اليمن من دولة فاشلة إلى كيان من الفوضى يسير باتجاه التمزق.. تقرير

الإثنين 05 فبراير-شباط 2018 الساعة 10 صباحاً / مأرب برس ـ القدس العربي
عدد القراءات 3940

ما هو مستقبل اليمن، الدولة المدمرة؟ يجيب بن واتسون، محرر الأخبار في «ديفنس وان» في مقال نشرته «أتلانتك» قال فيه إن سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014 تم بدون إطلاق رصاصة واحدة. وبحسب الصحافية المستقلة إيونا كريغ التي كانت في العاصمة وقت انقلاب الحوثيين: «كنت في الحقيقة أتجول في المدينة وكانت تشهد حالة من الهدوء» و»أتذكر أنني كنت قريبة من وزارة الدفاع واتصل بي أحدهم قائلاً: سيطر الحوثيون على وزارة الدفاع، وقلت: لا تكن سخيفاً، لانه لم تطلق رصاصة واحدة وأنا واقفة على بعد 150 متراً منها»، وبالتأكيد لم يلاحظ أحد هذا. وعندما اتضح أن الحوثيين في صنعاء ويزحفون نحو الجنوب فقد أخذ مصير أمة من 26 مليون نسمة منهم 8 ملايين يواجهون ظروف المجاعة «منعطفاً مظلماً» وللأسوأ، خاصة أن عمليات الحكومة الرئيسية توقفت، فيما سيطر تنظيم القاعدة وإن بشكل قصير على المكلا حيث تسامح السكان مع عناصرها لأنهم كانوا يقدمون الخدمات مثل جمع النفايات. وحتى قبل تقدم الحوثيين كان ثلثا السكان اليمنيين على قائمة الأمم المتحدة ممن قالت إنهم يعانون من «عدم الأمن الغذائي». 
واحتل البلد أخيراً عناوين الإعلام عندما انتشرت الكوليرا والإسهال والصواريخ الباليستية التي سافرت باتجاه العاصمة السعودية، الرياض. وورطت الحرب التي مضى عليها ألف يوم عدداً من الدول المتحالفة مع السعودية، أي بالضرورة ضد إيران المتهمة بدعم الحوثيين بالتكنولوجيا المتقدمة. فقد اتهم جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية إيران بتزويدهم بالصواريخ الباليستية و»أنها خلقت تهديداً صاروخياً جديداً تديره إيران عبر الحوثيين ويشكل تهديداً مهما على السعوديين والإماراتيين. وفي الحالات التي يوجد فيها مواطنونا وقواتنا تشكل خطرا علينا».
ويقول واتسون إن الكثير من الدول المشاركة لا تعرف أين تمضي بعد انسداد أفق الحرب وسيطرة الحوثيين على الشمال. وفي الوقت الذي تتركز فيه المواجهات في المناطق الجنوبية ونجاح السعودية بشكل نسبي في منع تقدمهم نحو الموانئ في الجنوب إلا أن الحرب تسارعت على حدودها بحيث تحول اليمن من «دولة فاشلة» إلى «دولة فوضى». وكتب بيتر سالزبري، الباحث في معهد تشاتام هاوس للسياسة: «يشبه اليمن منطقة من دويلات متعددة تخوض حرباً بمستويات مختلفة وتعاني من نزاعات وسياسات معقدة بدلاً من نزاع يدور طرفين».
ويشير واتسون إلى الحرب داخل الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة اليوم ومضى عليها أكثر من 15 عاماً وحققت نجاحات ضد المتمردين الإسلاميين. فقد أصبح اليمن بعد نهاية الحرب الأفغانية في التسعينات من القرن الماضي ساحة ساخنة لنشاطهم. ويعتقد واتسون ان الحرب الأمريكية ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هو من النقاط المضيئة وسط فوضى اليمن.
ويشير واتسون هنا إلى أن البداية الدموية عام 2017 عندما فشلت عملية القوات الخاصة في وسط اليمن واستمرار الحرب ومقتل أكثر من 8 ألاف يمني زادت من الضغوط على واشنطن وطرحت سؤالا: ماذا تتوقع واشنطن من السعودية تحقيقه في اليمن؟ وكان شهر كانون الأول (ديسمبر) 2017 دمويا على المدنيين وقتل في مدى 10 أيام أكثر من 100 مدني بسبب الغارات الجوية. وأدى هذا لرد فعل شديد من الولايات المتحدة حيث تحدث وزير الدفاع جيمس ماتيس في نهاية العام مع وكالة «رويترز» قائلا «لم أرض دائما عن القتلى المدنيين»، مضيفا انهم يدفعون ثمن الحروب طوال التاريخ. ووعد بأن تقوم الولايات المتحدة بتقليل عدد الضحايا.

