أعداؤهم السلفيون والحكومة والإصلاح والسعودية.. يصفون أنفسهم بـ"المجاهدين" ويسألون الجنود عن مذهبهم ويؤكدون قبول السلام والتمرد على الدولة طاعة لـ"السيد"..

الثلاثاء 11 مارس - آذار 2008 الساعة 06 صباحاً / مأرب برس – ماجد الجرافي – الغد
عدد القراءات 9748

محافظة صعدة من الناحية القبلية قسيم بين قبيلتين من أكبر القبائل اليمنية، هما همدان بن زيد، وخولان بن عامر، وتنتمي إلى همدان بن زيد عدة قبائل وفخوذ هي وائلة وآل سالم والعمالسة والمقاش، وتنقسم كل قبيلة من هذه القبائل إلى عدة قبائل فرعية، أما خولان بن عامر فتنتمي إليها قبائل سحار وجماعة وخولان ورازح التي تنقسم كل منها أيضاً إلى عدة قبائل فرعية..

ويرى محمد عزان –الأمين العام السابق لتنظيم الشباب المؤمن- بأن محافظة صعدة ليست مجتمعاً واحداً له تقاليد وأعراف واحدة، وإنما هناك تنوع من قبيلة إلى أخرى، ولا بد من معرفة خصوصيات كل قبيلة لنجاح سياسة التعاطي مع هذه المحافظة التي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة مجتمعات لكل منها عاداته وتقاليده وأعرافه التي تميزه عن غيره، حيث يتميز المجتمع الذي يقطن في المنطقة الشرقية من المحافظة وهو مجتمع همدان بن زيد بتقاليد ذات طابع خاص، يشترك فيها معهم أهل الجوف ومجتمع نجران في المملكة العربية السعودية..

أما المجتمع الثاني فهو المجتمع الواقع في المنطقة الوسطى من المحافظة التي تدخل فيها مناطق جماعة ومنبه وسحار، وذلك امتداداً من حدود السعودية إلى نهاية حدود المحافظة، والمجتمع الثالث هو المجتمع الغربي من المحافظة يشمل سلسلة الجبال الغربية امتداداً إلى محافظتي حجة والمحويت في كل من خولان ورازح..

وينتقد عزان جميع المسؤولين الذين تعاقبوا على قيادة المحافظة بأنهم يأتون إلى صعدة دون معرفة مسبقة بخصائص المجتمع فيها، ويأخذون المناطق المجاورة لعاصمة المحافظة كنموذج لصعدة بأكملها، ويتعاملون مع المحافظة على أساس هذا النموذج، ويقرأون صعدة من خلال جزء من المجتمع فيها، وبالتالي يكون تعاملهم وسياستهم في المحافظة مفتقراً للدقة والتأثير..

التقسيم المذهبي

سميت مدينة صعدة بمدينة السلام لأنها كانت مدينة عصية على نفوذ القبائل فيها، باعتبارها مدينة لكل القبائل، وذلك منذ أن اختطها الهادي كهجرة دينية يتوافد إليها أتباعه من كل مكان..

وتعتبر محافظة صعدة بحسب محمد عزان المعقل الأول للمذهب الزيدي الذي ليست له مرجعية خارج اليمن، وظلت صعدة مغلقة على المذهب الزيدي إلى أن دخل إليها التيار السلفي مطلع الثمانينات من القرن المنصرف على يد الشيخ مقبل الوادعي والمعاهد العلمية ( الدينية) التي كانت تخضع لنفوذ حركه الأخوان المسلمين في اليمن حتى قيام الوحدة منتصف عام 1990م حيث أصبح التجمع اليمني للإصلاح حزبا سياسيا عمل على توسيع نفوذه في صعدة عبر هذه المعاهد..

