الحياة في فلسطين

حاول أن تتخيل الحياة في هذه الظروف، تخيل أنك تعيش في سجن مفتوح، في بلاد محتلة بجيش أجنبي قمعي ونظام عنصري. ليست لك دولة معترف بها، ولا حق في المواطنة، ولا سيطرة على حياتك اليومية الخاصة. تعيش في حالة خوف دائمة، ويفرض عليك المحتل حصاراً اقتصادياً خانقاً، وعقاباً جماعياً يحد من الحركة، ويعزل المناطق السكنية، ويغلق الحدود، ويمنع أغلب الناس من العمل في داخل بلادهم، ويفرض حظر التجوال بشكل منتظم، هذا بالإضافة إلى حواجز الطرق، ونقاط التفتيش، والأسيجة الكهربائية، وجدران الفصل العنصري، ويواصل المحتل بناء المستوطنات في أرضك المحتلة وفي بلادك، منتهكاً اتفاقات جنيف التي تمنع المحتل من إحلاله سكانه محل أصحاب البلد المحتل.

وينكر المحتل حقوق أهل البلاد الإنسانية الأساسية التي تتضمنها اتفاقية جنيف الرابعة بخصوص معاملة المدنيين في حالة الحرب وتحت الاحتلال. وينتهك الاحتلال بنود تلك الاتفاقية ال149 كلها تقريباً، وهو بذلك يرتكب جرائم حرب طبقاً للقانون الدولي، وهذا أيضاً ما قررته لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وميثاق نورمبرج الذي صاغته الولايات المتحدة ذاتها لمحاكمة النازيين.

والمحتل أيضاً يرسل قواته ودباباته ودروعه الثقيلة كلما رغب في ذلك لنشر الدمار والخراب، بل ويرسل مروحياته ويطلق صواريخه على المدنيين كلما أراد دون رادع. وترى طائرات إف 16 تقاتل المدنيين وتقصف وتنشر الدمار والرعب والفزع، ويعطي جيشه وقوات أمنه كل الحق والحصانة في انتهاك الحقوق واعتقال وقتل الرجال والنساء والأطفال، وهدم المنازل على ساكنيها، إذا رفضوا الخروج دون أن يقعوا تحت طائلة القانون.

ومن أجل حماية وتأمين مستوطناته غير الشرعية في أرضك المحتلة، فإنه يمنع الوصول إلى الرعاية الصحية الضرورية والطارئة، ويمنع التعليم والتوظيف وحركة السلع.. تخيل أن المحتل يخلق حالة من الحصار الاقتصادي جعلت ثلثي شعبك طبقاً للأمم المتحدة تحت خط الفقر (2.2 دولار أمريكي يومياً)، تخيل أن القوة العاملة التي يتكون منها شعبك عاطلة بفعل الاحتلال الذي يدمر المحاصيل والبساتين (أكثر من مليون شجرة زيتون اقتلعت أو دمرت)، ويفرض ضرائب تأديبية ويحجب الخدمات، كلما شاء، كعقاب كجماعي، وليست لديك قوة أو حيلة لدفع أو وقف هذه الانتهاكات، ولا تستطيع اللجوء للقضاء، كيف يمكن أن تعيش كمسلم في دولة يهودية عنصرية؟

تشويه سمعة الإسلام والمسلمين

أصبح تشويه الإسلام والمسلمين عملاً روتينياً تمارسه إسرائيل والغرب على مدار العام مستخدمة ألفاظاً مثل "متطرفين أصوليين"، "عرب مجافين"، و"جهاديين"، و"إرهابيين"، وقد بدأ بذلك منذ فترة طويلة كما يقرر العالم والكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق حيث يقول: إن تشويه الإسلام والمسلمين في الغرب بدأ في القرن الرابع عشر الميلادي بالنقد اللاذع الذي وجهه الكاتب الإيطالي الشهير "دانتي" في كتابه "الكوميديا الإلهية" وشاع ذلك فيما بعد، في الأدب الأوروبي بصفة عامة والإنجليزي بصفة خاصة.

ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتعطي ولتوفر حافزاً إضافياً لتبشيع المسلمين في إسرائيل والغرب اللذين روجا لمناخ الرعب، وأعادوا استخدام وإنتاج أساليب قديمة من أجل إعادة إنتاج الإمبريالية والاستغلال تحت غطاء المصلحة الوطنية والقومية، وعادوا يصِمون المسلمين بالدونية وعدم التسامح ومعاداة الغرب.

والواقع أن تلك الصفات تنطبق أكثر على زعماء إسرائيل وخصوصاً صفات العنصرية وعدم التسامح، فمناحم بيجين وصف الفلسطينيين بأنهم "صراصير" "وحوش تمشي على ساقين"، وجولدا مائير قالت إنه "لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني".. ومؤسس إسرائيل بن جوريون "جورج واشنطن إسرائيل"، قال بعد طرد الفلسطينيين من أراضيهم بعد حرب بربرية في عام 1948م: "يجب أن نتأكد أنهم لن يعودوا أبداً لأرضهم!! وهو القائل: "إن الكبار سوف يموتون، والصغار سوف ينسون". صدق في الأولى، وخاب أمله في الثانية.

