زبيد التاريخية :حكاية مدينة آيلة للسقوط
سبا نت

:جاء قرار لجنة التراث العالمي في دورتها الـ 31 بمدينة كرست تشرش النيوزيلندية مؤخراً بشأن مدينة زبيد التاريخية متوقعاً، وفي نفس الوقت مخيباً لتوقعات أخرى بخروج الاجتماع بقرار يشطب المدينة من قائمة مواقع التراث العالمي ، إلا أن هذين التوقعين سيان في نظر طرف ثالث يرى بان المهلة الأخيرة التي منحتها (اليونسكو) لليمن قبل شطب المدينة من القائمة ، ليست سوى تأخير لقرار الشطب مدة عامين ، باعتبار المهلة المحددة غير كافية بما يمكن اليمن من الإيفاء بما اشترطته اللجنة مستندة على ما ورد في توصيات فريق مركز التراث العالمي الذي زار زبيد في ديسمبر من العام الماضي.

لنتجاوز تلك المقدمة الأشبه بمتاهة الكلمات المتقاطعة ونسأل بوضوح:هل ستتجاوز اليمن امتحان الفرصة الأخيرة لزبيد بمعالجة التجاوزات و إزالة التشوهات والمهددات التي وضعت المدينة ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر والخروج من العامين القادمين والمدينة (صاغ سليم) مثلما كانت عليه قبل عشرين سنة على أقل تقدير ؟!..

هناك من يشكك في ذلك لأن واقع معاناة المدينة هو نتاج تراكم تفريط في الحفاظ و إفراط في إهمال الحماية منذ خمس عشرة سنة هو عمر مشكلتها الراهنة التي للأسف الشديد بدأت في نفس العام الذي أدرجت فيه المدينة ضمن قائمة التراث العالمي .. إنها الحقيقة المرة التي سنحاول قراءتها في هذا التحقيق:

منذ عام 1993 بدأت معاناة المدينة تعلن عن نفسها عقب عودة المغتربين من أبنائها ، والتي تسببت بنمو سكاني افرز حاجة متزايدة لمساكن جديدة .. تعالوا نسمع بقية الحكاية بلسان ضليع من أبناء زبيد ..

يوضح مدير مكتب هيئة المحافظة على المدن التاريخية بزبيد "عرفات الحضرمي" مضيفاً: ونتيجة لافتقار مدينة زبيد لمحرقة ياجور منذ أكثر من أربعين سنة لم يكن أمام الراغبين في التوسع العمراني بالمدينة سوى مصانع القوالب الأسمنتية (البُلك) التي أخذت التي توفر مواد بناء اسمنتية بأسعار رخيصة لبت حاجات الراغبين بالتوسع في منازلهم أو بناء منازل جديدة.

 

 

يتابع بلهجة حزينة : وفي ظل غياب رقابة و حماية حازمة لتراث المدينة المعماري أخذت المخالفات و التشوهات في الطابع المعماري للمدينة تظهر وتتزايد على صعيدين:الأول:التشوهات الناجمة عن الإضافات والتوسعات في المباني القديمة بمواد بناء حديثة . والثاني : التشوهات الناجمة عن بناء مساكن جديدة بمواد اسمنتية (بُلك) أخذت تحتل رويدا رويدا الفراغات داخل المدينة والمساحات الواقعة أمام المدارس الإسلامية التاريخية و أمام البوابات التاريخية.

ثم ماذا؟! ..

يستطرد : و يوم بعد آخر والمخلفات تنال من المعالم التاريخية للمدينة حتى صارت تلك التجاوزات تبرز كنتوءات مشوهه لمظهر المدينة الخارجي بشكل واضح ،وبدأت المشكلة تعلن عن نفسها بقوة أمام كل زائر للمدينة حتى استشعرت (اليونسكو) الخطر فأصدرت في عام 2001 قراراً بنقل زبيد إلى قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.

وتضم مدينة زبيد القديمة (4200) منزلا تاريخيا تتراوح اعمارها مابين 200 - 600 عام مثل منزل المرزوقي الذي يتجاوز عمره خمسمئة سنة ومنزل التبريزي الذي يصل عمره إلى اربعمئة سنة ، بالإضافة إلى 85 جامعا و مدرسة إسلامية من بينها أربعة جوامع يصل عمر بعضها إلى 1400 عام كجامع الأشاعر .. وحسب "عرفات الحضرمي" مدير مكتب هيئة المدن التاريخية بزبيد فان (اليونسكو) قد سجلت أكثر من ( 400) منزل من منازل المدينة ضمن قوائم فرائد التراث العالمي الاستثنائي باعتبارها مبان ذات قيمة فنية معمارية عالية يصل عمر بعضها إلى أكثر من 400 سنة .

