تقرير دولي يكشف عن تفاصيل مرعبة واحصائيات مخيفة توضح حقيقة الوضع في اليمن

الثلاثاء 24 يناير-كانون الثاني 2017 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - غرفة الأخبار
عدد القراءات 3293

لأكثر من عامين يستمر المدنيون في اليمن في البحث عن طرق للنجاة وملاذ آمن وسط ضربات الغارات الجوية وهجمات القناصة وقصف بالدبابات والكاتيوشا وحقول الألغام الأرضية الكثيفة والعشوائية والنزوح المستمر والتهجير القسري إلى جانب المجاعة وشبح الفاقة والصعوبات الاقتصادية البالغة. فقد ترك الاقتتال بين قوات على الأرض من جانب، والاستخدام المفرط للقصف الجوي من جانب آخر آثاراً مدمرة على السكان في بلد طالما صُنّف كأقل البلدان نمواً في منطقة الشرق الأوسط وواحد من أشد البلدان فقراً على مستوى العالم.

تفشى العنف وتمدد في مختلف أنحاء اليمن حين تمكن الحوثيون وهم جماعة تنتمي للمذهب الزيدي الشيعي من السيطرة على صنعاء العاصمة وذلك في سبتمبر 2014 بمساندة من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وتفاقمت حدة هذا الصراع حين تدخل تحالف تقوده السعودية عسكرياً في مارس 2015 لإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً الى السلطة. حيث تشير تقديرات صادرة عن الأمم المتحدة إلى ارتفاع أعداد القتلى إلى ما لا يقل عن 10 ألف شخص وإصابة 37 ألف آخرين فيما فاق عدد أولئك الذين أجبرهم هذا الصراع المرير على النزوح 3 ملايين شخصا. ويحتاج ما يربو عن 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 27.4 مليون إلى مساعدة إنسانية عاجلة. في الأثناء ازدادت تهديدات شبح المجاعة لا سيما في مناطق الريف حيث يعاني 7.6 مليون إنسان من انعدام الأمن الغذائي بصورة حادة إلى جانب معاناة ما يقارب من 2 مليون شخصا من سوء التغذية. وحتى شهر ديسمبر 2016, أخفقت أطراف الصراع في احترام والحفاظ على عدة اتفاقيات كانوا قد التزموا بها لوقف إطلاق النار في اطار وساطة قامت بها الأمم المتحدة.

مركز المدنيين في الصراعات أعد تقريرا حصل "مأرب برس" على نسخة منه واعاد نشر مقتطفات منه، رصد ووثق ونقل أنماط وصدى وآثار الاضرار التي لحقت بالمدنيين بشكل متكرر ومستمر ومن قبل جميع الأطراف، ويقدم وجهة نظر المدنيين عن أطراف الصراع المختلفة. كما ينظر التقرير الى ما يلزم عمله لرفع كفاءة واحترافية ومهنية الأدوار المنوطة بقوات الأمن والجيش، ويبرز هذا التقرير احتياجات المدنيين وتوقعاتهم من حيث تقديم الحماية النفسية والضرورية والمساعدة العاجلة والحتمية للمتضررين من الحرب وإعادة بناء حياتهم وحياة أسرهم. كما يقترح جملةً من التوصيات والوسائل والاجراءات يقدمها إلى كافة أطراف الصراع والمجتمع الدولي بما في ذلك التأكيد على جملة من الترتيبات المهمة واللازمة من اجل عملية سلام شاملة غير منقوصة من شأنها أن تساعد في وضع نهاية عاجلة لجحيم الصراع ودورات العنف في البلد.  

يدخل في مفهوم الأضرار المدنية كما يشرحه المدنيون في ثنايا هذا التقرير الوفاة والإصابة وتدمير الملكية الخاصة إلى جانب النزوح وحالات الاختطاف والاخفاء القسري. ويشترك كافة أطراف الصراع في اليمن في مسؤولية الأضرار والآلام والمعاناة التي تعرض لها المدنيون, كما أخفقت هذه الأطراف في اتخاذ أي تدابير أو اجراءات احترازية للتقليل من الأضرار على المدنيين أثناء قيامها بعمليات عسكرية، وفي بعض الحالات تظهر التقارير الواردة والأحداث المرصودة والموثقة بأن هناك اعتداءات متعمدة مع سبق الإصرار والترصد طالت المدنيين من قبل تلك الأطراف.

