ساجدة الريشاوي كشفت للمحققين أن زوجها اصطحبها الى عمان و«فخخها» من دون علمها

الإثنين 15 مايو 2006 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس
عدد القراءات 3963

الريشاوي، (36 عاماً) متهمة رئيسية في جريمة تفجير فنادق عمان الثلاثة، بتخطيط من تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، بقيادة الأردني الطريد أبو مصعب الزرقاوي، والتي أودت بحياة 60 شخصاً، غالبيتهم من الأردنيين الذين كانوا مدعوين الى حفلة زفاف في فندق «الراديسون ساس»، في عملية ضربت العمق الاقتصادي والاجتماعي والأمني، في مملكة تميزت على الدوام بكونها واحة استقرار في جوار سياسي مضطرب.

تمثل إمام محكمة امن الدولة الأردنية اليوم العراقية ساجدة الريشاوي، وهي اول امرأة تحاكم في تاريخ المملكة، والعالم العربي، بتهمة تتعلق بالإرهاب وفي قضية خلافية، وضعت الجسم القانوني بين نار الاستنكار الشعبي لبشاعة الجرم، وواجب توفير حق الدفاع القانوني لكل متهم.

< سيكون هذا الظهور الثالث للريشاوي إمام هيئة المحكمة، لكن هذه المرة، برفقة المحامي حسين المصري، الذي يتحدر من عشيرة شرق أردنية، كلفته المحكمة قبل أسبوع الدفاع عنها، بعد أن رفضت نقابة المحامين الأردنية طلباً سابقاً من المحكمة، في سابقة أثارت جدلاً في أوساط المحامين، وان بقي يدور خلف الأبواب المغلقة.

وستسأل الريشاوي عما إذا كانت مذنبة أو بريئة من تهمتي المؤامرة بقصد القيام بأعمال ارهابية من خلال استخدام مواد مفرقعة، وحيازة مواد متفجرة من دون ترخيص قانوني بقصد استخدامها على وجه غير مشروع، بموجب التهم المسندة إليها من النيابة العامة، والتي تصل عقوبتها الى الإعدام، في حال ثبوت تورطها.

تعقد جلسات المحكمة داخل قاعة كبيرة خلف أسوار مركز إصلاح وتأهيل الجويدة ( 20 كيلومتراً) شمال عمان، بدلاً من المبنى الرئيسي لمحكمة امن الدولة في منطقة ماركا، وذلك لأسباب أمنية ولقطع الطريق على من قد يخطط لنصب كمين مسلح للسيارة المخصصة لنقل الموقوفين، من المحكمة وإليها، أو مهاجمة القاعة، لتحرير «الرهائن».

جهزت القاعة قبل عام، مع تزايد محاكمات الخلايا الإرهابية المفترضة فى الاردن، بعد ان تحول العراق إلى قاعدة لتصدير الإرهاب إلى دول الجوار منذ انهيار نظام صدام حسين عام 2003.

إجراءات سير المحاكمة، أصبحت مكتملة قانونياً، بعد أن وافق المصري، الذي يحمل إجازة في الحقوق من جامعة بيروت العربية منذ عام 1985، على الاختيار المفاجئ الذي وقع عليه، على الأغلب لأنه سبق له أن ترافع في قضايا مماثلة، منها محاولة تهريب أسلحة عبر البحر الأحمر، وأخرى للقيام بأعمال ضد أميركا في العراق.

وقال المصري في لقاء مع «الحياة» في مكتبه بعد عودته من لقائه الأول مع الريشاوي، والذي دام نحو نصف ساعة في غرفة مخصصة للزيارة داخل سجن الجويدة، وبحضور شرطي ومجندتين، انه قرأ ملف القضية وبات جاهزاً للمرافعة في واحدة اعتبرها «من أشهر المحاكمات في الأردن، التي ستكون لها سوابق قانونية كثيرة، ليست بالسهلة».

وأضاف، انه وجد الريشاوي منهكة، وأبلغته أنها اعترفت تحت «الإكراه» وأنها لم تكن على علم بالعملية التي استهدفت فنادق عمان.

وأشارت، إلى أنها «أحضرت» من بغداد إلى عمّان، من دون أن تدرك هدف السفر، بعد أن اصطحبها قرينها المفترض، علي الشمري، ورجلان آخران، من منزلها في منطقة الرمادي في صحراء العراق الغربية، والمعروفة باسم مثلث المقاومة السنية، «لإتمام مراسم الزواج».

وأضاف أنها لاحظت أن وقتاً طويلاً مر على بدء الرحلة، لكن بسبب تشابه تضاريس الصحراء المترامية بين غرب العراق وشرق الأردن، لم تكن تدري أنها ستغادر بلدها إلا عندما وصلت إلى نقطة الحدود، وشاهدت سيارات، وعندها «ثارت وبدأت بالعتاب».