ويفيد الحضرمي بان ناتج استمرار التجاوزات و التشوهات التي تطال الطابع المعماري التقليدي للمدينة تم رصده منذ عام 1993 وحتى اليوم فصار الرقم إلى (1200 ) مخالفة معمارية إسمنتية منتشرة حول المدينة التاريخية وعلى خط سور الخندق تحتاج جميعها إلى إزالة مابين مخالفات بسيطة كحفر أساس ووضع قواعد مسلح وبناء سور باستخدام (البلك)، بالإضافة إلى مخالفات كبيرة كبناء مساكن جديدة يقدر عددها بنحو (600)مخالفة أي ستمئة مبنى جديد إسمنتي ، أما المخالفات داخل سور المدينة فيصل عددها إلى ( 444) مسكن مختلط أي مسكن قديم تم توسيعه وإضافة بعض الغرف إليه باستخدام مواد اسمنتية . وزيادة على تلك التجاوزات في البناء بمواد مخالفة للطابع المعماري للمدينة ، والتي تسببت بتشوهات واسعة لزهاء (1200 ) منزل من منازل المدينة البالغة( 4200) منزل فان المنازل المتبقية دون تشوهات هي أكثر من ( 3000) منزل هي حسب الحضرمي مبانٍ قديمة حالتها ما بين مبان سليمة تعاني من بعض الخراب و مبان مهجورة مهدمة نتيجة أن أهلها هجروها جراء سفرهم إلى خارج اليمن أو انتقالهم إلى العيش في مكان آخر باليمن ، وهذه جميعها بحاجة إلى ترميم عاجل لأنها مهددة بالانهيار.

ومما سبق يخلص الحضرمي الى ان 40 % من منازل زبيد تعاني من التشوهات الناجمة عن البناء المخالف لطابع المدينة المعماري بينما 60 % هي مبانٍ موزعة مابين مبان قديمة مهجورة وأخرى خربة .. و زاد الحضرمي منوها بان 20 % من الـ60 % من المنازل القديمة الخربة مهددة بالانهيار خلال سنة وبقية الـ40 % لن تصمد أكثر من ثلاث سنوات إذا لم تسارع الحكومة باتخاذ إجراءات لمعالجة التجاوزات و إنقاذ المدينة و تاريخها من الاندثار .

وتحدث الحضرمي عن توجهات للحفاظ على هذه المدينة بالاعتماد على خبرات مشروع التنمية الحضري الذي عمل في الحفاظ على مدينة شبام حضرموت ونقل هذا المشروع للعمل في زبيد تحت مظلة المكتب الفني الألماني للتعاون (جي تي زد) و تحت إشراف الصندوق الاجتماعي للتنمية .

المتتبع لمراحل المعاناة التي عاشتها وتعيشها زبيد وتحديداً منذ طفت مشكلتها بشكل واضح على السطح منذ عام 2000م ؛ يستغرب التقاعس الرسمي إزاء التجاوب مع الإنذارات التي ظلت توجهها ( اليونسكو) بمعالجة جذرية للمشكلة لنجد الحكومة عقب صدور قرار المنظمة الدولية بوضع زبيد في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر تصدر قرارا في نفس العام بمنع البناء و الاستحداثات داخل المدينة لكن ذلك القرار لم يضع حدا للمشكلة التي استمرت كما يقول عرفات الحضرمي لان قرار الحكومة لم يطرح البدائل والحلول التي تنهي أسباب المشكلة من جذورها.

واستمرت الحكومة في التعاطي مع المشكلة بنفس المنوال فأصدرت أيضا عام 2003 قرارا بمنع البناء و لان القرار لم يتضمن أي حلول لم ينتج عنه أي معالجة بل استمرت المشكلة تلا ذلك قرار آخر عام 2006 بمنع الاستحداثات وإزالة التشوهات وإيقاف كل أعمال البناء داخل المدينة وبالرغم من ان هذا القرار كان أكثر صارمة من القرارات السابقة فهو أيضا لم يطرح البدائل .. كل تلك الإجراءات لم تقنع فريق مركز التراث العالمي الذي زار المدينة في ديسمبر من العام الماضي 2006 لتقييم واقع الأضرار والجهود التي تبذل في الحفاظ عليها وحماية مكوناتها الحضارية والتراثية.