الأمر الذي يبدو ثابتا في مختلف أرجاء هذا البلد هو عجز المدنيين التام في الحصول على أي ملجأ أو عون أو مساعدة من أي من أطراف الصراع. يقول رجل (46 سنة) من مديرية مجزر في مأرب: "نذهب الى الطرف الذي تسبب في إلحاق الضرر بنا فيعتذر، لكنه يوجه اللوم على الطرف الآخر عمّا حدث. أنا لا أثق بأحد، كلهم مجرمون وكلهم بلا ضمير". وعند سؤالهم عمّا قاموا به لحماية أنفسهم أثناء مجريات الصراع أجاب العديد من المدنيين بأنهم تركوا خلفهم منازلهم وحاجياتهم. "كنا فقط نهرب من حي إلى آخر, ولم يكن لدينا خيارا اخر سوى الهرب ", الكلام هنا لامرأة من عدن عمرها 43 سنة. في صنعاء ذكر من شملهم البحث من المدنيين بأنهم إما انتقلوا إلى مناطق أكثر أمناً أو نزلوا للاختباء في الادوار الأرضية بعيداً عن النوافذ وتحديداً حين يتناهى إلى سمعهم أزيز طائرات التحالف. في هذا السياق يقول رجل عمره 55 سنة "ليس أمامنا سوى الهروب من مكان إلى آخر, لا يوجد مكانا آمنا نلجأ اليه."

منذ بداية اندلاع هذا الصراع تورطت قوات الحوثي وصالح في قصف المناطق الآهلة بالسكان والمستشفيات والمرافق الطبية والمدارس وغير ذلك من البنى التحتية المدنية مما دفع بالعديد من المدنيين في كل من تعز وعدن إلى الهروب من حرب مستعرة واستهداف متعمد يترصدهم بالإضافة إلى تحركاتهم. وأشار مدنيون في كل من هاتين المدينتين إلى هجمات نفذها عمداً قناصة ضد مدنيين ووجهوا الاتهام إلى قوات الحوثي وصالح في اقتراف هذه الأفعال.

من جانب آخر تسببت ضربات التحالف التي تقوده السعودية في وقوع قتلى وجرحى إلى جانب تدمير مدارس ومرافق طبية ومنشآت تجارية في كل المحافظات التي نفذ مركز المدنيين في الصراع بحثه فيها, ليؤكد هذا البحث نتائج وردت في تقارير منظمات أخرى دولية ويمنية, ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة يتحمل هذا التحالف المسؤولية عن 60% من إصابات المدنيين منذ تدخله في مارس 2015. وعلى غرار أخوتهم المواطنين في عدن وتعز خلص المدنيون من سكان صنعاء بأنه تم استهدافهم عمداً من قبل طيران التحالف. وبحسب ما ورد على لسان امرأة في الأربعين من عمرها في صنعاء "السعودية لا تحترم أي قانون أو قيم، تقصف المدنيين, وتقتل البشر والشجر وحتى الحيوانات لم تسلم من العدوان" حسب تعبيرها. وقد أجرى التحالف تحقيقاً في بعض مزاعم استهدافه مدنيين وأقر في بعض الحالات بخطأ وفشل أفراده في الالتزام بقواعد الاشتباك. غير أنه ليس واضحاً إن كان قد جرت مسائلة أي من هؤلاء الأفراد عن أفعال كهذه وما إذا كان التحالف قد أجرى أي تغيير لمنع حدوث أو تكرار مثل تلك الحوادث.

وفي الوقت الذي توقف فيه القتال في عدن وفي بعض مديريات محافظة مأرب فلا يزال المدنيون العائدون الى مناطقهم ومنازلهم وقراهم يواجهون مخاطر جسيمة من الألغام والذخائر غير المتفجرة. وفي ذات السياق تعاني الجهات المختصة والفرق الهندسية بنزع الألغام في اليمن من عدم قدرتها على نزع الألغام والذخائر غير المتفجرة بسبب محدودية امكانياتها وقلة عدد موظفيها وتجهيزاتها إلى جانب ضعف التمويل وكثافة المناطق الموبوءة بالألغام والعبوات الناسفة, لذا تبدو في حاجة ملحة للمساعدة في الجوانب التقنية ورفدها بموارد بشرية متخصصة في نزع وتفكيك حقول الألغام حتى تتمكن من القيام بعملها وواجبها في تطهير مستنقعات الموت ليتسنى للمدنيين العودة الى مناطقهم بصورة آمنة.