بداية الانزلاق

في منتصف التسعينات من القرن الماضي حاولت الاستخبارات الأمريكية تحليل الطريقة التي تتمزق فيها الدول. ولم تمض الدراسة بعيداً بسبب عدم توفرالبيانات الكافية في ذلك الوقت. خاصة أن عدد الدول التي انهارت كان قليلاً، إلا أن النظرة اليوم إلى اليمن تقدم إجابات أكثر من كافية. وبات ينظر إليه على أنه فشل مستمر لإمبراطوريات ثلاث من القرن العشرين وهي بريطانيا والدولة العثمانية والاتحاد السوفييتي. وكانت بريطانيا هي التي وضعت ميناء عدن على الخريطة حيث أصبح مركز تزود للبوارج الحربية التي كانت تعبر مضيق باب المندب باتجاه الهند. وقام العثمانيون والبريطانيون برسم الحدود الفاصلة بين الشمال والجنوب والتي لا تزال قائمة. ويقول جون أتنبري المحلل في شؤون الشرق الاوسط في مجموعة نافنتي في أرلينغتون بفرجينيا: « بعض ما يجري في اليمن يعكس أحداثاً جرت فيه على مدار التاريخ» مشيرا إلى أن اليمن وإن كان معروفاً كمفهوم لكنه لم يوجد أبدا ككيان موحد و «ترى الحوثيين يحتلون صنعاء وهو أمر جديد عن الكيفية التي تلعب فيها الديناميات وهي تكرار لما كان يعرف تاريخياً الإنقسام الشمالي- الجنوبي في اليمن». 
وواجه العثمانيون والمصريون تمرداً دائماً وكذا البريطانيون في الجنوب. وباع الإتحاد السوفياتي السابق وعلى مدى عقود للشمال والجنوب صواريخ وقبل الوحدة عام 1990. ويقول أرون ستين، من المجلس الأطلنطي: «يعتبر اليمن مشهوراً في عالم الصواريخ لأن الطرفين عندما اندلعت الحرب الأهلية في التسعينات كان يملك الصواريخ الباليستية» و»كان أحدهما يملك توشكا أما الآخر فكان يملك سكود بي». ويعتقد أن بقية الصواريخ الباليستية أصبحت الآن بيد الحوثيين الذين يحتلون صنعاء إلى جانب الأسلحة الصغيرة والأجزاء التي تحتاجها الصواريخ من إيران بشكل حول الحوثيين إلى تهديد إقليمي هذا بدون أن ننسى «القاعدة» وحربها مع أمريكا.

