حقيقة العلاقة بين القاعدة وقبائل مأرب
محمد الصالحي
محمد الصالحي

تسارعت الأحداث وتطورت بشكل مطرد مع نهاية العام الـ2009م وقدوم الـ2010م، بعد ان أعلنت السلطات اليمنية الحرب على القاعدة.. والتي تمت مباركتها بتأييد إقليمي عالمي..

لتتربع اليمن عناوين الأخبار والنشرات بل تتصدر الكلمات المفتاحية على محركات البحث على الشبكة ألعنكبوتيه.

فبعد عمليات المعجلة بأبين وارحب.. وطائرة مطار ديترويت ليلة عيد الميلاد  .. والضربة الجوية لمنطقة الرفض بشبوة .. توجهت انظار العالم صوب هذا البلد الذي يعاني من مشاكل اقتصادية جمه وحروب مشتعلة .. ودعوات انفصالية.

وبرغم طول معاناة اليمن لم يتلفت له احد الا بفضل تنظيم القاعدة والذي وحد قلوب الغرب قبل الشرق لمد يد العون لمساعدة اليمن ومحاولة انتشالها قبل الغرق.

وظهر على شاشات التلفزة والصحف الورقية والإلكترونية السياسيين واصحاب القرار والمحللين والمتابعين والخبراء كلاً يدلوا بدلوه .. منهم من أصاب ومنهم من لم يحالفه الحظ في حديثهم عن الشأن اليمن والحرب على القاعدة.

وحظيت محافظات يمنية بالكثير من الحديث عن دورها في إيواء ومساندة بعض قبائلها لعناصر القاعدة.. وكان من اهم تلك المحافظات محافظة مأرب.. والتي صورت في الإعلام الغربي والعربي بأنها معقل تنظيم القاعدة وانها مكان آمن لهم.. وللأسف فالكثير لم يتعامل مع القضية بمسئولية..ولم يتناولها بما لديه من معطيات..

وفي لقاء جمعني مع محرر صحيفة (وال ستريت جورنال) الأمريكية حول القاعدة في اليمن وخصوصاً في مأرب.. أدهشتني بعض الأسئلة عن نوع العلاقة بين القاعدة والقبائل في مأرب.. وهل هناك دعم وتأييد لعناصر التنظيم في مأرب بشكل علني من جميع قبائل المحافظة التاريخية.. نقاط كثيرة وضعها المحرر والتي تظهر مدى تأثير تلك المعلومات المغلوطة على طرحة تجاه مأرب وقبائلها .. ولعل من اشدها عندما سألني عن قيام التنظيم (القاعدة) بصرف رواتب للأرامل واليتامي من أبناء مأرب..وكذا صلات النسب الموجودة بين افراد التنظيم والقبائل هناك، حيث قال ان لدية معلومات عن وجود زيجات بين الطرفين، كما صور لي ان الحاكم الفعلي لمأرب هو تنظيم القاعدة وليست دولة ذات سيادة.

انا لا انتقد المحرر لان هذا ما لديه من معلومات ومعطيات استقاها من مصادره .. ولكن هل كل ما يقال هو الواقع.. وهل التهويل والتضخيم الاعلامي للقاعدة في مأرب صحيح ام مبالغ فيه وله اهداف ومخططات آخري؟.

هناك اسئلة حائرة تبحث عن اجابة شافية تتعلق بالقاعدة والقبائل في مأرب ونوع العلاقة التي يُزعم انها موجودة .. ولو أردنا ان ننظر بنظرة محايدة وعقلانية ونتابع الخيوط المتماهيه لنوع تلك العلاقات بين الطرفين.. فعلينا إدراك واقع تلك المحافظة وأبنائها .

محافظة مأرب:

المعلومات المتوفرة عنها على الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) على الانترنت لا تتجاوز عددها (519) كلمة، فيما مدينة مثل مدينة حائل السعودية الواقعة اقصى الشمال فأن تعريفها على نفس الموسوعة تجاوز (3444) كلمة.

مأرب :هي البلدة الطيبة التي ذكرها الله في محكم كتابه, وهي صاحبة الجنتين والسد العظيم, وصاحبة الحضارات التليدة, وموطن مملكة بلقيس، وهي التي تتمتع بمواقع آثرية يقطع المهتمين بها آلاف الاميال لمشاهدتها، فيما تعد الرافد الاقتصادي الاول لليمن سواء ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية قبل 22من مايو1990م، او بعد توحد شطري اليمن الشمالي والجنوبي، لما تملكه من خيرات في باطن ارضها سواء من النفط او الغاز او المعادن.

