حزب صالح «يرمّم» نفسه تمهيداً لـ«صفقة إقليمية»

الخميس 29 يونيو-حزيران 2017 الساعة 04 مساءً / مأرب برس - علي عويضة / الأناضول
عدد القراءات 6420

شهد حزب "المؤتمر الشعبي العام"، الجناح الموالي للرئيس اليمني المخلوع علي صالح خلال شهر رمضان الماضي، حراكا سياسيا وتنظيميا، في خطوة اعتبرها مراقبون "محاولة للعودة إلى الواجهة" بعد سيطرة جماعة الحوثي حليفة صالح، على اليمن وعلى الحزب نفسه.

ومنذ أكثر من عامين، يعيش اليمن على وقع حرب مدمرة بين مسلحي الحوثيين وصالح، المتهمين بتلقي دعم عسكري إيراني، من جهة، والقوات الحكومية، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية، من جهة أخرى، ويتقاسم الطرفان السيطرة على البلاد.

قادة كبار في حزب صالح، بينهم أمينه العام عارف الزوكا، والأمينان العامان المساعدان ياسر العواضي ويحيى الراعي، دفع بهم صالح مجددا إلى الواجهة للقاء الجماهير في أمسيات رمضانية بالعاصمة صنعاء، ضمت منتمين للحزب من محافظات عدة، بينها محافظات جنوبية، مثل حضرموت، والضالع، والمهرة، وعدن (مقر العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية).

وخلال تلك الأمسيات جرى الإعلان عن انضمام عدد كبير من الأعضاء الجدد إلى الحزب، بحسب أخبار يومية نقلها الموقع الإلكتروني للحزب.

ومنتصف مايو / أيار الماضي، دشن صالح بطاقة العضوية الجديدة لـ "المؤتمر الشعبي العام"، ودعا حينها جميع محبي الحزب ومناصريه ومؤيديه إلى سرعة الحصول على بطاقات الانتساب الجديدة لحزبه.

ووفق مراقبين، فإن تلك اللقاءات والاجتماعات هي محاولة من الحزب لترميم نفسه والعودة إلى الواجهة، بعد أن سيطر الحوثيون على صنعاء (في سبتمبر / أيلول 2014)، وعقدوا تحالفا مع الحزب، وهو تحالف "هش" فرضته الضرورة على الطرفين، وقد ينهار في أي لحظة لمصلحة أحدهما، أو لمصلحة القوات الحكومية التي تقترب من صنعاء.

تلك التحركات لحزب صالح أثارت جدلا في أوساط النشطاء والشباب اليمني، خصوصا من أنصار "ثورة 11 فبراير" (شباط)، التي اندلعت مطلع عام 2011، وانتهت بتخلي صالح عن الحكم، لمصلحة نائبه عبد ربه منصور هادي في العام التالي، منهيا 33 عاما في الحكم.

وخلال كلمة ألقاها صالح، أمام عدد من قيادات حزبه في جامعة صنعاء، يوم 8 يونيو / حزيران الجاري، امتدح النشاط التنظيمي لحزبه.

وقال إن الجميع "يعمل كخلية نحل في الميدان، وهذا هو ما كنا نتمنى من وقت مبكر للتواصل مع القواعد واكتساب العضوية للمؤتمر الشعبي العام".

وأضاف صالح أن "شهر رمضان المبارك شهد عملا تنظيميا رائعا جدا".

** فرصة البديل

ويرى الصحفي اليمني علي الفقيه، مدير تحرير صحيفة "المصدر" اليومية (متوقفة حاليا)، أن "صالح يحاول التقاط الفرصة وتقديم حزبه على أنه لا يزال الطرف الأقوى، وهو وحده القادر على الحركة، وبالتالي يسعى للحصول على التوكيل الإقليمي والدولي لأن يكون البديل للحوثيين".

ويعتبر الفقيه، في حديث للأناضول، أن "صالح يستغل في ذلك المتغيرات الإقليمية، التي يعتقد أنها لصالح عودة نظامه، الذي أبعدته ثورة ٢٠١١".

ويعود الفقيه إلى الخطاب، الذي ألقاه صالح في جامعة صنعاء، وهي المعقل الرئيسي الذي انطلقت منه شرارة "الربيع العربي" في اليمن، وقال فيه إن "الأوضاع تغيرت".

وبقراءة الخطاب، والحديث للفقيه، فإنه "يحمل إشارة واضحة إلى أن صالح يتلقى إشارات من طرف أو من أطراف فاعلة مفادها أن حزبه أو عائلته يمكن لهم أن يلعبوا دورا محوريا" في اليمن خلال الفترة المقبلة.

ويضيف أن "ما يشجع صالح على ذلك أيضا هو أنه يجد نفسه يسير في خط واحد مع أطراف إقليمية لها دور فاعل في اليمن في مهاجمة تيار الإسلام السياسي (السني)، ممثلا بحزب الإصلاح والسلفيين المعتدلين".

