سقوط صنعاء بيد ميليشيات مسلحة يجر اليمن إلى حرب أهلية وانهيار اقتصادي " تحليل "

الأحد 14 ديسمبر-كانون الأول 2014 الساعة 05 مساءً / مأرب برس – د. محمد السعدي:
عدد القراءات 4407

بعد 21 سبتمبر/أيلول 2014 تغير المشهد السياسي في اليمن تغيرا كبيرا وأخذت الأحداث أبعادا واسعة وخطيرة تدفع في البلاد إلى المجهول وإلى دوامة من الصراعات والخلافات بلا نهاية.

فما حدث من دخول ميليشيات مسلحة وغير منظمة إلى العاصمة صنعاء في يوم 21 سبتمبر/ايلول 2014، أخل في المشهد والتركيبة السياسية وسبب تداعيات من الصعب معالجتها في أغلب مؤسسات الدولة وفي الكيان الصلب للدولة والسلطة، وسبب شرخا وجرحا اجتماعيا لا يزال يدمي إلى اليوم وسيستمر إذا لم تبادر القوى السياسية والمجتمعية إلى معالجة كل الآثار السلبية التي حلت كعاصفة عصفت بكل المنجزات والمكتسبات التي حققت خلال السنوات الثلاث التي أعقبت ثورة التغيير في 2011.

ولكي نكون أكثر وضوحا فما جرى في ذلك اليوم لم يكن وليد الصدفة ولا من باب الكرامات والمعجزات ولكنه كان ناتجا لمخططات مدروسة ومرتبة بعناية رتبت له قوى الدولة العميقة والمتضررين من ثورة فبراير/شباط 2011 السلمية مع جماعة الحوثي وقوى إقليمية لعبت دور الحاضن والضامن لهذا التحالف الثلاثي التركيب (( جماعة الحوثي والدولة العميقة ( علي صالح ) والمتضررين من ثورة فبراير/شباط ( بعضهم مقربون من دائرة الرئيس الحالي هادي منصور))، لقد عملت هذه الأطراف على تقويض العملية السياسية السلمية بهدف تغيير التموضعات السياسية والعسكرية وخلط الأوراق على الجميع بما فيها الدور الاممي المتمثل في المبعوث جمال بن عمر.

أما التداعيات التي نتجت عن سقوط العاصمة بيد ميليشيات مسلحة وغير نظامية وتحمل فكرا ايديولوجيا راديكاليا وانفراديا، فهي كبيرة وخطيرة قد تدفع البلاد إلى السقوط في منزلق الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي. فمع تصاعد الأحداث في الأيام العشرة الأخيرة قبل سقوط العاصمة، ظهر واضحا التصدع الكبير في المؤسسة العسكرية ( الجيش والحرس الجمهوري ) والمؤسسة الأمنية ( الداخلية وجهاز الأمن القومي والسياسي ) حيث ظهرت هذه المؤسسات مشلولة الحركة وتعاني من انقسامات بين قادتها ومسؤوليها، وهذا لسببين: الاول هو التأخير في هيكلة الجيش والأمن التي كان من المفترض أن تتم قبل أن يبدأ مؤتمر الحوار الوطني الذي أنعقد وأنجز مهامه في عام 2013، هذا التأخير المتعمد وغير المبرر ساعد قوى الدولة العميقة في إبقاء سيطرتها على أجزاء واسعه من المؤسستين العسكرية والأمنية وساهم هذا في تسليم كثير من المعسكرات وتحييد بعضها، وبل وشارك جزء كبير من هذه القوات ميليشيات جماعة الحوثي في معركة العاصمة والتي كان لها دور كبير في سقوطها بتلك السهولة .

هذا بدوره أدى إلى تفكك المؤسسة العسكرية وانهيار المنظومة العسكرية والأمنية وتبادل الاتهامات بين قادتها حول من خان ومن باع، كل هذا يساهم اليوم في انهيار ما تبقى من المؤسسات الأمنية والعسكرية خصوصا عملية نهب مخازن السلاح والسلاح الثقيل في عمل منظم هو الجريمة المنظمة بعينها، ونضيف أيضا ما حصل سلفا من استهداف قيادات في سلاح الجو اليمني مع الإهمال المتعمد من وزير الدفاع السابق وقيادات عليا في الجيش لسلاح الجو بكل قطاعاته، وبالتالي خسر اليمن منظومته الدفاعية الأساسية ليصبح بلا ترس وبلا سيف .

