كيف تفادى صالح سلة الرؤساء المخلوعين، وفوت على معارضيه فرحة الانتصار بإخراجه من السلطة..؟

الخميس 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 الساعة 12 صباحاً / مأرب برس/ ماجد الجرافي
عدد القراءات 24692
 
  

لم يفق الشارع اليمني بعد، من هول المفاجأة غير المتوقعة، عقب توقيع الرئيس علي عبد الله صالح، على المبادرة الخليجية، فقد كان الجميع يراهن على عدم توقيعه عليها، باستثناء قلة قليلة كانوا يرون بأنه حتى إذا وقع عليها فإنه لن ينفذ منها شيئا.

لقد وقع صالح على رحيله عن السلطة، وبرزت علامات استفهام كبرى لا زالت تبحث عن إجابات شافية، بخصوص مستقبل اليمن، والسيناريوهات المستقبلية للأزمة الراهنة، وهل سيكون هذا التوقيع على المبادرة الخليجية، بداية للخروج من الأزمة، أم أنه سيكون بداية لأزمة جديدة، ربما تكون أشد من الأزمة الراهنة، خصوصا وأن هناك سوابق سجلها التاريخ لصالح، عقب التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق، التي انتهت بإعلانه حرب صيف 1994 ضد شركائه في دولة الوحدة.

غير أن التساؤل الأهم هو لماذا وقع صالح على المبادرة الخليجية، بعد كل هذا العناء والمراوغة، والدماء التي سالت، فقد كان بمقدوره أن يوقع على المبادرة الخليجية قبل أن تستفحل الأزمة اليمنية وتتشعب إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم.

«مرغم أخاك لا بطل»

هناك من يرى بأن صالح لم يوقع على المبادرة الخليجية، إلا مرغما، بعد أن انتهت جميع أوراقه التي كان يراهن عليها منذ بداية الأزمة، غير أن هناك من يرى عكس ذلك، بأن صالح وقع على المبادرة الخليجية بعد أن أمن جميع متطلبات عدم تنفيذه للمبادرة، وانقلابه عليها، وبين هذين الرأيين يعيش الشارع اليمني في حيرة كبيرة، مما تخفيه الأيام القادمة تطورات، خصوصا وأن خطاب صالح عقب توقيعه على المبادرة الخليجية، لم يكن مبشرا، وداعيا للتفاؤل كما يؤكد البعض.

حيث بدا صالح واثقا من بقائه، عندما قال بأنه يرحب بالمعارضة أن تكون شريكا في إدارة البلاد، وعندما دعا المجتمع الدولي ودول الخليج إلى أن يراقبوا تنفيذ الاتفاق بدقة، وكأنه كان واثقا بأن هناك أمرا ما سيحدث، ويجب أن يراقبه المجتمع الدولي بدقة، كي يثبت بأن خصومه السياسيين، هم من سيعرقلون جهود التسوية السياسية والانتقال السلمي للسلطة.

ثم إن صالح أشار في حديثه عقب التوقيع على المبادرة إلى أنه سيكون عونا رئيسيا لحكومة الوحدة الوطنية القادمة، وفي هذا تلميح كما يرى البعض إلى أن الرجل لا زالت لديه الرغبة في البقاء في السلطة بشكل أو بآخر، رغم أنه وفقا للمبادرة التي وقع عليها يعتبر رئيسا فخريا، ولا علاقة له بحكومة الوحدة الوطنية، ويفترض أن يتفرغ لترتيبات مغادرته لدار الرئاسة، وليس له أي صلاحيات فيما يخص إدارة البلاد.

كما أن حديثه عن حادث النهدين فور توقيعه على المبادرة الخليجية يكشف عن نوايا انتقامية لا زالت تسيطر عليه، وهو ما تنبه إليه العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما علق على حديث صالح، بالتعبير عن أمنيته بأن يتخلى اليمنيون عن أي مشاعر انتقامية، وأن يتجهوا إلى بناء وطنهم.

تفاؤل مشوب بالحذر

ربما كانت توقعات البعض صحيحة، في أن صالح وقع على المبادرة الخليجية في سياق خطة دقيقة رتب لها بدقة بهدف إدخال الأزمة اليمنية في دوامة جديدة من الصراع، الذي قد يكون داميا أكثر من أي وقت مضى، وليس بهدف إنهاء الأزمة وتسليم السلطة كما هو مفترض.

وهذه الرؤى المتشائمة، أو على الأقل غير المتفائلة بتوقيع صالح على المبادرة، ربما كان هناك ما يبرر لها تشاؤمها وعدم تفاؤلها، نظرا لسوابق صالح ومراوغاته المعهودة طيلة 33 عاما من حكمه، غير أنه ورغم كل ذلك يمكن القول بأن المعارضة اليمنية قد حققت إنجازا حقيقيا بإرغام صالح على التوقيع على المبادرة الخليجية، بعد أن ضيقت أمامه كل السبل، وتمكنت من حشد الرأي العام الدولي والإقليمي لصالحها، وإن كانت قد قدمت بعض التنازلات الضرورية لإزالة جميع الذرائع التي كان صالح يتذرع بها للتملص من التوقيع على المبادرة.