وفي التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ألبسها قرينها المفترض حزاماً (ناسفاً) من دون أن تدرك مغزاه، واصطحبها معه إلى الفندق، وفجر حزامه أمام ناظريها، داخل قاعة حفلة الزفاف، بحسب ما نقل المصري.

وحاولت الريشاوي أن تفك حزامها، «لكنها لم تستطع كونها غير مدربة، ولا تعرف كيف ينفجر»، بحسب ما أضاف المصري، استناداً إلى روايتها.

من الفندق استقلت سيارة أجرة، وهربت إلى منزل أهل زوج شقيقتها، وهو أردني أصولي ينتمي إلى تنظيم «القاعدة»، قيل إنه قتل في المعارك مع الجيش الأميركي داخل العراق. وسارع أهله إلى تسليمها إلى أجهزة الأمن، بحسب المصري.

ما أورده المصري هو أول تسريب على لسان الريشاوي، منذ أن اعترفت بضلوعها في تفجيرات عمّان، عبر التلفزيون الرسمي الأردني بعد أيام من وقوع التفجيرات، عندما قالت إن زوجها ألبسها الحزام، ودربها على استعماله، قبل توجههما إلى الفندق. واعترفت في حينه بأنها فشلت في سحب صاعق حزامها الناسف بعد ثوان من إقدام قرينها على تفجير نفسه داخل حفل العرس في الفندق، وهربت إلى الخارج مع جموع المذعورين.

وقال المصري إن «علامات القلق والاضطراب بدت على ملامح موكلتي» لافتاً إلى أنها أبلغته أنها لا تعرف ماذا حدث معها. واستنتج من إجاباتها أنها تعاني من مرض نفسي. فعندما أبلغها المحامي عن خطورة التهم المسندة إليها، واحتمالات وصولها إلى حبل المشنقة سألته الريشاوي: «متى سيرحلوني» إلى العراق؟ «وكررت ذلك السؤال نحو تسع مرات خلال اللقاء».

وقال المصري انه سيطعن في إجراءات التحقيق، وقال: «سوف أثير احتمال مسألة مرضها بعدما قالت لي أنها تعاني من مرض نفسي مثل أختها...». ولم تذكر له اسم الحالة المرضية التي اضطرتها الى تلقي العلاج لفتره قبل أن توقفه.

وتقول مصادر مقربة من التحقيق إن الريشاوي التي أمضت فترة في زنزانة انفرادية أثناء عملية التحقيق داخل مبنى دائرة الاستخبارات العامة، شخص غير اجتماعي. واضافت «شخصية الريشاوي غريبة ومهزوزة، لكنها في الوقت نفسه مدربة على يد إخوانها (وأحدهم ثامر الريشاوي، معاون الزرقاوي وقد قتل في معارك الفلوجة قبل عامين)، وأحياناً كثيرة كانت تبدي قدرة عالية على التركيز، وعلى اصطناع الغباء، لخداع المحققين». علماً ان احداً من اهلها لم يرها منذ اعتقالها.

وأكد مسؤول امني أن الريشاوي أبلغته أنها ما زالت عذراء، على رغم أتمام عقد زواج شرعي مع الشمري، الذي ارتبطت به بعد أن تعرفت إليه من طريق ابن عمها.

وكانت تسريبات رسمية أكدت بعد اعتقالها بأيام أن زواجها بالانتحاري الثالث كان صورياً، لتبرير خروجها برفقة رجال، في مجتمع محافظ وتقليدي ومتدين، بغية القيام بعملية انتحارية، «لكي تضرب أميركا ومصالحها، وتثأر لمقتل شقيقها ثامر، وزوج اختها». وأنكرت الريشاوي، بحسب المصري، أي معرفة شخصية بالزرقاوي، المحكوم عليه بالإعدام غيابياً ثلاث مرات.

وجاء في قرار الاتهام الموجه الى احد عشر مشتبهاً بهم أن الزرقاوي، زوّد الأردني مازن شحادة وثلاثة عراقيين من بينهم هيام خالد حسن بأحزمة متفجرة ناسفة أدخلوها إلى الأردن قبل 45 يوماً من حصول التفجيرات.

وأضاف المصري انه «لن يبخل عليها في تقديم الدفوع، وأقصى المستطاع من المساعدة، لأن الرأي العام والناس سمعوا من طرف واحد، (الاتهام)، ولم يسمعوا من الطرف الأخر، (المتهمة) والتي لا يجب الحكم عليها مسبقاً، وقد يكون عندها ظروف معينة، وقد تدان أو لا تدان وتكون غير مسؤولة».

وقال محامون أن تكليف المصري لا يخالف قرار نقابة المحامين التي رفضت في نهاية الشهر الماضي طلب المحكمة تعيين محام عنها، وأعادت الطلب إلى المحكمة في فعل ورد فعل غير مسبوق أثار جدالاً حول اسبابه، وأظهر نوعاً من الازدواجية، خصوصاً أن مجلس النقابة درج عادة على تعيين محامين عن المتهمين في قضايا الحريات العامة والقضايا السياسية والإرهاب، اضافة الى ان نقيب المحامين، صالح العرموطي، عضو في فريق الدفاع عن الرئيس صدام حسين.

