قراءة جديدة لسهم ذي القربى في آيتي الغنائم والفي
عبدالله صالح عبدالله
عبدالله صالح عبدالله

من المقصود بذي القربى في آيتي الغنائم والفيء؟ سؤال فكرت فيه كثيراً كلما مررت بقوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الأنفال41 ,وقوله تعالى {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الحشر7 , وقرأت ما ذكره المفسرون من أن المقصود بذي القربى في هذه الآيات هم أقرباء النبي(ص) , ثم قرأت اختلافهم فيمن يكون سهمهم بعد موت النبي(ص),

فقال بعضهم أنها لذريته من بعده وقال البعض الآخر أنها توقفت بعد موته (ص), وهذا التفسير لذي القربى لم يطمئن إليه قلبي لما فيه من العلل والإشكالات والتناقضات, منها: أن النبي لم يكن يخص أقرباءه أو يميزهم بشيء عن بقية المسلمين, وكان شعاره وشعار الأنبياء جمعياً {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ }الشعراء109, فكيف يطلبه لأقربائه , وقد علق بعض المفسرين على الآية بقوله " إنه لا يناسب شأن النبوة لما فيه من التهمة فإن أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم ، وأيضاً فيه منافاة لقوله تعالى:{ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } [ يوسف : 104 ]"(روح المعاني),ومنها: إن آية الغنائم نزلت بعد بدر وكان أغلب أقرباء النبي (ص) لا زالوا بمكة بعضهم مستضعف والآخر شارك مع قريش في القتال كالعباس وعقيل, فهل نزلت الآية لتكافئ هؤلاء المقاتلين, والعدد الموجود في المدينة قليل جداً وسيكون خمس الخمس (أي 4% عند السنة أما الشيعة فهو الخمس 20%) زائداً عليهم, وهذا كنز للمال لا يحبه الله ورسوله ويخالف مقصد الآية (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ ), خاصة إذا كان هؤلاء الأقارب قد شاركوا في المعركة وأخذوا نصيبهم من الأربعة الأخماس المتبقية التي للمقاتلين, والأعجب أنهم سووا في توزيع سهم ذي القربى بين فقير قرابة النبي وغنيهم, فيأخذ الفقير كما يأخذ الغني وهذا يخالف مقاصد الزكاة في الإسلام, ولعلنا نتساءل إذا كان للنبي سهم خاص بين هذه الأسهم فأين مصارفه ؟ والإجابة تكشف عن جانب آخر في المسألة فقد ثبت أن النبي مات ولم يخلف ثروة من المال بل كانت حالته أقرب إلى الفقراء كما تروي السيرة , مما يدل على أنه كان يصرف هذا السهم لصالح المسلمين وفي مقدمتهم أقاربه عملاً بالآيات التي تحض كل مسلم على إكرام أقاربه {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً }الإسراء26, فتصوروا معي إذا كان أقارب النبي سيحصلون على سهم خاص بهم إضافة إلى سهم المقاتلين منهم فوق ما يحصلون عليه من النبي,فإن معظم مال المسلمين سيذهب إلى أقارب النبي فهل يختلف هذا عن أي زعيم سياسي يحابي أقاربه, حاشا رسول الله (ص) من ذلك وقد روى لنا التاريخ أن معظم أقاربه مات فقيراً, رغم كثرة الغنائم التي غنمها في غزوة حنين وغيرها, .

مما يعني أنه لم يكن هناك سهم خاص بأقارب النبي, ثم إن هذا الفهم لذي القربى يخالف السياق القرآني العام للفظ ذي القربى, فقد جاء بنفس اللفظ العام, دون أن يذكر قرينة تخصه بأقرباء النبي, فهو عام في أقرباء بني إسرائيل عند قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة83 وهو عام لأقرباء المسلمين عند قوله تعالى {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177 وقوله تعالى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }النساء8 وقوله تعالى {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36 وقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90 وقوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً }الإسراء26 وقوله تعالى {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور22 وقوله تعالى {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الروم38. وهذه جميع الآيات التي جاء فيها لفظ ذي القربى فكيف خرجت آيتا الغنائم والفيء عن هذا السياق.

بعد هذا العرض السريع لهذه الإشكالات لا يصح أن نعتمد المعنى الذي ذكره المفسرون, فإذا تأملنا قوله تعالى "اعلموا " والخطاب موجه لجميع المقاتلين من المسلمين عرفنا أن المقصود بهم أقرباء المقاتلين المسلمين ويدخل في ذلك أقارب النبي (ص), فأقارب المسلمين لهم حق في أموال من يقربهم ذكرها الله تعالى "وآت ذا القربى حقه" ,فهؤلاء يرون الغنائم تقسم أمامهم ولا يصلهم شيء منها, وهذا قد يجعل في نفوسهم شيئا, خاصة إذا كانت الغنائم كبيرة.

ويدخل في سهم "ذي القربى" أقارب النبي والمهاجرين بمكة والذين لم يقفوا في صف المحاربين لله ورسوله, فيدفع لهم تأليفاً لقلوبهم وترغيبهم في الإسلام وقد سماهم الله أقرباء حتى لو كانوا غير مسلمين كما في قوله { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}الشورى23 أي "قل -أيها الرسول- للذين يشكون في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به عوضًا من أموالكم, إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم, وتَصِلوا الرحم التي بيني وبينكم"(التفسير الميسر).

أما آية الفيء فإنها قد جاءت تخاطب المقاتلين الذين حصلوا على غنيمة من دون قتال , ومن ثم فلن يحصلوا على أربعة أخماسها كما في الغنائم التي جاءت بعد قتال. وعليه فإن توزيع الفيء سيكون على أسس مختلفة, إذ سيحصل المقاتل على نصيب يحدده النبي (القيادة) ويوزع بقية الفيء على من ذكرتهم الآية من أقرباء المقاتلين وفقراء المسلمين واليتامى والمساكين وأبناء السبيل عملا بالآية {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}, فإذا قيل لمَ لم يذكر سهم المقاتلين في الآية , قلنا إن الأمر واضح لا يحتاج إلى ذكر مثلما لم يذكر أيضاً في آية الغنائم لأن الخطاب أساساً لهم بقرينة " كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ" وقرينة "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" والآية تبين فلسفة توزيع المال في الإسلام, وكانت كفيلة ببيان معنى آيتي الفيء والغنائم بدون تكلف. ولو تأملنا سياق آية الفيء لوجدنا أن الآية تحاول تعويض المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم من مالٍ لم يأت بدماء المقاتلين , وتحاول ترضية غير المهاجرين من مقاتلي وسكان المدينة المنورة (الأنصار) , بإضفاء بعض الأوصاف المدحية عليهم فكأنما تقول الآية: إن هذا الفيء للمسلمين جمعياً, إلا أن فقراء المهاجرين تحديداً أحق به, أما أنتم يا من تبوأتم "الدار والإيمان" فقد علم الله فيكم أنكم تؤثرون غيركم وتحبونهم ولا تجدون في صدوركم حاجة مما أوتي غيركم, وهذه صفات المفلحين.

وأخيراً فإن هذا المعنى لذي القربى يوافق روح الإسلام ومقاصده من العدل والمساواة, ويدفع عن ديننا أي شبهة قد يستغلها أعداؤه بأنه يحابي أحداً بدون حق .

*باحث في الفكر الإسلامي


في الخميس 21 أكتوبر-تشرين الأول 2010 05:18:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=8151