النصر الذي حققته المعارضة بإرغام صالح على توقيع المبادرة الخليجية، أكده خطاب صالح فور توقيعه على المبادرة، حيث أن حديث صالح عن حادث النهدين في مثل ذلك المقام، كشف بجلاء عن نوايا انتقامية، ما كان صالح سيكشف عنها لو أنه كان يرى في أن توقيعه على المبادرة لن يكون انتصارا يحسب للمعارضة.

لقد كان صالح حتى آخر لحظة قبيل التوقيع على المبادرة الخليجية، حريصا على أن يحرز أي نصر على معارضيه، ولو تحقق له شيء من ذلك لما أبدى أي نوازع انتقامية حيال معارضيه في خطابه الأخير، تجاه من أرغموه على التوقيع على المبادرة الخليجية، وانتصروا على خبرة 33 عاما من تربعه على كرسي الرئاسة دون أن يتمكن أحد من منازعته فيه.

نهاية صالح

كان صالح قبل أن يمسك القلم الذي وقع به على تنحيه عن السلطة، يدرك بكل تأكيد بأنه لن يكون أقوى بعد التوقيع على المبادرة، وبأن توقيعه هذا سيكون له أثر سلبي في نفوس مؤيديه، ولهذا فإنه كان خلال الأيام الماضية قد حاول أن يواسيهم مقدما، عندما أكد خلال خطاباته الأخيرة، التي خاطب فيها مناصريه، قائلا: «حتى وإن رحلت أنا أنتم ستظلون».

ربما لا زال صالح يبحث عن فرص جديدة للمناورة والمراوغة، بهدف عرقلة تنفيذ الاتفاق الموقع وإفشاله، غير أن هامش المناورة هذا لن يكون أوسع من السابق، فلن يجد صالح بعد أن تعهد أمام العالم أجمع بتسليم السلطة لنائبه، مجالا للمراوغة كانت قبيل توقيعه أوسع بكل تأكيد.

كما أن مناصريه الذين كانوا يراهنون على بقائه في السلطة، لن يكونوا بذات الحماس السابق، بعد أن مثل لهم توقيعه على المبادرة شعورا بالهزيمة، لن يكون من السهولة محو آثارها، خصوصا بعد أن أدركوا بأن رحيله لم يعد مطلبا يمنيا، وإنما استحقاق دولي وإقليمي قبل أن يكون يمنيا، وبالتالي فإن شريحة واسعة ليس فقط من مناصريه في الشارع اليمني، وإنما من معاونيه أيضا سيبدؤون بترتيب أوضاعهم لما بعد صالح.

لقد فقد صالح هيبته التي كان يستمدها من كونه رئيسا للدولة، وأثبت لمناصريه بأن معارضيه أصبحوا الطرف الأقوى في المعادلة السياسية، وبالتالي فإن شرائح واسعة من مناصريه لن يجدوا بدا من التسليم بأن المستقبل لم يعد في السباحة عكس التيار، كما أن الفئة الصامتة التي ظلت تراقب الوضع عن كثب طوال الأشهر العشرة الماضية، لن تجد حرجا في الارتماء بكل ثقلها على الكفة الراجحة، خصوصا بعد أن زالت معظم التخوفات التي كانت تحول بينها وبين ذلك سابقا، نظرا لضبابية المشهد، وعدم اتضاح الرؤية لديها.

هذا الانتصار الذي حققته المعارضة، تؤكد جميع الشواهد بأنه لم يكن ناتجا عن قوة المعارضة، ولكنه كان نابعا من ضعف صالح، الذي أجبر السعودية ومجلس الأمن الدولي ودول الخليج العربي، إلى الدفع باتجاه تسليم صالح للسلطة.

سلة الرؤساء المخلوعين

لقد تفادى صالح بكل تأكيد، السقوط في سلة الرؤساء المخلوعين، ليس هذا فقط، ولكن أحدا لا يستطيع أن يجزم حتى الآن بأن صالح أصبح رئيسا سابقا لليمن، وبأن نائبه قد أصبح رئيسا لليمن بالرغم من توقيع صالح على تنحيه.

المعارضة أيضا لا تستطيع أن تجزم بأنها قد أزاحت صالح من السلطة، رغم أن شباب الثورة يحتفلون بتحقق الهدف الأول من أهداف ثورتهم، وإن كانوا يعارضون منح صالح أي ضمانات من الملاحقة القضائية، ويؤكدون بأن الهدف الثاني من أهداف ثورتهم هو محاكمة صالح، وبأن فرحتهم الحقيقية ستكون بمحاكمته وليس بإزاحته من السلطة، ما يعني بأن صالح قد تمكن من النيل من فرحة معارضيه بتنحيه عن السلطة، وفرحة الساحات الثائرة ضده بإسقاط نظامه.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة سوبر نيوز