ما بعد الشيخ!
أحمد عايض
أحمد عايض

للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر سجله الحافل في الحياة السياسية اليمنية طيلة أكثر من أربعة عقود، وله آثاره الواضحة في معظم مسارات الحياة السياسية في اليمن، وهو شخصية يمكن أن نقول عنها أنها استطاعت أن تكون محل إجماع وطني.

فهذا رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح يقول عنه أنه "أكبر من الأحزاب ومن ثوابت الحياة السياسية في اليمن"، أما د. عبد الكريم الإرياني فقد وصفه كما ورد في صحيفة الميثاق بقوله " الشيخ عبد الله هو أكبر من أن يكون إصلاح أو مؤتمر، والشيخ عبدالله قاسم مشترك بين الجميع كشخصية وطنية في الجمهورية اليمنية . " الميثاق العدد (1120)

وفي طرف آخر من الفكر والتوجه يقف الدكتور العلامة المرتضى المحطوري واصفاً الشيخ بأنه "من الشخصيات الكبيرة التي يشعر معها المرء بالأصالة والقيم والمبادئ السامية وأتمنى أن يجد الإنسان عدواً بعقلية الشيخ الأحمر ناهيك عن صديق" صحيفة الناس 8/11/2004م.

أما صحيفة الثورة الرسمية فقد قالت يوما عن الشيخ الأحمر " ذلك أن الشيخ عبد الله ليس مجرد رئيس للتجمع اليمني للإصلاح ولكنه من الرموز الوطنية ذات الرصيد الكبير في النضال الوطني والدفاع عن الثورة والجمهورية والعمل من أجل الوحدة والإسهام في تعزيز الديمقراطية وله خبراته في الحياة النيابية مما جعله موضع ثقة الجميع ففي شخصه تتجسد المعارضة والأغلبية معا ومع ذلك فهو لن ينحاز إلا للمصلحة العامة". صحيفة الثورة 19/5/1997.

الشيخ الأحمر مواقف صامتة

رغم كل ما قيل وسيقال عن الشيخ عبد الله بن حسين ألأحمر ومواقفه إلا أن الأيام قد كشفت وبقوة وفاء الرجل الكبير للحركة الإسلامية التي تأثر بها في وقت مبكر من حياته عن طريق الشهيد محمد محمود الزبيري , ودعمه لها ولحزبها السياسي الذي ترأسه فيما بعد " التجمع اليمني للإصلاح " طيلة السنوات الماضية , بل كان رافدا أساسيا للحركة الإسلامية ووفيا لها بعد وعد قطعه الشيخ على نفسه للشهيد محمد محمود الزبيري في أوائل الثورة، ومن حينها أصبح الشيخ ملازما للعلماء محبا لهم ومجلا لآرائهم ومحترما لكل مواقفهم طيلة حياته.

تاريخ الحركة الإسلامية يكشف مدى انضباط الشيخ مع الحركة الإسلامية، حيث ظل متقيداً بكثير من توجهاتها باستثناء بعض المواقف التي كان للشيخ حساباته الشخصية القائمة على رؤاه أمام تلك المتغيرات وكان أبرزها موقفه من انتخابات الرئيس صالح في عام 2006م .

أثناء قيامه بدور الوساطة بين اليمن والسعودية بشأن قضية الحدود اليمنية السعودية والتي وصلت تداعيات ذالك الخلافات إلى احتمال انفجار الوضع عسكريا بين اليمن والسعودية بذل الشيخ جهودا يشكر عليها لحل ذالك الخلاف، إذ ظل معتكفاً في المملكة العربية السعودية قرابة 40 يوما تلقى خلالها أكثر من طلب من الرئيس علي عبد الله صالح بالعودة إلى اليمن، لكنه رفض ذلك وظل معتكفاً طيلة تلك الفترة مستجيباً لنصائح عدد من العلماء ومتماشياً مع موقف حزبه الرسمي الذي كان يسعى لتجنب انفجار الأزمة، وبالفعل نجحت جهود الشيخ عبد الله في تقريب وجهات النظر، وانتهت تلك الجهود سنة 1995 إلى مذكرة تفاهم كانت بمثابة " حجر الأساس " لمعاهدة جدة التاريخية التي وقعت في العام 2000م وأغلقت ملف الحدود نهائيا .

رجل التوازنات

لقد كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رجل توازنات بمعنى الكلمة، وبالرغم من كونه قائدا لأكبر حزب سياسي معارض " التجمع اليمني للإصلاح " لكنة كان يمثل " إجماع كل القوى السياسية" في البلد وكان الشيخ يمثل صمام أمان لكثير من الإحداث والمعضلات التي مرت بها اليمن، وكان يمتلك رؤية ثاقبة أمام العديد من القضايا سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي فعلى سبيل المثال كانت مواقفه من غزو الكويت والقضية العراقية تمثل عين الحكمة والصواب.

وفي كثير من الأحيان كانت علاقات حزب الإصلاح تصل إلى مراحل من التوتر الشديد مع المؤتمر الشعبي العام أو بالرئيس شخصيا , إلا أن جهود الشيخ عبد الله كانت في معظم الأحيان تذيب الجليد بين الطرفين .