وتزداد الأمور سوءا مع التوجيهات التي جاءت من رئيس الجمهورية بدمج ميليشيات جماعة الحوثي في الجيش الذي تفكك وانهارت منظومته الأساسية، هذا الضم مخالف للبند الخاص في المبادرة الخليجية والذي نص على هيكلة الجيش والأمن والوصول بالمؤسستين إلى أن تكونا وطنيتين، فاليمن عانى سابقا وحاليا من عدم حيادية المؤسسات العسكرية والأمنية فهي مبنية بشكل يخص قوى نفوذ أما عائلية أو قبلية، ولهذا كان انقسام الجيش في ثورة فبراير/شباط الشعبية والسلمية من أهم المشكلات التي هددت البلاد في تلك الفترة نحو الانزلاق نحو حرب أهلية. وقد تقرر في مخرجات الحوار الوطني على ان يتم بشكل منهجي ووطني تجنيد كثير من الشباب بنسب واضحة تحفظ التوازن بين جميع الأقاليم والمناطق في المؤسسات العسكرية والأمنية بما فيها الرتب حسب تدرجها، وذلك ضمانا لعدم تفرد قوة بعينها بالمؤسسة الأمنية والعسكرية وبالتالي بالقوة الغليظة. ولكن هذا التوجيه الأخير سيسبب تداعيات في المجتمع اليمني حيث يطالب الجنوبيون الآن بحقهم في تجنيد أبنائهم وكذلك المناطق التهامية والمناطق الوسطى ورفض أي دمج لأي فئة بعينها دون الأخرى.

أما بالنسبة للتداعيات الاقتصادية فهي كارثية، إنْ صح التعبير، فاليمن عموما يعاني أزمة اقتصادية منذ عام 1991 وإلى اليوم تتفاقم مع الوقت مع سوء الإدارة والفساد الذي أجتاح مؤسسات الدولة بدون استثناء وخلال السنوات العشر من عام 2000 إلى 2011 تفاقم الوضع الاقتصادي وزادت نسبة البطالة، ساهم هذا بشكل كبير في تفجير الثورة الشعبية السلمية في فبراير/شباط 2011، وأعقب المبادرة الخليجية دخل اليمن في تداعيات ما بعد الثورة على الاقتصاد، وسارت أعوام 2012 و2013 بشكل صعب، ومع استمرار الأزمة السياسية لم يساعد هذا الاقتصاد في النهوض خصوصا مع قلة الاستثمارات وضعف البنى التحتية والفساد الذي زاد بشكل كبير بسبب ضعف الدولة، كل هذا لعب دورا كبيرا في إفقار الخزينة العامة. وكان دور الدولة، التي ما زالت تمسك بركائز الاقتصاد الوطني في المؤسسة النفطية والمالية، دورا كبيرا في زعزعة الاقتصاد الوطني، ودفع البلاد إلى الأزمة الأخيرة والمتعلقة برفع الدعم عن المشتقات النفطية بما يسمى بالجرعة، وبشكل رتبت له قوى الدولة العميقة التي تملك لوبي اقتصاديا وسياسيا ساهم في خلق الأزمة وساهم في توجيه الحكومة والسلطة إلى الجرعة ليصبح ذريعة مهمه لجماعة الحوثي وحلفائها ( التحالف الثلاثي )، للانفضاض على السلطة والدولة والتي كانت تعاني اختراقا داخليا وتقاطع للرؤى والمصالح لبعض المقربين من السلطة مع التحالف الثلاثي .