الصراع السلفي الزيدي

ويؤكد عزان بأن المذهب الزيدي محسوب على الشيعة، ولكنه يتفق مع السنة في أصول هامة، والزيدية وإن كانت عاطفتهم شيعية إلا أنهم لا يتجاوزون الحد ولا يصلون إلى مرحلة الغلو الذي وصلت إليه بعض المذاهب الشيعية التي تدعي العصمة للإمام..

وأوضح بأنه وفي إطار ردة الفعل على دخول التيار السلفي إلى صعدة ومهاجمته للزيدية حصلت ردة فعل سلبية دفعت البعض إلى التشدد الذي لم يكن موجوداً لدى الزيدية من قبل، وأكد عزان بأن هناك تقاطعاً بين الفكر الذي يحمله المتمردون “الحوثيون” وبين الاثني عشرية والجعفرية، ولكنهم ليسوا اثني عشرية، مشيراً إلى أن الزيدية متوسطون بين غلو الإمامية الجعفرية في الولاء لآل البيت وبين مجرد الدعوى الصادرة عن بعض المذاهب السنية التي لا تقدم أي دليل على حبها وولائها لآل البيت.

الخلفية الجاردوية “للحوثيين”

وحول مسألة سب الصحابة، أكد عزان بأن هناك تياراً يسمى "الجارودية" في المذهب الزيدي، ولكن هذا التيار ظل منبوذاً منذ أيام الإمام زيد، ويمثله في كل عصر أشخاص، وتوافق "الجارودية" الاثنى عشرية في مسألة سب الصحابة، ويحاول بعض علماء الزيدية المتأثرين بالأفكار "الجارودية" أن ينقلوا أفكارهم إلى طلابهم الزيدية..

ونفى عزان أي وجود للاثنى عشرية في صعدة، لأن الصراع بين الزيدية والجعفرية أعمق من الصراع بين السنة والجعفرية، مؤكداً بأن جماعة الحوثي هم أصحاب خلفية زيدية اتخذوا جزءاً من المذهب الجاردوي في إطار ردة الفعل ضد دخول التيار السلفي إلى صعدة..

شطحة "الحوثية"

ويرى محمد عزان بأن ما ذهب إليه الحوثي وجماعته كان مجرد شطحة وردة فعل ضد دخول التيار السلفي إلى محافظة صعدة التي كانت مغلقة على الزيدية، وهذه الشطحة كان يجب أن تعالج بحكمة، خصوصاً وأن رجوع الشيخ مقبل الوادعي إلى صعدة من السعودية ومهاجمته لأشياء استفزت الناس أوجدت ردة فعل جعلت المجتمع يتحفز للفتنة..

وأوضح بأن المطلوب حالياً هو ترشيد الخطاب الديني في التخاطب مع الآخر بخطاب غير مضاد يجعل من الآخر يتمترس، بالإضافة إلى أن يكون هناك دعم لحركة التيارات الدينية المعتدلة من داخل المدرسة الزيدية وليس من خارجها..

تشكيلة التمرد

لم يقدم عبد الملك الحوثي أي معلومات أو أرقام عن عدد أتباعه إلى أي لجان أو وسطاء، ولكن أتباعه يتحدثون بأن عددهم في كافة مديريات صعدة يصل إلى 10 آلاف مقاتل، ومع هذا فإن الأرقام التي يتم تناقلها عن إجمالي عدد أتباعه ما زالت مجرد تقديرات لا تخلو من المبالغة، سواء بالتقليل من قبل من يقولون بأنهم لا يتجاوزون بضع مئات، أو بالتهويل من قبل من يؤكدون بأن غالبية المواطنين في مناطق التمرد يدينون بالولاء لعبد الملك، سواء كانوا مقاتلين معه أو مجرد موالين..

وجماعة الحوثي هم عبارة عن مجاميع من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (17-25) سنة، ويمكن تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف، الصنف الأول منهم مدفوعون بحمية الدفاع عن المذهب الزيدي والتأثر بأطروحات حسين بدر الدين الذي استطاع أن يوظف عاطفة الانتماء للمذهب الزيدي بين مجموعة من طلابه الذين كانوا يطلبون العلم الشرعي في المدارس والأربطة المتأثرة بأفكاره..

