وجوب طاعة ولي الأمر المسلم وحرمة الخروج عليه بالسلاح
خالد صالح الدروبي
خالد صالح الدروبي

انتشر بين الناس في هذا الزمان فكر عجيب ومنطق مقلوب , فصار مثيروا الفتن والقلاقل شجعانا , والخارجون على حكامهم بالسلاح ابطالاً, بل ويحسب الواحد منهم ان عمله هذا لله وأن الله راضٍ عنه , بل وأن ما يصيبهم في ذلك من الأذى والألم تضحيات في سبيل الله , وأن قتلاهم شهداء .وما عرف هؤلاء المساكين انهم بأفعالهم هذه مجرمون مستحقون للعقوبة في الدنيا والآخرة , وكثير منهم جهال لا علم لهم بالكتاب والسنة وانما فقط يسمعون لمشائخ الضلال فيفتونهم بغير علم فيضلونهم ويضلون انفسهم . او انهم اصحاب مصالح وأهواء تسيرهم جهات خبيثة من حيث لايشعرون او يشعرون.

انه لمن الواضح لكل الناس ان الامور لا تستقيم في اي بلد او حتى قرية صغيرة ما لم يكن لها حاكم يرجعون له ويقودهم وينظم حياتهم ويؤمن سبلهم , وبدون الحاكم تعم الفوضى ويكثر الشر والعدوان .

من أجل ذلك كانت عقيدة أهل السنة والجماعة : أن نصب الإمام فرضٌ واجبٌ على المسلمين، وهذا بالاتفاق.

وما مبادرة الصحابة بعد موتِ النبي صلى الله عليه وسلم الى اختيار خليفة للمسلمين حتى قبل الاشتغالِ بدفن النبي صلى الله عليه وسلم الا أكبرُ دليل على عظم هذه المسألة وأهميتها في الدين .

وكان من المسائل التي خالف الاسلام فيها أهلَ الجاهلية، أنهم كانوا يرون طاعة الأمير ذلاٍّ فجعلَها طاعةً لله وقربةً كما قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".وقد اجمع المفسرون من اهل السنة والجماعة ان المقصود بأولي الأمر هم الأمراء وقال بعضهم والعلماء ..

 وكما في صحيح مسلم في كتاب الامارة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي ‏"‏

إن وجود الحاكم نعمةٌ عظمى للناس ؛فإن كان براً مطيعاً فهو السعادة التامة ، وإن كان فاجراً ؛فلما يصلح الله به أكثر مما يفسد- ويكفي أنه يحقن دماء المسلمين ويوفر لهم الأمن فيسيرون في طرقاتهم واعمالهم وارزاقهم وعباداتهم آمنين.. لذللك بوب الامام مسلم باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق فروى عن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه. قال:سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا نبي الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه. ثم سأله فأعرض عنه. ثم سأله في اثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس. وقال (اسمعوا وأطيعوا, فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم).

ولذلك قال علي رضي الله عنه:( لا يُصلِحُ الناسَ إلا أميرٌ برٌّ كان أو فاجر ؛قالوا يا أمير المؤمنين: هذا البر فكيف بالفاجر؟! قال: إن الفاجر يُؤمِّنُ اللهُ عز وجل به السبل، ويجاهَد به العدو، ويجيء به الفيء، وتقام به الحدود، ويُحج به البيت، ويعبد اللهَ فيه المسلمُ آمنا حتى يأتيه أجله).

و قال عمرو بن العاص رضي الله عنه:"سلطانٌ عادلٌ خير من مطر وابل، وسلطانٌ غشوم خيرٌ من فتنة تدوم".

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام) قيل: وكيف ذلك يا أبا علي؟!

 قال: متى صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام عمت، فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد.

فقبّل ابن المبارك جبهته وقال: ( يا معلم الخير من يحسن هذا غيرك ) فيا لله ما أعظم فقههم.

