الكتابة الساخرة ملاذ أدباء اليمن لمواجهة الأزمة

الجمعة 27 فبراير-شباط 2015 الساعة 03 مساءً / الجزيرة نت
عدد القراءات 2456
 

في راهن الأزمة اليمنية العاصفة، وجد الأدباء اليمنيون في الأدب الساخر متنفساً لهم، يقيهم الإحساس بالعدميَّة من جهة، ويتيح لهم من جهة أخرى محاكمة كلِّ الانتكاسات التي تتناسل من حولهم في تسارع ذابح.

ونظرا لما يمتلكه الأدب الساخر من متاحات فنية هائلة ومأنوسة، كقدرته على استثمار شحنات بلاغة المفارقة، والتلاعب بمقاييس الأشياء بشكل كاريكاتيري تضخيما وتصغيرا، فقد أصبح أكثرَ الفنون الأدبية حضورا في راهن المشهد الثقافي.

وساعده في هذا الانتشار إمكانات الفضاء الإلكتروني، ووسائط التواصل الاجتماعي، كأوعية تبادلية مرنة وسريعة حوَّلت هذا النوع من الأدب من حالات فردية إلى ظاهرة تزداد اتساعا كل يوم.

وقد واكبت هذه الظاهرة كل مجريات الأزمة اليمنية، وخاصة أحداثها الأخيرة كسقوط مدينة صنعاء في يد جماعة الحوثي، والحوارات العقيمة التي تلت ذلك، ثم استقالة الحكومة والرئيس عبد ربه منصور هادي، وإبقائهم تحت الإقامة الجبرية، ثم هروب الرئيس إلى مدينة عدن، ووجدت في هذه الأحداث مادة دسمة للسخرية، خاصة أن ما يحدث في الواقع يساعد على ذلك بشكل فاضح. كما أبرزت المواقفَ الميتة لأحزاب المعارضة، وخضوعها لكثير من الإملاءات، وحضورها جلسات حوارية لا رأي لها فيها.

ومن أهم الأدباء الذين برزوا في هذا المجال الشاعر الأديب مقبل نصر غالب عبر عموده الأسبوعي "طلقات حرة" الذي ينشر في صحيفة "اليقين"، ويضمنه تشكيلة ساخرة يحضر فيها الشعر والمثل والإسقاط التاريخي والقصة القصيرة.

بروز أسماء

كما برز الشاعر بشير المصقري الذي يكتب قصيدة الومضة الساخرة بنفس جميل، والقاص مروان الغفوري الذي أصدر العام المنصرم روايته "جدائل صعدة"، ونشر كمّا هائلا من المقالات المشبعة بالنكتة السياسية، إلى جانب الشاعر أحمد المعرسي، والشاعر عمار الزريقي، والشاعر عبد العزيز الزراعي.

ومن نماذج الشعر الساخر قول الشاعر أحمد الجبري بعد انتقال الرئيس هادي إلى عدن:

ردُّوا عليه الجاهَ والكرسي

والقاتَ والدخانَ والـبـبسي

ردوا عليه الآنَ حاجـتَـه

لـلـنـتِّ و الـتـلفـازِ و الـفكـسِ

ردوا عليه حقَّ رغـبتِـه

في الأكلِ والـترويحِ و الـلبسِ

لا تحرمـوه الـعـطـرَ واحـتـرموا

حق الدواءِ و أجرةَ الـتكسي

وقول الشاعر أحمد المعرسي ساخرا من الوضع المزري:

يا دولة في وعي داعشْ

يا دولة في جيب (طاهشْ)

سقط الجميع وشعبنا

ما زال يبحث عن براقش

هي لعنة لكنّها

ترمي البلادَ بكلِّ لاطشْ

وقول الشاعر عبد العزيز الزراعي في نقد كل الأطراف السياسية:

أمْركينا يا بلادي أمْرِكي

ما لنا مَن نرتجي أو نشتكي

كلُّهم كانوا لأمريكا يدا

لم يعد من حاكمٍ أو مَلكِ

كلهم كانوا بنيها: صالحٌ

ولِحى الإصلاحِ والمشتركِ

واليساريون والبعثُ وما

يدِّعي هادي وعبدُ الملكِ

كلهم في فلك يا وطني

وأنا أنتَ هنا في فلكِ

كوميديا سوداء

ويرى الأديب الناقد الدكتور عبد الرحمن قحطان أن اتساع فضاءات الأدب الساخر في اليمن اليوم يأتي بسبب توالي الأحداث، وخروج النقد السياسي من دوائر الممنوع والمحظور، ومن غير الإنصاف اعتباره إضحاكا لمجرد الإضحاك.

ويضيف أن الأدب الساخر يندرج تحت لافتة الكوميديا السوداء التي تعكس الأوجاع السياسية والاجتماعية، في لغةٍ تبدو طريفة ومحايدة، لكنها في حقيقة الأمر متمرّدة، وتحمل من قيم الرفض الشيء الكثير.

ومما يميِّز هذه الظاهرة -بحسب قحطان في تصريحه للجزيرة نت- أنها ليست نتاجا حصريا من طرف بعينه ضدّ طرف آخر، ولكنها منجز حقيقي صدر من الكل ضد الكل، بل وتجاوز ذلك إلى نقد المواقف الإقليمية والدولية من الأزمة اليمنية، كلا بحسب حضوره وموقعه من الأحداث.

الحدّية والنكتة

من جانبه يرى الشاعر أحمد الجبري -أحد الأصوات الحاضرة في هذا المشهد- أن القصيدة اليوم تعجز عن ملاحقة ما يجري بلغة جادة بسبب تتابع الأحداث بخطى متسارعة وصادمة، ومن ثمَّ عمدت إلى استبدال صرامتها وحدّيَّتها بالنكتة الطريفة، والنقد الساخر.

وينفي الشاعر الجبري في حديثه للجزيرة نت أن يكون ذلك هروباً من الواقع، مؤكدا أن هذا النوع من الأدب هو الأقدر اليوم على تقديم قراءة فنية لما يعتمل في الساحة، كما أن اتكاءه على النصوص القصيرة جعله أكثر قرباً من النماذج الأدبية الأخرى إلى عامة الناس، وأكثر ملاءمة لوسائط الاتصال الذي ينتشر عبرها، والتي تفترض مُتلقيا نزِقا لا يجد الوقت الكافي لقراءة المطولات.

ويضيف الجبري أن الأديب اليمني استطاع أن يجد له متنفسا بين مخالب هذه الأزمة الناشبة، ليثبت أنه حيٌ يرزق، وأنه قادر على مواجهة طوفان الخراب بابتسامة ساخرة.