وهؤلاء المدفوعون بأيديولوجيات وأطروحات حسين بدر الدين ليسوا جميعاً من أبناء صعدة، ولكن كثيراً منهم "مضيفين" أتوا من عدة محافظات (حجة، ذمار، صنعاء) ومنهم ممن شاركوا في الحرب الأولى وعادوا إلى صعدة في الحرب الرابعة، والقليل منهم لم يغادروا صعدة منذ الحرب الأولى بعد أن استقروا في القرى والمناطق التي يتواجد فيها “الحوثيون”..

ومن ضمن هؤلاء "المضيفين" كما يسميهم الناس في صعدة كثير من المعتقلين السابقين الذين أطلق سراحهم وعادوا إلى صفوف التمرد، والبعض منهم من أبناء القبائل في حجة وذمار وصنعاء الذين ذهبوا إلى صعدة للمشاركة في إحياء ذكرى "الغدير" ولا يعودون حيث ينخرطون في صفوف المتمردين..

الصنف الثاني من المتمردين أتباع الحوثي هم من أبناء القبائل المتعاطفة مع الحوثي والغاضبة من الدولة، وهؤلاء وإن كانوا ينتمون للمذهب الزيدي إلا أنهم لا يقاتلون بدافع أيديولوجي مكتمل التأثر بأطروحات حسين بدر الدين بقدر تأثرهم بحمية الدفاع عن المذهب الزيدي وانخداعهم بشعار "الموت لأميركا-الموت لإسرائيل-اللعنة على اليهود- النصر للإسلام" الذي استغله “الحوثيون” لتجييش كثير من أبناء القبائل المغرر بهم بدعوى أن الحرب التي تشنها الدولة عليهم ليست سوى حرب بالوكالة عن أميركا وإسرائيل..

أما الصنف الثالث من أتباع الحوثي فهم من الشباب العاطلين عن العمل، الباحثين عن تحقيق البطولات، وهؤلاء بالرغم من انتمائهم للمذهب الزيدي إلا أن دافعهم الأساسي للانخراط في صفوف التمرد هو تركيبتهم الثقافية التي يقول محمد عزان –مدير عام إذاعة صعدة- بأن أصحابها يفضلون التفاخر بتربية شعرهم وحمل السلاح، وأن يتحدث الناس عنهم وعن أخبار بطولاتهم في تفجير الأطقم العسكرية والدبابات عن أن يكونوا من حملة الشهادات الجامعية.

وكثير من هؤلاء الشبان المنخرطين في صفوف التمرد ربما ينطلق البعض منهم إلى القتال بدافع الانتقام من الدولة، إما لمقتل أحد أقاربهم أو لتضرر بعض مزارعهم أو بيوتهم أثناء الحرب..

الانتماء الحزبي

يعتقد البعض بأن “الحوثيين” ينتمون إلى بعض أحزاب "اللقاء المشترك"، ولكن واقع الحال هناك في صعدة يؤكد بأن غالبية “الحوثيين” المتحزبين ينتمون للمؤتمر الشعبي العام "الحاكم" وليس فيهم كما يؤكد كثير منهم من ينتمي إلى أحزاب "اللقاء المشترك"، وخصوصاً حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يناصبونه العداء، ويعتبرونه عدواً لهم عمل على إضعاف وإنهاك المذهب الزيدي في صعدة بدعم من الدولة التي دعمت السلفيين أيضاً بتمويل سعودي لإضعاف المذهب الزيدي حسب قولهم..

