صناعة «الجهاد» في اليمن ... وسوق التجنيد

الإثنين 16 يناير-كانون الثاني 2017 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس - الحياة
عدد القراءات 2035
منذ ربيع 2006 فقدت السيدة زهرة الاتصال بابنها أحمد الذي سافر عبر سورية للجهاد في العراق. وخلال الصيف الماضي فجع السيد عبد القدوس بمقتل نجله حمزة على الحدود اليمنية السعودية.
وبالإضافة إلى صغر سنهما، وهما طالبان في المرحلة الثانوية، يلتقي حمزة وأحمد بذهابهما إلى «الجهاد» من دون علم أسرتيهما وبعدم بروز ملمح تشدد ديني على سلوكهما قبل ذلك. لكنهما يفترقان في المذهب الديني.
ينتمي حمزة عبد القدوس، الذي قتل أثناء مشاركته في هجوم شنه من يطلقون على أنفسهم تسمية المجاهدين (حركة أنصار الله)على موقع للمقاومة الشعبية في بلدة حرض على الحدود اليمنية السعودية، إلى فئة السادة في المذهب الزيدي، فيما ينتمي أحمد الحميدي الذي تعتقد والدته أنه قتل في العراق، إلى المذهب الشافعي.
وخلافاً للنهج النمطي القائم على إرجاع الشخصية الجهادية إلى بيئات تنظيمية متطرفة وإلى عوامل اقتصادية واجتماعية، تقدم حالتا أحمد وحمزة مثالاً لاستعدادات جهادية تغذيها ثقافة الشهادة والتضحية بالنفس.
وتشكل المدارس والأندية الرياضية والمساجد قنوات رئيسة لاستقطاب الشباب ومن هم دون 18سنة للجهاد بشقيه السني والشيعي. وتذكر زهرة لـ «الحياة»، أن ابنها أحمد كان يحضر ندوات دينية أسبوعية تقام في مسجد في صنعاء يعتقد أن بعض أتباع الشيخ عبد المجيد الزنداني المتهم دولياً بدعم الإرهاب ينشطون فيه. لكن والدة أحمد وأصدقاء وزملاء له يُجمعون على أن أحمد كان يؤدي الطقوس مثل غيره من المصلين ولم يظهر تصرفاً متطرفاً. ومثل هذا يقال أيضاً في حمزة.
ولئن مثلت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في ثمانينات القرن العشرين ضد الشيوعية، الشرارة الأولى لتبلور الجهاد الأفغاني وما انبثق منه من سلاسل جهادية متعددة الجنسيات، فإن الجهاد الشيعي لم يبرز بالقوة ذاتها سوى مع محاولات إيران الأخيرة لفرض هيمنتها على المنطقة.
وحتى لحظة سفر أحمد الحميدي للجهاد في العراق، كان النظام السوري يغض الطرف عن تهريب جهاديين سنة إلى العراق عبر سورية. ومع اندلاع الثورة السورية في 2011، تغير الأمر كلياً حيث باتت سورية نفسها مقصداً لشبان يمنيين من أتباع المذهب الزيدي يأتونها عبر لبنان للقتال إلى جانب قوات الأسد فيما مثلت تركيا معبراً للشبان اليمنيين السنة الذين يقاتلون مع «الجيش الحر».
ويعد اليمن من أقل الدول تصديراً للمجاهدين للقتال في سورية والعراق. ويرجع ذلك إلى تصاعد القتال الداخلي وانشغال الشبان فيه. فمنذ اندلاع الحرب التي تشهدها البلاد على خلفية انقلاب مسلح لميليشيات الحوثيين في 2014، شهدت سوق الجهاد السني والشيعي على السواء ازدهاراً هو الأول من نوعه في اليمن.
وبدأ الطابع المذهبي يبرز من خلال تحشيد القبائل المحيطة بصنعاء لاجتياح العاصمة ووضع أول رئيس جمهورية ينتمي إلى المذهب الشافعي رهن الإقامة الجبرية ثم مطاردته إلى عدن مطلع 2015. ومع تمدد ميليشيات الحوثيين إلى مدن ذات غالبية شافعية، مثل تعز وعدن بمزاعم محاربة «داعش»، زاد الشحن من مختلف الأطراف وباتت الحرب مذهبية بامتياز، خصوصاً مع انقسام النخب السياسية والثقافية على أساس مذهبي.
«الشهداء القناديل» يقول جمال (39 عاماً)، مشيراً بيده إلى عشرات الصور المعلقة على طول شارع الخمسين جنوب صنعاء معظمها لشبان ويافعين يظهر من أسماء عائلاتهم انتماء غالبيتهم إلى فئة الهاشميين الذين حكموا شمال اليمن لأكثر من ألف عام. وثنائية «القناديل» و «الزنابيل» تسمية شعبية تستوحي تراث التمايز الطبقي الذي ظل سارياً على مدى قرون بين طبقة السادة الذين ينسبون أنفسهم إلى سلالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وبين بقية الطبقات الأدنى.
ويتهم ناشطون ينتمون إلى المذهب الزيدي، الهاشمية السياسية التي تمثل حركة «أنصار الله» ذراعها العسكرية بالتضحية بأبناء الفقراء وتمييز أبناء العائلات في الوظائف وحتى الاهتمام بجثث قتلاهم وطرق دفنها.
ويرى الناشط السياسي جمال حسين في تعطل السياسة وانحدار التعايش الهش أصلاً إلى أدنى مستوى، مؤشراً خطيراً يؤكد انزلاق اليمن إلى ركب الدول الطائفية بعدما كان الانقسام فيه سياسياً وأيديولوجياً بين الشمال والجنوب.
يقول حسين لـ «الحياة»: «بدلا من أن يشكل توحيد البلاد وإقرار التعددية السياسية في 1990 ترياقاً للخروج من نفق التمزق والاستبداد، تسبب الصراع على السلطة والاعتقاد بأن الحكم حكر لجماعة أو منطقة في إعادة البلد الأفقر إلى مرحلة أكثر ظلاماً من مرحلة التشطير ونظام الحزب الواحد»، موضحاً أن الحرب الأهلية المستمرة منذ نحو سنتين لم تحصد أرواح آلاف اليمنيين فقط، بل خلقت بيئة غير مسبوقة لصعود التشدد الإسلامي بشقيه السني والشيعي، ففي حين تحولت شوارع صنعاء والمدن الواقعة تحت سيطرة الحوثيين إلى بازار للشعارات الطائفية التي تحض على الجهاد وتمجد التضحية بالنفس، تعاني المدن الجنوبية المحررة مثل عدن من تنامي قوة التنظيمات المتشددة مثل «داعش» و «القاعدة».