وتقع محافظة مأرب في الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء، وتبعد عنها مسافة (173كم) و تتصل المحافظة بمحافظة الجوف من الشمال ، وبمحافظتي شبوة والبيضاء من الجنوب ، وبمحافظتي حضرموت وشبوة من الشرق، وبمحافظة صنعاء من الغرب, وتبلغ مساحتها حوالي (17405).

ويبلغ عدد سكان محافظة مأرب بـ التعداد السكاني للعام 2005م، 241.690 الف نسمة ومعدل النمو2.72, ويشكلون ما نسبته (1.2%) من إجمالي سكان الجمهورية اليمنية.

الوضع المتردي:

بهذا التعريف البسيط والمختصر تلك هي مأرب.. والتي لا يتجاوز عدد سكانها الضئيل ما نسبته (1.2%) من عدد سكان الجمهورية اليمنية.. وبرغم ما تحتويه المحافظة من سحر تراثها.. وكنوزها الطبيعية..وخيراتها، فأن أبنائها لم ينعموا بتلك الثروات، ولم ينالوا منها الا الفتات.

ولم يسمع ابناء اليمن عن امجادها وتاريخها الا عبر كتب التاريخ في المدارس الاساسية عندما يتم الحديث عن اصل العرب .. لأن معظم الأخبار الواردة من هناك تتحدث عن حروب قبلية، وثارات ونعرات، وقطاعات، وجهل، اما التنمية فعليها السلام.

فلا امن ولا أمان وفرته الحكومة .. ولا تعليم بمعناه الحقيقي.. فهاهم طلاب كلية مأرب يعانون الأمرين.. لا كادر مكتمل ولا مبنى ملائم، ولا معامل تلبي احتياجات تخصصاتهم، وان توفرت جميعها فأن هاجس الثأر الذي يعم معظم القبائل يسيطر على أبنائها، ليجعلهم يكتفون بتعليمهم الأساسي والثانوي.

اما الصحة فحدث ولا حرج .. فلا صحة للجميع كما تردد وزارة الصحة والسكان، فا الأمراض تفتك بالشباب قبل المسنين، ووفيات أمراض السرطان والأورام في ازدياد، ومن لا يملك المال الكافي للبحث عن العلاج في صنعاء او الخارج ظل حبيس بيته ينتظر الفرج هو واهله من عند الله بالتعجيل بموته.. وبعد سنوات طويلة من الاحلام التي راودت أطفال مأرب قبل شيوخها اتت المكرمة وافتتح مستشفي حديث بالمحافظة اطلق عليه اسم (مستشفى الرئيس)، ولكن أحلامهم ذهبت ادراج الرياح فهاهم الكادر الطبي للمستشفي ينتظر نظرة عطف من مرتادي مجلس الوزراء لأنصافهم من من ظلمهم .

في ظل هذا الوضع المتردي والذي لم نتطرق الا ما تيسر منه لان الواقع أشد وأمر.. نجد ان الجميع يتحدث ويسهب في الحديث عن مأرب ويكيل التهم جزافاً لأبنائها، لأرتباط مصالح بعض الشخصيات العليا، بالقلق العالمي من القاعدة، ولإدرار مزيد من الدولارات والأموال، والذي يقتضي تهويل امر القاعدة ومدى تغلغلها في اوساط المناطق القبيلة .. وغض الطرف عن جذور القضية.

القاعدة والقبائل:

من عدم الإنصاف ان انفي وجود عناصر من قبائل مأرب منتمين لتنظيم القاعدة.. ومن التضليل نفي وجود تسهيلات ومأوى لبعض العناصر القادمة من محافظات آخري.

لكن من الواجب التوقف عند عدد من النقاط:

*كم عدد المعتقلين من ابناء قبائل مأرب في المعتقل سيئ الذكر غوانتانامو النتيجة سلبية طبعاً.

*ماهو عدد المطلوبين الأمنيين على ذمة الانتماء للتنظيم في القوائم الأمنية ؟ سنجد العدد لا يتجاوز اصابع اليد اليسرى مع اليمني.

*منذ متى سمعنا عن وجود عناصر في التنظيم من ابناء مأرب؟ .. اعتقد ان نهاية العام 2006م كان الشاهد على التحاقهم بالتنظيم، وعليكم البحث عن الكيفية.