و"“الحوثيون”" لا يعترفون بأن الحكومة دعمت حسين بدر الدين الحوثي منذ منتصف التسعينيات لإضعاف التجمع اليمني للإصلاح هناك، ومن نافل القول هنا الاعتراف بأن المؤتمر الشعبي "الحاكم" يخوض حرباً في صعدة بينه وبين نفسه حيث أن مجاميع كبيرة من أتباع الحوثي يعترفون بانتمائهم إليه رغم وقوفهم في وجه الدولة..

السيطرة الأسرية

ما زالت الحركة الحوثية تحت سيطرة أسرة بدر الدين الحوثي، بدءاً بحسين الذي قاد التمرد الأول قبل أن ينتهي بمصرعه في سبتمبر 2004، ثم والده بدر الدين الحوثي، ثم أبنائه عبد الملك القائد الميداني للتمرد وعدد من إخوانه..

ويتم اختيار القادة الميدانيين للتمرد من بين المخلصين بالولاء لأسرة بدر الدين الحوثي، وفي المقدمة منهم المنتمون إلى سلالة "الهاشميين" في صعدة، ويدين القادة الميدانيون للتمرد بالولاء لعبد الملك الحوثي الذي يطلق عليه لقب "السيد" عبد الملك سليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمدافع عن آل البيت والمذهب الزيدي في صعدة..

الظاهرة الحوثية

لا يفتأ “الحوثيون” عن تأكيد انتمائهم للمذهب الزيدي ونفيهم الانتماء لأي مذهب شيعي آخر، ويطلقون على أنفسهم لقب "المجاهدين" الذين يدافعون عما يسمونها بالهجمة الشرسة ضد المذهب الزيدي، ومع هذا فإننا لم نلاحظ بأنهم ملتزمون بأداء الصلوات التي يلتزم بأدائها القليل منهم فقط..

أما المنهج الفكري لهم فيتمثل في (ملازم محاضرات) حسين بدر الدين الحوثي، التي يتدارسونها ويتداولونها ويستشهدون بها باهتمام بالغ، ولا يتدارسون أيا من كتب الزيدية التي يتفاخرون بالانتماء إليها والدفاع عنها، وعندما سألناهم عن أسباب عدم تدارسهم لأي كتاب من كتب الزيدية قالوا بأن ما جاء به حسين بدر الدين في (ملازمه) يعتبر خلاصة ولب المذهب الزيدي الذي يدافعون عنه ضد الظلم الذي لحق به في صعدة وفي غيرها من مناطق اليمن..

أقوال "الحوثي" وصور حسن نصر الله جنباً إلى جنب

وينظر “الحوثيون” إلى ما جاء به حسين بدر الدين بوصفه تجديداً في الفكر الزيدي، ولهذا فإن (ملازمه) تباع في أسواقهم ويتم تعليق مقولاته على جدران منازلهم جنباً إلى جنب مع صور أمين عام حزب الله بلبنان –حسن نصر الله- ومقولات الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تتحدث عن علي وعن آل بيت الرسول..

المذهب أول سؤال للأسير (الجندي)

ويتحدث البعض في صعدة بأن “الحوثيين” عندما يأسرون جندياً يسألونه عن مذهبه، فإذا كان غير زيدي فإنهم يبادرون إلى اعتباره عدواً، أما إذا كان زيدياً فإنهم يتأكدون من ذلك وبعدها يعاملونه على أساس أنه جاهل يعملون على إعادته إلى جادة الصواب من خلال عرض فكر حسين بدر الدين الحوثي للتأثير عليه..

ويتناقل البعض روايات مرعبة عن طرق وأساليب تعامل “الحوثيين” مع أسراهم من الجنود، ولكن “الحوثيين” الذين التقينا بهم يؤكدون بأن تلك الروايات ليس لها أي أساس من الصحة، ولكنها مجرد إشاعات يستخدمها قادة الجيش لإرعاب الجنود وحضهم على الاستبسال في القتال وعدم تسليم أنفسهم “للحوثيين”، ويقولون بأنهم يتعاملون مع (أسراهم) تعاملاً إنسانياً على عكس الإشاعات التي تروج عن وحشيتهم.