وأما الآن وبعد سقوط العاصمة فإن أول التداعيات الكارثية هو وقف الدعم للحكومة والسلطة ماليا، حيث لا يخفى على أحد أن اليمن يحصل على دعم مالي من الدول الراعية بشكل مباشر يساعد في سد العجز المالي في الخزينة العامة للدولة، وهذه الدول لها الحق في وقف المعونات والدعم فهي ترى ان دعمها الآن سيقع في يد ميليشيات غير نظامية وهذا ما تتبناه السلطة الحالية من وصف حالها بأنها تعاني الاعتداء من ميليشيات غير نظامية. كما عزف كثير من المستثمرين عن التوجه إلى اليمن لأسباب أمنية ولعدم وجود الدولة كحامية للمستثمرين، وخروج رؤوس الأموال اليمنية والاجنبية من البلاد مع تفاقم مخاطر الحرب الأهلية، وانخفض وصول السفن إلى ميناء الحديدة منذ تاريخ 21 من سبتمبر/ايلول 2014 من 70٪ إلى 40 ٪، بسبب سيطرة الحوثيين على الميناء وتفتيشهم للسفن، كما انخفضت الرحلات الدولية إلى مطارات اليمن بسبب التخوف من السفر عقب انهيار السلطة ومخاوف من الاختطاف وهجمات القاعدة ومن ميليشيات الحوثي التي ترفع شعار الصرخة: الموت لأمريكا.

وزاد الأمر سوءا تهديد الدول الراعية بوقف الرحلات الدولية إلى صنعاء بسبب سيطرة الجماعة على مطار صنعاء وتفتيشها للطائرات وملاحيها وانخفض معدل التبادل في معبر حرض الحدودي بين اليمن والمملكة العربية السعودية إلى النصف. كل هذا يعني أمرا واحدا هو فقدان اليمن لنصف دخله السنوي وبالتالي خسرت الميزانية العامة نصف إمكانياتها المالية ولا ننسى العجز المالي أصلا .

وكما ان استمرار المعارك في المحافظات، سبب شللا عاما في العمل التجاري والزراعي وقطع للطرقات وحركة نزوح للمواطنين زادت من أعباء الدولة المالية والاقتصادية.

عموما فاليمن حاليا يمر بأسوأ حالاته الاقتصادية مع الاستنزاف الخطير للاحتياطي النقدي في البنك المركزي إذ تفيد أنباء ان هناك عجزا ماليا يقدر بمليار ونصف المليار دولار من الاحتياطي النقدي للعملة الصعبة، كل هذا ينذر بانهيار اقتصادي وشيك إذا لم توضع له حلول سريعة.

أما التداعيات الاجتماعية فهي خطيرة جدا، فالايديولوجية التي تتبناها حركة الحوثي لها أبعاد على المستوى الاجتماعي لا تقل خطورة عن التداعيات السياسية والاقتصادية، فمنذ نشوء حركة الشباب المؤمن في ثمانينيات القرن العشرين مع تصدير الثورة الإيرانية، تبنت الحركة الفكر الإيراني الذي تطور مع الوقت ليصبح النموذج الفكري الذي تبناه حسين بدر الدين الحوثي وقدمة لأتباعه. وفي السنوات الخمس الأخيرة طورت حركة الحوثي عملها على المجتمع في الجزء الزيدي لتقدم نفسها كحام للزيدية والبيت الهاشمي، وهذا له دلالات خطيرة في تقسيم المجتمع طائفيا وفئويا، وما تسعى له الجماعة من تبني مبدأ ولاية الفقيه والولاية عموما. ومنهج الحركة عموما قائم على الخلاف العقائدي والفكري بين الشيعة الاثني عشرية والسنة، وهذا ما يمكن الحركة من جمع أتباع لها فتوظيف الخلاف العقائدي والمظالم التي أثارها بعض رموز الزيدية ساهم في تقوية الحركة وإضفاء شرعية عليها باعتبار انها تمثل الزيدية. ولكن هذا بدورة قسم المجتمع الذي لم يعرف فصلا ولا تقسيما على حساب طائفي في تاريخه وبدأ هذا التقسيم يأخذ طابعا مجتمعيا مقززا، حيث ان الناس وعلى مستوى الحارات أخذت في تصنيف بعضها البعض وفق اعتبارات طائفية وفي المساجد، حيث عمدت حركة الحوثي إلى الزج بعناصرها إلى المساجد وترديد الصرخة وطرد بعض الأئمة السنة في مظاهر يرفضها المجتمع اليمني الذي لم يشهد في تاريخه حدثا كهذا.