يشير مدنيون أن الوضع الأمني في أنحاء من عدن قد شهد تحسناً منذ أن تم إخراج قوات الحوثي وصالح وزيادة دوريات الأمن من قبل قوى الأمن التي تم تشكيلها حديثاً. وبعض من هذه القوى والتشكيلات الأمنية تكونت من المقاومة المحلية والتي تألفت من مدنيين ورجال قبائل وكذلك من الانفصاليين الجنوبيين, وهؤلاء كانوا قد شكلوا عدة تكتلات لقتال مواجهة الحوثيين في مناطقهم وهم من يتم دمجهم حالياً ضمن قوات الأمن والجيش في عدن وحضرموت ومأرب وتعز, بيد أن مدنيين أبدوا خشيتهم إزاء ضعف الإشراف على هذه القوات وافتقارها إلى الانضباط والاحتراف, ويؤكدون وجوب نزع السلاح عن تلك العناصر التي لم يتم دمجها بصورة رسمية ونظامية في قوات الأمن والجيش. يقر مسؤولو الأمن بالحاجة إلى رفع مستوى الاحترافية لهذه القوات وأهمية تدريبها تدريبا مهنياً على كيفية العمل على نحو فعال وآمن خاصة أثناء التعامل مع المدنيين. ورغم تلقي تلك القوى أنشطة تدريبية محدودة من قبل بعض أعضاء التحالف إلا أن هذا التدريب قد ركز بصورة أساسية على أساليب وتكتيكات القتال. كذلك أقر مسؤولو الحكومة والأمن بضعف هيكلية القيادة والسيطرة وعمليات الضبط والربط لقوات الأمن التي من المفترض أنها تقع تحت تحكم وإدارة وإشراف الجهاز الأمني والعسكري للحكومة اليمنية وذلك لأن بعض تلك القوات تم تدريبها وتجهيزها والإشراف عليها من قبل دول أعضاء في التحالف الذي تقوده السعودية. وقد تسبب هذا في خلق فجوات عميقة في عملية الإشراف على هذه القوات من قبل إدارات الامن والجيش التابعة للحكومة اليمنية.

تظهر الآثار المترتبة التي خلفها الصراع على حياة المدنيين من حيث الخسائر والصدمات النفسية والمعاناة الإنسانية مرتفعة وباهظة الثمن على المستوى الاجتماعي والسلم الأهلي, كما تسبب هذا الأثر في تفاقم الانقسامات المناطقية وازدياد حدة التوتر والكراهية والضغينة والاستقطاب بين المجتمعات المحلية والقبائل, إلى جانب مطالبة معظم الجنوبيين بالانفصال عن الشمال.

وعلى الرغم من الانقسامات العميقة والروايات المختلفة حول من يتحمل مسئولية الحرب فقد اتفق معظم المدنيين على انعدام الثقة لديهم وبشكل حاد في كل من حكومة هادي وتحالف الحوثي وصالح. حيث يلقي المدنيون في الشمال باللوم على تحالف السعودية بسبب الدمار الذي تسبب به. وفي نظر اليمنيين فإن هادي وحكومته منقطعون عن الواقع في اليمن منعزلون عن هموم الناس ومتطلباتهم الضرورية ويصفون حكومة هادي "بالحكومة الهاربة" حيث أنها لم تعد بعد بصورة كاملة إلى اليمن. وتعبيراً عن الشكوك إزاء محادثات السلام تحدث مواطن مدني من صنعاء بالقول "لو كانوا ]مشيراً إلى هادي والحوثيين وصالح[ يضعون مصالح اليمن في قلوبهم لكانوا قد توصلوا إلى حل". ورأى رجل من صنعاء (55 سنة) أنه لكي تنجح محادثة السلام ينبغي على السعودية أن توقف الضربات الجوية وأن تقوم "بترحيل" حكومة هادي إلى اليمن. من جانب آخر أفاد مدنيون من تعز ومأرب بأن السلام لن يتحقق مالم تنسحب قوات الحوثي وصالح من هاتين المحافظتين وتتوقف عن قصفهما.