ويرى الفقيه أن "دخول نجل صالح (أحمد) على خط التواصل مع أعضاء الحزب، من مقره في الإمارات، يحمل دلالات أكثر وضوحا على تجهيزه (الابن) للعب دور في المشهد المستقبلي، حتى في حال خروج صالح، فإن منظومته المتمثلة في الحزب والعائلة لا تزال تعمل وسيتسلمها نجله".

** تفاهمات إقليمية

أما الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي، فيذهب بعيدا في تحليله بقوله إنه "من الواضح أن هناك صفقة سياسية تبدو ملامحها واضحة في المآلات الحالية للمعركة العسكرية، والتي تصل إلى مرحلة الجمود، بعد أن كثرت الخطوط الحمراء المرسومة أمامها".

ويضيف التميمي للأناضول، أن "جناح صالح في حزب المؤتمر يبدو أنه يهيئ نفسه لهذه الصفقة، بعد أن قدم نفسه طيلة الفترة الماضية على أنه حامي حمى اليمن مما يسميه عدوان التحالف العربي".

ويرى أن "الأمر يأتي في سياق جهد إماراتي يسعى إلى تقويض مكاسب ثورة 11 فبراير (شباط) وإنجاح الثورة المضادة، عبر إعادة تثبيت نجل صالح في مهمة سياسية جديدة بصنعاء، يقابلها تفهم سعودي لإمكانية استدعاء المؤتمر الشعبي العام كشريك سياسي من داخل الحلف الانقلابي (يقصد الحوثيين وصالح)، وسط معلومات عن خطة ترمي إلى إقصاء الحوثيين، كمطلب سعودي، وإقصاء الإصلاحيين كأولوية إماراتية".

وهذه الترتيبات بحسب التميمي، "تمضي من خارج سياق المرجعيات وتصطدم مع طموحات اليمنيين وتطلعاتهم، وتتناقض مع المشروع الذي يرمي الرئيس هادي إلى إنجازه قبل أن يغادر السلطة، وهو إيصال اليمنيين إلى مرحلة الدولة الاتحادية الديمقراطية بأقاليمها الستة".

** القرارات الأممية

ورغم ظهور اسم أحمد، نجل صالح، في الفترة الأخيرة أكثر من مرة، إلا أن مراقبين يرون أن قرارات منظمة الأمم المتحدة، التي شملت أحمد بالعقوبات الدولية جنبا إلى جنب مع زعيم جماعة الحوثيين، عبد الملك الحوثي، تعوق مشروع عودة أحمد إلى الواجهة.

ويبدو غضب الحزب من القرارات الأممية جليا في التصريحات الأخيرة لعدد من قياداته، الأمر الذي حدا بوزير الخارجية في حكومة تحالف الحوثي ـ صالح، غير المعترف بها دوليا، هشام شرف، أن يطلب من روسيا التدخل عبر الأمم المتحدة لإلغاء القرار 2216.

ففي رسالة بعثها إلى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، يوم 21 يونيو / حزيران الجاري، عبر شرف عن أمله قيام موسكو بأخذ زمام المبادرة في مجلس الأمن الدولي، وتقديم مشروع قرار لإيقاف الحرب و"إلغاء القرار رقم 2216".

كما التقى شرف في 18 يونيو / حزيران، القائم بأعمال سفارة روسيا في صنعاء، أندريه تشرنوفول، وأبلغه "عدم ملاءمة قرار مجلس الأمن رقم 2216 للظروف الحالية"، معتبرا أن هذا القرار "يُستخدم مبررا لكل جرائم العدوان في اليمن".

وأدرج القرار 2216 أحمد صالح، على القائمة السوداء باعتباره متورطا في أعمال تهدد الأمن والسلام في اليمن، وتمثلت العقوبات في تجميد أرصدته وحرمانه من السفر إلى الخارج.

وفي أمسية أقامها حزب صالح منتصف الشهر الجاري، قال الأمين المساعد للحزب ياسر العواضي، إنه تلقى اتصالا من نجل صالح في الإمارات، تمنى فيه لأعضاء المؤتمر "مزيدا من النجاح والصمود والثبات"، وحثهم على تجسيد شعار المؤتمر، خلال رمضان، وهو "تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة العدوان"، في إشارة إلى دول التحالف العربي.

وكشف العواضي خلال كلمته، أن نجل صالح تلقى عروضا مغرية كثيرة لـ "يتنازل عن مبادئه وتمسكه بالثوابت الوطنية"، لكن تلك العروض قوبلت بالرفض التام، وفق قوله. 

ومضى قائلا: "وما زالوا يعرضون عليه حتى هذه اللحظة"، مشددا على أنه "رفض تلك العروض"، دون أن يعطي تفاصيل حول تلك العروض ولا الجهات التي قدمتها.