هذه الممارسات ستفتح بابا خطيرا في صراع طائفي، وسيسمح للمخابرات الخارجية باللعب في هذه المساحة، وقد يسحب اليمن إلى السيناريو السوري والعراقي.

عموما فإن الوضع العام سيء، فاليمن ومنذ الوحدة عام 1990 عانى من تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية سببت الكثير من الأزمات على كل الصعد، ولكن ومن خلال ثورة فبراير/شباط الشعبية انفتحت آفاق جديدة لحل مشكلات البلد وخرج الحوار الوطني الذي استمر سنة تقريبا بمنجزات ومكتسبات كبيرة منها الاتحادية، دستور جديد، العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية، وثيقة القضية الجنوبية، حل لقضية صعدة.

لكن سوء إدارة السلطة وضعفها وسوء إدارة الحكومة السابقة ( كما عرفت باسم حكومة المحاصصة ) كل ذلك ساهم في تفاقم الوضع .

فالقوى السياسية لم تكن تحمل مشروعا واضحا حول ما تريد وكيف تحقق ما تريد، والرغبة في الحكم والسلطة خلقت صراعا بين القوى في الساحة السياسية ( المؤتمر واللقاء المشترك ) وبسبب طبيعة تركيبة الأحزاب غير السوية والطبيعة الآيديولوجية لمن يقودها طفحت على السطح المشاكل والخلافات وتضاربت المصالح التي جارت على مصلحة الشعب والمصلحة العامة.

فقوى اللقاء المشترك كانت تعاني من تشظ فيما بينها بسبب الخلفيات الايديولوجية والتاريخية لقياداتها بعد أن تشاركت في هدف إسقاط علي صالح وبمجرد تخليه عن السلطة ظهرت هذه الخلافات. ويبدو أن الاشتراكي لم ينس ولم يتسامح مع الاصلاح الذي شارك علي صالح حرب 1994على الجنوب، فظهرت بعض المواقف من الاشتراكي خصوصا في الأحداث الأخيرة كانت ضد حزب الاصلاح، وكانت الخلافات في توزيع الحقائب الوزارية بين حلفاء اللقاء المشترك سببا في مزيد من التشظي، ولم يكن اللقاء المشترك على مستوى المسؤولية الحقيقية حيث أنه لم يعمل على الانفتاح ودعم القوى الوليدة من ثورة فبراير/شباط وهي قوى الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وغيرها.

أما السلطة الحالية وعلى رأسها الرئيس والمقربون منه فقد أصبحوا خارج التاريخ، فسوء الإدارة والضعف الذي أظهرته هذه الإدارة كانا سببا رئيسيا في هذا الانهيار المريع للسلطة فلا مكتب الرئاسة ولا المؤسسة الرئاسية كانت على قدر كبير من المسؤولية الحقيقية تجاه المرحلة. لقد إنزوت هذه المؤسسة وانغلقت على نفسها ولم تنفتح لا على القوى المجتمعية والشبابية ولا حتى على القوى السياسية، وسيطرت عليها أسماء معينه تسببت في الكارثة، وفي فقدان الثقة في هذه المؤسسة وفي الرئيس نفسه .

لقد كان هناك هدف عام للتحالف الثلاثي، الذي تشاركت معه دول إقليمية وتوجه عام دولي وبعض المقربين من الرئاسة، وهو إبعاد الاصلاح ( ممثل الإخوان المسلمين في اليمن ) من السلطة والقضاء على جامعة الإيمان والفرقة الأولى وهذا تحقق جزئيا خلال الأحداث الأخيرة. هذا التوجه هو ما يحدث الآن في مصر وليبيا وسوريا والعراق، وليس اليمن ببعيد عنه، ولكن اليمن كان يملك فرصة ذهبية في التحول الديمقراطي الحقيقي، وفرصة كبيرة لخلق التعددية الإيجابية والانطلاق صوب المستقبل، ولكن مع الأحداث الأخيرة وتداعياتها فإنه تراجع للوراء سنوات كثيرة، والمعالجات تحتاج إلى قيادة حكيمة وقوية تنفتح على الجميع دون استثناءات وتجعل المصلحة العامة هي الاطار الذي يجمع الجميع .

