حوثنة الدولة .. هكذا تمارس العنصرية السلالية في إبتلاع وطن تقوده عصابات

الأربعاء 16 أغسطس-آب 2017 الساعة 04 مساءً / مأرب برس - العاصمة اونلاي
عدد القراءات 2768

 

  

تبدأ الحكايات بطرق عديدة، قد يبدوا لنا فيها جزءاً من الأهمية، ولنا مع الحكايات بدايات متباينة، لكنها تحرص على غموض الغايات بدرجة عالية، متدثرة برداء التقية السياسية، لحشد الجماهير، والتضليل الممنهج وتهييج الرأي العام وتأليب الناس للإلتفاف حولها لتحقيق أهدافها، متذرعة بمجموعة من الحجج التي تصبغها زوراً بمسحة وطنية، وتغلفها بيافطات براقة، تساهم في خدع الكثيرين بموالاتها.

ولنا هنا حكاية، مع مليشيا الحوثي، تلك المليشيا التي تؤطر نفسها تحت مسمى "أنصار الله"، كجماعة عنصرية مسلحة، تؤمن بالتمييز العنصري، الذي يمنحها أفضلية على مختلف اليمنيين، وتعد نفسها سلالة نقية من طبقة عليا، على غرار شعب الله المختار - العقيدة التي يُؤْمِن بها اليهود - وتدعي لنفسها الحق الإلهي في الحكم، ولأجل هذا يُقاتلون، ويدفعون بالمغرر بهم الى محارق الموت في مختلف الجبهات.

اقتحمت مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م عسكرياً، بعد حربٍ دامت لأشهر، منذ خروجها من كهوف صعدة - معقلها الرئيسي آنذاك ولا يزال - خاضت فيها حرباً ضد الدولة، والقوى الوطنية المساندة لها، والتي تؤمن بقيم الجمهورية، وتعي خطورة إسقاطها؛ كمقدمة لإسقاط الدولة، لإدخالها في أتون صراعات طائفية، تمولها إيران التي تدعم الحوثيون، وتسعى للسيطرة الكاملة على الدولة اليمنية، لزيادة توسعها في قلب الجزيرة العربية، ومحاصرة الخليج العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية.

خرج الحوثيون في احتجاجات مفتعلة لتبرير خطواتهم العسكرية رداً على قرار الحكومة حينها رفع الدعم عن المشتقات النفطية تحت يافطة "إسقاط الجرعة" وصبغ الحوثيون كل شعاراتهم تلك بالصبغة الوطنية، ونصرة المظلومين والمستضعفين، ووعدوا بتحقيق الرخاء الاقتصادي ومعالجة الأوضاع وتحسين معيشة المواطن اليمني.

أسقط الحوثيون الدولة، واستولوا على مؤسساتها الإدارية والأمنية والخدمية، بالقوة العسكرية، وأحكموا قبضتهم الأمنية على العاصمة صنعاء، ثم اتجهوا مهرولين نحو باقي محافظات الجمهورية ، وسط انهيار تام ومتسارع لهيكل الدولة، وإسقاط هيبتها، الأمر الذي أدى الى شلل شبه تام لحركة الحياة، وغابت معالمها يوماً بعد الآخر، ودخلت في سلسلة مآسي حتى اليوم.

الوجه الحقيقي للمشروع الإمامي!

وصل الحوثيون السلطة بعد انقلابهم على ما اتفق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني، ليميطوا اللثام عن مشروعهم الفعلي، على بحر من الدماء التي اتخذوها جسراً للصعود الى كرسي الحكم ، وهنا انفرط عقد التقية الحوثية ليكشف الحقيقة عن مشروع الحوثي الامامي، الذي ظل متدثرا به منذ ستينيات القرن الماضي.

يصف الكاتب والباحث اليمني، ثابت الأحمدي، في حديث لـ"العاصمة أونلاين" أن ما جرى ويجري اليوم منذ انقلاب الحوثيين على السلطة في الــ 21 سبتمبر، يعتبر إجابة عملية كافية ومقنعة عن المشروع الحوثي العنصري السلالي الذي يسعى لفرض قوته بالإكراه بعيدا عن قناعات الناس وخياراتهم في الحكم وفي النظام.

اتجه الحوثيون بعد انقلابهم على الدولة في خطين متوازيين، الخط السياسي ( الذي يتضمن الجانب العسكري فهم أساساً حركة مسلحة وليست سياسية ) والخط الآخر، وهو حوثنة الدولة، والاستحواذ على كافة أجهزتها، من مؤسسة الرئاسة حتى مكتب جباية أموال المواطنين في القرى والارياف. وهكذا سعت الجماعة في التغلغل في اجهزة الدولة ومؤسساتها، وقامت بعملية إجلاء الكثير من أعمالهم الوظيفية، واستبدلتهم بعناصر تابعه لها، في حالة تعكس البُعد العنصري الذي تسعى الجماعة لزرعه في عمق المجتمع اليمني المتعاضد بلحمته الوطنية دون تمييز.

