عندما يكون الموت أمنية
عبدالرحمن برمان

أخذت الجنبية التي وجدتها وذهبت إلى قسم الشرطة للإبلاغ عنها لكن الضابط فاجأني باللطم على وجهي بحذائه حتى سال الدم من أنفي وفمي ولم ينتهي الأمر على ذلك فقد جردني الضابط من ملابسي كاملة ومارس أبشع أصناف التعذيب هددني بالاغتصاب وعلى مراء ومسمع من ضباط وأفراد القسم.

بهذه الكلمات أفتتح أزيم حسن عبد الله الوصابي شكواه موجزاً ما حدث له من تعذيب يندي له الجبين في قسم الصياح بأمانة العاصمة ربما يتبادر للقاري الكريم أن أزيم قد ارتكب جريمة كبري تمس أمن واستقرار البلاد رغم أن التعذيب محرم في الشريعة الإسلامية الغراء ودستور وقوانين البلاد والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن مهما كانت المبررات.

جريمة أزيم أنه أراد أن يكون شريفا نزيهاً مكافحاً رفض اللقمة الحرام رغم حاجته الملحة للمال كونه يعول أسرة كبيرة وهو الطفل الصغير الذي لم يتجاوز عمره 14ربيعاً كل الظروف التي تحيط به كفيلة أن تتجه به إلى طريق غير سوى لكنه قهر كل الظروف وسلك طريق الخير مقتنعاً بما قسم الله له.

يعمل أزيم في مشغل ملابس في منطقة شعوب بصنعاء براتب عشرون ألف ريال و يضطر للمبيت في المحل تحت الماكينة وفوق قصاصات البز وذلك لتوفير ما سيدفعه كسكن, وضع صديق وزميله في العمل دراجته عند أزيم لاستخدامها عند الحاجة كونه مسافر إجازة . لكن احتاج إلي بعض المال لم يكن أمام أزيم سوى أن يبيع الدراجة وأخبر صديقة بالخبر ووعده بشراء دراجة غيرها نهاية الشهر واتفقا على ذلك.

في 14/5/2007م طلب منه صاحب المشغل أن ينظف المحل وأثناء التنظيف وجد أزيم جنبية ملفوفة في خرقة وتبدو غالية الثمن فبلغ صاحب المشغل فأمره أن يذهب إلى قسم الشرطة لتسليمها طلب من صديقة صاحب الدراجة أن يذهب معه فانطلاقا إلى القسم وهناك سلم الجنبية للضابط المستلم وفجأة وبدون مقدمات أنهال على أزيم باللطم بيده وبحذاء وسال الدم بكثرة من أنفه وفمه وكان يقول له وين الخمسة ألف التي بجانب الجنبية وأزيم يحلف ما وجد فلساً واحداً ويتوسل له أن يرحمه لكن دون جدوى كان صديقة يشاهد الموقف ويفاجئ أزيم به يقول له أنت حرامي وأنا قلت أنك بعت الدراجة لأجل ظروفك أنت سرقت دراجتي ويقدم بلاغ خيانة أمانة لبيعه الدراجة التي أتمنه عليها وهنا زادت شهيت الضابط لمزيد من التعذيب وبصورة أبشع. يقول أزيم:

بعد ضربي على وجهي وكدت أفقد توازني قام الضابط وجردني من ملابسي بالقوة وأنا أصيح وأتوسل إليه تارة وأحاول منعه تارة أخرى لكن رده على توسلاتي الضرب بقسوة ثم جردني من ملابسي الداخلية وأنا أبكي وكلما حاولت لبس سروالي الصغير يخلعه بالقوة و ينهال عليا ضرب.

طلب مني أن أعترف بالخمسة ألف ريال فأقسمت أني ما رأيت أو أخذت فلس واحد فأوقفني ووجهي إلى الجدار وهناك من 5 إلى 6 ضباط وجنود مخزنين في المكتب كانوا مبسوطين وكأنهم يتفرجون فلم وانأ عاري كيوم ولدتني أمي

ثم جاء بأربعة أسلاك كهرباء مربوطة مع بعض وقام بضربي على ظهري وعلى ساقي وأنا أصرخ أتألم وهو يسب ويقول اعترف وأنا أقول ما أخذت ثم أخذني وبطحني على الأرض على بطني وأخذ يجلدني بهستيريا وعندما لم يجد فائدة وبعد أن تعب توقف وأخذ قارورة ماء وشرب منها وقال بصوت عالي أتدري ماذا شربت لقد شربت خمراً فالويل لك.