سقوط صنعاء بيد ميليشيات مسلحة يجر اليمن إلى حرب أهلية وانهيار اقتصادي " تحليل "

بعد 21 سبتمبر/أيلول 2014 تغير المشهد السياسي في اليمن تغيرا كبيرا وأخذت الأحداث أبعادا واسعة وخطيرة تدفع في البلاد إلى المجهول وإلى دوامة من الصراعات والخلافات بلا نهاية.

فما حدث من دخول ميليشيات مسلحة وغير منظمة إلى العاصمة صنعاء في يوم 21 سبتمبر/ايلول 2014، أخل في المشهد والتركيبة السياسية وسبب تداعيات من الصعب معالجتها في أغلب مؤسسات الدولة وفي الكيان الصلب للدولة والسلطة، وسبب شرخا وجرحا اجتماعيا لا يزال يدمي إلى اليوم وسيستمر إذا لم تبادر القوى السياسية والمجتمعية إلى معالجة كل الآثار السلبية التي حلت كعاصفة عصفت بكل المنجزات والمكتسبات التي حققت خلال السنوات الثلاث التي أعقبت ثورة التغيير في 2011.

ولكي نكون أكثر وضوحا فما جرى في ذلك اليوم لم يكن وليد الصدفة ولا من باب الكرامات والمعجزات ولكنه كان ناتجا لمخططات مدروسة ومرتبة بعناية رتبت له قوى الدولة العميقة والمتضررين من ثورة فبراير/شباط 2011 السلمية مع جماعة الحوثي وقوى إقليمية لعبت دور الحاضن والضامن لهذا التحالف الثلاثي التركيب (( جماعة الحوثي والدولة العميقة ( علي صالح ) والمتضررين من ثورة فبراير/شباط ( بعضهم مقربون من دائرة الرئيس الحالي هادي منصور))، لقد عملت هذه الأطراف على تقويض العملية السياسية السلمية بهدف تغيير التموضعات السياسية والعسكرية وخلط الأوراق على الجميع بما فيها الدور الاممي المتمثل في المبعوث جمال بن عمر.

أما التداعيات التي نتجت عن سقوط العاصمة بيد ميليشيات مسلحة وغير نظامية وتحمل فكرا ايديولوجيا راديكاليا وانفراديا، فهي كبيرة وخطيرة قد تدفع البلاد إلى السقوط في منزلق الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي. فمع تصاعد الأحداث في الأيام العشرة الأخيرة قبل سقوط العاصمة، ظهر واضحا التصدع الكبير في المؤسسة العسكرية ( الجيش والحرس الجمهوري ) والمؤسسة الأمنية ( الداخلية وجهاز الأمن القومي والسياسي ) حيث ظهرت هذه المؤسسات مشلولة الحركة وتعاني من انقسامات بين قادتها ومسؤوليها، وهذا لسببين: الاول هو التأخير في هيكلة الجيش والأمن التي كان من المفترض أن تتم قبل أن يبدأ مؤتمر الحوار الوطني الذي أنعقد وأنجز مهامه في عام 2013، هذا التأخير المتعمد وغير المبرر ساعد قوى الدولة العميقة في إبقاء سيطرتها على أجزاء واسعه من المؤسستين العسكرية والأمنية وساهم هذا في تسليم كثير من المعسكرات وتحييد بعضها، وبل وشارك جزء كبير من هذه القوات ميليشيات جماعة الحوثي في معركة العاصمة والتي كان لها دور كبير في سقوطها بتلك السهولة .

هذا بدوره أدى إلى تفكك المؤسسة العسكرية وانهيار المنظومة العسكرية والأمنية وتبادل الاتهامات بين قادتها حول من خان ومن باع، كل هذا يساهم اليوم في انهيار ما تبقى من المؤسسات الأمنية والعسكرية خصوصا عملية نهب مخازن السلاح والسلاح الثقيل في عمل منظم هو الجريمة المنظمة بعينها، ونضيف أيضا ما حصل سلفا من استهداف قيادات في سلاح الجو اليمني مع الإهمال المتعمد من وزير الدفاع السابق وقيادات عليا في الجيش لسلاح الجو بكل قطاعاته، وبالتالي خسر اليمن منظومته الدفاعية الأساسية ليصبح بلا ترس وبلا سيف .

