما تشير إلى أن تمثال "هوثر عثث" مقدم من عبد ذو مذاب ، ومذاب هو اسم الوادي الذي يسقي منطقة الجوف ,و كلمة (عبد) هنا تشير إلى شخص ذو مقام عال و من المحتمل أن ذو مذاب كانت في هذه الفترة عائلة تسيطر على جزء من الجوف تحت الإشراف السبئي .

ـ تأريخ التمثال

على الرغم من صعوبة تحديد تاريخ النقش و عمر التمثال كون اسم الملك لم يعط تاريخا محددا زيادة على وجود العديد من الملوك السبئيين الذين يحملون نفس الاسم وحكموا في فترات مختلفة , إلا انه من المحتمل - حسب الدراسة - أن يكون التمثال معاصراً لتمثال معد كرب الذي يؤرخ في القرن السادس الميلادي .

ويعد اللوفر من أهم المتاحف الفنية في باريس بل في العالم كله ً،ويحتوي على أكثر من مليون قطعة فنية سواء كانت لوحة زيتية أو تمثالاً,بالإضافة إلى مجموعة رائعة من الآثار الإغريقية والرومانية والمصرية - والتي يبلغ عددها 5664 قطعة أثرية،وعدد من اللوحات والتماثيل التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر الميلادي , وعشرات اللوحات النادرة لعباقرة الرسامين، تتصدرها تحفة ليوناردو دافنشي الموناليزا , ويزور المتحف سنوياً ما بين 7 إلى 8 مليون زائر.

سبأ

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة سياحة وأثار