لم تكتف المليشيا بهذا القدر من الاستحواذ على مؤسسات الدولة وخندقتها بالعناصر الموالية لها دون مراعاة المؤهلات العلمية والقدرات التي يتطلبها اداء تلك الاعمال، بل كرست من خطواتها الرامية الى حوثنة الدولة في مختلف المجالات العسكرية والمدنية من التابعين لها، في مناصب ادارية عليا، وفي وزارات ومؤسسات مدنية وعسكرية ، دون أن تعطي قيمة لأصحاب الكفاءات والقدرات، التي قضت أعمارها في ممارسة أعمالها المهنية والإدارية، حتى ولو كانوا من شركائهم في الانقلاب في حزب المؤتمر الشعبي العام جناح المخلوع صالح.

العودة الى ما قبل الدولة!

بشتى الوسائل والأساليب تحرص مليشيا الحوثي على حوثنة مؤسسات الدولة، وتحويلها الى إقطاعية تابعة لها، في محاولة للعودة الى ما قبل نظام الدولة، وكونها مليشيا مسلحة، فإنها لا تنمو ولا تتكاثر إلا في ظل الازمات والحروب والفوضى، وهو ما بات ذلك خيار لها منذ ظهورها المبكر في صيف 2004، حين دخلت في حرب مع الدولة راح ضحيتها نحو 60 الف جندي وفقا لتصريح قيادي حوثي.

في هذا الصدد، يعرف الباحث الأحمدي، "الحوثنة" بأنها "العودة بالدولة إلى مرحلة ما قبل الدولة، أي إلى حالة الفوضى المدمرة التي تقضي على النسيج الاجتماعي وتدمر تماسكه وبنيته". مشيرا الى أن هذا ما تحرص عليه الجماعة كونها البيئة المناسبة لنموها وازدهارها.

نبتة شيطانية وورم خبيث!

هكذا يصف الكاتب الأحمدي مليشيا الحوثي، في حديثة لموقع "العاصمة أونلاين"، معللا ذلك ، "كونها لا تؤمن بالحقوق الطبيعية للمواطنين، ناهيك عن الحقوق المدنية، ولا يحتكم للدستور والقانون". وقال "من هنا يبدأ خلاف المجتمع معها".

وأكد الأحمدي، أن المليشيا الحوثية قد فشلت فشلا ذريعا منذ عدوانها الأرعن على الدولة في سبتمبر 2014م بمليشيا مسلحة، مستعينة بالرئيس السابق الذي وصفه ب"الخائن الأكبر الذي انتقم حقدا من الوطن الذي سلبه الحكم". حد وصفه.

ولفت إلى أن هذه "الجماعة ترتكز على بنية أيديولوجية صلبة" هي في حقيقتها خليط من الطغيان السياسي والكهنوت الديني، ليس أكثر". مؤكدا في ذات السياق أن مليشيا الحوثي فشلت في الحكم خلال مسيرة طويلة من تاريخها السياسي، فكيف اليوم مع الأنظمة الجديدة؟ مع العقد الاجتماعي؟ مع الحداثة والعولمة؟ يتساءل الأحمدي.

معايير عنصرية فحسب!

وبما أن المعيار العنصري هو المقياس، وعلى هذا تتعامل المليشيا في مختلف الجوانب، ففي الجوانب العسكرية مثلا تعطي المناصب العسكرية والرتب العليا لعناصرها وبأعداد هائلة، إذ ملأت سجلات القوة العسكرية والأمنية بقوائم مليشياتها وقتلاها، بدلاً عن الجنود المخلصين الذي هربوا من بطش الجماعة وارهابها ونجو بأنفسهم، أو من أولئك الذين يقبعون في سجونها ويتعرضون لضروب التعذيب والمعاناة.

لم تكن الرتب العسكرية التي تمنحها الجماعة بسخاء لعناصرها بناءً على النوع العنصري الذي تنتهجه الجماعة، بل تقوم بتعيين عناصرها على مناصب عسكرية، ولا يملكون ربما أدنى معلومة عسكرية او خلفية مسبقة، وإنما استحواذ سلالي هاشمي عنصري، تسعى اليه مليشيا الحوثي لإكمال ابتلاعها الدولة، التي تقبع تحت رحمتها، وبهذا توهب مليشيا الحوثي الهاشميون السلاليون الحياة، وتملء فراغ جيوبهم وبطونهم بقوت الملايين من الشعب الذي يرزح تحت وطأة المجاعة والأمراض المتفشية، والموت الذي توزعه المليشيا في كل شبر على تراب هذا الوطن بالمجان في الليل والنهار، وتنتهج حرباً شاملة ضد الإنسان اليمني ليست بالنار وحدها ، ولكنها تقتله بالجوع والسجن والتعذيب وتضعه دروعاً بشرية لصواريخ التحالف العربي، وهكذا يأتي الموت على اليمنيين من فوهة هذه المليشيا من اتجاه واحد وبوجوه متعددة.

حوثنة الدولة تهديد للسلم الإجتماعي!

وفي الوقت الذي تواصل فيه مليشيا الحوثي، عملية استكمال حوثنتها لمؤسسات الدولة المختلفة، حذر مراقبون من استمرار هذا الوضع الكارثي والمليشياوي، مطالبين باتخاذ خطوات جادة لإنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة.