على وجه العموم يرفض المدنيون أن يكون للشخصيات السياسية الحالية في اليمن أي دور محوري في مستقبل البلد, والكثير منهم يريد أن يتم محاكمة تلك الشخصيات على جرائم الحرب. ويطالب المدنيون بحكومة نزيهة وفعالة وبمؤسسات قضائية وأمنية فاعلة وعادلة.

في النهاية وحتى تضع الحرب أوزارها في اليمن يتعين تشكيل حكومة وطنية موحدة ـ بمساعدة الداعمين الدوليين ـ وإحياء ثقة الشعب بها. ويمكن أن تبدأ هذه الحكومة بحماية المدنيين وجبر الضرر والأذى الذي تعرض ويتعرضون له من كافة الأطراف، كما يجب عليها معالجة المظالم والانتهاكات التي أدت إلى تصاعد وتيرة العنف من خلال إشراك فئات المجتمع المحلي في عملية السلام وإعادة بناء البلد وذلك من خلال وضع احتياجات المدنيين على رأس قائمة الاولويات.

النزوح بفعل الصراع

تسببت الحرب في نزوح أكثر من 3 مليون يمني معظمهم لا يزال عاجزاً عن العودة إلى منازلهم وفقاً لتقرير مشترك لمفوضية اللاجئين العليا التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة. وتقريباً فإن جميع المدنيين المشمولين بمقابلات هذا البحث اما نازحين أو أنهم قد اضطروا الى النزوح في وقت ما خلال الحرب. فقد دفع القصف الكثيف بالمدفعية والقنابل لأحياء مدنية في تعز وعدن ومأرب والمكلا الكثير من المدنيين لإخلاء منازلهم وهجرها. وعند سؤالهم عما فعلوه لحماية أنفسهم خلال مجريات الصراع أفاد الكثير من المدنيين بأنهم قد غادروا منازلهم. "كنا فقط نهرب من حي إلى آخر, لم يكن بوسعنا غير الهرب", والكلام هنا لامرأة (43 سنة) من عدن. في صنعاء ذكر من شملهم البحث من المدنيين بأنهم إما انتقلوا إلى مناطق أكثر أمناً أو اختبأوا في الطوابق الأرضية بعيداً عن النوافذ وتحديداً حين يتناهى إلى سمعهم أزيز طائرات التحالف الحربية. في هذا السياق يقول رجل عمره 55 سنة "لم يكن أمامنا سوى الهروب من مكان إلى آخر, لا يوجد مكان آمن".

أجبر القصف بالمدفعية عدداً كبيراً من المدنيين على ترك منازلهم بحثاً عن أماكن آمنة حتى لو كانت رحلة تحيط بها المخاطر من كل صوب. وكما ورد على لسان امرأة عدنية (30 سنة) "أصبح حيُّنا غير آمن تماماً بسبب القصف المستمر, كنا نعلم بأن الرحلة ستكون خطرة جداً ولكن كانت المغادرة أفضل الخيارات أمامنا، فغادرنا. كانت السيارة تمضي بنا تحت قذائف المدفعية وطلقات القناصة. حشرنا أنفسنا تحت مقاعد السيارة وكنا نسمع أزيز الرصاص والقذائف وهي تتطاير حولنا".

كان خروج الناس ورحلتهم إلى السلامة محفوفة بالمخاطر لعدم وجود ممرات آمنة للمدنيين. بعض المدنيين قضى نحبه وهو يحاول الهروب. في 6 مايو 2015 قُتل 120 شخصا بمن فيهم 40 مدنياً على الأقل أثناء محاولتهم الفرار من عدن بقارب قصفه الحوثيون. 

في معظم الحالات ترك من فرَّ من بيته من المدنيين كل ممتلكاتهم خلفهم عندما هرعوا مسرعين للنجاة بحياتهم. تقول امرأة من عدن في التاسعة والعشرين من عمرها وهي تصف رحلتها "كنا نرتعش من الرعب حين تركنا منزلنا. كان القصف شديداً فلم نأخذ أي شيء معنا لا أموال ولا ذهب ولا حتى ملابس. لقد ركضنا فحسب".  