والدعاء على الحاكم إعانة للشيطان عليه؛ قال أبو عثمان الزاهد:( فانصح للسلطان وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا صلح العباد بصلاحهم، وإياك أن تدعو عليهم باللعنة فيزدادوا شراً ويزداد البلاء على المسلمين؛ ولكن ادع لهم بالتوبة فيتركوا الشر فيرتفع البلاء عن المسلمين ).

كما أن الكلام في فضل ولي الأمر وشكره على ما يبذله من جهد في خدمة المسلمين وتأمين طرقهم وتنظيم حياتهم لهو من المرؤة ومن المعروف ؛ ولا يرضى المسلم أن يكون له مثل السوء ؛ فيسب حاكمه الذي يأكل في صحنه؛ ويعيش في ظله؛ فيكون كالكلب الذي يأكل في الصحن ثم يبول فيه.

قال ابن تيمية رحمه الله : " فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد ، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر ، فأجره على الله؛ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم ، فما له في الآخرة من خلاق".

وقد بوب الامام مسلم في كتاب الامارة ايضا باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال. وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة قال حدثني بسر بن عبيدالله الحضرمي؛ أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت حذيفة بن اليمان يقول:كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير. وكنت أسأله عن الشر. مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شر؟ قال (نعم) فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال (نعم. وفيه دخن). قلت: وما دخنه؟ قال (قوم يستنون بغير سنتي. ويهدون بغير هديي. تعرف منهم وتنكر). فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال (نعم. دعاة على أبواب جهنم. من أجابهم إليها قذفوه فيها). فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال (نعم. قوم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا) قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك! قال (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال (فاعتزل تلك الفرق كلها. ولو أن تعض على أصل شجرة. حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك). وروى ايضا في نفس الباب عن حذيفة بن اليمان قال: قلت: يا رسول الله! إنا كنا بشر. فجاء الله بخير. فنحن فيه. فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال (نعم) قلت: هل من وراء ذلك الشر خير؟ قال (نعم) قلت: فهل من وراء ذلك الخير شر؟ قال (نعم) قلت: كيف؟ قال (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي, وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) قال قلت: كيف أصنع؟ يا رسول الله! إن أدركت ذلك؟ قال (تسمع وتطيع للأمير. وإن ضرب ظهرك. وأخذ مالك. فاسمع وأطع).والحقيقة ان هذا الحديث يُشكل على بعض الناس فيقولون كيف يأخذ الحاكم مالي ويجلد ظهري ثم اسمع واطيع له ؟؟.. ونقول هنا ان على المسلم اولا ان يكون وقافا عند كلام الله ورسوله فيبادر عند سماعه أمر الله او رسوله ان يقول ( سمعنا وأطعنا ) حتى وان لم يوافق هذا الحكم او الأمر هواه او عقله .. وثانيا فأن هذا المعنى ليس فيه اشكال فإن الحاكم المسلم قد يحكم على فرد من المسلمين بغرامة مالية معينة عدلاً او ظلماً او قد يجلده ويعاقبه في مشكلة او قضية وقد يكون ذلك عدلاً او ظلماً بحسب ظروف القضية أو قد يتعدى عليه بذلك لسبب من الاسباب , فالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع هذه الحالات يرشدنا الى ان هذا لا يكون مبرراً شرعيا لأن تخرج بالسلاح على سلطات الدولة .. ولكن يحق للمرء المسلم اذا تعرض للظلم في مال او غيره ان يطالب بحقوقه بالوسائل الشرعية وهذا لم يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم ..المهم أن لايكون الخروج على السلطان بالسلاح واحداً من هذه الوسائل .. وفي النهاية فإنك لو التزمت كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فسينصرك الله على من ظلمك ولو بعد حين .. وإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة .. المهم ان تثق وتؤمن وتسلم بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

 وروى مسلم ايضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية. ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية. ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها. ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).

