الشيعة وفقه التكفير
د. عبده سعيد المغلس
د. عبده سعيد المغلس
 هناك من يريد تفجير الصراع المذهبي بين السنة والشيعة لتنطلق حربا طاحنة لا تُبقي ولا تذر، إذ تطالعنا حملات منظمة في مختلف انواع الوسائط الإعلامية المسموعة والمقروؤة بمصطلح التكفيريين التي تُتّهم بها اكبر الفرق الإسلامية وهي جماعة السنة ويستخدم هذا المصطلح بشكل مكثف من قبل بعض المنتمين للفرقة المذهبية الأخرى وهي فرقة الشيعة الإمامية والجارودية.
 ( الجارودية هي نسبة الى أبي الجارود وهي ليست زيدية ) وما يحدث الأن في اليمن هو جزء من هذا التوجه حيث يتم وصم المحافظات المنتمية للمذهب السني بتهمة انها داعشية تكفيرية وذالك بهدف التسويق السياسي الذي يُسوق به الحوثيين انصار الله أنفسهم للغرب بأنهم شركاء في الحرب ضد الإرهاب ومن أجل ذالك يدمرون التعايش المذهبي الذي استمر بين المذهبين الزيدي والسني في اليمن لقرون طويلة مقابل مكسب سياسي لا يرقى الى حجم الدمار والتفكك والإقتتال الذي سيلحق بالوطن والشعب ، ولسنين طويلة قادمة .
إن الأزمة التي تعصف بالأمة الإسلامية هي بالأساس ثقافية ، حيث ان التراث الفقهي لفقه الأئمة العظام رضوان الله عليهم تحول من فهم بشري مرتبط بسقف معرفي وأدوات معرفية مرتبطة بزمان ومكان معين الى دين ومعتقد وتحولت بعض هذه المعتقدات الى فتاوى فقهية عقائدية دينية تستخدم في مفهوم السلطة والإمامة بحيث تحولت الإمامة من شأن بشري خالص تتطور مفاهيمه ودلالاته وفقا للتطور البشري المرتبط بالزمان والمكان ومعارفه، ولا علاقة لها بالدين الا بالضوابط المحددة والمعروفة. لقدتحولت الإمامة الى أصل من اصول الدين عند الإخوة الجارودية والإمامية وأصبح المُنْكِر للإمامة او لأحد الأئمة الإثناعشر كافر بالمطلق.
وأنا هنا انقل أحكامهم بتكفير مخالفيهم من أمهات كتبهم الفقهية والعقائدية. وعلى ضوء ذالك اجد انهم بوصمهم إخوتهم السنة بالتكفيريين هم أيضاً تكفيريين وبدرجة أشد لأنهم جعلوا قضية التكفير جزء من العقيدة والإيمان، وجعلوا الإمامة محصورة فقط في أئمتهم من أبناء الحسين رضي الله عنه .
 فحصرها الفقه الهادوي الجارودي في أبناء الحسين متفقا مع الفقه الإثناعشري . - وهذا يفسر التنسيق والتعاون مع ايران التي أقامت دولتها وفقا للمذهب - بمعنى انه لا يحق لأحد من الناس دونهم ان يكون له الحق بمنصب الإمام او الرئيس.
 ومن هنا نجد عدم تجوزيهم لإمامة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وإعتبارهم مغتصبي حق الإمامة من الإمام علي رضي الله عنه، والتي أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام بها له بأمر من الله ، وهكذا أصبحت الإمامة تكليفا من الله للإمام علي رضوان الله عليه ولأبنائه من بعده ، وأولوا أية الولاية بتأوليات ليست من دين الله بعيداً عن معنى ظاهر اللفظ وسياق المعنى، وذلك لتُطابق عقيدتهم وألفوا أحاديث تؤيد موقفهم لا علاقة لها بالله ورسوله، بينما نجد الزيدية الحقة لم تنحى هذا المنحى فقد جوزت ولاية المفضول في وجود الفاضل وحسمت الصراع على الإمامة.
وأسوق هنا بعض الأدلة الجارودية والإمامية وهو غيض من فيض حيث نجد في المسائل الجارودية للشيخ المفيد ( بِسْم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلواته على خيرته من خلقه محمد وآله الطاهرين . أما بعد فقد اتفقت الشيعة العلوية من الامامية والزيدية الجارودية على ان الامامة كانت عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وانها كانت للحسن بن علي عليهما السلام من بعده وللحسين بن علي بعد اخيه عليهما السلام وانها من بعد الحسين من ولد فاطمة عليها السلام لا تخرج منهم إلى غيرهم ولا يستحقها سواهم ولا تصلح الا لهم فهم اهلها دون من عداهم حتى يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين ) المسائل الجارودية تأليف الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن نعمان ابن المعلم ابي عبد الله العكبري البغدادي ( 336 - 413 ه‍ ) صفحة ٢٧.
 ( واتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله، في بني هاشم خاصة، ثم في علي والحسن والحسين ومن بعد في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن عليه السلام إلى آخر العالم.) أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص ٤٠.
( القول في تسمية جاحدي الإمامة واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار.).
 أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص ٤٤. هذه هي العنصرية بعينها ونستكشف هنا سبب الحصر في أبناء الإمام الحسين رضوان الله عليه حيث انه تزوج بإبنة كسرى شاه زنان بنت يزدجرد بن أنوشروان وهي ابنة آخر أكاسرة الفرس. وقعت في الأسر هي واختيها بعد انتصار الجيوش العربية على الجيوش الفارسية في الفتوح الإسلامية وقد تزوجها الحسين بن علي بن أبي طالب، وانجب منها ابنه علي زين العابدين.
 ملاحظات ختامية: ١- قرآءة التاريخ مهمة لتعطينا عبر حين نُسقطها على الواقع تجنبنا كوارث مدمرة، ولذا اركز في كتاباتي ان مشاكلنا جذورها ثقافية ولكي نخرج من دورات الصراع يجب تصحيح مسار هذه الثقافة. ٢- هذه ثقافة تعتمد على معتقدات لا تقبل الأخر شريكاً حتى انهم لا يقبلون بأبناء عمومتهم ، وهذا ما يفسر تطهيرهم للسلفين في دماج ونسف مساجد ومنازل مخالفيهم ورفضهم مخرجات الحوار، كما انهم قاتلوا ابن عمهم في صعدة العلامة محمد بن عبد العظيم الحوثي لتبنيه الفقه الزيدي ، فعلى مناصريهم الذين يحلمون بأن يشاركوهم في السلطة ان يعيدواحساباتهم فهم يناصرون ويحالفون سراب كاذب.


في الأحد 29 مارس - آذار 2015 12:19:04 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=41301