هجرة الجهاديين

ومع أن اليمن ظل وعبر التاريخ منطقة جاذبة للهجرة والتهريب إلا أن الحرب الأهلية عام 1994 فتحت المجال أمام مهاجرين جاءوا من عكس الطريق المعروف وهو القرن الأفريقي. وبحسب سالزبري من تشاتام هاوس «كان عددهم قليلاً نسبياً من الجهاديين العائدين من أفغانستان والذي استفاد منهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح ضد الإشتراكيين في الجنوب». وكتب قائلاً: «انتصر النظام في الحرب إلا ان الجهاديين تقووا عبر النزاع وأصبحوا مقدمة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية».
وتقول الصحافية كريغ: «أصبحت القاعدة في النهاية مستفيدة ماليا من الدولة» مشيرة إلى أن القاعدة واصلت عمليات الإغتيالات السياسية التي كانت موجودة في البلاد قبل وصول صالح إلى السلطة «وأصبح من الواضح أنه كلما مثل تنظيم القاعدة تهديداً تخصص أموال على شكل محاربة الإرهاب وشراء المعدات والتدريب». وعليه فمن الصعب تقدير الطريقة التي سرق فيها صالح اليمن حيث تقدر ثروته بـ 60 مليار دولار ومعظمها أموال أمريكية خصصت لمحاربة «القاعدة». ورغم ان الأخير لم يعد يسيطر على مناطق إلا أن التحالفات واللاعبين الغامضين شأن يومي في اليمن. 
إليزابيث كيندال، المتخصصة في اليمن بجامعة اوكسفورد تقول: «لا يسيطر تنظيم القاعدة على أراض ولكنه عقد تحالفات قوية مع القبائل» و «يقاتل العدو المشترك نفسه وهم الحوثيون». وترى كيندال أن على الولايات المتحدة فهم طبيعة التحالفات هذه لانها قد تنتهي بقتل من يتحالفون معها وزيادة الغضب. ويقول أتنبري «بالنسبة للكثير من هؤلاء فهو تحالف مصلحة ضد الحوثيين» و «هذه قضية مثيرة على المدى البعيد، فماذا سيحدث عندما سيتم طرد الحوثيين في النهاية. فسيكون أمامك مزيج غريب من القبائل والإسلاميين والإنفصـاليين». 
ويرى الكاتب ان هناك العديد من العوامل التي جعلت القاعدة تعيش بسبب الفقر والفساد الحكومي وأربع سنوات من الحروب الأهلية في عام 2004 مع الحوثيين. ومع نهاية الربيع العربي كان هؤلاء قد خاضوا حروباً مع صالح وسيطروا على معظم الشمال. وبعد تنحيه قال صالح إنه سيرتاح في منزله ويكتب مذكراته إلا ان الصحافية كريغ تعلق قائلة إن من راقب صالح خلال الـ 33 عاماً لم يصدق كلامه «فقد استمر كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي وحصل على الحصانة من المحاكمة». وساعد الكثير من جنود صالح الحوثيين في الشمال من خلال السماح لهم بالحكم أو توفير السلاح لهم مثل الصواريخ الباليستية. وعندما اجتاحوا صنعاء بدعم من الموالين لصالح، شعر أن حظه قد جاء و«سمح الموالون لصالح الذين كانوا يديرون المؤسسات الحكومية الرئيسية للحوثيين بالدخول وإدارة مؤسسات الحكومة» حسب كريغ التي شهدت سقوط العاصمة و»عنى هذا سيطرة الحوثيين بدون الحاجة للقتال من أجل المدينة» إلا ان هؤلاء كانوا يريدون أكثر من صنعاء وأثاروا المخاوف عندما زحفوا نحو الجنوب بحجة قتال القاعدة وقاموا بهجوم طموح على عدن وسيطروا على المطار واجبروا هادي على الهروب إلى السعودية.