وتزداد الأمور سوءا مع التوجيهات التي جاءت من رئيس الجمهورية بدمج ميليشيات جماعة الحوثي في الجيش الذي تفكك وانهارت منظومته الأساسية، هذا الضم مخالف للبند الخاص في المبادرة الخليجية والذي نص على هيكلة الجيش والأمن والوصول بالمؤسستين إلى أن تكونا وطنيتين، فاليمن عانى سابقا وحاليا من عدم حيادية المؤسسات العسكرية والأمنية فهي مبنية بشكل يخص قوى نفوذ أما عائلية أو قبلية، ولهذا كان انقسام الجيش في ثورة فبراير/شباط الشعبية والسلمية من أهم المشكلات التي هددت البلاد في تلك الفترة نحو الانزلاق نحو حرب أهلية. وقد تقرر في مخرجات الحوار الوطني على ان يتم بشكل منهجي ووطني تجنيد كثير من الشباب بنسب واضحة تحفظ التوازن بين جميع الأقاليم والمناطق في المؤسسات العسكرية والأمنية بما فيها الرتب حسب تدرجها، وذلك ضمانا لعدم تفرد قوة بعينها بالمؤسسة الأمنية والعسكرية وبالتالي بالقوة الغليظة. ولكن هذا التوجيه الأخير سيسبب تداعيات في المجتمع اليمني حيث يطالب الجنوبيون الآن بحقهم في تجنيد أبنائهم وكذلك المناطق التهامية والمناطق الوسطى ورفض أي دمج لأي فئة بعينها دون الأخرى.

أما بالنسبة للتداعيات الاقتصادية فهي كارثية، إنْ صح التعبير، فاليمن عموما يعاني أزمة اقتصادية منذ عام 1991 وإلى اليوم تتفاقم مع الوقت مع سوء الإدارة والفساد الذي أجتاح مؤسسات الدولة بدون استثناء وخلال السنوات العشر من عام 2000 إلى 2011 تفاقم الوضع الاقتصادي وزادت نسبة البطالة، ساهم هذا بشكل كبير في تفجير الثورة الشعبية السلمية في فبراير/شباط 2011، وأعقب المبادرة الخليجية دخل اليمن في تداعيات ما بعد الثورة على الاقتصاد، وسارت أعوام 2012 و2013 بشكل صعب، ومع استمرار الأزمة السياسية لم يساعد هذا الاقتصاد في النهوض خصوصا مع قلة الاستثمارات وضعف البنى التحتية والفساد الذي زاد بشكل كبير بسبب ضعف الدولة، كل هذا لعب دورا كبيرا في إفقار الخزينة العامة. وكان دور الدولة، التي ما زالت تمسك بركائز الاقتصاد الوطني في المؤسسة النفطية والمالية، دورا كبيرا في زعزعة الاقتصاد الوطني، ودفع البلاد إلى الأزمة الأخيرة والمتعلقة برفع الدعم عن المشتقات النفطية بما يسمى بالجرعة، وبشكل رتبت له قوى الدولة العميقة التي تملك لوبي اقتصاديا وسياسيا ساهم في خلق الأزمة وساهم في توجيه الحكومة والسلطة إلى الجرعة ليصبح ذريعة مهمه لجماعة الحوثي وحلفائها ( التحالف الثلاثي )، للانفضاض على السلطة والدولة والتي كانت تعاني اختراقا داخليا وتقاطع للرؤى والمصالح لبعض المقربين من السلطة مع التحالف الثلاثي .

