علماء دين مصريون: الترابي غير مؤهل للفتوى وحديثه عن رجم الزاني وشهادة المرأة فرقعة إعلامية

الخميس 29 مارس - آذار 2007 الساعة 07 صباحاً / مأرب برس القاهرة:- الشرق ألأوسط - محمد خليل
عدد القراءات 6793

انتقد علماء دين فى مصر ما نسب للدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي المعارض في السودان من فتاوى مثيرة للجدل حول عقوبة الرجم للزاني المحصن ( المتزوج ) وانها لم ترد في الشريعة الإسلامية بل إنها مأخوذة من شريعة اليهود، وان الإسلام يطبق عقوبة الرجم فقط. فضلا عن فتواه بأن شهادة المرأة المتعلمة +تعادل شهادة أربعة من الرجال الجاهلين. وهي آراء سبق ان شرحها الرمز الاسلامي السوداني الشهير الدكتور حسن الترابي، في اكثر من مكان، واكثر من مناسبة، مطالبا باحداث تجديد في بعض الاراء الفقهية السالفة، وقد نشرت «الشرق الأوسط» طرفا من بعض اراء الشيخ الترابي، الا ان هذه الاراء لاقت معارضة مجموعة من المشايخ الازهريين في مصر، وفي السياق التالي نستعرض جانبا من هذه الانتقادات الازهرية.

فحول هذه الاجتهادات التي قدمها الدكتور الترابي مؤخرا، أكد بعض علماء الدين في مصر لـ«الشرق الأوسط» أن عقوبة الزاني المحصن (المتزوج) في الإسلام إنما هي من النصوص التي استقر عليها الفقه الاسلامى منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان وكذلك شهادة المرأة المسلمة التي أكدها القرآن الكريم بأنها تعدل نصف شهادة الرجل ولم يحدد القرآن أي امرأة سواء متعلمة أو غير متعلمة، وأن الدكتور الترابي غير مؤهل للفتوى في أمور الدين فضلا عن انه غير مؤهل لفهم الدين من قواعده الشرعية، معتبرين أن ما صدر عنه يعد من قبيل الرأي الشخصي الذي لا يعبر عن رأي الدين لأنه ليس بعالم دين.

* الرجم ثابت من جانبه قال الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر مقرر لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية: هذه قضية أثيرت قديما بين العلماء وقد استقر الرأي عندهم على أن عقوبة الزنا تختلف باختلاف الفاعل من حيث كونه متزوجا أو غير متزوج وهو ما يعبر عنه بالإحصان وعدم الإحصان وقد أيد عقوبة المحصن بالرجم بعض أحاديث ثابتة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها حديث رجم ماعز ورجم الغامدية، لافتا إلى أن كون العقوبة في الإسلام موافقة للعقوبة في اليهودية لا يعد طعنا فيها وإنما يدل على أن هذه العقوبة من مصدر واحد وهو الله المشرع ـ تبارك وتعالى ـ وقد كان اليهود في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد انكروها في حادثة زنا لبعض اليهود وطلب منهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجوع إلى ما في التوراة وتبين أن عقوبة الرجم موجودة في التوراة.

* شهادة المرأة أما فيما يتعلق بفتوى الترابي حول مساواته لشهادة امرأة متعلمة بشهادة أربعة رجال جاهلين فيقول الدكتور عثمان: هذا الكلام فيه مغالطة ويفتقد للدليل والمصداقية فضلا عن أنه جاء متصادما مع نصوص قرآنية صريحة وأحاديث صحيحة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالقرآن بين أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين في قول الله ـ تعالى ـ: «فاستشهدوا شاهدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من النساء».

ويؤكد الدكتور عثمان أن ليس لثقافة الفرد سواء كان رجلا أو امرأة دخل في الشهادة لان الشهادة هي متابعة أمر يحدث أمام الشاهد ويدركه وما يسمى بتحمل الشهادة وقد بين الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن الرجل يختلف عن المرأة في قوة التذكر وهو ما يشير إليه قول الله ـ تعالى ـ: «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى» والمسلمون مأمورون بطاعة الله ورسوله في جميع الأمور.