مطاردة المسلمين في إسرائيل والغرب 

تشتعل الآن حرب لا هوادة فيها بين المسلمين والغرب، لاحظ ما حدث لرجل الدين المسلم أبوحمزة المصري في لندن، حكم عليه بالسجن سبع سنوات لأنه جرؤ على نقد الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون فأدين بتهمة التحريض على الإرهاب! لاحظ أيضاً إدانة منير المتصدق في ألمانيا، الدولة التي تصف مستشارتها الإسلام بالفاشية، وتهمته بأنه يعرف بعضاً من الذين خططوا للحادي عشر من سبتمبر، رغم إصراره على عدم التورط. وانظر إلى القوانين، في كثير من الدول الغربية، التي تُسن من أجل الحد من الهجرة، وهي قوانين قاسية موجهة خصيصاً للمسلمين والملونين، وانظر إلى الضجة المثارة بسبب الكاريكاتير المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي نشر في الدانمارك ثم في دول أوروبية أخرى، وتخيل رد فعل الغرب لو نشر المسلمون كاريكاتيراً مماثلاً للسيد المسيح.

تلك الصورة المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تشكل جزءاً من الحرب الإعلامية على الإسلام، وتستخدم لتبرير ما يقع في العراق وأفغانستان وما يمكن أن يقع في إيران وسورية، دعنا نسميها حرب الكاريكاتير، وهي دليل ساطع على ما يقوم به الإعلام الغربي للحط من قدر المسلمين ووصمهم بالدونية والإرهاب، آملين في أن يؤدي ذلك لرد فعل عنيف من قبل المسلمين يكون غطاء لمزيد من الظلم والاضطهاد الإسرائيلي.

ولإسرائيل باع طويل في تشويه صورة المسلمين لتبرر إبعاد وقتل أي شخص تعتبره تهديداً لهيمنتها وسلطتها. انظر إلى القتل أو الاغتيال المستهدف "وإسرائيل ترغب في نقله لدول أخرى مثل أمريكا"، لاحظ الأحكام الملفقة والتهم الباطلة التي لصقت بمروان البرغوثي الذي يقضي حكماً مدى الحياة لكونه مناضلاً من أجل الحرية، إلا أنه مازال حياً على أي حال، في حين تفضل إسرائيل سياسة التصفية الجسدية والاغتيال المستهدف التي تمارسها بصورة دائمة، متمتعة بحصانة المجتمع الدولي في قتل الأبرياء الفلسطينيين بدم بارد.

وقد استغل الغرب الحادي عشر من سبتمبر في التخلص من الشخصيات الإسلامية ذات الأثر والخطورة "على مخططات إسرائيل" فالدكتور رافيل ظافر، أمريكي من أصل عراقي يعاقب بالحبس 22 عاماً لأنه حاول مساعدة العراقيين أثناء الحصار، والدكتور سامي العريان لفقت له 17 تهمة لإسكاته لأنه حاول كسر الحصار المضروب على الحقيقة، وإنصاف الشعب الفلسطيني المكلوم، وحتى الدكتور عمر عبدالرحمن حوكم باتهامات مغشوشة وملفقة.

والدرس المستفاد من تلك الحالات الثلاث واضح.. إن تحدي سلطة الدولة، في محاولة إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين أو الكلام علانية عن المظلومين يوقع في براثن دول بوليسية تضطهدك وتضعك في السجن لفترات طويلة، وإذا فشلت في ذلك تحطمك مالياً وتدمر حياتك.. هذه هي طريقتهم. فالحذر الحذر.

كيف تسيطر إسرائيل على الفلسطينيين؟

حتى فوز حماس في يناير 2006م، كانت إسرائيل على شكل من التوافق مع فتح، وكانت إسرائيل قد استطاعت السيطرة على العملية الانتخابية بتأمين فوز من تريد فوزهم والذين يقومون بدور العميل أو الخادم الذي يخدم سيده ويقمع شعبه ويتجاهل حاجاتهم. وقد نجحت في إخفاء ذلك لفترة طويلة ومنعت أي شخصية غير مرغوب فيها إسرائيلياً من الوصول إلى أي موقع قيادي يستطيع من خلاله خدمة شعبه. وساهم عملاؤها في جعل حياة الفلسطينيين لا تطاق. وأخفت إسرائيل كل ذلك بمساعدة وتواطؤ المجتمع الدولي "وخصوصاً الرباعية أمريكا، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وروسيا".