عاصفة الحزم

وعندها تدخل السعوديون وحلفاؤهم المحليون، بريطانيا والولايات المتحدة في 21 آذار (مارس) 2015 وبدأت المعركة بحصار بحري وجوي. وعندما أخطأ الطيارون السعوديون أهدافهم تحولت العملية إلى كارثة إنسانية وفرصة للقاعدة. وكانت العملية طموحة وشاركت فيها 10 دول وأسهمت فيها الولايات المتحدة بالدعم اللوجيستي والاستخباراتي. وبعد أسابيع غير اسم العملية لإعادة الأمل مع أن أهدافها لم تتغير وهي إعادة الحكومة الشرعية إلى صنعاء وطرد الحوثيين منها. والنتيجة كانت كما يقول الكاتب: دمار ضخم للبنية التحتية اليمنية وتدمير الجسور.
وبحسب «يمن داتا بروجيكت» الذي يجمع معلومات عن الحرب فثلث الغارات التي قام بها السعوديون ضربت «أهدافاً غير عسكرية» مثل الأسواق والمساجد ومنشآت المياه والكهرباء والمستشفيات والمراكز الطبية. وتقول كريغ: «أقل من نسبة 45% من المنشآت الطبية اليمنية تعمل الآن بسبب النزاع». وأضافت «هناك 68 غارة ضربت المنشآت الطبية و 183 ضربت أسواقا». وبسبب غياب العناية بالشوارع والفقر اندلعت اسوأ حالات كوليرا يشهدها العالم. وأدت الحرب لارتفاع الأسعار.
وبحسب تقرير للأمم المتحدة في كانون الاول (ديسمبر) 2017 «المجمل العام للأسعار هو انها أعلى مما كانت عليه قبل الحرب». وأثر النزاع على الأطفال حيث تقول غريغ إن حالتهم «قاتمة» و«زرت تعز حيث رأيت أطفالاً يعيشون في مدى القناصة، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون الخروج واللعب في الشوارع، لأنهم لو فعلوا فسيكونوا في مرمى الهدف… وشاهدوا عائلات وأصدقاء ماتوا برصاص القناصة وأصبح الأمر عاديا لهم. وليسوا خائفين، يأتون إليك للحديث عبر الشارع». وتقول راضية: «هناك عائلات متعلمة بشكل كبير لو قلت لي قبل سنوات إن هذه العائلات ستشارك في الحرب لما صدقتك» و«الآن هناك الكثير من هؤلاء المتعلمين يشتركون في القتال». وقد لا يملك الحوثيون الطيران لكن أسلحتهم على الأرص فعالة.
وتقول راضية إن «الألغام والاعتقالات التعسفية والتعذيب والإختفاء القسري وليس في صنعاء فقط ولكن في تعز»، مشيرة إلى أنهم نقلوا صواريخ باليسيتية إلى وسط تعز حيث يطلقونها باتجاه السعودية. في آذار (مارس) 2015 قدرت السعودية عدد الصواريخ التي بحوزتهم 60 صاروخاً بعضها أخذت من مخازن الجيش اليمني والاخرى من إيران. وربما كانت مشكلة الصواريخ اوسع مما اعترف السعوديون. فقد تصدو مع حلفائهم إلى 89 صاروخا طويل المدى.
وذكرت مجلة «نيوزويك» في تشرين الثاني (نوفمبر) أن «هناك 50 صاروخاً حاول السعوديين الإبقاء عليها سرا». ويعتقد ان هناك خمسة صواريخ باليستية قطعت 900 كيلومترا نحو الرياض. ويرى ستين من المعهد الأطلنطي أن السعوديين رغم التقنيات والدفاعات الصاروخية لم يكونوا قادرين على التصدي لصواريخ الحوثيين والتنبؤ بمسارها. وكان عليهم ان يكونوا جيدين نظرا لوجود بطاريات باتريوت على الحدود. ويملك الحوثيون عائلة من الصواريخ منها «بركان» الذي تقول الولايات المتحدة والسعودية أنه نسخة عن صاروخ «القائم» الإيراني والذي تم تفكيكه وشحن ونقل عبر عمان إلى اليمن.
وتقول كيندال إن تهريب الأسلحة تجارة مربحة لمن يحتكرون السلطة في اليمن. وأصبحت لعبة الصواريخ طريقة قليلة الثمن تستخدمها إيران ضد السعودية.

لاجئون

ويتحدث واتسون عن كارثة النزوح التي أوجدتها الحرب حيث فر عشرات الألوف من المناطق الساحلية باتجاه الداخل، بعضهم ذهب باتجاه المناطق التي تعمل فيها القاعدة حسبما قالت كيندال من جامعة اوكسفورد. وشاهدت في زياراتها الكثيرين يذهبون إلى هناك «لأنها مستقرة وآمنة». وفي المكلا هناك نزوح من الشمال حيث جاء اللاجئون للإنضمام إلى القاعدة التي قدمت لهم خيارات أفضل وحماية لعائلاتهم. ولكن الوضع مختلف حيث خرجت القاعدة من المدينة وأصبحت ملاحقة. وتعلق كيندال «لست من المعجبين بالدرون ولكن يبدو انها تـعمل». 
كان الشهر الاخير من عام 2017 مليئا بالقتل والتحولات في اليمن، استمرت المجاعة والغارات وقتل صالح على يد الحوثيين. وبعد ألف يوم حرب فما هو المستقبل؟ كتب سالزبري إن البلد يسير نحو التشرذم والإنقسام إلى سبعة أقسام: الحوثيون في الشمال والغرب، منطقة القبائل في الجوف ومأرب والبيضاء وتعز ومناطق الإنفصاليين في عدن وحضرموت ولحج والمهرة. والنتيجة نوع من الفدرالية التي تقول غريغ إن اليمن جربها عام 2014 وفشلت وتبدو اليوم الأمل الأخير لإخراج البلاد من مأزقه.