* هل الترابي مؤهل؟

وفي مداخلته حول هذه القضية يقول الدكتور محمد أبوليلة الأستاذ بجامعة الأزهر عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة: في البداية أحببت أن أتجاوز الكلام عن الخلفية الدينية للدكتور الترابي لكنني لم استطع حيث اتضح لنا أن مثل هذا الرجل غير مؤهل بتاتا لفهم الدين فضلا عن الإفتاء فيه لان للإفتاء والاجتهاد في الأمور الدينية رجالا وعلماء متخصصين ولا يصلح مثل هذا الرجل لتلك المهمة الخطيرة فهو رجل دارس للقانون فكان من الأحرى له أن يجتهد ويفتي في مجال تخصصه لان اجتهاده في مجال تخصصه ربما كان قد ينفع أكثر مما يضر، وهو يتجرأ ويفتي في أمور الدين بغير علم.

ويتابع الدكتور أبوليلة: وإذا سمحت لنفسي أن أتهم النية من وراء فتاوى الترابي، فأؤكد أنها لا تفيد المسلمين بل ربما قد تعمل على حجب الرؤية الصحيحة عن المشكلات التي تمر بها المجتمعات الإسلامية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب.

ويقول الدكتور أبوليلة: ليست عندنا مشكلة اليوم تسمى حد الرجم او بالحد عموما حتى يشغل الترابي نفسه بالحديث عنها ويشغلنا معه، كما أن ادعاءه بأن لا وجود لما يسمى بحد الرجم في الإسلام فهذا كلام مردود عليه لأنه لم يذكر لنا اي دليل على صحة كلامه اللهم إلا إذا كان يعتمد على أدلة العلمانيين وخصوم الإسلام فالرجم ثابت بالسنة النبوية والسنة لها قوة التشريع مثل القرآن الكريم، فقد أمر النبي بإقامة حد الرجم وقد حدث بالفعل في حياته وحياة الصحابة الكرام من بعده، موضحا أن الإسلام يهدف من تشريع الرجم الى الرحمة بالمسلمين وليس القسوة وايضا الى تطهير المجتمع من الفواحش التي تعاني منها مجتمعات اليوم، كما انه ليس الغرض منه المصادرة على الحريات.

  • دعوى باطلة ويوضح الدكتور أبوليلة قائلا :
  •  ادعاء الترابي بان حد الرجم مأخوذ من اليهودية دعوى باطلة لأنها تفتح بابا للطعن في السنة النبوية بان يدعي البعض بان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد نقل السنة عن اليهود وهذا ما لم يقبله العقل المسلم. أيضا هناك قاعدة شرعية يجب أن يستوعبها الترابي وهي شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد به ناسخ وبالتالي فإذا اتفق الإسلام مع اليهودية أو أديان أخرى في مسألة الرجم فليس معناه أن الإسلام قد أخذ من اليهودية أو غيرها لان سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي وحي من الله ـ تعالى ـ وبخاصة في مسألة الحدود والمسائل الكبرى في الإسلام فضلا عن أن اليهود لم يطبقوا حد الرجم في تاريخهم فالزعم بان الإسلام أخذ حد الرجم عن اليهودية زعم باطل، مشيرا إلى أن الرجم لم يكن ظاهرة في المجتمع الاسلامي حتى اليوم وانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يتخذ الاحتياطات والمحاذير لعدم إقامة الحد تاركا الامر لرحمة الله أو توبة الزاني أو الزانية وبالتالي فان عدد المرات التي أقيم فيها حد الرجم في الإسلام لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

أما فيما يخص فتوى الترابي بأن شهادة المرأة المتعلمة تعادل شهادة أربعة رجال جاهلين يقول الدكتور ابوليلة: ان قضية شهادة المرأة هي تشريع من الله وتشريع الله ملزم ولا يخضع للعقل او الاجتهاد مادام النص واضحا بنفسه، مشيرا إلى أن الآية القرآنية التي جعل الله فيها شهادة المرأة مساوية لنصف شهادة الرجل قد جاءت في أمور المعاملات، والمعاملات تحتاج إلى خروج المرأة ومواجهتها لأمور كثيرة قد لا ترى المرأة الدخول فيها، وقول الله ـ تعالى ـ: «إن تضل فتذكر إحداهما الأخرى» ومعناه إذا ثبت أن المرأة لم تضل وكانت واعية بأطراف القضية وكان الطريق أمامها سهلا للإدلاء بالشهادة قبلت شهادتها وحدها وعلى هذا ذهب بعض الفقهاء الأحناف، ثم أن هناك حالات لا يجوز ألا تقبل فيها إلا شهادة المرأة وحدها خاصة في القضايا النسائية.