لم يكن الشيخ عبد الله عنصر توازن على الساحة السياسية فقط بل كان عنصر فاعلا في التوازن القبلي على مستوى اليمن .

ولقد مثلت العقود الماضية التي عاشها الشيخ فترة والتي أتسمت بتقلب الأحوال , وتغير التوجهات , وتنازع الصراعات إلا أن دورة كان بمثابة دور فاعلُ في تلك الفترة الحرجة من تاريخ اليمن, ابتداء من قيام الثورة وانتهاء بفترة رئاسته الأخيرة لمجلس النواب .

رحيل الرجل الغير مفاجئ سواء لحزبه الإصلاح أو للحزب الحاكم , مثل خسارة فادحة للطرفين , خاصة وقد كان يمثل عنصر ردع للعديد من أبنائه الذين خاضوا غمار السياسة , وعلى رأسهم حميد الأحمر وأخيه ألأخر حسين الذي أمتطى صهوة مجلس التضامن الوطني الذي ضم عدد كبير من شخصيات اليمن القبلية .

ولذا لا نستبعد أن تكون الأيام القادمة أكثر سخونة بين أطراف النزاع , ولن يكون ذالك قريبا كون الفترة الحالية ستشهد فترة هدوء نسبي احتراما لحرمة الفقيد الراحل .

سيرة وسير

لقد مثل العقد الأخير من حياة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بروزاً ملحوظا للعديد من أنجاله الذين توزعوا في العديد من الأدوار السياسية والعسكرية وكذالك القبلية , فصادق النجل الأكبر الذي يحمل يحمل رتبة عسكرية وكان قائدا لأحد المعسكرات الكبيرة , تحول في بداية التسعينات من المجال العسكري وخاض تجربة العمل السياسي عبر نافذة مجلس النواب , ولقد كشفت الأيام ميول الشيخ صادق للجانب القبلي أكثر من أي وقت مضي قد يكون لوضعيته في الأسرة باعتباره النجل الأكبر أو هكذا كان ميالا لها عازفا عن حياة التجارة والمناصب .

وهو عكس ما كان علية حميد الأحمر الذي كشفت الأيام عن ميوله الاقتصادية و السياسية , كما برز كسياسي عنيف التحدي ورجل محترف في مجال المال والإعمال , ولذالك فقد أوكل إلية والدة الراحل إدارة الناحية الاقتصادية لإمبراطورية بيت الأحمر التي إستطاع حميد وخلال فترة زمنية وجيزة أن يقفز بها قفزات كبيرة وحققت نتائج مالية أذهلت الجميع .

كما عمد الشيخ عبد الله " رحمة الله " بطريقة أو بأخرى أو لنقل أعطى أبناءة حرية الانطلاق في الحياة السياسية , ولذا نجد تنوع الطيف السياسي داخل أسرته فهذا الشيخ حسين الأحمر الذي كان والدة يعلق علية آمال كبيرة نراه قد إلتصق بالرئيس وبالحزب الحاكم منذ وقت مبكر من حياته السياسية , كما مثل قربه من الرئيس على عبد الله صالح طيلة السنوات الماضية وإطلاعه عن قرب للحراك السياسي داخل القصر الرئاسي حينا من الزمن أن منح الشاب الطموح دروسا في التعامل مع معطيات الحياة السياسية بنكهة متخصصة من نفس المشرب الذي تدار به اليمن رئاسيا , بل لقد احترف حسين الأحمر دوره ببراعة ليقف في آخر المطاف في وجه أستاذة في مجال السياسية الرئيس على عبد الله صالح شخصا عند تقاطع المصالح .

كما أن للشيخ عدد من ألأبناء " صادق وحميد وحسين ومذحج وحمير وهمدان وهاشم وقحطان وحمدان " وآخرون لم يحن الوقت لبروزهم على الساحة بعد.

وتكشف المصادر القريبة من أسرة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر أن والدهم قد قطعا شوطا كبيرا في تقسيم التركة وتوزيع الإرث الكبير بين أبناءة في وقت سابق , كما ترك بعضا من ذالك الإرث تحت سيطرة حميد الأحمر ليديره استثماريا ومعرفة كل طرف نصيبه من ذالك .

يطرح البعض عدد من التكهنات التي توحي بحدوث خلافات داخل أسرة الشيخ عبد الله عقب رحيله إلا أن المعطيات تكشف أن تلك الأسرة تحتفظ بثوابتها الخاصة في التعامل مع بعضها البعض، وهناك حدود لا يمكن تجاوزها مهما كانت الخلاف بينها.

فبالرغم من التنوع السياسي والفكري بين أبناء الشيخ عبد الله إلا أن الجميع يتفق على بقاء مصالح الأسرة والتنازل بالرأي لكبرهم مهما كانت قناعاتهم .