حتى أولئك الذين انتقلوا إلى مناطق أخرى, لم يحالفهم الحظ في كل الحالات. فقد ذكر بعض المدنيين بأنهم اضطروا إلى التنقل عدة مرات على سبيل المثال احدهم قال بأنه انتقل من القَلُّوعَة إلى خور مكسر، ثم من خور مكسر إلى إنماء داخل عدن أو من مديريتي صرواح ومجزر إلى مدينة مأرب في محافظة مارب. وهرب بعض المدنيين في عدن إلى مدينة المكلا في حضرموت وإلى العاصمة صنعاء. فيما غادر آخرون إلى محافظات أخرى أو إلى الريف.

الألغام الأرضية

تسببت الألغام الأرضية التي استخدمتها قوات الحوثي وصالح في المناطق التي فقدوا السيطرة عليها –وبشكل رئيسي في محافظات تعز وعدن ومأرب والضالع وأبين ولحج وشبوة- في مقتل وإصابة العديد من المدنيين وفقاً لتقارير عامة. يُقدر عدد الألغام التي زرعها الحوثيون في عدن ولحج وأبين عندما أُخرجوا من الجنوب في يوليو 2015 حوالي 150000 لغما أرضيا. ومن الصعب الحصول على سجلات رسمية بالخسائر الناجمة وإن كان بعض المنظمات غير الحكومية المحلية قد وثقت مئات من الحالات في مأرب وتعز وعدن. ففي تعز وثقت واحدة من هذه المنظمات 69 حالة وفاة و93 إصابة في حوادث على صلة بالألغام في الفترة ما بين مارس 2015 وسبتمبر 2016. وفي مأرب وثقت منظمة أخرى غير حكومية محلية في مأرب في يوليو 2016 وثقت 46 حالة وفاة من انفجار الألغام بينهم 14 طفل وامرأة واحدة, وكذلك 75 حالة إصابة كان من بينهم 25 طفل و9 نساء وذلك منذ بداية الحرب. وسجلت المنظمتان كلتاهما أسماء ومعلومات التواصل مع الضحايا وأسرهم. وفي 1 نوفمبر 2016, تعرضت فتاتان في التاسعة عشرة والسابعة من عمريهما لإصابات بالغة على إثر انفجار لغم بالقرب من قرية الضبعة في تعز.

وقال مسؤولون محليون في المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام أن هناك 41 منطقة في تعز -39 سكنية وطريقين عامين- موبوءة بالألغام. ومن هذه المناطق هناك 37 شديدة التلوث بالألغام. ومن بين 14 مديرية في محافظة مأرب هناك 6 مديريات شديدة التلوث. وهذه الألغام, بما فيها ألغام ضد الأفراد وضد العربات وبعضها مصنوع محلياً قد تم زرعها في مناطق ذات الكثافة السكانية بالقرب من المنازل والطرق والمزارع والمدارس وغيرها من المرافق والمنافع العامة. في 9 أغسطس 2016 لقي 11 مدنياً من بينهم 7 أطفال مصرعهم وجُرح 4 آخرون في انفجار ألغام ضد العربات في وادي حنّا غرب تعز وفقاً لمنظمة شباب شفافية وبناء وهي منظمة محلية غير حكومية. وقالت نسوة في مديرية صرواح في مأرب أن هناك نساء بُترت أرجلهن في انفجارات ألغام حين كُنّ يرعين الماشية أو يعملن في المزارع أو يقمن بمهام يومية معتادة. " صرواح مليئة بالألغام" والكلام هنا لامرأة مشاركة في نقاشات المجموعة البؤرية في صرواح. وتسترسل هذه المرأة وتقول "لقيت امرأة مسنة حتفها في انفجار لغم عندما كانت ترعى الاغنام".

وذكر مسؤولون محليون عن عمليات تطهير الألغام أنه قد تم نزع ما يقرب من 10000 لغم أرضي في عدن و35000 في مأرب منذ يوليو 2015. وهذه الأرقام لا تتضمن الذخائر غير المتفجرة ولا العبوات الناسفة. وفي تعز تباطأت عمليات مسح ونزع الألغام خلال الحرب بسبب استمرار القصف الشديد والاشتباكات الكثيفة في هذه المحافظة.

