صنعاء على صفيح ساخن... وصالح في مأزق

الجمعة 08 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس - الشرق الأوسط - عرفات الاهدل
عدد القراءات 6295


بالتصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، بخصوص الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والتي أوضح فيها بجلاء أنه لن يكون له أي دور في مستقبل اليمن السياسي، يوضع كثير من النقاط على الحروف، بخصوص المناورة السياسية التي يقوم بها صالح من خلال خلافه مع ميليشيات الحوثيين، ومحاولة تقديم نفسه منقذا للشعب اليمني، رغم أنه جزء من المشكلة الراهنة، بحسب تأكيدات الحكومة اليمنية والمراقبين.

وتعيش صنعاء على وقع خلافات متفاقمة بين شريكي الانقلاب؛ الحوثي وصالح، خصوصا بعد أن أبدى الحوثيون رغبة في تقليص نفوذ صالح العسكري، وتحديدا في الحرس الجمهوري، وهو القوة الضاربة التي يراهن عليها صالح، كما يراهن على مجاميع من حزبه في معظم المحافظات التي تخضع لسيطرة الانقلابيين، وهذه الخلافات يرشحها البعض للذهاب بعيدا إلى المواجهة المسلحة، خصوصا بعدما اغتالت ميليشيات الحوثي عددا من المقربين من صالح، وضيقت الخناق على عدد آخر، في الآونة الأخيرة، الأمر الذي استدعى أن يلجأ بعض قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام (جناح صالح) إلى قبائله، في بعض المحافظات، لحمايته، والبعض الآخر اتجه نحو الحكومة الشرعية في مأرب.

الصفيح الساخن هو ما يسود في صنعاء بين الشريكين الانقلابيين، فكل طرف منهما يحاول بسط هيمنته على الآخر، في وقت تتدهور فيه الأوضاع الإنسانية في جميع أرجاء المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون، جراء ممارسات ميليشيات الانقلاب ونهبها مقدرات الدولة اليمنية المغتصبة في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات، حتى إن هذه الميليشيات عادت إلى ممارسة هوايتها في اقتحام المنازل ونهبها وتدميرها، كما حدث مع منزلي وزير الإعلام معمر الإرياني، ووزير الداخلية حسين عرب، في صنعاء.

مراقبون قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن مساعي الوساطة التي تقودها بعض الأطراف القبلية، بين الطرفين، محكوم عليها بالفشل، خصوصا مع نقض جميع الاتفاقات الجانبية بينهما والهادفة إلى «توحيد الجبهة، ووقف المهاترات الإعلامية»، إضافة إلى أن قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام الموالين لصالح، باتوا أكثر تشددا ضد الحوثيين، بعد أن تعرضوا للإهانات طوال العامين الماضيين، ولذلك سعوا إلى تأكيد حضورهم الشعبي، نكاية بشريكهم الانقلابي الآخر، الذي يعتمد على دعم عقائدي وإيراني بالدرجة الأولى.

ويرى المحلل السياسي وضاح الجليل، أن صالح بات في موقف صعب في مواجهة شركائه في الانقلاب، وقال الجليل لـ«الشرق الأوسط» إن صالح «ظهر مؤخرا في حالة مرتبكة، وأطلق تصريحات تهدئة للأزمة بينه وبين حلفائه الحوثيين، مقابل التصعيد الذي يظهره الحوثيون تجاهه وعائلته وحزبه، هذه التهدئة من قبل صالح تؤكد أنه خسر كل خيارته، ولم يعد يملك كثيرا من الأوراق التي تعوّد اللعب بها، فبعد التصعيد الخطابي الذي أظهره قبل 24 أغسطس (آب) الماضي، يبدو كما لو أنه اكتشف أن ما تبقى له من قوة وحسابات ليست مجدية»، مؤكدا أن صالح «اضطر إلى تخفيف حدة خطابه وتصعيده أمام غضب الحوثيين ورد فعلهم على حشد أنصاره في (السبعين)، فصالح لا يخوض حرباً بمفرده، وكان تصعيده الخطابي، ودعوته للحشد يوم 24 أغسطس الماضي مغازلة للتحالف للدخول معه في صفقة يتم فيها إقصاء الحوثيين، ويحصد هو في المقابل مكاسب كثيرة ضمن تسوية سياسية مع الحكومة الشرعية، إلا أن عدم الرد من قبل التحالف أظهره عاريا وبلا خيارات، خصوصا أنه كان قد سلم غالبية مراكز قوته للحوثيين، ويبدو كما لو أنه لم يعد يملك سوى ما يكفي لحمايته الشخصية وعائلته، وحتى هذه لن تصمد طويلا في مواجهة قوة الحوثيين»، مشيرا إلى أن الحوثيين «يعرفون جيدا أن صالح على استعداد كامل لبيعهم، والتنازل عنهم، في أي صفقة سياسية مع الأطراف الأخرى، وبالتالي هم يريدون قطع الطريق عليه ومحاصرته أو القضاء على كامل قوته، إن لم يكن، أيضا، التخلص منه بشكل ما، ليصبحوا هم ممثلي الجغرافيا الزيدية التي أصبح الطرفان يتنافسان على تمثيلها». ثم يردف الجليل أن صالح «يبدو ضعيفا وهشا، أو أنه يريد الظهور كذلك من أجل استعطاف أنصاره من ناحية، وكإجراء وقائي تكتيكي ضمن محاولاته لتجاوز مأزقه، والحصول على فرصة للخروج منه، وكسب مزيد من الوقت بما يمكنه من العودة فاعلا حقيقيا، أو الحصول على حليف مناسب».