اليس هذا هو حال كثير من الجماعات الارهابية اليوم التي تسمي نفسها اسلامية ؟! .. اليس هؤلاء ينطبق عليهم وعلى غيرهم انهم خرجوا على الأمة يقتلون برها وفاجرها ولايتحاشون من مؤمنها فيقتلون رجال الأمن والمواطنين والنساء والأطفال وكل هذا تحت مسميات اما اسلامية او طائفية او مناطقية ؟؟.. اليس هؤلاء خرجوا من الطاعة وفارقوا الجماعة ويقاتلون تحت رايات عمية؟؟ و لاحول ولا قوة الا بالله ..ثم يسمون انفسهم مناضلين و مجاهدين وما هم الا مفسدين.

 كما روى الامام مسلم عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر. فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات، فميتة جاهلية).وفي رواية اخرى لمسلم عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال (من كره من أميره شيئا فليصبر عليه. فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا، فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية).وروى ايضا ان عبدالله بن عمر جاء إلى عبدالله بن مطيع، حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية. فقال: اطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة. فقال: إني لم آتك لأجلس. أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة، لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية).

فماذا بعد الحق الا الباطل وماذا بعد الهدى والرشاد الا الغي و الضلال المبين.

وهنا سأعرض بابين مهمين من كتاب الإمارة لللإمام مسلم رحمه الله ..الاول هو باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا، فيعرض الامام مسلم هنا ضوابط وحدود الانكار على الأمراء سادا بذلك الباب امام اصحاب الفتن والمخربين واصحاب الثورات الدموية فيروي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ستكون أمراء. فتعرفون وتنكرون. فمن عرف برئ. ومن نكر سلم. ولكن من رضي وتابع) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال (لا. ما صلوا). ولاحظوا تشديده صلى الله عليه وسلم على عدم قتالهم وتأكيده على هذا الأمر في أكثر من مناسبة.

والباب الثاني هو باب خيار الأئمة وشرارهم فيبينهم ولكنه ايضا يسد الباب مرة ثانية امام دعاة الفتنة والشر فيروي عن عوف بن مالك،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم. ويصلون عليكم وتصلون عليهم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم) قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال (لا. ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة).

 فهل بقي بعد هذا لدعاة الفتنة الذين يتخذون من الدين ذريعة للخروج على حكام المسلمين بدعوى انهم يريدون اصلاح الاوضاع وحقيقة حالهم انهم يفسدون في الارض ويخالفون امر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شدد كما رأينا على وجوب طاعة الحاكم المسلم وعدم الخروج عليه بالسلاح لما ينتج عن ذلك من المفاسد العظيمة من سفك الدماء واتلاف الاموال والممتلكات وقطع الطرقات وانتشار الشر والقتل بين الناس وهذا واضح مشاهد معلوم في البلدان التي ليس لها حاكم .

وحتى لا يأتي احد ويزايد علينا ويقول اننا نريد ان نحول الحاكم الى فرعون فنقول له ان حدود طاعة الحاكم ان لا يأمر بمعصية فإن امر بمعصية ( فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) لكن لايكون هذا مبررا للخروج عليه وحمل السلاح في وجه سلطات الدولة.. والنصوص التي ذكرناها واضحة وحاسمة في بيان ذلك (ألا من ولى عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة).. فلايطاع في معصية الله .. وفي نفس الوقت يطاع فيما سوى ذلك من المعروف .

وهنا يجب ان أؤكد وأكرر اننا هنا نتحدث عن حرمة الخروج بالسلاح على سلطات الدولة والتي يمثلها ولي الأمر .. وهذا الأمر معلوم انه محرم ويعتبر جريمة في جميع دول العالم مهما كانت انظمة الحكم السائدة فيها.

فاتقوا الله ايها المسلمون في بلدانكم وفي حكامكم وكونوا عونا لهم في الخير وفي قمع الشر ولاتكونوا عونا للمخربين والمفسدين و الضالين والمجرمين .

* طالب دكتوراة بجامعة العلوم الماليزية


في الأربعاء 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 07:05:58 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=8244