تواجه فرق نزع الألغام صعوبات لا يستهان بها وهم يعملون بمستوى محدود من القدرات والإمكانات والموارد. في كل من عدن ومأرب أشار مسؤولو المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام إلى قلة العاملين في المركز والافتقار إلى معدات أساسية لمسح المناطق الملوثة والتخلص من الألغام على نحو آمن.

يغطي المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في عدن محافظات عدن ولحج والضالع وأبين وحضرموت وتعز. ويغطي نفس المركز في مأرب محافظتي شبوة والجوف. ومسؤولو هذا المركز يشتكون من قلة عدد العاملين حيث لا يتجاوز عدد أفراد الفرق العاملة عن 379 في حين يحتاجون 1200 موظفا. ويشير مسؤول المركز في عدن الى ان أكبر العقبات التي تواجه عمله هي بسبب المركزية بما في ذلك خفض الموازنات من قبل المقر الرئيسي لهذا المركز في صنعاء وكذلك إصرار المنظمات الدولية العاملة في مجال نزع الالغام على العمل عبر المكتب الرئيسي في صنعاء. هناك حالة توتر كبيرة بين المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في صنعاء والخاضع لسيطرة الحوثيين وفروع هذا المركز في عدن ومأرب ومحافظات أخرى خارج سيطرة الحوثيين, وهذا الوضع يؤثر على الحصول على الموارد وأنظمة المعلومات ومستوى الكفاءة. ولا يتوفر لفرق نزع الألغام كل ما يحتاجونه من موارد لازمة وضرورية لتطهير الأرض من الألغام.

في عدن, لقي 12 عضوا من فرق المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام وأصيب 38 آخرون خلال العامين 2015- 2016 بسبب افتقارهم إما إلى المعدات المناسبة أو التدريب. وأشار مسؤولون في هذا المركز في عدن ومأرب إلى حاجة ماسة لمسح المناطق الملوثة وتوظيف وتدريب عاملين إضافيين إلى جانب توفير أجهزة الحماية الشخصية ومعدات مسح ونزع الألغام وكذلك مرتبات للفرق العاملة في الميدان.

وذكر رئيس مركز التعامل مع الألغام في عدن بأنه قد تم التقاط 16727 لغم أرضي من قبل الفريق في ميون -وهي جزيرة مأهولة بالسكان في عدن- غير أنهم عجزوا عن تدميرها بسبب افتقارهم إلى المعدات والموازنة والعاملين. كما تم تحديد منطقة عالية التلوث شمال مطار عدن بعلامات تحذير عن وجود ألغام, غير أن عملية تطهيرها من الألغام لم تُنفذ بعد للأسباب السالفة الذكر. 

إضافة الى كل ما سبق فان ما يستدعي القلق أيضا أن المدنيين يقومون الآن بالتقاط الألغام وفي بعض الحالات نزعها وبيعها للكسب المادي. وحين تعرض جبل حديد وهو مخزن رئيسي لذخائر وأسلحة الجيش للنهب في عدن, استولى عدد كبير من المدنيين على أسلحة وذخيرة بما في ذلك ألغاماً أرضيةً من المخزن. وفي منطقة المعافر, تعز, حيث يُعتقد بأنه قد زُرع فيها ما يقرب من 1500 لغم أرضي أفادت منظمة غير حكومية محلية بأن النساء وحتى الأطفال أقدموا على استخراج هذه الألغام لجني المال من بيعها. وفي إفادة لمدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في عدن, ذكر أنه وفريقه قد اشتروا ما يزيد عن 180 لغما أرضيا من مدنيين في باب المندب للمساهمة في الحد من حيازة المدنيين لهذه الألغام.

الحصار المفروض على تعز وأثره على المساعدات الإنسانية

منذ سبتمبر 2015, واصلت قوات الحوثي وصالح حصارها لمدينة تعز وأغلقت طرق وصول المؤن وأعاقت دخول معونات إنسانية ملحة إلى المدينة مما ترك المدنيين في حاجة ماسة لمياه الشرب والغذاء والعلاج الطبي وغيرها من المساعدات المنقذة للأرواح, وذلك وفقاً لبيان صادر عن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون الانسانية/منسق الاغاثة الطارئة. كما وثقت هيومن رايتس ووتش 16 حادثاً خلال الفترة ما بين 31 ديسمبر 2015 و9 يناير 2016, "منع فيها حراس حوثيون في حواجز أمنية المدنيين من إدخال مواد مختلفة إلى المدينة، ومنها فواكه وخضراوات وغاز للطهي وأدوية تلقيح ضد الأمراض وعبوات لغسيل الكلى، وأسطوانات أوكسجين، وصادروا بعض هذه المواد".