و لربما لعبت القبيلة دوراً هاما في احترام أفراد الأسرة فيما بينهم خاصة والجميع من أبناء حاشد ينظرون إلى تلك الأسرة نظرة القدوة، وتعلموا من تقاليد القبيلة احترام الرأي وتقدير الكبير , ورغم توجهات حسين الأحمر الأخيرة واستغلاله لورقة القبيلة للضغط على أجندة ما في الدولة لتحقيق غايات ما , إلا أن تلك التحركات لم تكن محل إجماع من " أسرة الأحمر " لكن عنصر الحفاظ على حاشد وكلمتها سيظل محل إجماع كل أبناء الشيخ عبد الله .

ولا ننكر أن هناك اجتهادات للعديد من أبناء الشيخ سواء في الجانب القبلي أو السياسي أثارت خلافا داخل الأسرة وقد وصل صداها إلى العلن إلا انه يتم ترتيبها داخليا والخروج برؤية مقنعة للجميع .

وعلى سبيل المثال المؤتمر القبلي الذي قال حسين الأحمر أنه سيدعو إلية كافة قبائل اليمن , هذه الدعوة قوبلت في حينها باعتراض خاصة من الشيخ صادق شيخ القبلية وشيخ مشايخ حاشد الحالي , وما نقل أن الرئيس طرح على الشيخ عبد الله أثناء زيارته له في بريطانيا موضوع ذالك المؤتمر القبلي ,وسواء طلب الرئيس تأجيل ذالك الملتقى أو إلغاءه , إلا أن مؤشرات أسرية من داخل بيت الأحمر تكشف تأجيل ذالك المؤتمر لاعتبارات خاصة قبل مطالب الرئيس أو غيرها .

والملاحظ في المسيرة السياسة في حياة أبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يجد ثمة ملامح تربط الجميع، فهذا الشيخ صادق الذي برز بقوة في الدورة النيابة في عام 2003م وكانت أول انتخابات تشهدها اليمن بعد الوحدة والتي كان يطغى عليها الصراع السياسي ووقوف اٌلإصلاح موقع المعارضة في وجه المؤتمر والحزب الاشتراكي برز صادق كشخصية قوية دافعت بقوة عن مواقف الإصلاح وعن مواقف أبيه حتى سمى في حينها عبر بعض وسائل الإعلام " بأنة مدفع الشيخ عبدالله يوجهه حيث يشاء " .

وعلى نفس الصعيد برز الدور السياسي لحميد ألأحمر في ألانتخابات الرئاسية ألأخيرة بقوة ووقوفه إلى جانب مرشح المعارضة ودعمه بسخاء كبير للقاء المشترك أثناء الحملة ألانتخابية وصلت إلى مرحله التحدي الصارخ في جمع مراحل الحملة الانتخابية .

في حين مثل العام 2007 ظهور قوي لنجل الثالث للشيح عبد الله بن حسين الأحمر الذي لعب بالورقة القبلية ووقف مواقف تحدي وصلت أيضا إلى مواجهه علنية مع الرئيس علي عبد الله صالح.

الإصلاح والتوريث

سيكون موقف التجمع اليمني للإصلاح محرجا في حال فكر في توريث منصب الرئيس داخل الحزب الذي كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر متقلدا رئاسته حتى رحيله، حتى وإن كانت بعض المؤشرات توحي بترحيب لدى جزء من قواعد الإصلاح بتوريث ذالك المنصب لنجله حميد الأحمر، الذي حقق أعلى نسبة من أصوات الترشيح في أخر مؤتمر تنظيمي عقدة التجمع اليمني للإصلاح في عام 2006م من بين كل المرشحين.

ولأن الإصلاح يرفض قضية التوريث جملة وتفصيلها، وترفض أدبياته ذلك، وتعبر قياداته دوما عن رفضها لموضوع توريث الرئيس صالح لنجله أحمد، فإن الإصلاح في حال طرحها داخل تنظيم الإصلاح لن يسلم من حملة شرسة ضده في قادم الأيام.

وفي حين طرح قضية التوريث لمنصب الرئيس- ليبقى داخل أسرة بيت الأحمر – فإن بعض القيادات في الإصلاح ترى أن وضع الشيخ صادق بن عبد الله النجل الأكبر ووريث والده القبلي لقيادة حاشد ليس من السهل تجاوزه بهذه السهولة، تخوفا من استغلال أطراف أخرى في السلطة لهذا التجاهل لتوسيع رقعة الخلاف الداخلي بين الأسرة التي سيكون الخاسر الوحيد فيها هو الإصلاح.

إلا في حين عزوف الشيخ صادق عن قبول ذالك المنصب، عندها يستطيع الإصلاح نقل مقاليد الرئاسة عبر انتخابات داخلية يمكن أخراجها ديمقراطيا داخل تنظيمه.

أما لو رفض النجلان قبول ذالك المنصب وهو ما يضعه البعض ضمن احتمالات قوية فإن الإصلاح سيسير وفق رؤاه التنظيمية لاختيار من يراه صالحا لذالك المنصب .

Mareb2009@hotmail.com


* ينشر بالتزامن مع صحيفة المصدر


في الإثنين 31 ديسمبر-كانون الأول 2007 06:53:16 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=3062