حسن نصر الله في صعدة

يتمتع زعيم حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله بشعبية كبيرة بين “الحوثيين” ويلاحظ ذلك في حديثهم عن بطولاته ضد إسرائيل، كما يتفاخر "“الحوثيون”" باعتزازهم وحبهم لزعيم حزب الله من خلال تعليق صوره على جدران غرفهم ومحلاتهم التجارية، بالإضافة إلى توزيع وبيع خطبه الحماسية واقتطاف بعض مقاطعها كنغمات (لجوالاتهم) التي يتعالى منها صوت حسن نصر الله وهو يقول "سنقاتل.. سنقاتل.. سنقاتل.. سننتصر.. سننتصر.. سننتصر" عند أي مكالمة يتلقاها أي فرد من أتباع الحوثي.

الولاء لأسرة بدر الدين وعدم الاعتراف بمقتل حسين

شعبية أسرة بدر الدين الحوثي لا تقل عن شعبية حسن نصر الله بين “الحوثيين”، بالإضافة إلى الطاعة والولاء الذي يبديه “الحوثيون” لأسرة بدر الدين الحوثي من خلال أحاديثهم عن عبد الملك الحوثي وعن شقيقه حسين، حيث يطلقون على الأول لقب "السيد" وعلى الثاني لقب "سيدي حسين" الذي يتحدثون عنه وكأنه لم يمت، حتى أنه عندما ذكرناه بينهم لم يترحم عليه أي أحد منهم..

ورغم وجود التشكك بين “الحوثيين” بموت حسين بدر الدين إلا أن البعض منهم لا يخفون توعدهم بأنهم سيطالبون بقتلته في مراحل أخرى من المفاوضات مع الدولة، أما بدر الدين الحوثي الذي قاد التمرد في مرحلة من مراحله بعد مقتل ابنه حسين فإنه ما زال على قيد الحياة، ولكنه بحسب تأكيدات "“الحوثيين”" لا يمارس أي نشاط بسبب مرضه وكبره في العمر، تاركاً المجال لابنه عبد الملك الذي يستمد جزءاً من تأثيره على أتباعه من كونه سليل أسرة (هاشمية)، وهذه الميزة لها بالغ الأثر في مجتمع ما زال التراتب والتمايز الطبقي فيه سائداً بشكل ملفت وبصورة أكثر حضوراً من أي منطقة من مناطق اليمن حيث ينقسم فيها التراتب الطبقي إلى "سيد وقبيلي ومزين.."، فالقبيلي هناك في صعدة غير "السيد" الذي يحافظ على تميزه على القبيلي بوصفه سليل بيت النبوة..

التكتيكات القتالية

يعتمد المتمردون "“الحوثيون”" في قتالهم على أسلوب حرب العصابات وحرب الاستنزاف والكمائن، وعادة ما تكون تحركاتهم في الليل، أما في النهار فإنهم ينصهرون بين الناس كمواطنين عاديين، ويستخدمون في كمائنهم وهجومهم على القوات الحكومية سيارات وأسلحة مختلفة، ولديهم معرفة بالطرق والمسالك الوعرة التي تجعل من الصعب على الدبابات والآليات العسكرية أن تحسم المعركة فيها..

ويقسم “الحوثيون” أنفسهم إلى فرق وخلايا عنقودية لكل منها قائد ميداني يدين بالولاء والإخلاص لـ "السيد" عبد الملك، ويتعارف أعضاء كل خلية من الخلايا عن طريق الكنية وليس عن طريق الأسماء الحقيقية، فلكل فرد منهم كنيته التي يناديه الكل بها، ويلاحظ على كناهم التي تستخدم كأسماء حركية بأنها ذات طابع لا يخلو من الدلالة المذهبية، حيث أن معظم كناهم هي "أبو كاظم، أبو علي، أبو الحسين، أبو هاشم" وغيرها من الكنى المستوحاة من أسماء شخصيات تاريخية شيعية أو من أسماء آل البيت..