 

وحتى ديسمبر 2016, جرى إغلاق الطرق الرئيسية التي تربط تعز بمدن كصنعاء وعدن والحديدة عبر طرق إسفلتية. ويضطر من يخرج ويدخل مدينة تعز من المدنيين إلى أن يسلك طرقا وعرة بديلة تتطلب عادةً السفر بسيارات الدفع الرباعي. حول هذا يقول أحد المدنيين (29 سنة) بأنه في الماضي كان الذهاب إلى حديقة التعاون في الحوبان يستغرق 15 دقيقة بتكلفة لا تزيد عن 200 ريال (0.7 دولار أمريكي) من خلال وسائل النقل العام. أما الآن فإن هذه الرحلة تستغرق سبع ساعات تمر عبر طرق وعرة وتكلف ما لا يقل عن 5000 ريال يمني (16.7 دولار أمريكي). وأحياناً قد تطول هذه الرحلة بسبب أن وضع الطرق الترابية غير مضمون. ويوضح رجل في السادسة والخمسين من عمره كيف أنه في الماضي كان يحتاج فقط إلى 15 دقيقة للذهاب إلى قريته خارج تعز. أما الآن فلا يقتصر الأمر على طول المسافة للوصول إلى بيته فحسب, لكنه وسبع نساء من أسرته وجدوا أنفسهم في سبتمبر الماضي عالقين في منطقة معزولة بقوا فيها 12 ساعة حينما كان الطريق مقطوعاً بفعل السيول.

كذلك فاقم الحصار مشكلة تشتت الأسر، يقول أحد المدنيين (46 سنة) والذي أرسل أفراد أسرته إلى إب في بداية الحرب أنه كان يراهم يومياً لأن الرحلة كانت تستغرق حينها ساعة واحدة فقط. أما الآن فهو يراهم كل ستة أشهر لأن الرحلة تستغرق سبع ساعات إلى جانب التكلفة الباهظة للسفر. أما الطرق الترابية التي تربط مناطق الريف الداخلية فلا يمكن الوثوق بها. وقد أثر الحصار على حصول الناس على الغذاء وخدمات أساسية, ووفقاً لتقرير وضع السوق لبرنامج الغذاء العالمي في نوفمبر 2016, كانت أسعار المواد الغذائية في تعز وصعدة هي الأعلى على مستوى البلد.

يمنع مسلحو الحوثيين في نقاط التفتيش الرئيسية سيارات المدنيين من الدخول إلى المدينة, فيجبروهم على المشي لساعات كما يمنعون أحياناً مرور أفراد بحاجة ملحة وسريعة للرعاية الصحية.

ووفقاً لمنظمة شباب شفافية وبناء, وهي منظمة حقوق إنسان تعمل في تعز, منع الحوثيون في 25 يوليو 2015 في البداية مرضى الفشل الكلوي من الدخول إلى المدينة لتلقي الغسيل الكلوي حسب الموعد المقرر لهم ولمدة يوم كامل. من بين هؤلاء المرضى رجل (28 سنة) سُمح له بعد ذلك بالدخول مشياً على الأقدام حيث قطع مسافة أربعة كيلو مترات لكي يصل فقط إلى المستشفى. في نفس اليوم, ذكرت مريضة مصابة بالفشل الكلوي في الخمسينيات من عمرها بأنها اضطرت إلى سلوك طريق بديل حيث قطعت المسافة مشياً من خلال القرى حتى تصل إلى المدينة لتلقي علاجها. وتصف هذه المرأة كيف قطعت الرحلة بالرغم من تحذيرات باحتمال تعرضها لإطلاق النار من قبل القناصة. "في القرى التي مشينا طلب الناس من الحوثيين بأن يسمحوا لنا بالمرور لأنني مصابة بفشل كلوي", والكلام هنا لهذه المرأة.