وأما الآن وبعد سقوط العاصمة فإن أول التداعيات الكارثية هو وقف الدعم للحكومة والسلطة ماليا، حيث لا يخفى على أحد أن اليمن يحصل على دعم مالي من الدول الراعية بشكل مباشر يساعد في سد العجز المالي في الخزينة العامة للدولة، وهذه الدول لها الحق في وقف المعونات والدعم فهي ترى ان دعمها الآن سيقع في يد ميليشيات غير نظامية وهذا ما تتبناه السلطة الحالية من وصف حالها بأنها تعاني الاعتداء من ميليشيات غير نظامية. كما عزف كثير من المستثمرين عن التوجه إلى اليمن لأسباب أمنية ولعدم وجود الدولة كحامية للمستثمرين، وخروج رؤوس الأموال اليمنية والاجنبية من البلاد مع تفاقم مخاطر الحرب الأهلية، وانخفض وصول السفن إلى ميناء الحديدة منذ تاريخ 21 من سبتمبر/ايلول 2014 من 70٪ إلى 40 ٪، بسبب سيطرة الحوثيين على الميناء وتفتيشهم للسفن، كما انخفضت الرحلات الدولية إلى مطارات اليمن بسبب التخوف من السفر عقب انهيار السلطة ومخاوف من الاختطاف وهجمات القاعدة ومن ميليشيات الحوثي التي ترفع شعار الصرخة: الموت لأمريكا.

وزاد الأمر سوءا تهديد الدول الراعية بوقف الرحلات الدولية إلى صنعاء بسبب سيطرة الجماعة على مطار صنعاء وتفتيشها للطائرات وملاحيها وانخفض معدل التبادل في معبر حرض الحدودي بين اليمن والمملكة العربية السعودية إلى النصف. كل هذا يعني أمرا واحدا هو فقدان اليمن لنصف دخله السنوي وبالتالي خسرت الميزانية العامة نصف إمكانياتها المالية ولا ننسى العجز المالي أصلا .

وكما ان استمرار المعارك في المحافظات، سبب شللا عاما في العمل التجاري والزراعي وقطع للطرقات وحركة نزوح للمواطنين زادت من أعباء الدولة المالية والاقتصادية.

عموما فاليمن حاليا يمر بأسوأ حالاته الاقتصادية مع الاستنزاف الخطير للاحتياطي النقدي في البنك المركزي إذ تفيد أنباء ان هناك عجزا ماليا يقدر بمليار ونصف المليار دولار من الاحتياطي النقدي للعملة الصعبة، كل هذا ينذر بانهيار اقتصادي وشيك إذا لم توضع له حلول سريعة.

أما التداعيات الاجتماعية فهي خطيرة جدا، فالايديولوجية التي تتبناها حركة الحوثي لها أبعاد على المستوى الاجتماعي لا تقل خطورة عن التداعيات السياسية والاقتصادية، فمنذ نشوء حركة الشباب المؤمن في ثمانينيات القرن العشرين مع تصدير الثورة الإيرانية، تبنت الحركة الفكر الإيراني الذي تطور مع الوقت ليصبح النموذج الفكري الذي تبناه حسين بدر الدين الحوثي وقدمة لأتباعه. وفي السنوات الخمس الأخيرة طورت حركة الحوثي عملها على المجتمع في الجزء الزيدي لتقدم نفسها كحام للزيدية والبيت الهاشمي، وهذا له دلالات خطيرة في تقسيم المجتمع طائفيا وفئويا، وما تسعى له الجماعة من تبني مبدأ ولاية الفقيه والولاية عموما. ومنهج الحركة عموما قائم على الخلاف العقائدي والفكري بين الشيعة الاثني عشرية والسنة، وهذا ما يمكن الحركة من جمع أتباع لها فتوظيف الخلاف العقائدي والمظالم التي أثارها بعض رموز الزيدية ساهم في تقوية الحركة وإضفاء شرعية عليها باعتبار انها تمثل الزيدية. ولكن هذا بدورة قسم المجتمع الذي لم يعرف فصلا ولا تقسيما على حساب طائفي في تاريخه وبدأ هذا التقسيم يأخذ طابعا مجتمعيا مقززا، حيث ان الناس وعلى مستوى الحارات أخذت في تصنيف بعضها البعض وفق اعتبارات طائفية وفي المساجد، حيث عمدت حركة الحوثي إلى الزج بعناصرها إلى المساجد وترديد الصرخة وطرد بعض الأئمة السنة في مظاهر يرفضها المجتمع اليمني الذي لم يشهد في تاريخه حدثا كهذا.