شبكات الاتصال

يعتمد "“الحوثيون”" على أساليب مختلفة في التواصل بينهم، حيث تتم المراسلات بين القادة الميدانيين وبين قائد التمرد عبد الملك الحوثي عن طريق المراسلات الكتابية التي يحملها رسل بين الطرفين، ومع هذا فإن "“الحوثيين”" يستخدمون الهواتف (المحمولة) للتواصل فيما بينهم، خصوصاً وأن شبكات الهاتف الأرضي تعرضت للتدمير في مناطق التمرد.

وعند دخولنا إلى مدينة ضحيان لاحظنا بأن تغطية شبكة الهاتف المحمول "يمن موبايل" فيها ضعيفة وشبه منعدمة، بالرغم من قوة تغطية شبكتي (سبأفون /أم تي إن) وعند سؤالنا عن أسباب ذلك أخبرنا "“الحوثيون”" بأن شبكتي (سبأفون وإم تي إن) تعرضتا لخسائر فادحة أثناء نشوب الحرب الأولى والثانية والثالثة بسبب قطعهما للتغطية، ولهذا فإن هاتين الشبكتين أبقتا التغطية أثناء الحرب الرابعة باستثناء شبكة (يمن موبايل) التي خففت من التغطية وقطعتها في كثير من المناطق..

“الحوثيون” أثناء الحرب الرابعة حصلوا على معلومات بأن موافقة الحكومة على إبقاء تغطية شبكتي (سبأفون وأم تي إن) وتغطية جزئية لشبكة (يمن موبايل) جاء بعد تقديم التزامات من شبكات الاتصالات بان تسمح بمراقبة مكالماتهم، ويؤكدون بأن جميع اتصالاتهم مراقبة، وبالتالي يتخذون بعض الحيطة والحذر في مكالماتهم الهاتفية من خلال عدم تصريحهم بأسمائهم الحقيقية واستخدام لغة وشفرات خاصة في مكالماتهم، بالإضافة إلى تغيير أرقامهم واستخدام أرقام جديدة بين الحين والآخر، خوفاً من رصد الحكومة لتحركاتهم والتعرف عليهم..

الدعم المادي

ينفي “الحوثيون” تلقيهم لأي دعم مادي من قبل أي جهة داخلية أو خارجية، ويؤكدون بأن جميع تحركاتهم تعتمد على تمويل ذاتي، إلا أنه من الملاحظ بأنهم يمتلكون سيارات حديثة يتحركون بها، وبعضها يحمل لوحات يمنية والبعض الآخر يحمل لوحات وأرقاماً سعودية، بالإضافة إلى امتلاك قادتهم الميدانيين أموالا لتمويل جميع تحركاتهم وتحركات أتباعهم..

نفي “الحوثيين” لتلقيهم أي دعم مادي من الخارج يأتي مشفوعاً باتهامهم للسعودية التي يزعمون بأنها تمول الحرب ضدهم، وبأن (شيعة) السعودية يعانون من الظلم ذاته الذي يعاني منه زيدية اليمن، غير أن هناك من يتحدث عن تلقي "“الحوثيين”" لدعم مادي من قبل مؤسسات وشخصيات شيعية في إيران وبعض دول الخليج ومنها السعودية، مستدلين بتعامل “الحوثيين” في كثير من مناطق التمرد، وخصوصاً في المناطق الحدودية بالريال السعودي أكثر من تعاملهم بالريال اليمني..

ومما يشير إلى وجود تمويل خارجي لجماعة الحوثي توزيعهم للمساعدات المادية والعينية على اتباعهم وكفالتهم لأسر ضحاياهم، بالإضافة إلى استضافتهم للمتمردين الوافدين من المحافظات الأخرى الذين يحصلون على بيوت، ويتم تزويجهم وشراء السلاح لهم، وربما استقر البعض منهم لسنوات في صعدة دون العودة إلى قراهم..

