الحركات الإسلامية بين نكبة أحادية المعرفة وشِراك المدرسة الإبليسية
د. عبده سعيد مغلس


عندما تعتقد أنك الأذكى والأدهى والأوحد فهو عين الغباء وأس البلاء والإبتلاء.
هِجْر الكثير من المسلمين لكتاب الله وصحيح سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أبعدهم عن معرفة سنن الله وقوانينه الناظمة والمتحكمة في علاقتهم بالناس، وعلاقتهم في الكون، فأخرجنا أنفسنا كمسلمين من دائرة الإستخلاف في الأرض والشهادة على الناس، وبذلك خرجنا من الحياة ضمن دائرة الفعل الحضاري وإنتاج الحضارة إلى دائرة الحياة خارج الحضارة، هذا البعد عن المعرفة والتفاعل والفعل مع سنن الله وقوانينه، أوقعنا في الجهل الذي قادنا إلى نكبات متعاقبة في مسارات حياتنا الدينية والشخصية والإجتماعية والسياسية والوطنية نتيجة قرارات تدعي المعرفة وهي تعبر فقط عن مكنونات النفس الهلوعة والأمارة بالسوء، وغرور أحادية المعرفة وتصدر المشهد.   
 أحادية المعرفة وتصدر المشهد شأنها شأن العنصرية - التي تبنتها الحركة الحوثية في اليمن وغيرها- مدرسة ابليسية حين اعتقد ابليس بأن معرفته متجاوزة لمعرفة الله وأنه هو الوحيد المتصدر للمشهد الكوني وأن إعتقاده بمعرفته الخاطئة بأن عنصره النار خير من عنصر أدم التراب، أدى به للحكم القطعي بأنه الأفضل والأحق بتصدر المشهد، وأطلق حكمه نتيجة هذا التصور الخاطيئ فأخرج نفسه من رحمة الله والمشاركة الإيجابية في التعايش مع الأخر (أدم) وفق سنن الله ومعرفته، وتحول الى عامل صراع وشر نتيجة هذا التصور الخاطيئ بأحادية المعرفة وتصدر المشهد.
 هناك البعض من الذين يُوسِمون أنفسهم بالحركات الإسلامية يقعون بنفس الخطأ الإبليسي بإدعائهم المعرفة المطلقة وتصدر المشهد وتمثيل الناس، ويحاولون فرض معرفتهم الأحادية بإدعائهم أنهم ممثلي الله ووكلائه، وأن معرفتهم هي الفهم المطلق لدين الله، ووصل بالبعض الأمر بادعاء الإصطفاء الإلهي لهم والوصية بهم كالحركة الحوثية، كذباً وافتراء على الله، متناسين أن الإنسان نسبي المعرفة والله مطلق المعرفة، والإنسان محدود بزمان ومكان، والله سبحانه لا يحده زمان ولا مكان، والإنسان مرتبط بأرضية معرفية وسقف معرفي وأدوات معرفية، فالمعرفة أسيرة أدواتها.
هذه الحركات التي ادعت تمثيل الإسلام أوقعت نفسها وفق هذا التصور الخاطيئ بادعاء مطلق المعرفة وهي نفس المشكلة الإبليسية وحين حاولت تصدر المشهد، لم يكن أمامها من سبيل غير الصراع مع الأخر وإلغائه ورفض التعايش معه، وفق سنن الله وقوانينه الضابطة لمشهد علاقات الإنسان بأخيه الإنسان وعلاقته بالكون، وهذا أمر حتمي لهجرها القرآن وفهم مدلولاته وفق منهج الله لا منهجهم ووفق أحكام الله لا أحكامهم، ومعرفة الله لا معرفتهم.
وهَجْر القرآن هنا ليس من خلال عدم توفره وطباعته فما أكثر المصاحف المطبوعة ولا من خلال معاهده فما أكثرها ولا من خلال سماعه فما أكثر الإذاعات ، الهجران للقرآن تم بعدم جعله محور حياتنا ونور هدايتنا، هجرنا التدبر والتفكر بسننه وقوانينه الظابطة للإنسان والكون واكتشافها لإتمام مهمة الخلافة في الأرض والشهادة على الناس هذا من جانب، ومن جانب أخر هجرناه بعدم اتباع توجيهاته القائمة على أروع منظومة قيمية وأخلاقية تحقق التعايش بين الناس كل الناس - فكلمة الناس ترددت في كتاب الله حوالي ٢٠٤ مرة - بعدالة ومحبة لأنها من خالق الناس.
 هذا الفهم الخاطيئ للمعرفة وتصدر المشهد جعل هذه الحركات تدخل في صراع مع الأخر سواء كان هذا الأخر ضمن مكونها الديني والوطني أو ضمن أديان وأوطان أخرى، ولم يكن أمامها من طريق تسلكه لإلغاء الأخر غير ممارسة الإرهاب بمختلف صنوفه بدء من الغاء فكر الأخر وصولاً إلى الغاء حياته، بهدف تصدر المشهد الوطني والإجتماعي والسياسي والإقتصادي من خلال الهيمنة والسيطرة على كل مناحي الحياة وصناعة القرار.
أصبحت اليوم العودة الى فهم دين الله وفق كتاب الله وصحيح سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام وإلى القرآن العظيم ضرورة شرعية وضرورة وطنية والى العودة الى مفاهيمه القرآنية الربانية ضرورة أكبر.  
هذه الحركات التي تحاول تصدر المشهد الوطني والإجتماعي والسياسي وفق رؤيتها الأحادية الخاطئة نكبت الدين والوطن والمجتمع والسياسة، بصراعات مدمرة دامية، ويجب عليها مراجعات موقفها المعرفي والخروج من شراك المدرسة الإبليسية إلى رحاب المدرسة الربانية القائمة على القبول بالأخر من خلال التعايش وفق منهج التعارف وميزان التقوى.


في الخميس 18 مايو 2017 08:38:42 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=43056