هذه الممارسات ستفتح بابا خطيرا في صراع طائفي، وسيسمح للمخابرات الخارجية باللعب في هذه المساحة، وقد يسحب اليمن إلى السيناريو السوري والعراقي.

عموما فإن الوضع العام سيء، فاليمن ومنذ الوحدة عام 1990 عانى من تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية سببت الكثير من الأزمات على كل الصعد، ولكن ومن خلال ثورة فبراير/شباط الشعبية انفتحت آفاق جديدة لحل مشكلات البلد وخرج الحوار الوطني الذي استمر سنة تقريبا بمنجزات ومكتسبات كبيرة منها الاتحادية، دستور جديد، العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية، وثيقة القضية الجنوبية، حل لقضية صعدة.

لكن سوء إدارة السلطة وضعفها وسوء إدارة الحكومة السابقة ( كما عرفت باسم حكومة المحاصصة ) كل ذلك ساهم في تفاقم الوضع .

فالقوى السياسية لم تكن تحمل مشروعا واضحا حول ما تريد وكيف تحقق ما تريد، والرغبة في الحكم والسلطة خلقت صراعا بين القوى في الساحة السياسية ( المؤتمر واللقاء المشترك ) وبسبب طبيعة تركيبة الأحزاب غير السوية والطبيعة الآيديولوجية لمن يقودها طفحت على السطح المشاكل والخلافات وتضاربت المصالح التي جارت على مصلحة الشعب والمصلحة العامة.

فقوى اللقاء المشترك كانت تعاني من تشظ فيما بينها بسبب الخلفيات الايديولوجية والتاريخية لقياداتها بعد أن تشاركت في هدف إسقاط علي صالح وبمجرد تخليه عن السلطة ظهرت هذه الخلافات. ويبدو أن الاشتراكي لم ينس ولم يتسامح مع الاصلاح الذي شارك علي صالح حرب 1994على الجنوب، فظهرت بعض المواقف من الاشتراكي خصوصا في الأحداث الأخيرة كانت ضد حزب الاصلاح، وكانت الخلافات في توزيع الحقائب الوزارية بين حلفاء اللقاء المشترك سببا في مزيد من التشظي، ولم يكن اللقاء المشترك على مستوى المسؤولية الحقيقية حيث أنه لم يعمل على الانفتاح ودعم القوى الوليدة من ثورة فبراير/شباط وهي قوى الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وغيرها.

أما السلطة الحالية وعلى رأسها الرئيس والمقربون منه فقد أصبحوا خارج التاريخ، فسوء الإدارة والضعف الذي أظهرته هذه الإدارة كانا سببا رئيسيا في هذا الانهيار المريع للسلطة فلا مكتب الرئاسة ولا المؤسسة الرئاسية كانت على قدر كبير من المسؤولية الحقيقية تجاه المرحلة. لقد إنزوت هذه المؤسسة وانغلقت على نفسها ولم تنفتح لا على القوى المجتمعية والشبابية ولا حتى على القوى السياسية، وسيطرت عليها أسماء معينه تسببت في الكارثة، وفي فقدان الثقة في هذه المؤسسة وفي الرئيس نفسه .

لقد كان هناك هدف عام للتحالف الثلاثي، الذي تشاركت معه دول إقليمية وتوجه عام دولي وبعض المقربين من الرئاسة، وهو إبعاد الاصلاح ( ممثل الإخوان المسلمين في اليمن ) من السلطة والقضاء على جامعة الإيمان والفرقة الأولى وهذا تحقق جزئيا خلال الأحداث الأخيرة. هذا التوجه هو ما يحدث الآن في مصر وليبيا وسوريا والعراق، وليس اليمن ببعيد عنه، ولكن اليمن كان يملك فرصة ذهبية في التحول الديمقراطي الحقيقي، وفرصة كبيرة لخلق التعددية الإيجابية والانطلاق صوب المستقبل، ولكن مع الأحداث الأخيرة وتداعياتها فإنه تراجع للوراء سنوات كثيرة، والمعالجات تحتاج إلى قيادة حكيمة وقوية تنفتح على الجميع دون استثناءات وتجعل المصلحة العامة هي الاطار الذي يجمع الجميع .