عسكرة الفردوس... الجزء الثاني ؟

السبت 17 مارس - آذار 2012 الساعة 04 مساءً / مأرب برس - خاص
عدد القراءات 3450
 
 

مجلة ذا ديبلومات - الدبلوماسي

بقلم : جي بيركشير ميلر

ترجمة : مهدي الحسني

ارخبيل سقطرى الذي يقع في المحيط الهندي، يوصف عادة بفردوس الارض الغريب. شاءت الاقدار ان يكون الارخبيل ايضا ذو قيمة استراتيجية هائلة بالنسبة للولايات المتحدة و الدول الاسيوية

عام مر على الربيع العربي الموحل، من المغرب العربي حتى المحيط الهندي. اليمن، تلك الدولة غير المعروفة، عانت كثيرا من الاضطرابات نتيجة لموجة التغيير السياسي التي اشعلها انهيار الانظمة المضمحلة في شمال افريقيا

في الحقيقة كان الصراع منذ عقود يعتمل في تلك البلاد المضطربة، تغذيه اشباح الحروب الاهلية في اليمن، العصبية القبلية، القرصنة, تهريب الاسلحة و القاعدة. و بالرغم من ازاحة علي عبدالله صالح من السلطة و انتخاب زعيم جديد كما راينا مؤخرا، الا ان البلاد ما زالت تتارجح على شفى حرب اهلية

و بالرغم ان عناوين الاخبار الرئيسية تركز على احداث مثل ان تزعم الاخبار ان الجيش الامريكي قتل 18 من عناصر القاعدة في اربع غارات جوية في البلاد، الا ان الاهتام المتنامي من قبل الخطاب (العشاق) مثل الصين و روسيا و الولايات المتحدة بمجموعة من الجزر اليمنية الصغيرة التي يطلق عليها عادة اسم الفردوس و هي عبارة عن مكان ليس له مثيل على وجه

الارض – يشبه مخلوقات الفضاء الخارجي

يقع في المحيط الهندي الى الشرق من خليج عدن، و لا يفصلها سوى 80 كيلومترا من ذراع الساحل الصومالي الممدودة، انه ارخبيل سقطرى الشاعري، الذي تم تصنيفه مؤخرا من قبل اليونيسكو، هو جزء لا يتجزا من اراضي السيادة اليمنية

و نظرا لعزلتها عن العاصمة صنعاء، فان ذلك منح سقطرى مهلة متواضعة من الصراع القبلي المتفجر في اليابسة. و بالمناسبة فان عزلتها الجغرافية تعني ايضا ان ثلث الحياة النباتية في الجزيرة فريدة من نوعها و لا توجد الا في سقطرى

تاريخيا فان الموقع الجيوستراتيجي للارخبيل، ضمن له تاريخ حافل بالعديد من الغزاة الاجانب، و يشمل ذلك الحكم البرتغالي في القرن السادس عشر و الذي لم يدم طويلا، اعقبه السلطنة التي فرضت من قبل بريطانيا في نهاية القرن التاسع عشر. و حديثا حكمت سقطرى من قبل سلطنة المهرة، و كان نظاما شبه مستقل تحت انتداب المحمية البريطانية

تم حل السلطنة في 1967 بعد ان راى البريطانيون ان عبثهم الاستعماري في اليمن كلفهم الكثير من الدماء الملكية و المال للاستمرار في تقديم الحماية. و قسمت الدولة اليمنية الى شمال و جنوب حيث بقيت سقطرى تحت مظلة الجنوب

و بالرغم ان سقطرى استطاعت بشكل كبير ان تبتعد عن الاضطرابات التي تحدث في البلاد الام – اليابسة – الا ان اهميتها الاستراتيجية تعني الكثير للحكومة في صنعاء، بغض النظر عن نتائج الازمة الراهنة. قربها الجغرافي من القرن الافريقي و الجزيرة العربية حشد لها اهتمام عدد من الخطاب (العشاق) الدوليين، و حكومة صالح بالتاكيد لم تكن تغفل قيمة سقطرى، و قد عقدت اجتماعات مع كبار المسؤولين الامريكيين ناقشت خلالها تطوير الموقف الدفاعي لارخبيل سقطرى

 

ان الاهتمام الامريكي بسقطرى ليس مفاجاء اذا ما اخذنا بعين الاعتبار التحول الجيوستراتيجي للحرب على الارهاب من التركير على جنوب اسيا الى شبه الجزيرة العربية و شرق افريقيا. و بينما عزز موت اسامة بن لادن و بدون شك من هذا التحول في الاهتمام، الا ان ذلك يعد فارقا بسيطا، لان التركيز كان قد بدا بالتحول منذ العام 2009 عندما قامت القاعدة في شبه الجزيرة العربية بتجديد حملتها عبر هبة من الهجمات التي استهدفت مصالح امريكية. المسؤولون في اجهزة الاستخبارات كانوا قد اعلنوا ضمنيا و في بعض الاحيان لم تكن سريا، اعلنوا ان القاعدة في شبه الجزيرة العربية اصبحت الهدف الرئيسي لعمليات مكافحة الارهاب في الاشهر الاخيرة الماضية