أعمال القنص وقصف مناطق مدنية

منذ بدء الصراع, تورطت قوات الحوثي و صالح في هجمات على مدنيين وعلى اهداف مدنية, بما في ذلك قصفها لمناطق اهلة بالسكان المدنيين ومرافق طبية ومدارس وغيرها من مرافق البنية التحتية المدنية. ويُلقي مدنيون في كل من عدن وتعز باللائمة على قوات الأمن الخاصة (والمعروفة أيضاً باسم الأمن المركزي) وقوات الحرس الجمهوري –و كلاهما لا يزال يدين بالولاء لصالح- في شن هذه الهجمات. ففي عدن جرت اشتباكات بين قوات الأمن المركزي المتمركزة في المدينة وبين قوات موالية للرئيس هادي وذلك في 19 مارس 2015، وقد ذكر مدنيون في عدن أن قوات الأمن المركزي انضمت إلى قوات الحوثي وصالح حين اقتحمت المدينة في وقت لاحق من نفس الشهر.

وبحسب إفادة امرأة من عدن في الثلاثين من عمرها, شنت قوات الأمن المركزي هجمات على مدنيين بمقذوفات الكاتيوشا ومدفعيات الهاون والأسلحة الثقيلة والرشاشات والقنابل اليدوية عندما رفعت المقاومة سلاحها لمواجهة قوات الحوثي وصالح. يقول رجل شاب من عدن في الثامنة والعشرين من عمره " قصفت دبابات الأمن المركزي حارات المدنيين في عدن في شهر مارس 2015 عند بداية الحرب, وقتلوا النساء والأطفال بسبب قصفهم العشوائي, كما قصفوا مرافق خدمات مدنية بما فيها مضخات المياه ومحطات الكهرباء ومرافق صحية".

وعلى غرار ما حدث في عدن, ساعدت قوات الأمن المركزي المتمركزة في مدينة تعز في دخول قوات الحوثي وصالح إلى المدينة وهاجمت أحياء مدنية، ففي مارس 2015 فتح جنود من الأمن المركزي النار على محتجين سلميين من دون توجيه إنذار واستعانوا بقناصة وقد خلف هذا مالا يقل عن سبعة قتلى و83 مصابا وذلك في حادثتين منفصلتين. 

اشتكى العديد من المدنيين في عدن وتعز من القناصة متهمين قوات الحوثي وصالح بذلك. ووفقاً للجنة خبراء اليمن التابعة للأمم المتحدة ففي عام 2015 استخدمت قوات الحوثي وصالح قناصة متمركزين في سطوح مبان لاستهداف أشخاص كانوا يبحثون عن مكان وملاذ آمن أو يسعون للحصول على رعاية طبية أو غذاء. وبحسب بيان صادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لقى 42 مدنياً مصرعهم في تعز خلال النصف الثاني من أغسطس 2015 نتيجة لهجمات القناصة وقصف من قبل حوثيين. وذكر مدنيون في كلا المدينتين بأن قناصة الحوثيين استولوا على العمارات الطويلة بما في ذلك فنادق بارزة ومبانٍ مطلة واستهدفوا من خلالها مدنيين. ورأى العديد من المدنيين بأن هذه الهجمات كانت مدروسة وهدفت إلى زرع الخوف وإجبار مقاتلي المقاومة على الاستسلام. في تقريرها الصادر في شهر نوفمبر 2016, وثقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان, وهي منظمة يمنية غير حكومية, 32 حالة من القصف العشوائي خلال الفترة ما بين أبريل 2015 ومارس 2016 في تعز. ويُلقي هذا التقرير باللوم على قوات الحوثي وصالح لشنها معظم هذه الهجمات على أحياء مدنية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. وذكر التقرير أن حالة قصف واحدة كانت موجهة إلى المقاومة.

عن مركز المدنيين في الصراعات

يركز عمل مركز المدنيين في الصراعات على تحسين مستوى الحماية للمدنيين العالقين في الصراعات في جميع أنحاء العالم. ونحن في هذا المركز نحث وننصح المنظمات الدولية والحكومات والجيوش والجماعات المسلحة التي تعمل خارج اطر الدولة لتبني وتنفيذ سياسات من شأنها أن تمنع وقوع الضرر على المدنيين. وحين يصاب المدنيون بالضرر فإننا نناصر من أجل تقديم التعويضات والمساعدات بعد وقوع الضرر. ثم ننقل أصوات هؤلاء المدنيين أنفسهم إلى من بيده صنع القرار الذي يؤثر على حياتهم.