أسلحة التمرد

الأسلحة التي يتجول بها “الحوثيون” في الأسواق لا تتعدى بنادق (الكلاشينكوف) التي يضعون عليها لواصق لشعار "الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل" بالإضافة إلى الذخيرة وبعض القنابل في جعبهم، ويؤكد أتباع الحوثي عدم امتلاكهم لأي أسلحة غير بنادقهم، ولكن هناك من يؤكد استخدامهم لأسلحة ثقيلة أثناء المعارك مع الدولة، ولكنهم يعمدون إلى إخفائها وعدم التصريح بامتلاكهم لها..

السلام طاعة للسيد

يسود اعتقاد بين أتباع "الحوثي" بأن سبب الحرب هو إصرارهم على ترديد الشعار والدفاع عن المذهب الزيدي، ولا يتحدثون عن مطالب لدى الدولة كمبرر لتمردهم المسلح بل ينكرون بأنهم تمردوا على الدولة التي يتهمونها بأنها هي من بدأت بحربهم، وبأنهم ليسوا سوى مدافعين عن أنفسهم ضد عدوانها عليهم، مؤكدين بأن الدولة ما كانت لتتحرك ضدهم لولا أن أميركا وإسرائيل هي من دفعت الدولة إلى قتالهم..

ويعتبر أتباع الحوثي بأن السلام مع الحكومة مجرد طاعة لـ "السيد" رغم قناعتهم بأن الحكومة عدو لا بد أن تبقى جاهزيتهم متحفزة لقتاله ومواجهته في أي لحظة..

الجيش.. تنفيذ الأوامر..ومعنويات مهزوزة

أما الجنود المرابطون في صعدة، فبالرغم من تأكيد الكثير منهم بأنهم ينفذون الأوامر، سواء بالحرب أو بالانسحاب من المواقع التي سيطروا عليها بعد معارك ضارية مع “الحوثيين”، إلا أن معنويات البعض منهم تبدو مهزوزة، خصوصاً وأن أي موقع تنسحب منه القوات الحكومية يسيطر عليه “الحوثيون” الذين قد يستأنفون الحرب فيما لو فشلت المفاوضات، وبأيديهم جميع الأوراق التي تضمن رجوع الحرب إلى نقطة البداية..

ويبدو التذمر واضحاً لدى بعض الجنود الذين التقيناهم بسبب توقف الحرب أكثر من مرة في الوقت الذي تكون فيه القوات الحكومية على وشك الحسم والسيطرة الكاملة، وهو ما أصاب هؤلاء الجنود بالإحباط..

الحوثي يستغل الهدنة والحرب

أما الحوثي فقد استغل المفاوضات في بناء أحلاف جديدة وكسب مزيد من المناصرين، خصوصاً من بين أنصار الحكومة الذين فقدوا ثقتهم بالدولة وباتوا كمتهمين أمام الناس، بالإضافة إلى أن انسحاب القوات الحكومية من المواقع لم يضمن عودة النازحين إلى قراهم، وأصبح هؤلاء ملزمين قبل العودة إليها بإظهار الولاء والطاعة للحوثي، وتعتبر هذه المشكلة قائمة ومعقدة نتيجة لعدم تواجد الدولة وغياب قدرتها على تأمين عودة النازحين إلى قراهم بأمان..

الثارات مشكلة اخرى

وتواجه الحكومة صعوبة بالغة في إقناع القبائل التي لها ثارات مع "“الحوثيين”" بفتح صفحة جديدة، وما تزال الأمور مهيأة لمزيد من تصفية الحسابات بين “الحوثيين” وبين بعض القبائل التي كانت مناصرة للدولة في حربها ضد المتمردين، خصوصاً وأن المناطق التي لا تخضع لسيطرة "“الحوثيين”" لم تكن لتخضع لسيطرة الدولة إلا بمساندة مشائخها..