* ما هو الجهل؟

أما الدكتور عبد الحي عزب عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فيؤكد أنه فيما يتعلق بأن شهادة المرأة المتعلمة تعادل شهادة أربعة رجال من الجاهلين فهو قول لا أساس له من الصحة وهو قول يخلو من الدليل الشرعي، حسبما يوضح الدكتور عزب الذي يضيف: العقل الذي غالبا ما يستند إليه كدليل عقلي في الأمور الشرعية يرفض ذلك لان الشهادة من المفترض فيها العلم . ويوضح الدكتور عزب قائلا: إذا قلنا شهادة رجل جاهل فما المقصود بالجهل هنا ؟ ليس المقصود بالجهل الجهل المطلق وإنما المقصود الجهل بأمور الشهادة، وهذا أمر يستوي فيه العالم والجاهل على السواء وكذلك يستوي فيه الرجل والمرأة، فشرط الشهادة إدراك الشاهد إدراكا تاما وعلمه علما تاما بما يشهد عليه، هذا هو المراد بالعلم وليس المراد بالعلم ان يكون الإنسان متعلما او جاهلا، والله تعالى يقول: «فاستشهدوا شاهدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من النساء» بمعنى ممن ترضونهم ممن شهدوا الواقعة واحاطوا بها، مشيرا إلى أن الشارع الحكيم قد جعل شهادة المرأة في بعض الأمور وليس كل الامور نصف شهادة الرجل حيث يتراوح الأمر بين جسامة الموضوع وعدمه فاذا كان الموضوع من الأمور الخطيرة التي يمكن ان يكون للعاطفة فيها تأثير هنا يجنب الشارع المرأة ويلات الأمر الخطير حفاظا على كرامتها وليس حطا من شأنها، وحينما يكون هذا أمر القرآن فهل لنا أن نجادل أو نناقش او ندعي علما أعلى من علم الخالق. وفيما يتعلق بقول الترابي بأن الرجم للزاني من شريعة اليهود يقول الدكتور عزب: إن هذا القول فيه مناقضة لأنه إذا كان هذا موجودا في شريعة اليهود ونحن نؤمن بان شريعة اليهود الحقيقية هي من عند الله لان الإسلام جاء وأخذ بما في الديانات الأخرى ثم أكملها بالنظام الأسمى وبالتالي فان شرع من قبلنا هو شرع لنا ما لم يرد به ناسخ. ويؤكد الدكتور عزب إن عقوبة رجم الزاني المحصن ثابتة في الإسلام بنص القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

* ضوابط إفتاء الدكتور عمر مختار القاضي الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو الأمانة العامة لرابطة الجامعات الإسلامية شدد على ضرورة وضع ضوابط لمن يتصدون للإفتاء في العالم الاسلامي لأنه لا يجوز الإفتاء في أمور الدين إلا للمتخصصين من الدارسين للعلوم الدينية والمؤهلين منهم، وبالتالي يجب على الدكتور الترابي ومن على شاكلته أن يكف عن الإفتاء بغير علم وعليه أن يفتي في المسائل القانونية التي تخصص فيها بدلا من إقحام نفسه في مجال ليس من مجالات تخصصه ليريح المسلمين من أقواله التي تفتقد إلى الدليل الشرعي والتي تعمل على إثارة الفتنة والبلبلة في المجتمع الإسلامي.

وألح الشيخ القاضي على أنه لا يجب على العلماء أن يضيعوا وقتهم في الرد على رجل لديه حب الظهور الاعلامي لان ما أثاره من شبهات كلها مردود عليها مثل شهادة المرأة التي تعادل نصف شهادة الرجل ثابتة بنص القرآن الكريم. ويتساءل الدكتور القاضي: هل يريد الترابي أن يغير القرآن كذلك حد الرجم للزاني المحصن فقد ثبت في السنة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد رجم ماعز والغامدية.