وصرخ لمن حوله أين الذي بيركب العيال أدوه يركبه, كان أبشع ما تعرضت له عندما أيقنت بأني قد أتعرض للاغتصاب قررت أن أقفز من شباك المكتب وهو في الدور الثالث حتى ولو مت فالموت في تلك اللحظة أصبح أمنية لدى ونهضت بسرعة وضربت زجاج الشباك براسي لكنهم جميعاً أسرعوا وأمسكوا بي وأعادوني إلى الجلاد ليشفي حقد نفس غير سوية, قال لي أحسن لك أن تعترف قبل أن أنادي على من يقوم باغتصابك عندها وبعد ساعات طويلة من التعذيب وقبل حلول الفجر ببرهة اعترفت على نفسي زوراً وظلماً بأخذ خمسة ألف ريال كانت بجانب الجنبية.

أخذ أزيم إلى السجن وفي الصباح ومن سوء حض ذلك الضابط ولأن الله أراد أن يفضحه غادر القسم ولم يلق زميله الذي سيستلم بعده كي يوصيه أن لا يحيل ضحيته إلى النيابة كما اعتاد إلا بعد أن تذهب أثار التعذيب "طلبني الضابط الجديد فخرجت وأنا خائف من عودة السياط والتهديد بانتهاك العرض لكني استبشرت عندما رأيت شخص أخر يجلس في المكتب لم تدم فرحتي إلا ثواني حتى شدني من استبشرت فيه خيراً ووضعني تحت قدميه وأخذ يرفسني وهو جالس على كرسيه ثم أحالني إلى النيابة وهناك وعند بدأ التحقيق كشفت لعضو النيابة عن ظهري فهاله ما شاهد من أثار تعذيب وحشي فأثبت ذلك في محضر ثم أمر بإحالتي إلى دار الرعاية الاجتماعية.

مكثت 14يوماً وأنا لا أستطيع أن أتحرك من السرير إلا بمساعدة أطفال الدار الذين أحاطوني بالرعاية والشفقة فهناك من يساعدني على الوقوف ودخول الحمام ومنهم من يحضر لي الطعام وكان الطبيب في الدار يعطيني أبر مهدي كي أتمكن من الذهاب إلى الحمام لأن جسمي تورم والحمى أنهكته جاء الطبيب الشرعي بعد عشرة أيام وعمل تقرير بما تبقى من أثار ثم حدد سني بأني تجاوزت سن الخامسة عشر يمكن أنخدع بسبب صوتي الشاحب رغم أن عمري كان في الرابعة عشر وبذلك لم أمثل أمام محكمة الأحداث بل أمام محكمة شرق الأمانة وقدمت النيابة المتهم المقدم الذي قام بتعذيبي إلى المحكمة لكنه رغم وجود ضمين تجاري لم يحضر 4جلسات عقدت بل قام بالاتصال بخالي وطلب منه أن يتنازل عن القضية مقابل مبلغ خمسون إلف ريال كما اشترط أن تكتب أسرتي إقرار باني سارق وغير سوي. 

 أما قضيتي فقد تبنت المدرسة الديمقراطية الدفاع عني وتم الإفراج عني الأسبوع الماضي واعمل والحمد لله في بيع البراقع منذ ثاني يوم من خروجي كي أوفر حق العيد الأمي وإخواني

سالت أزيم ما هي أمنيتك في الحياة ؟ قال لي بصوت حزين متقطع مخنوق أتمني أن أرى يد العدالة تطال ذلك الوحش الذي لم أري مثله في حياتي ثم سرح برهة ووضع يديه على وجهه وقال "أتمني أن أموت فلم يعد للحياة أي قيمة بالنسبة لي وأقسم لولا خوفي من الله ولولا أمي وإخواني الصغار لقتلت نفسي".

هذه مأساة طفل توفي والده وخلف له تركه كبيرة 12فرد هو أكبر الذكور فيهم اضطر بعدها إلى أن يترك الدراسة وهو في الصف السادس الأساسي ويتوجه إلى صنعاء عله يجد عمل يمكنه من توفير الحد الأدنى من العيش لأسرته.

لم يكن يعلم بأن مصيره سيكون إلى السجن ويقع ضحية وحش مفترس بل شيطان على هيئة إنسان انتزعت منه الرحمة وتخلى عن كل القيم الإنسانية.

تلك قصة واقعية من قصص تحدث كل يوم بل كل لحظة في بلاد غاب فيها القانون وضاع العدل وساد شريعة الغاب ووقف فيها القضاء عاجزاً عن الانتصار للمظلومين خصوصاً عندما يكون الظالم قيادي أمني أو نافد مسنود من حزب أو قبيلة أو المركز الوظيفي.


في الإثنين 10 ديسمبر-كانون الأول 2007 09:57:35 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=2962