استغلال أخطاء القصف

ومن الملاحظ بأن هناك أخطاء وقعت بسبب قصف الطائرات على مناطق سكانية استغلها “الحوثيون” استغلالاً كبيراً في التحريض ضد الدولة، واتهامها بأنها متعمدة في استهدافهم، مستغلين أجواء الإشاعات لنشر أخبار بأن استهداف الدولة لبعض المناطق كان بناء على معلومات عن تواجد “الحوثيين” فيها حصل عليها الجيش من قبيلة أخرى مناصرة للدولة، وذلك لمحاولة إشعال نيران الثأر بين القبائل المناصرة للدولة..

ويمتلك “الحوثيون” قوائم لتصنيف وتقييم جميع الشخصيات والمشائخ والأحزاب والصحف بشكل دقيق لمعرفة المتعاونين معهم والمحايدين والمحاربين، وتؤكد بعض المعلومات بأن “الحوثيين” يجرون محاكمات خاصة مناوئيهم.

ويشيع “الحوثيون” بأنه لن يتم تعويض أي متضرر من ضحايا الحرب إلا إذا كان ضمن كشوفات عبد الملك الحوثي التي تجوب لجانه جميع مناطق صعدة لحصر المتضررين حالياً..

مطالب “الحوثيين”

لم تكن هناك أي مطالب “للحوثيين” قبل اشتعال فتيل الحرب بينهم وبين الدولة، ولم يدخل زعيم التمرد الأول حسين الحوثي في أي مفاوضات مع الحكومة بخصوص أي مطالب، ولكن “الحوثيين” اليوم أصبحت لديهم الكثير من المطالب التي تضمنت بعضاً منها بنود الاتفاق الأخير في الدوحة، بالإضافة إلى عدد آخر من المطالب التي لم تتضمنها بنود الاتفاق، ففضلاً عن المطالبة بالكشف عن مصير حسين الحوثي ضمن بنود الاتفاق يطالب “الحوثيون” بتسليم جثته، وربما طالبوا في مراحل أخرى من المفاوضات بتسليم قتلته..

“الحوثيون” يطالبون الدولة باعتبار قتلاهم شهداء

وفيما لا يعرف أحد عدد القتلى والجرحى من أتباعهم يطالب “الحوثيون” بأن تتكفل الدولة بمعالجة جميع جرحاهم في الخارج، واعتبار كل قتلاهم شهداء يتوجب على الدولة أن تعطيهم الامتيازات والتعويضات التي نص عليها القانون رقم (5) لسنة 1993م بشأن رعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية، الذي يعرف في الفقرة (د) من مادته الثانية الشهيد بأنه "كل من فقد حياته في سبيل الواجب أو الصراعات السياسية المختلفة" وبناء على هذا التعريف يطالب “الحوثيون” باعتبار كل قتلاهم شهداء لأنهم سقطوا خلال حرب تصنف على أنها صراع من الصراعات السياسية، ويتوجب على الدولة رعاية أسرهم رعاية مادية وصحية ومعنوية كما هو محدد في القانون، حيث تستحق أسرة الشهيد التي كان يعولها قبل استشهاده معاشاً شهرياً يعادل راتب الجندي إذا لم يكن الشهيد موظفاً في الدولة، وبما يعادل الراتب الذي كان يتقاضاه قبل استشهاده فيما لو كان موظفاً مع الدولة، كما تحصل أسر الشهداء على الرعاية الصحية اللازمة مجاناً في الداخل أو في الخارج في حال استعصاء العلاج داخلياً، بالإضافة إلى إعطاء أبناء الشهداء الأولوية في القبول بالجامعات والمعاهد والكليات العسكرية والقبول في الوظائف الحكومية..