 وفي هذا الإطار، حذر الناشط الحقوقي، همدان العليي، من مخاطر التعيينات العنصرية التي تقوم بها مليشيا الحوثي، في مختلف مؤسسات الدولة، مؤكدا "أن هذه التعيينات تنعكس بشكل سلبي على المجتمع اليمني لعدة أسباب، وعدة أشكال، أولا هي تهدد السلم الاجتماعي والنسيج المجتمعي، لأن هذه التعيينات تعتمد بشكل أساسي على الانتماء السلالي كمؤهل، ولا تحرص على توزيع هذه المؤسسات والأماكن الحساسة على كافة افراد المجتمع اليمني".

 وأكد العليي، أن حوثنة مليشيا الحوثي لمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، من شأنه أن يعزز الشتات المجتمعي، ويؤذي السلم الاجتماعي، وربما يدفع الناس لتنفيذ حراك مجتمعي لوقف هذه الظاهرة. مشيرا في الوقت ذاته الى "أن هذه التعيينات السلالية التي تتم بدون أي مؤهلات، تؤثر سلبا على العملية الادارية وعلى عملية الانجاز والخدمة للمواطنين في مؤسسات الدولة".

  الطريق الى حوثنة المجتمع!

 يتساءل الكثير من أبناء الشعب اليمني بمختلف فئاته وتوجهاته، حول أهداف مليشيا الحوثي الى حوثنة مؤسسات الدولة، رغم ادعاءها مواجهة ما يصفونه بالعدوان، فما الذي جعلها مشغولة بالعبث في مؤسسات الدولة وعدم الانتظار الى ما بعد الحرب.

 بيد أن أهدافا خفية تسعى مليشيا الحوثي للعمل على تحقيقها من خلال حوثنة مؤسسات الدولة، كشف عن جزء منها الناشط الحقوقي همدان العليي، والذي أوضح أن هدف مليشيا الحوثي من عملية حوثنة مؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية، هو "السعي الى حوثنة المجتمع اليمني".

 وقال العليي، "ان مليشيا الحوثي بهذا الشكل باتت تسيطر على جزء كبير من المجتمع اليمني، وتتحكم به وبمصيره ومصدر عيشه ورزقه ودخله، وبالتالي فهي تستطيع ان تؤثر على المجتمع اليمني وفي قناعاته سواء السياسية او الفكرية او الثقافية او الدينية".

 ووصف العليي هذه التعيينات بالكارثية، وقال "هذه التعيينات كارثية على المجتمع اليمني بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى". مشيرا الى أن الناس في المناطق التي تحت سيطرة المليشيا، "بدأوا يلحظون النتائج الكارثية لمثل هذه التعيينات، وبدأوا يشعرون بالاقصاء والتهميش، وانعكس ذلك سلبا على حياتهم، حيث فشلت الجماعة التي سيطرت على مؤسسات الدولة في توفير متطلبات الحياة سواء المرتبات او الخدمات الصحية أوالتعليمية وغيرها".

 الحوثنة عائق امام التوصل لحلول سياسية!

 فضلا عن مخاطر حوثنة مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية على المجتمع وفقا لما سبق ذكره، فإن مخاطر هذه الحوثنة والتعيينات كذلك، "أنها ستظل بحسب الناشط همدان العليي، عائقا امام الحلول السياسية في البلد لإنهاء الحرب". مؤكدا "أن الحكومة الشرعية لا يمكن ان تقبل بمثل هذه التعيينات كأمر واقع، وبالتالي فإن هذه التعيينات تعقَد أي حوارات او مفاوضات مستقبلية لأجل الحل السياسي وايقاف الحرب". حد وصفه.

 

وفي الختام، بقي أن نذكر أن مليشيا الحوثي نست وتناست وعودها للغلابى بجنة ابو جِبْرِيل المزعومة، ونسي الشعب أن هناك ما تسمى حياة، فما وقع به جعله قادراً على نسيان نفسه، لقد سُلب منه آخر نفَس من الحياة، كان راتباً من أوراق عفنة كوجوه أصحابها ، يقي بما بقي من الأوراق التالفة، اطفال موظف هنا وهناك من حر الشمس وبرد الليل ولسعات الجوع ، وما إن أجهزت علي المليشيا لقرابة العام عن مرتباته، حتى قطع الأمل ببقايا حياة يتطعمها من أيادي ال هاشم، بيد أن شعبنا اليمني بكل تأكيد لن يطيل صبره، فسيأتي اليوم الذي يخرج شاهرا سيفه، في وجه هذه العصابة التي أكلت الشجر والحجر، وتدمير المجتمع اليمني ونسيجه الاجتماعي لتحقيق حلمها المزعوم بالإمامة، التي ثار عليها شعبنا في ستينيات القرن الماضي، ولا يزال الأحرار المقاومين في مختلف الجبهات على درب اباءهم سائرين، لمواجهة هذه العصابة العنصرية، حتى ترفع عليم اليمن وجمهوريته خفاقة في مختلف الساحات والميادين.

  
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن