طريق الأفول للإمبراطورية الأمريكية
احمد منصور
احمد منصور

حينما سألت المؤرخ الأمريكي البارز بول كيندي حول السبب الأول الذي يقود الإمبراطوريات إلي نهايتها قال لي : " الأنفاق علي التوسع العسكري وتكاليف الحروب " وهذا ماتسير فيه الولايات المتحدة ليس اليوم ولكن منذ أن بدأت برامجها المكلفة عسكريا في حرب النجوم في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، وهذا ما جعل كيندي قبل عشرين عاما يقول قولته الشهيرة " إن الإمبراطورية الأمريكية ستبدأ في الأفول بدءا من العام 2010 " ، لكنه لم يكن في حسبانه حينما أطلق مقولته تلك أن الولايات المتحدة سوف تتورط في حربين مكلفتين هما حربي العراق وأفغانستان ،

ورغم مساعي الإدارة الأمريكية للتخفيف من تكاليف الحربين وأن ما ينفق عليهما هو من أجل أمن الولايات المتحدة وسلامتها إلا أن التقارير التي تتوارد يوما بعد يوم تتحدث عن أرقام مالية مفزعة ستقود الإمبراطورية الأمريكية حتما إلي حتفها في وقت أبكر كثيرا من توقعات المؤرخين،

ففي آخر دراسة أعدتها لجنة ديمقراطية تابعة للكونجرس الأمريكي ونشرت في 14 نوفمبر الماضي أشارت إلي أن التكاليف الاقتصادية التي تكبدتها الولايات المتحدة حتى الآن في حربها علي العراق وأفغانستان قد بلغت واحد ونصف تريليون دولار ، وهذا المبلغ يعتبر ضعف المبلغ المعلن عنه رسميا من قبل البيت الأبيض والذي يصل إلي 804 مليار دولار ،

وأشارت الدراسة التي تقع في 21 صفحة تحت عنوان " التكاليف السرية للحرب علي العراق " أن تكاليفالحرب تشمل نفقات الجرحى من قدامي المحاربين وارتفاع أسعار النفط ، وفوائد القروض التي تستدينها واشنطن من الخارج من أجل الحروب ، ولتبسيط الأمر فقد أشارت الدراسة إلي أن الحرب تكلف كل عائلة أمريكية تتكون من أربعة أفراد أكثر من عشرين ألف دولار ، وبالتالي فإن هذه الأموال التي توجه لإدارة الحرب في أفغانستان والعراق قد أضرت بشكل كبير بفرص التنمية والإنتاج وقطاع الأعمال في الولايات المتحدة ، وكانت دراسة أخري أعدها مكتب الموازنة في الكونجرس الأمريكي و نشرت في 25 أكتوبر الماضي أشارت إلي أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان قد تكلف دافعي الضرائب في الولايات المتحدة 2.4 تريليون دولار وذلك بحلول العام 2017

وقد توصل مكتب الموازنة في الكونجرس ـ وهو مكتب مستقل عن تأثير الحزبين الديمقراطي والجمهوري ـ إلي هذا التقدير من خلال حساب تكلفة أسعار الفائدة الباهظة التي تمول بها هذه الحرب لأنه هذه الحرب تمول بالقروض وليس من فائض الميزانية ، ومن ثم فإن الأجيال القادمة في الولايات المتحدة ستظل تدفع قيمة حرب بوش ربما لعقود قادمة ، ورغم محاولات الديمقراطيين عرقلة خطط الرئيس بوش بشأن الحرب ، أو ربط التمويل بتحديد موعد لبدء الانسحاب منالعراق أو أفغانستان إلا أن الرئيس الأمريكي جورج بوش أعلن فى إبريلالماضي أنه سيقوم بنقض أي تشريع يصدره الكونجرس يربط تمويل العمليات العسكرية في العراق بانسحاب مبكر للقوات الأمريكية ، واتهم الديمقراطيين آنذاك بأنهم يريدون " تقييد أيادي الجنرالات الأمريكيين " ، وقد رد عليه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد قائلا : " إذا رفض الرئيس تغيير الاتجاه فإن أمريكا تواجه خطر الغرق في وحل العراق لسنوات لا لأشهر " ومع ذلك فإن بوش يرفض تغيير الاتجاه ، ومن الطبيعي أن تقود الحروب التي تقودها الولايات المتحدة إلي إنفاق مزيد من المليارات في عملياتتطوير الأسلحة ، وهذا ما تقوم به وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بالفعل إذا أنها تسعي لتطوير أسلحة جوية من أجل مواجهة الأخطار من الدول التي تصفها واشنطن بالمارقة مثل كوريا الشمالية وإيران ، علاوة علي مواجهة القوة المتنامية عسكريا للصين ، ولعل أكثر خطط الولايات المتحدة طموحا في هذا المجال هو إنتاج طائرة فالكون فائقة السرعة والقدرة العسكرية ، حيث يمكن لهذه الطائرة التي تبلغ سرعتها ستة أمثال سرعة الصوت أن تسقط 12000 رطل من القنابل في أي مكان في العالم خلال دقائق ، لكن مشروع هذه الطائرة المذهلة التي ستكون أقوي وأسرع المقاتلات في العالم يصل إلي 221 مليار دولار ، كل هذه التكاليف بالديون والفوائد عالية القيمة ، تلك الديون التي لا يأبه لها جورج بوش وإدارته الآن لكن الجميع سيتكلم عنها حينما تعجز الإمبراطورية الأمريكية عن الوفاء بالتزاماتها المالية و تبدأ بالأفول. 


في الخميس 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 08:56:34 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=2852