ولا يعتقد الجليل أن «الوساطات القبلية تبدو ذات تأثير حقيقي، فالقبيلة في المناطق الزيدية لم تعد لديها القوة أو الفاعلية لتعمل وسيطا في صراع طرفين من نفس البيئة، استخدما القبيلة وأغرقاها في صراعاتهما وحساباتهما. ربما تكون بعض الوجاهات القبلية تقدم النصائح للطرفين فقط، أما الوساطة للتهدئة ومنع الاصطدام أو تأجيله فتؤديه أطراف أخرى خارجية؛ تتمثل بإيران و(حزب الله) اللبناني. فهذان الطرفان يدركان أن صراعا بين صالح والحوثي يؤثر بشكل عميق ومباشر على مصالحهما في المنطقة، ويسهل على خصومهما كثيرا من المهمات الأمنية والعسكرية، كما أن ارتباط إيران و(حزب الله) بالحوثي استراتيجيا وعقائديا ومذهبيا، لا يعني عدم حاجتهما إلى صالح حليفا، بل إن صالح يمثل حليفا مهما لما لديه من علاقات وأوراق مختلقة يلعب ويؤثر بها، لكنهما يدركان أن صالح أيضا ليس أكثر من حليف لا يستحق الثقة المفرطة، ولديه استعداد لتبديل تحالفاته في أي لحظة»، حسب تعبير المحلل السياسي الجليل.

وتعتقد مصادر يمنية أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من الانشقاقات في صفوف مؤيدي صالح، في حال استمرت ممارسات ميليشيات الحوثي ضد أنصاره، في ظل المعلومات عن مغادرة بعض القيادات الموالية له إلى قبائلها ومحافظاتها والبعض الآخر إلى مناطق الشرعية، بعدما بدا موقفه ضعيفا وغير قادر على توفير الحماية لتلك القيادات التي تدين له بالولاء. لكن مصدرا في الحكومة اليمنية قال إن «جميع شركاء الانقلاب متساوون أمامنا في الجريمة والعقاب»، وأكد أن «التاريخ لن يرحم كل من أجرم بحق الشعب اليمني وتعاون مع إيران لتدمير اليمن وتهديد دول المنطقة».

في الوقت ذاته، ورغم عدم الإعلان الرسمي، أكدت مصادر رسمية يمنية استعداد الحكومة الشرعية لاستقبال كل من ينشق، وقال الدكتور العزي شريم، وزير المياه والبيئة اليمني لـ«الشرق الأوسط»: «بخصوص استعداد الشرعية لاستقبال أي منشقين، أقول هنا، وبأمانة وللتاريخ، إن الشرعية وعلى رأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي همّهم ومشروعهم بناء وطن؛ بناء الدولة اليمنية الحديثة وفقا لما أجمع عليه كل أبناء اليمن، والمتمثل بالدرجة الأولى بمخرجات الحوار الوطني الشامل، والمرجعيات الأخرى، كالمبادرة الخليجية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصا القرار (2216)، وبارك ذلك كل الأشقاء والأصدقاء. ولذلك مرحب بكل جهد إضافي وكل من يأتي أو يعلن انضمامه للمشروع اليمني الجامع».