سقطرى قطعة ارض هامة جدا عندما يتعلق الامر بردع الهجمات الارهابية التي تنطلق من اليمن و الصومال. كما انها مهمة لحماية خطوط التجارة المؤدية الى اسيا، و قد يكون لها دور مستقبلي كمركز بحري لتحصين تجارة الشحن الدولي و التي تعد امر حيوي بالنسبة لسلسة الامداد العالمي

تعمل سقطرى كالاشارة المرورية التي تنظم عملية السير بين خليج عدن و البحر الاحمر، و دورها في تامين الحماية البحرية يجب ان يحتل الصدارة من حيث الاهمية ليس فقط للولايات المتحدة و الصين، و لكن ايضا للاعبين الاقليميين مثل السعودية و مصر و اسرائيل

في الواقع، هذا الامر يثير اهتمام باقي الدول الاسيوية اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان معظم الحركة البحرية هناك تتمثل في ناقلات نفط متجهه نحو اليابان و الهند. و كما اشار مؤخرا نيتن جوكالي من مجلة ذا ديبلومات، فان تلك الدولتين التزمتا بحشد جهودهما مع الصين لحماية هذا الخط البحري التجاري الهام

ان السفن التي تمر بقناة السويس، عليها ايضا ان تمر بالمياة السقطرية و هذه اهم مرحلة في عملية التجارة البحرية بين اوروبا و اسيا. المشكلة هي ان خليج عدن و مدخل المحيط الهندي مصابين ببلاء القرصنة. و بالرغم ان معظم هجمات القرصنة تتم بالقرب من الساحل الصومالي، الا ان بعضها يحدث بالقرب من اليمن، و هناك ايضا علاقة وثيقة بين تجارة الاسلحة في اليمن و تجمع القراصنة في الصومال

ان عمليات القرصنة المجاورة للقرن الافريقي تعمل على تلويث التجارة البحرية و تهدد سلسلة الامداد العالمي. و وفقا لمكتب التجارة البحرية الدولية، فقد كان اكثر من 24 هجوما على سفن تجارية من قبل قراصنة قبالة السواحل الصومالية في الشهرين الاولى من هذا العام. كان هناك نحو 300 حادث مشابه العام الماضي

و بالرغم ان خسائر القرصنة تختلف من دولة الى اخرى، الا ان الجميع يتفق على القرصنة بالقرب من خليج عدن تكلف الاقصتاد العالمي اكثر من 9 مليار دولار سنويا بحسب بعض التقديرات، يصل نصيب سلسلة الامدادات الاسيوية من تلك الخسائر الى مئات الملايين من الدولارات. و تلك الخسائر لا تعني الفديات التي يطلبها القراصنة، لكنها تشمل عناصر الاقتصاد الكلي مثل تراجع صناعة الصيد البحري في المنطقة، اهتزار هيبة و سمعة دول المنطقة كشركاء تجاريين موثوقين، بالاضافة الى التراجع في السياحة

ما هو الحل اذن؟

ان الطريقة الامريكية في الحل من خلال عسكرة سقطرى ستعتمد بشكل كبير على سياستها الكبرى في اليمن و ترتكز على نتائج الاضطرابات هناك. و بخروج صالح اليوم من السلطة، فانه سيكون على الولايات المتحدة ان تتفاوض مع شريك اكثر مرونة في صنعاء. و لن تكون الولايات المتحدة الامريكية هي الخاطب الوحيد. هناك تقاير نفاها مسؤولون في كلا الطرفين، تتحدث عن رغبة روسيا في انشاء قاعدة بحرية في الجزيرة. و تقبع اليوم السفن الروسية في المياة الاقليمية اليمنية لمحاربة خطر القرصنة على سفنها، فمن المنطقي ان تسعى روسيا الى اضفاء طابع رسمي على تواجدها هناك

الصين بالمثل قامت بضخ استثمارات هائلة في احد الموانئ الباكستانية في المحيط الهندي حيث تحتفظ بمصالح كبيرة في عملية تنظيم التدفق السلس للتجارة البحرية في اسيا. البحرية الصينية خصصت جزء من مصادرها لحماية مصالحها في القرن الافريقي، و ستظل لاعبا هاما في صياغة المشهد الاستراتيجي للمنطقة

كوريا الجنوبية صاحبة الاستثمارات الكبيرة في المنطقة هي الاخرى تبحث عن دور لها في مرحلة ما بعد صالح. و قد ابدت سيول رغبتها في مكافحة القرصنة في المنطقة من خلال تكريس مبالغ مالية و معدات عسكرية لتدريب الجنود في الامارات العربية المتحدة

تبقى اليوم سقطرى وجهة سياحية للغواصين و المصورين. و لكن في المستقبل القريب قد تغدو الجزيرة الفردوس قطعة للتفاوض الاستراتيجي الذي ستحدده علاقة اليمن بالولايات المتحدة و دول اسيا

اكثر خبر قراءة عين على الصحافة