محكمة أمن الدولة، بحسب القائمين عليها، أرادت أن تضمن النزاهة والشفافية في التعامل مع قضية خلافية في أوساط الرأي العام، ومع أهالي الضحايا، فطلبت من النقابة تعيين محام تماشياً مع القانون الذي يطلب من المحكمة تعيين محام للمتهم غير القادر مادياً على تكليف محام للدفاع، اذا كان يواجه عقوبة الأشغال الشاقة أو الإعدام.

بدوره رفض العرموطي الخوض في الأسباب الموجبة والضمنية لرد الطلب، وأعاد التأكيد على ما أسندته النقابة في اعتذارها من المحكمة لجهة ان «مرجعية تعيين محامٍ للدفاع عن المتهمة، هي رئيس المحكمة وفقاً لما يراه مناسباً وليس للنقابة». وأشارت النقابة الى أن توكيل محام للدفاع عن المتهمة «كان من المفترض أن يتم في مرحلة التحقيق معها وفقاً لأحكام المادة 63 من قانون أصول المحاكمات الجزائية»، لافتة أن حضور محامٍ أثناء التحقيق من شأنه وضع الضمانات الأساسية للتحقيق.

وعلى رغم توافق محامين وقانونيين مع ما ذهبت إليه النقابة في رفضها، إلا أن بعضهم يأخذ عليها عزوفها عن توكيل أو تسمية محامٍ للدفاع عن المتهمة، لأمور «سياسية» وفق المحامي عاصم ربابعة، مدير عام مركز «عدالة لدراسات حقوق الإنسان» الذي اعتبر أن «الأصل القانوني ومواثيق حقوق الإنسان تنص على حق المتهم، في محاكمة عادلة بوجود فرقاء الادعاء والدفاع»

ولا يرى وزير العدل ورئيس المجلس القضائي الأسبق طاهر حكمت إن موقف النقابة أو محكمة أمن الدولة «ذو أبعاد سياسية»، لافتاً الى أن طلب المحكمة «يمكن أن يستهدف إظهار المحكمة بمظهر الحياد المفترض». وأضاف: «ربما رأت محكمة امن الدولة أن لجوءها الى نقابة المحامين لتعيين محام يعزز من حيادها».

وإذ شدد حكمت على أن قرار نقابة المحامين المتخذ «سليم»، لفت الى أن قانون النقابة وفي المادة 100 منه يعطي نقيب المحامين الحق في تكليف أي محام لمتهم يثبت عدم قدرته على دفع اتعاب محاماة، مشيراً الى انه لا يوجد في قانون النقابة ما يعطي الحق لمجلسها أو للنقيب في التحرك في هذا الصدد بناء على طلب جهة أخرى حتى لو كانت محكمة.

وتابع: «أنا أرى انه طالما أن الجهتين، المحكمة ونقابة المحامين، استندتا إلى نصوص قانونية صحيحة فإنه لا مجال لتحميل الإجراءات التي جرت أي مضمون سياسي».

في المقابل، لم يخف النائب الإسلامي والمحامي زهير أبو الراغب اعتقاده بأن نقابة المحامين كان عليها أن تقوم بتوكيل محام للدفاع عن المتهمة على قاعدة حق المتهم بوجود محام له في مثل تلك القضايا.

وقال إن موقف نقابة المحامين في رفض توكيل محامٍ عن المتهمة نابع من أمرين «أولهما إعطاء انطباع للمواطنين والرأي العام بأن النقابة ترفض التوكل عن متهمة ساعدت وأقدمت على أفعال إرهابية أودت بحياة أبرياء أردنيين، وثانيهما وجود قصور قانوني في القضية تمثل في عدم قيام المدعي العام بطلب توكيل محامٍ قبل البدء بإجراءات التحقيق وليس عند تقديم المتهمة للمحكمة».

وتساءل أبو الراغب: «لماذا لم يستخدم المدعي العام حق تعيين محام بحسب القانون والدستور، عند الاستجواب»، معتبراً أن ذلك يشير إلى وجود قصور في التحقيقات.

وعلى رغم السجال، فإن المصري، والمدعوم من عائلته الكبيرة التي يبلغ عدد أفرادها ما بين 20و 30 ألف نسمة في مواجهة الرأي العام، جاهز للتعامل مع قضية الريشاوي، اذ يقول «تلقيت االعديد من الاتصالات، وبعضهم قال لي، ان المرافعة عن الريشاوي تشكل خطورة عليه من الناس الذين تعرضوا للضرر، ومن الآخرين». ويضيف: «لكنني كنت أقول لهم أنا مقتنع بما افعل وحق الدفاع مشروع ومقدس كفله الدستور لأي متهم».