الثورة مستمرة!
عبد العزيز النقيب
عبد العزيز النقيب
في يوليو عام ٢٠٠٠ تجشم عناء السفر و الى حدود فلسطين الشمالية ذهب ادوارد سعيد رحمه الله- اترحم عليه رغم كونه مسيحي لكنه المسيحي الفلسطيني ابن الحضارة العربية الاسلامية كما عرف نفسه- ليرميها بحجر و من هناك اعلن صرخته التي قال فيها ان حالة السكون او الاستاتيك كما تقال بالانجليزية التي تعيشها الامة العربية مصلحة غربية -و اسرائيل جزء من الغرب- و ليس من صالحهم تغييرها لذا سيدعمون توارث الانظمة الحالية و طبقوا ذلك عمليا في سوريا و البقية اتية في مصر و ليبيا و اليمن و العراق ( قبل سقوط صدام) و ان هذا الامر اصبح استراتيجية و ليس تكتيك.
طبعا كان الحكام العرب يسمون حالة السكون او الموات بالاستقرار و كانت هي كلمة السر بينهم و بين الغرب و هي الكلمة التي تسربت الى كل ادبيات المرحلة من بيانات القمم العربية الى البيانات المشتركة للزيارات المتبادلة مع الغرب و غيرها من الادبيات السياسية العربية.
في خضم ذلك السكون المريب و في تلافيف المخ العربي الذي سكنه الموت السريري ترددت صرخات المحامي العربي التونسي المكلوم و هو يصيح في الشارع التونسي ذات مساء كانوني بارد:
بني علي هرب ....بني علي هرب...
سقطت كؤوس النبيذ الساخن من ايادي قادة الغرب الذي يحتسونها في المساءات الباردة امام المدافيء في قصورهم المدفئة ببترول العرب الرخيص و وقف مواطنيهم متجمدين امام الشاشات البلازمية في شققهم الدافئة المستأجرة من ملاكها اولاد الحكام العرب و هناك على ضفاف النيل تسمر المصريون امام اجهزتهم التلفزيونية المتهالكة و على هضاب اليمن تسمر اليمنيون ايضا يستمعون للصرخة العظيمة "بن علي هرب" ، و السوريون تقافزت قلوبهم فرحا لسماعهم المحامي التونسي ، و تمتم الليبيون في صمت لقد فعلها جيراننا فلماذا لا نفعلها فمعمر ليس اقل ظلما من بن علي و لا نحن اقل شجاعة من التوانسة.
لم يكن المحامي الذي دوت صرخته "بن علي هرب " و لذلك الكهل صاحب عبارة "هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية" هما من فجرا الثورة العربية الكبرى التي لم و لن تترك منزلا عربيا الا و دخلته و لا مدينة عربية الا شاركت فيها و لا قرية الا و لها فيها شهيد او جريح او طريد و ما زالت الثورة الى اليوم لم تكتمل...بل كان مفجرها دون ان يقصد بالطبع بائع فقير هو محمد بو عزيزي...لا اشك للحظة ان ما من دكتاتور عربي و لا صانع قرار غربي خسر كثيرا في هذه الثورة الا و تمنى ان يكون عثر على بو عزيزي قبل الحادثة و اغناه مليارات لا ملايين...لكنه القدر و الحقيقة لو ان الحكام العرب و المستعمرين الغربيين اقتطعوا ربع مكاسبهم و صرفوها على التنمية العربية ما حصل الربيع العربي لكنهم يعلمون بالضرورة ان التنمية العربية يعني ذهابهم بالضرورة بل و قبل الثورة بكثير...معادلة صعبة!
لقد اسقط في يد الغرب و تفاجأ تماما و لم تسعفه اجهزته الامنية و استخباراته التي كان تاخذ تقاريرها من اجهزة الطغاة العرب الذين كان يقول لهم كل شيء تمام يا فندم....لقد ظهرت الصدمة جلية واضحة في العجز التام في التعامل مع طائرة بن علي الذي ظلت تحلق لساعات دون طعام و لم يسمح اي بلد لها بالهبوط حتى فرنسا حليفة بن علي...اتدرون لماذا؟
لقد كان هروب طاغية من ثورة شعبية امر جديد على عالم الرومانسية السياسية و حقوق الانسان و الشفافية و الانترنت و الفيس بوك و الحكام يخافون شعوبهم ...حتى تلك اللحظة و مع هول الصدمة كان العالم الغربي يحترم نفسه ولم تهبط الا في بلد ليس له علاقة بالقيم السياسية الغربية ظاهرا و باطنا، لكن تلك الرومانسية و مع تمدد الربيع العربي و تهديده لاسرائيل تلاشت و تكشف الوجه الاستعماري الغربي و تأمر على الربيع العربي عن طريق دول الغرب الوظيفية في المنطقة و هي اسرائيل و دول الخليج و على راسهم سعودية التويجري، حتى وصل الامر بهم الى دعم انقلاب عسكري على اول رئيس مدني منتخب و وضعه في السجن عقابا له و للشعوب العربية على خروجها عن الطاعة.
