التهليل لموت صدام هل لأنه عربي أم سني أم ديكتاتور ، بين يدي حسن نصر الله
بكر احمد
بكر احمد

مأرب برس – خاص

أصبح شيء من الاهتبال الفكري السباحة خارج السرب وحيدا كأرعن يحلم بمدينته الفاضلة وينّظر لقيم لم توجد بالأصل ، فالمتحدث ضمن سياق متعالي عن حقيقة الحدث لن يجد له أذنً صاغية ، كما أنه لن يضع المبضع على الجرح للمعالجة بقدر ما يتجاهل الفرز الحادث وتركه يتقيح بحجة السمو والتعالي عليه.

واقع المنطقة الآن هو خلاف واقعها في خمسينات وستينات القرن الماضي والتي يسميها البعض بفترة الشعارات أو لغة التخشب بينما يتباهون بما هو كائن الآن من حرية وديمقراطية قادمة بمعية المحافظين الجدد، والتي علقت على خشبة المشنقة أول رئيس عربي لأنه ديكتاتور قتل من شعبه الكثير .

وواقع المنطقة أيضا حتى وأن لم يقبل به المتباهون بمنجزات الليبرالية الجديدة هو فرز طائفي وأضح مستند على الخرافة قد طغي على باقي ألوان الطيف التي كانت موجودة في الوطن العربي والتي أصبحت عبارة عن قطبين بمسمى سني وشيعي ولدلالة هذا الفرز شيء واحد لا غير ألا وهو انتصار الرجعية العربية على قوى الحداثة والتقدم لأسباب كثيرة ليس هذا المقال بصدد ذكرها أو التطرق أليها .

فمن يتحدث ويؤثر على مجريات الشارع العربي هو رجل الدين الذي يعمل جاهدا على تجذير هذه الظاهرة حتى لا تنفلت زمام الأمور من بين يديه مدعوما بطبيعة الحال من قوى وأنظمة رسمية ترى شرعيتها من خلال منّهجة هذا الفكر وغرسه بالتربة العربية التي هي أصلا قابلة ومتفاعلة معه .

لذا ومن الطبيعي أن نجد دولة مثل إيران تقع على ضفاف العرب تتبنى منهجا مذهبيا مخالفا لمنهج باقي الدول العربية مدعومة بمشروع ثقافي ضخم يفوق بمراحل مشروعها النووي المثير للجدل ومستندة بنفس الوقت على ثوابتها العقائدية والتي من خلاله أثبتت لنا بأن ولاء الإنسان العربي يقوم أولا على المذهب الذي يؤطر معظم مسيرة حياته مما أنتج وكردة فعل طبيعية حالة تأهب مضادة سنية ألقيت كهدية بين يدي رجال الدين المتوثبين بالأصل لالتقاطها وتبوء مراكزهم الذي كانوا يبحثون عنها ، مما أضاع علينا الكثير من القيم الإنسانية والأحلام الطوباوية الجميلة التي طالما نادى بها الكثير من المفكرين العرب والذين أصبحوا ألان في هامش الوعي العربي الغير مؤثر .

قمة هذا الفرز والذي تجلى لنا في أبهى صوره ، هي عملية إعدام الرئيس العراقي صدام حسين على أيادي قوى مذهبية لم تخشى إطلاقا من انتشار روائحها الطائفية حيث اختارت وبجراءة لم يسبق لها من مثيل موعد وطريقة لتنفيذ هذا الإعدام المستفز حتى لأكثر الدول عداوة لصدام حسين ناهيك عن السواد الأعظم من الشعوب العربية ، في وقت تساؤل المترددون بين كل الاتجاهات عن مدى أهمية وضرورة اختيار هذه الطريقة في تنفيذ حكم الإعدام وعن مدى تمكن أصحاب هذا المذهب وقوتهم في هذا الاستعراض الغريب .

المترددون أو الخائفون أو المتباهون بذاتهم عن المستنقع الطائفي لا بد لهم وأن طال الزمن إلا وأن يقعوا به أما عن طريق ضرورة رد الاستفزاز أو عن طريقة الغوص في المذهبية لعله سبيل لمعالجة ما يمكن معالجته.