وعلى ما يبدو أ تقييم الفريق الدولي وما تضمنه تقريره كان من الإحاطة بالحال التي وصلت إليها المدينة ما دفع بلجنة التراث العالمي في دورتها الحادية والثلاثين مؤخرا لمنح اليمن الإنذار الأخير بإبقاء مدينة زبيد التاريخية في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر لفترة إضافية مدتها عامان خاضعة لتقارير رسمية تقدم من الحكومة اليمنية عن التقدم الذي تم مؤكدة على"الأخذ بالاعتبار في تنفيذ خطة العمل المستعجلة للسنة الأولي التي أعدها فريق مركز التراث العالمي و المتمثلة بإعداد الإطار القانوني و المؤسساتي الملائم خلال سنة واحدة - تفعيل قرار مجلس الوزراء رقم (425) لسنة 2006م والخاص بوقف وإزالة جميع أعمال الاستحداثات داخل المدينة وكذا إنجاز قانون ومخطط الحفاظ على المدن التاريخية, مع توفير الدعم اللازم والكافي لميزانية الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية وفرعها في زبيد لإيقاف التدهور الحاصل في تراث المدينة".

وحسب مسؤول في الهيئة فان قرار لجنة التراث العالمي قد"طالب الحكومة اليمنية بالإيقاف الفوري للعبث والتشويه لمكونات التراث العمراني وإعداد خطط وبرامج للأعمال المتوسطة وطويلة المدى وتفعيل مخطط التنمية الحضرية للمدينة. لافتا إلى أن اللجنة ستقوم بالإطلاع ومراجعة تقارير الحكومة اليمنية بشكل سنوي, وتقييم مدى التقدم في إنجاز الإجراءات الإنقاذية خلال الـدورة 32 للجنة العام القادم . ولكون المشكلة لن تنتهي بقرارات منع الاستحداث وتعقب المخالفات باعتبار أن النمو السكاني في ظل مغريات الحياة العصرية يجعل من الصعب إيقاف الاستحداثات العمرانية داخل نطاق مدينة محصورة في نطاق ضيق في ظل عدم وجود مخططات في الأراضي خارج أسوار المدينة القديمة تسمح بنشوء مدينة جديدة كان صدور قرار آخر عن مجلس الوزراء مستهل هذا العام برقم (84) بتشكيل لجنة إنشاء مدينة زبيد الجديدة برئاسة وزير الثقافة الدكتور محمد أبو بكر المفلحي ،وعضوية عدد من الجهات ذات العلاقة بما فيهم وزارة السياحة باعتبار ان حاجة الناس المتنامية لمساكن جديدة بأنماط معمارية حديثة لا تتفق مع المواصفات التاريخية لنمط العمارة في زبيد و لمواد البناء فيها فتضطرهم إلى هدم المباني القديمة وبناء مبان حديثة كانت الحاجة إلى وجود مدينة جديدة خارج أسوار المدينة القديمة ملحة لمعالجة الوضع الراهن للمدينة.

لكن السؤال الآن: ماذا بعد إنشاء لجنة مدينة زبيد الجديدة ؟ وهل ستستطيع اللجنة خلال العامين توفير الأرض المخصصة ومساعدة الناس على تشييد منازلهم فيها ؟.

وفي حال تم ذلك فنحن سنكون بحاجة إلى لجنة أخرى تعمل في الجانب الآخر على إعادة تأهيل المباني القديمة وترميمها بنمطها المحلي وإزالة كافة التشوهات التي لحقت بها .. كل ذلك لابد أن تتم خلال عامين لإنقاذ المدينة من الشطب من قائمة التراث العالمي .. سواء بالاعتماد على مشروع التنمية الحضري أو غيره .. المهم تنفيذ توصيات فريق مركز التراث العالمي في مقدمتها : توفير مواد البناء التقليدية بأسرع وقت ممكن وبسعر منافس لسعر المواد الأسمنتية ،تنفيذ مخطط المنطقة البديلة، معالجة وإزالة التشوهات الأسمنتية الموجودة والعمل على ترميم المباني القديمة المعرضة للانهيار وسرعة تنفيذ رصف مدينة زبيد حتى يتم الحفاظ على الساحات والفراغات من الاعتداء عليها.

لكن عرفات الحضرمي بدى متشائما من قدرة الحكومة على انجاز كل ذلك وإنقاذ المدينة وإقناع المنظمة الدولية خلال عامين وقال: المهلة غير كافية لانجاز ما يقنع المنظمة الدولية بان زبيد صارت آمنة .. إلا إذا استشعرت الحكومة حقيقة الخطر الذي يهدد المدينة فربما تستطيع عمل ما يمكن عمله.. لكن يستدرك : كيف سيحصل ذلك والمدن التاريخية ما تزال بحاجة إلى قانون ينظم شروط وضوابط البناء فيها والتعامل معها؟!.. بمعنى أن المسألة تحتاج إلى عمل كثير .

