لماذا لا يثور أنصار صالح على الحوثيين؟ تقرير أمريكي يرصد حقيقة أوضاع حزب الرئيس السابق على الأرض

الإثنين 25 ديسمبر-كانون الأول 2017 الساعة 08 مساءً / مأرب برس ـ نيويورك تايمز ـ ترجمات
عدد القراءات 7769

توقَّع كثيرون أن يؤدي قتل الحوثيين للرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح، إلى سعي أنصاره وقوات الجيش التابعة له للانتقام، مما سيضعف موقف الحوثيين.

ولكن ما حدث على الأرض أن المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية، صنعاء، شدَّدوا قبضتهم على المدينة وسكانها في الأسابيع الأخيرة، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

فقد أغلقوا كل منافذ الوصول إلى الإنترنت، وحجبوا مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وأرسلوا مُسلَّحين لمداهمة منازل كل مَن يشكون في معارضته لهم.

فاعتُقِل مئات الأشخاص، وترتفع أسعار السلع الأساسية كالغذاء والوقود، وهو ما يُهدِّد بمفاقمة الأزمة الإنسانية الخطيرة أصلاً.

فصل قاتم


ويُعَد ترسيخ السلطة من جانب المتمردين، المُصطفِّين إلى جانب إيران ويُعرَفون بالحوثيين، فصلاً جديداً قاتماً في الحرب الدائرة في اليمن، ويُسلِّط الضوء على العوائق الهائلة التي تعترض الجهود الدولية الرامية لإنهائها، حسب الصحيفة.

ويؤكِّد كذلك على فشل خصوم الحوثيين، الذين يشملون القوى اليمنية الأخرى وبلداناً عربية كالسعودية، في تحويل عُزلة المتمردين السياسية إلى أفضلية في ساحة القتال.

بدأ هذا الشهر، ديسمبر/كانون الأول 2017، بحدثٍ كان بإمكانه تغيير مسار الحرب: قتل قوات الحوثيين لعلي عبدالله صالح، الرئيس اليمني السابق الذي كان أهم حلفاء المتمردين في الحرب.

كان صالح، الذي حكم كرئيسٍ لثلاثة عقود قبل الإطاحة به في 2012، بعد انتفاضة الربيع العربي، شخصية بارزة في السياسة اليمنية.

وفي تحالفه مع الحوثيين، وهم حركة متمردة بدائية من شمال اليمن تدعمها إيران، وفَّر صالح لهم الفطنة السياسية والقوات المُقاتِلة المُدرَّبة والمُسلَّحة جيداً.

ومنح تحالف الحوثي مع حزب صالح، المؤتمر الشعبي العام، أيضاً المتمردين قاعدةً سياسية أوسع مما كانوا سيحصلون عليه بدون هذا التحالف.

لكن في النهاية، ندَّد صالح بالحوثيين، وقال إنَّه يرغب في فتح “صفحةٍ جديدة” مع السعودية لإنهاء الحرب. وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، قتله الحوثيون لذلك السبب.

ستنكسر


سعت السعودية وأعداء الحوثيين الآخرون طويلاً لفصل صالح والمتمردين، معتقدين أنَّ قوات الحوثيين ستنكسر بسهولة إذا ما انقلب الموالون لصالح ضدهم. لكنَّهم كانوا غير مستعدين للاستفادة من الوضع حين حدث ذلك فعلاً، وقام الحوثيون منذ ذلك الحين بكل ما بوسعهم للتأكُّد من أنَّ الموالين المتبقين لصالح لا يُشكِّلون أي تهديد.

أدَّى ذلك إلى حملة قمعٍ في صنعاء، وباقي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، فاعتقل المقاتلون الحوثيون مئات الموالين لصالح واحتجزوهم، وذلك وفقاً لما قاله عادل الشجاع، أحد قيادي حزب صالح، والموجود في القاهرة.

وأضاف أنَّ نحو 45 شخصاً من بين القيادات الـ50 الأعلى في الحزب لا يزالون في صنعاء، وأنَّ نحو 15 منهم قيد الإقامة الجبرية. أمَّا الآخرون فمختبئون ويبحثون عن طرقٍ للتسلُّل هم وأسرهم إلى خارج المدينة.

وقال الشجاع عن زوجته وأطفاله، الذين لا يزالون في المدينة: “إنَّهم يعيشون في خوف. ويقضون كل لحظةٍ يُفكِّرون فيما إذا كانوا سيُلقى القبض عليهم”.

جاء مقتل صالح بعدما أقام اتصالاتٍ جديدة مع السعودية وحلفائها، الذين طمحوا أن يتمكَّن هو والموالون له من تحويل مسار الحرب. وحتى الدول الغربية كالولايات المتحدة كانت تطمح في أن يتمكَّن حزب صالح من لعب دورٍ في المفاوضات الرامية لإنهاء الصراع، الذي بدأ في 2014 حين سيطر الحوثيون والقوات الموالية لصالح على صنعاء، وأرسلوا بعد ذلك الحكومة المُعترَف بها دولياً إلى المنفى.

وبعد بضعة أشهر، بدأ تحالفٌ تقوده السعودية حملة قصفٍ عقابية بهدف دحر الحوثيين فيما زادت حدة الأزمة الإنسانية.