تسارعت الاحداث و بعد ان تعمد الحكام العرب خلط الاوراق و الكذب على شعوبهم بانهم يتصارعون حتى بلغ التهريج ان تقوم ازمة سياسية بين مصر مبارك و جزائر بوتفليقة على مباراة كرة القدم بينما كان النظامين العسكريين على اعلى درجات التنسيق و التفاهم و هذا اليمن يندرج على كل الحكام فيما بيتهم حيث كان يظهروا العداء و يخفوا التنسيق و طبعا العداء الظاهر يستلزم التضييق على حركة المواطنين بين البلدين فمثلا في الوقت الذي كان التوتر بين اليمن و الامارات معلنا و يتم التضييق على سفر اليمنيين و عملهم في الامارات كان اولاد عائلة المخلوع علي صالح و اولاد اقاربه و اركان حكمه يدرسون جنبا الى جنب مع اولاد شيوخ الامارات في الكليات العسكرية و استثمارات المخلوع و عصابته تتمتع بالحماية و الرعاية من حكومة الامارات و هذا الامر يتكرر مع كل الدول العربية، لقد كان هذا النوع من العلاقات العربية البينية مطلبا غربيا بامتياز مقرونا باستمرار الرضا و الحماية و الرعاية الغربية لدول الخليج العربي.
لقد اتى الربيع العربي ليهز هذا الترتيب و هذا السكون و هذا الموات و لذلك استبسل الجميع في مواجهته و كان في المقدمة سعودية التويجري التي قادة الثورات العربية المضادة و مدت الجسور مع كل من يتعاون معها بغض النظر عن توجهه و حتى دينه و مذهبه و اهدافه النهائية فدعمت الكنيسة القبطية و لو كان البابا مسلما لاستضافته في مواسم الحج و العمرة! و نسقت و مولت و دعمت نظام علي عبدالله صالح فلما انهار دعمت الحوثي حتى اخذ اليمن باكمله و لولا الاقدار التي قبضت روح الملك عبدالله و اتى سلمان و قلب الطاولة على الجميع لكان الوضع العربي في مزيد من التدهور و الانخطاط.
بالطبع لم ييأس و لن ييأس اعداء الربيع العربي فلا يزالون في مفاصل الحكم في السعودية رغم التغييرات التي قام بها العاهل الجديد كما ان الامارات لا زالت في غيها القديم....
لاشك و لا ريب ان مواقف الملك سلمان و امكاناته و قدراته و نقاط ضعفه و مكامن قوته كلها تحت الدراسة و البحث على طاولة المتضررين من ايقاف مخططاتهم و هم يخططون للايقاع بدولته و جيشه في اليمن و عدم السماح له بالخروج من هذه الحرب باي نصر و ان استدعى ذلك التضحية ببعض قادتهم و هذا امرا ليس بجديد في السياسة فعندما وجدت الولايات المتحدة الامريكية انها لن تسيطيع التخلص من الرئيس الباكستاني ضياء الحق الا بقتله و بصحبته سفيرها فعلت ذلك و ضحت بسفيرها على مرأى و مسمع من العالم كله....ما اقذر السياسة!
لا استطيع الا ان ادعو الله ان يحفظ الملك سلمان حتى يبلغ المملكة ارض الحرمين و المنطقة مأمنها بعد عمر طويل ان شاء الله....ليس الدعاء عجزا لا و الله بل احد اسباب النصر...لكنني ايضا ادعو احرار هذه الامة و خصوصا في السعودية و الخليج و اليمن و مصر و السودان و المغرب العربي كله الى الالتفاف حول قيادة الملك سلمان.
و ادعو ايضا و بقلب يملؤه الحرص و الحب لهذه الامة -و المملكة في القلب منها - الى الانتباه و الحذر مما يخططه الباطنيون الجدد حكام الدول الخليجية الوظيفية من مؤامرات...و اقول لقادة و حكماء المملكة ثقوا بمن يحبكم و تربطكم به العقيدة و الهدف و لا تتنكروا لرجالكم في اليمن و لا تقتلوا الاسود في تعز فتنهشكم كلاب ايران في صعدة و الخليج.

في الثلاثاء 15 ديسمبر-كانون الأول 2015 10:41:42 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=41938