وإذ يفهم الكثيرون أسباب التشفي المذهبي في طريقة الإعدام تلك والتي قامت بها مجموعات متشددة مدعومة من إيران الشيعية ، قد يستعصي الفهم عليهم في نفس الوقت تهليل " بعض " الشيعة العرب بنفس الطريقة الثأرية ، فمهاجمة سرادق عزاء في مملكة البحرين أقيم للتعزية في رجل قد رؤوا به شيء من الصمود هو عمل غير مبرر إن لم يكن ينطلي على كثير من الانحياز الطائفي الغير مسوغ خاصة إذا تساؤلنا عن مغزى هذا الهجوم وما مدى تضرر شيعة البحرين من حكم صدام في العراق وأيضا عن مدى النفوذ الإيراني في المنطقة الذي رأى في صدام عدوا يمثل قيم ومفاهيم تحاربها إيران وتريد أن تقضي عليها ، فصدام الإنسان قد اختفى بمجرد إعدامه وقد لنا صك غفران وقع عليه الجميع ليبقى في المخيال العربي صدام الرمز الذي أثار الإعجاب وأثار قريحة العربي المتعطش لرؤية أحد أنواع التضحيات التي طالما سمع عنها .

لكن النقطة الأهم والتي وفي لحظة ما ُسرقت من سياق الزمان والمكان حين وقفت كل الشعوب العربية فوق مذهبها تأييدا لحزب الله في حربه ضد إسرائيل وانتصاره عليها مستندة في ذلك على عروبة هذا الحزب ومواقفه القومية ، بل كل المتفهمون لتركيبة هذا الحزب يتجاوزون موقفه المائع من العراق مكتفين بصموده الأسطوري أمام ما يقال أنه أقوى آلة عسكرية في المنطقة ، وأمام حفلات الصخب المقامة في إيران عبر وسائل إعلامها وإعلام البيادق التابعة لها لا يسعنى إطلاقا إلا أن نقف مشدودين أمام شاشة المنار وهي تشارك هذه الاحتفالية بطريقة تثير في النفس رعب قد لا يتصوره حتى حسن نصر الله ، فالشعوب العربية والتي صنعت منه بطلا عروبيا قد ترى به شيء آخر وقد يخسر حزب الله تلك الشعبية هذا إذا افترضنا فعلا أنه في حاجة إلى هذه الشعبية .

لكن وعن طريقة طرح التساؤلات المريبة لنا أن نطالب بموقف صريح ورسمي من حزب الله ، وعن موقفه من إعدام صدام حسين بطريقة الثارات التاريخية المذهبية وما حاجة هذا الحزب لاتخاذ مثل هكذا موقف ،هل لأنه مثلا سني وهو من يكرر دائما بأن مواقفه ليست مبنية على المذاهب بقدر ما هي مبنية على المصالح الوطنية والقومية ، أم لأن صدام ديكتاتور وهو _ حزب الله _ متحالف مع أكثر الأنظمة استبدادا في المنطقة وكلنا يعرف كيف يتعامل ملالي قم مع المعارضين وكيف يقودون شعبهم وبأي وسيلة يحكمون ، أم لأنه عربي بينما إيران لديها إشكالية واضحة مع هذه القومية .

بين يدي حسن نصر الله موقف حقيقي وتاريخي يجب أن لا يمر ،وعلى القوى القومية المتحالفة معه أن تحدد هي الأخرى موقفها وأن لا تنجر باسم العروبة والقومية والتحرر تحت عمامة مذهبية عمياء تمضي حيث يمضي بها الصفويون القابعون في إيران ، فالعراق دولة عربية مثلها مثل فلسطين ولبنان ولا تقل أهمية عنهم بأي حال من الأحوال ، وبما أن صدام ليس العراق وأن أعدم بطريقة همجية ، إلا أن رمزية موعد وطريقة ومكان إعدامه لا يمكن تجاهلها ، فهل يعلم حسن نصر الله أن المذهب الشيعي ليس إيران وبإمكان الشيعي أن يبقى عربيا لو أراد ، وبإمكان حزب الله _ أن لم يكن طائفيا _ أن يوازن بين مصالحه وعروبته وبين تحالفه مع إيران وخاصة أن يدعي أنه حليف وليس مجرد تابع مثل الأحزاب الدمى في العراق .


في الإثنين 08 يناير-كانون الثاني 2007 08:37:00 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=939