الحزب بعد موت صالح


أعضاء من حلف صالح أجروا مقابلات مؤخراً، قالوا إنَّ موت صالح بدلاً من أن يؤدي لتأليب الحزب ضد الحوثيين أدَّى إلى تمزيقه.

وقال أحد المُحلِّلين إنَّ حزب المؤتمر الشعبي العام لم يكن قط متحداً فعلاً خلف رؤية واحدة، بقدر ما كان مرتبطاً بسبب قيادة صالح وقدرته على تقديم وتوزيع منافع الزبونية والمحسوبية. وبمجرد رحيله، لم يتبقَ ما يجمع الحزب معاً سوى القليل.

ومع أنَّ الكثير من أعضاء الحزب ثارت ثائرتهم على الحوثيين لقتلهم صالح، فإنَّ قِلَّةً فقط كانت ترغب في تغيير انحيازاتها والانضمام للتحالف الذي تقوده السعودية، الذي ظلَّ يقصفهم لسنوات. وكان أولئك الذين رغبوا في قتال الحوثيين يفتقرون إلى القدرة على فعل ذلك.

قال عاصم الشمري، وهو صحفي يمني من صنعاء مُقرَّب من الحزب: “هناك إحباطٌ عميق يسيطر على معظم الناس بعد رحيل صالح، الذي كانوا ينظرون إليه باعتباره الحل الأخير للتخلُّص من الأزمة. والعاصمة تشهد أسوأ أيامها من حيث الوضع الإنساني، والنفسي، والعسكري، والسياسي، والقلق يُخيِّم على الجميع”.

تم تدميره


ويعتقد الكثير من الحوثيين أيضاً أنَّهم دمَّروا حزب صالح.

فقال أحمد عبد الوالي دهب، وهو قيادي حوثي جرى التواصل معه عبر الهاتف: “الحزب انتهى. ومن الواضح أنَّ الأشخاص الذين يخضعون للإقامة الجبرية لن يتواصلوا مع أي أحد، ولا يمكنهم الذهاب إلى أي مكان. والآخرون جميعهم ملاحقون”.

وكي يمنع الحوثيون أعداءهم من التآمر ضدهم، استغلوا سيطرتهم على البنية التحتية لإغلاق منافذ الوصول إلى الإنترنت لأيام بلا توقُّف، وحجب مواقع الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك.

قال دهب: “الأمر ليس صعباً. فلدينا شركات اتصالات في صنعاء، كل موظفيها تلقوا تعليمهم في الخارج. وكان علينا منع أعدائنا من التواصل مع بعضهم البعض”.

العزلة


وتنبَّأ بعض المُحلِّلين بأن تبدأ العُزلة السياسية في ترك آثارها عليهم، إمَّا لأنَّ المعارضة لحكمهم ستصبح أكبر من أن يسيطروا عليها، أو لأنَّ المال سينفد منهم، ما يتركهم غير قادرين على توفير الخدمات في المناطق التي يُعتبرون فيها هم الحكومة بحُكم الأمر الواقع.

وتعاني المناطق التي يسيطرون عليها بالفعل من نقصٍ حاد في الكهرباء، الأمر الذي أسهم في ظهور أسوأ تفشٍّ معاصر للكوليرا في العالم. ولم يحصل الكثير من الموظفين العموميين على رواتبهم لأكثر من عام، وهو ما يدفع الكثير من الأسر التي اعتادت أن تكون في الطبقة المتوسطة إلى الفقر.

وفقاً لوكالة أسوشيتد برس الأميركية، قال مسؤولون يمنيون قبليون إنَّ غارة جوية، أمس السبت، 23 ديسمبر/كانون الأول، نفَّذها التحالف الذي تقوده السعودية، أدت إلى مقتل 10 أشخاص على الأقل، وجرح 25 آخرين في صنعاء. وقال المسؤولون إنَّ الغارة استهدفت تجمُّعاً لرجال قبائل داعمين للحوثيين.

حزب الإصلاح اليمني


وقد سعى التحالف الذي تقوده السعودية إلى إيجاد طرقٍ أخرى لزيادة الضغط على الحوثيين.
فاجتمع هذا الشهر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، مع قيادات من الإصلاح، الحزب السياسي الذي اعتُبِر طويلاً الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها السعودية والإمارات تنظيماً إرهابياً.

وقال مسؤولون إماراتيون إنَّ الحزب قطع صلاته بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهو ما كان على ما يبدو ضمانة كافية للبلدين الخليجيين في بحثهما عن حلفاء.

قال عبدالوهاب الآنسي، الأمين العام لحزب الإصلاح، عبر الهاتف من العاصمة السعودية الرياض، إنَّ الاجتماع كان “نقطة تحوُّل”، وإنَّ الحزب طُلِب منه التواصل مع بقايا حزب صالح لاستكشاف إمكانية العمل معهم ضد الحوثيين.

وحتى الآن، لم يُسعِفهم سوى القليل من الحظ.

فأضاف الآنسي: “إنَّنا ببساطة نمر بوقتٍ صعبٍ للغاية فيما يتعلَّق بالتواصل معهم. إنَّها أوقاتٌ مُربِكة. وسيستغرق الأمر منا بعض الوقت حتى نُكوِّن صورة واضحة عمَّا يحدث حقاً في صنعاء”.