غدير ، أحلام ، ريم ..وأطفال "نقم"
سمر الجرباني
سمر الجرباني

لا شيء في هذا النهار سوﯼ جثامين الإنسانية ،عندما قصفت نقم لأول مرة كنت في الشارع وقتها ومع كل ضربة تتدلى أنفاس الناس من حولي، كانت وجوه النساء والأطفال والجميع مليئة بالخوف وكنت أرى الدخان يتصاعد من وجوههم ،سماء صنعاء تضيء في وقت الغروب وتنطفي معها أرواح الكثير.

يركض الرجال مذعورين فيرتعش الأطفال وهم يرون الأمان يتساقط كأوراق الخريف، حضور الموت ونكهته على كل فم.

مرارة الانكسار وزمن العجز والهمجية والجحيم القادم من الكهوف يوزع العبث والموت بالمجان ، كنت اسأل يومها عندما شاهدت طفلة تصلي للرحمن بالدعاء وأسنانها تصتك وعيونها تخلع الأفئدة كيف لهذا الجمال الملائكي أن يكبر مع كل هدا القبح!؟ تمنيت لو أن اطفال اليمن خارج معركة الغباء، كيف قبلنا نحن الكبار أن نجعل السياسة تدحرجنا إلى الخلف، أي قلب يحمله صالح والحوثيين وهم يرون دماء اليمنيين تتساقط مثل حبات المطر.

 أصبحت مدننا مسكونة بأرواح همجية تقتات الدماء، كان الناس يهربون يدورن حولي أمامي وخلفي وعلى جانبي إنهم يقيسون حجم الحياة ويعيشون لحظة الاحتضار ، يتشبثون بالحياة ،ادركت حينها بأن الفطرة السوية هي التي تدعوا للحياة لا للموت، وشعار الإسلام هو السلام وليس اللعن وان النصر حياه.

في وسط القصف وبينما أنا ماضية في طريقي رأيتهم ينتصرون وهم على الرصيف شعرت أنهم بعد هول ما رأيت يتقصدون الإيقاع بقلبي يرقصون( بكرتهم) يلعبون غير مبالين لما يحدث .

أطفالاً تمنيت التحليق بهم عالياً لأقول للعالم اجمع أطفالنا خلقوا للحياة للمستقبل للمضي قدماً ولو كان العالم كله ظلم سيظل الأطفال شبابيك العدالة .

يومها أيقنت بأن الأطفال أكثر قدرة على المقاومة ،أنهم الورود الواقفة في وجه الخذلان يسقطون من الخوف وربما تبولوا على أنفسهم لكنهم سرعان ما ينهضون ،قلوبهم حياه اشعر بأنهم يشفقون على آبائهم عندما يرونهم جبناء أمام ميلشيا لا تعرف الحياة ،

الأطفال وحدهم يستطيعون ترتيب العالم ووحدهم يدركون الحقوق ويعرفون بان اليمن ملكهم جميعاً ،يؤمنون بأن الحوثي لص ويسرق وطن فهل ينهب وطن! قال الزبيري ( ان اللصوص وإن كانوا جبابرة لهم قلوب من الأطفال تنهزم) والواقع ان لص اليوم ليس لديه قلب.

 اقتربت من منزلي وأنا اغتسل بدموعي وألمي إذ بي أرى الناس في مسيرة صامتة يحملون أطفالهم ، يهربون بحثا عن حياة، يفترشون الأرصفة بعد نجاتهم من الموت،

 وأنا كذلك إذ بطفلتين أمامي " أحلام وريم الهمداني" هاربتين، ارتعش قلبي استطيع أن احتمل كل ما رأيت إلا أن تمس الطفولة بسوء.

 أخذت الطفلتين معي إلى البيت روت لي أحلام :هربنا أنا وأمي وأختي ونسينا إخوتي الصغار تركتنا أمي وهرعت اليهم وفجأة تفجر الناس" تكمل ريم البراءة ذات الست سنوات "والنسوان انقسمن نصين والرجال اقتطعت رجله"

 لم اعرف حينها هل هذا ما رأت ريم فعلا أم انها مخيلتها التي ملئت بالرعب .

وصفتا لي المشهد وكيف هربا عند التفجير مبتعدتان عن أمهم وتقول احلام ( مدري أمي هربت هي وأخوتي وإلا أتفجرت) لتكمل الدموع في عينها قصة تُبكي الجبال.

كان هذا اليوم موجع أسرف في إيلامنا فقد صعقت بخبر موتك "غدوش" بأي ذنب قتلتي يا غدير هل روحك تزعجهم ؟ طيفك الطاهر وعالمك المثالي وشقاوة لسانك أجرم بحقهم! ؟ هل يجوز أن نعاتب ملك الموت عن تجواله في صنعاء كيف قطف تلك الزهرة هل يعرف كيف يختار كي يبكينا وجعاً! هي إرادة الله ولا راد لقضائه.

غدير لازلت أتذكر جيدا اختلافنا في السياسة ،اعترف ياغدير بأن السياسة وحل والخوض فيها عقيم ،

واهمس لك حبيبتي باعتذار.

تعلمين يا غدير بان لساني اليوم عاجز،

تتذكرين عندما كنت أجادل أمك بسيل من الكلمات اليوم يا غدير قاموسي اللغوي يفتقد الكلام ، قصيرة كلماتي قصيرة الي درجه أنها تنقطع في منتصف عبارة.

لكن اعلمي غاليتي غدوش بأن قلبي لم يفتر من الدعاء لأم فقدت وطن، أنتي وطنها يا غدير وحيدتها انتصرتي لم تموتي فالأطفال لا يموتون.

اعرف بأنك تريدين أن توصلي لنا رسالة لتقولي بأن الوطن إنسان وأن صنعاء اليوم ينهش فيها أولئك الجياع إلي الدماء وأن اختلافهم ليس وطن بل خرافة وأساطير حاكها بشر لا ينتمون إلي الإنسانية ،جعلوا أيامنا مثقلة بالدموع وأطفالنا يعرفون كلمات الموت قبل كلمة الخبز او الحنان او السعادة.

تقتلني تلك الصورة قبل عام في إحدى قرى أرحب عندما صعقت عيناي وهي تشاهد عشرات الأطفال ولا أبالغ اذا قلت انهم تجاوزوا مائة طفل يحشرون كالأغنام في عربة.

 سألت رجل مسن غطاه الشيب: الي اين سيذهب الاطفال ليجيب " هؤلاء عنشلهم عند السيد يدرسهم في صعده " أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة يدرسون الموت إنها أعمال الشيطان لكن روحك يا غدير ستطاردهم انتي وكل اطفال اليمن الذين رحلوا من عالمنا الموحش، أنتم العدالة التي ستنتصر، انتم من سيعلمنا بأن لا ننكسر وان نطحن الحبوب ونطعم الجياع خبزا ونقول للعالم أجمع نحن دعاة حب ويمن سلام نحن خلقنا للحياة ..
في الجمعة 15 مايو 2015 04:35:27 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=41471