* كم عددهم؟.. بحسب الكثير من المعلومات فأنهم ما بين 10 الى 15 قاعدي.

* هل هناك من علاقة خفية بين تلك العناصر وتجار الممنوعات...؟!!

* هل هناك قبائل معلنة احتضانها لتلك العناصر .. اما انها حالات فردية؟!!

* الوثيقة التي وقعت بين قبائل مأرب والتي تنص على رفضها وجود احد تلك العناصر على أرضها .. وتتبرأ من كل من يقف معها .

* موقف قبيلة عبيدة وخصوصاً آل شبوان من المواجهات التي دارت بين عائض الشبواني وعناصر من القاعدة في مزرعته وقوات امنية!!.. وعدم مساندتها له في تلك المواجهات

الموقف الحقيقي للوجود القاعدي بمأرب:

اذاً الواقع الحقيقي ان هناك عناصر تتخذ من صحراء مأرب المترامية الأطراف التي يصعب السيطرة عليها من قبل السلطات الامنية او القبائل ممراً امناً، يتم النفوذ عبره الى المحافظات المجاورة.

في المقابل هناك عناصر قليلة جداً في مأرب من ابناء بعض القبائل توفر لهم الحماية المؤقتة، والدعم اللوجستي عند الحاجة.

بينما القبائل جميعها تظهر العداء لهم وتعلن اكثر من مرة ان تلك العناصر غير مرغوب فيها وتوجه الدعوات للأجهزة الامنية لملاحقتهم، وتمد يد العون لها.

ولن تنسى تلك القبائل عملية مقتل الشهيد علي قصيلة مدير مباحث مأرب، ولا أرواح السياح الاسبان الأمنين، ولا دماء الشهيد محمد ربيش بن كعلان، ولا عملية الغدر تجاه الشهيد بسام طربوش.

فلذا الجميع لا يرحب بتلك العناصر .

وعلينا الاطلاع على عاصمة مملكة سبأ عن قرب لنعرف الواقع المرير والحالة الاقتصادية .. وتلاشي البرامج والمشاريع التنموية.. وتدهور الأمن ..وتفشي المحسوبية والرشوة في مكاتب اداراتها.. والعمل على معالجتها ..وانقاذ ابنائها من براثين الثأر..والتطرف والغلو..

وما كان الرفق واللين في شيء لا زانه..

رسائل عاجلة:

-عصر اليوم السبت الموافق 16يناير2010م كان الدكتور عادل الشرجبي ضيف على قناة الجزيرة للحديث حول الحرب على القاعدة، وكان حديثة شيق ولكن للأسف تناول محافظة مأرب مثل الآخرين بنوع من التجني وتحميلها اكثر من حملها.

-الزميل محمد انعم رئيس تحرير صحيفة الميثاق كتب مقال تحت عنوان(مأرب .. من سيل العرم إلى أفاعي القاعــدة) حاول ان يتناول تواجد القاعدة في مأرب وتطرق الى قبيلة عبيدة في عدد من المواضع.. وللأسف مرر بعض المعلومات الخاطئة عن مأرب بقصد او بدون قصد ولم يعرف القارئ ماذا يريد، لان الباكستانيين الذي تحدث عنهم هم من جماعة التبليغ دخلوا اليمن بطريقة رسمية وهو اعرف الناس بذلك لانك يتربع على هرم صحيفة الحزب الحاكم، ام الصوماليين فسأل عنهم حرس الحدود والجهات المركزية صاحبت القرار في مدينة سام، ولا تسأل عنهم اهل مأرب، كما احب ان انصحك بعدم القلق على تعدد اللغات من المتوافدين على مأرب لان الحكومة التي تنتمي اليها وضعت مأرب مدينة مغلقة امام السياحة .. وأنت يعتصرك الألم لوجود أي زائر في محافظة تعد منارة للآثار اليمنية.

أخيراً :

لن تكون مأرب معقل او حاضنة للإرهاب مهما حاول البعض الترويج لذلك، لأن أبنائها حريصون على أرضهم.. وفي المقابل لابد ان تجد هذه المحافظة المعطاءة اهتمام يتناسب مع ما قدمته لليمن ..وان ينظر اليها المسئولين بنظرة المسئول عن ابناء جلدته..


في السبت 16 يناير-كانون الثاني 2010 09:17:21 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=6361