إذن ما الذي ستخسره اليمن لو سقطت زبيد فعلا من قائمة التراث العالمي .. نقول إن السقوط سيتسبب لليمن بأضرار اقتصادية و ثقافية مهولة وستتعرض السياحة في هذا البلد إلى ضربة موجعة لن تنفع معها المهدئات خاصة بعد الحادث الإرهابي بالقرب من معبد الشمس بمأرب يوليو الفائت..

فهذا السقوط بعد هذه الحادثة الإرهابية سينال من سمعة اليمن ويطعن في قدرتها على حماية ليس سمعتها و إنما ثقافتها ومعالمها الحضارية وعدم التزامها بما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي و التي تعد اليمن من الدول ال180الموقعة عليها بعد تبنيها خلال المؤتمر العام لليونسكو في 16 نوفمبر 1972 . وانبثق من هذه الاتفاقية برنامج حماية مواقع التراث الإنساني العالمي الاستثنائي الذي تعمل عليه لجنة تسمى لجنة التراث العالمي منبثقة عن اليونسكو من خلال مركز يسمى مركز التراث العالمي . ويهدف البرنامج إلى تصنيف وتسمية والحفاظ على المواقع ذات الأهمية الخاصة للجنس البشري، سواء كانت ثقافية أو طبيعية. ومن خلال هذه الاتفاقية، تحصل المواقع المدرجة في هذا البرنامج على مساعدات مالية تحت شروط معينة.و بلغ عدد المواقع المدرجة في هذه القائمة حتى عام 2005 812 موقعا، منها 628 موقعا ثقافيا و160 موقعا طبيعيا و24 موقعا يدخل ضمن الصنفين، في 137 دولة من الدول الأعضاء. وترمز اليونسكو إلى كل موقع من هذه المواقع برقم خاص، ولكن مع تغيير نظام الترقيم فقد يتم إعادة إدراج بعض المواقع ضمن تصنيف أكبر. ولذلك، فإن نظام الترقيم الحالي وصل إلى 1100 بالرغم من أن عدد المواقع أقل من ذلك. حاليا، تحمل إيطاليا الرقم الأكبر في عدد المواقع التراثية وهو 40 موقعا.

وحسب أدبيات المنظمة الدولية يعتبر كل موقع من مواقع التراث ملكا للدولة التي يقع ضمن حدودها، ولكنه يحصل على اهتمام من المجتمع الدولي للتأكد من الحفاظ عليه للأجيال القادمة. وتشترك جميع الدول الأعضاء في الاتفاقية، والبالغ عددها 180 دولة، في حماية والحفاظ على هذه المواقع. وتلام الدولة التي يقع الموقع في حدودها على إهمالها وتقصيرها في الحفاظ على مضمونه الحضاري والتاريخي بإسقاط الموقع من قائمة التراث العالمي . وبإسقاط احد مواقع دولة ما من قائمة التراث العالمي يتراجع رقم الدولة في تصنيف لجنة التراث العالمي وبالتالي يتراجع نصيبها مع أفواج الشركات السياحية العالمية وينال سمعتها أضرار بالغة وتصبح نظرة العالم إليها نظرة سيئة باعتبارها لا تعتني بشؤون ثقافتها وتراثها الحضاري .

وتشمل قائمة التراث العالمي ثلاث مدن يمنية :صنعاء ، شبام حضرموت، زبيد. وتعتبر مدينة زبيد أحد أهم المدن الساحلية الغربية ذات الأهمية التاريخية والأثرية في اليمن كونها تضم العديد من المعالم الأثرية الهامة إلى جانب المكانة العلمية التي كانت تتمتع بها في الفترة الإسلامية والتاريخية التي مرت بها منذ تأسيسها في بداية القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي ) عام 204هـ عندما اختطها عسكرياً محمد بن عبدالله بن زياد بأمر من المأمون بن هارون الرشيد وحتى فترة الأئمة. لكن تاريخ هذه المدينة صار قاب قوسين أو ادني من التحول إلى أطلال ما لما نخلع عن نفوسنا لامبالاتها ونتيقن أننا إذا لم نرع كنوز تراثنا سنجد أنفسنا غدا بلا تراث وستلعننا الأجيال اللاحقة لأننا لم نترك لهم مدائن تناطح السحاب بالاسمنت و الحديد أو أخرى تحتضن الأرض بجذور تراثها الحضاري و الثقافي .. سنظل مع زبيد منتظرين حدوث معجزة لإنقاذنا معها.

 

 
في السبت 11 أغسطس-آب 2007 10:52:36 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=2319