وبدلاً من إعطاء أي حقوق أو معاملة إنسانية للفلسطينيين، فإنه يتم تصويرهم بالإرهابيين المسلحين الذين يفترسون شعباً مسالماً "إسرائيل".. والواقع أنهم مقاتلون من أجل الحرية، وأن الأساطير الإسرائيلية الملفقة والخداع الإسرائيلي لن يغيرا الحقيقة أو يبررا الجرائم التي ترتكب في حق مدنيين عزل يواجهون جيشاً إسرائيلياً مدججاً بأحدث الأسلحة المتطورة والأسلحة النووية... وقد لاحظ بعض ناشطي حقوق الإنسان أن الشعب الفلسطيني هو أكثر الشعوب وأطولهم معاناة على وجه الأرض، وهم كذلك بلا أدنى شك.

س طورة "نحن كنا هنا أولاً" ،و"الإله وعدنا بهذه الأرض"

يقول الأديب الإنجليزي جورج أورول "الذين يملكون الحاضر يملكون الماضي، والذين يملكون الماضي يملكون المستقبل"... يقصد أن الذين يمتلكون الحاضر يمكن أن يجعلوا الناس يعتقدون في الماضي ما يريدون "أي المسيطرون على الحاضر".. والفكرة التي يريدنا الصهاينة أن نصدقها هي أن دولتهم أقيمت على أرض خربة لم تُعمَّر إلا عندما جاؤوا هراء، والحقيقة المدعومة بالتاريخ وعلم الآثار أن هذه الأرض عامرة منذ آلاف السنين بالكنعانيين ثم بالعرب، أما كلمة فلسطين وفلسطينيين فقد استعملت قبل الإمبراطورية الرومانية.

أما الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحديث فيرجع إلى أواخر القرن التاسع عشر بسبب معاداة روسيا القيصرية الشديدة للسامية، واعتقاد اليهود أنهم لن يكونوا آمنين إلا إذا كانت لهم دولة في أي مكان.. ثم وقع الاختيار على فلسطين، واختُرعت أسطورة "أرض بلا شعب وشعب بلا أرض"، في حين كانت فلسطين تغص بأهلها العرب، ومن ثم قامت خطتهم على طرد أهل البلاد وإحلال اليهود وحدهم محلهم، نفس فكرة الجنس الآري المتفوق.. وساعدهم الإنجليز على تحقيق حلمهم بإعطائهم وعد بلفور 1917م بعد الحرب العالمية الأولى، في حين خدعوا العرب بوعود كاذبة بالاستقلال... وعندما أدرك العرب التهديد الذي يتعرضون له اشتعل الصراع.

إ قامة دولة "إسرائيل"

ولدت في الرابع عشر من مايو 1948 على أنقاض وخراب فلسطين في اليوم الذي انتهى فيه الانتداب البريطاني، وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت قراراً في 29 من نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية (55%) من أرض فلسطين، وعربية.. كان اليهود في ذلك الوقت يملكون فقط 6% من مساحة فلسطين التاريخية حتى قامت الحرب 1948م.

بدأت الحرب في مايو 1948 عندما دخلت فلسطين 7 جيوش عربية "من بينها مصر وسورية والأردن ولبنان".. وأشاعت إسرائيل أن الجيوش العربية كانت تفوقها عدة وعتاداً ولكن الواقع كان خلاف ذلك فقد كانت العصابات الصهيونية الأكثر تفوقاً عدة وعتاداً بكثير.

وانتهت الحرب باتفاقية للهدنة 1949 "اتفاقات هدنة منفصلة مع الدول الأربع الرئيسة" أوصلت إسرائيل إلى حدودها الحالية التي تضمنت 78% من فلسطين التاريخية... أما المحاربون الإسرائيليون فقد ارتكبوا جرائم ومجازر موثقة من أبشعها مذبحة دير ياسين التي ارتكبها مناحم بيجين وعصابة الأرجون.

إسرائيل تلتهم فلسطين كلها: في عام 1967م بدأت إسرائيل حرباً عدوانية احتلت فيها ما تبقى من فلسطين "الضفة وغزة" بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء من مصر ومرتفعات الجولان من سورية.. ادعت إسرائيل أنها حرب دفاعية مستغلة بعض التوترات التي كان يمكن أن تُحل دبلوماسياً لتحقيق أهدافها.

كان لنصر إسرائيل في 1967 أثر كبير على جونسون الرئيس الأمريكي الغارق آنذاك في مستنقع فيتنام.. واتضحت أهمية إسرائيل كحليف استراتيجي لأمريكا في الشرق الأوسط. أصبحت إسرائيل وتركيا وإيران الشاه "قبل 1979م" شرطة أمريكا لحراسة ثروات المنطقة. ومن يومها انهالت المساعدات الأمريكية على إسرائيل وأصبحت إسرائيل أبرز متلقٍ للمساعدات الأمريكية (3 مليارات دولار منح و3 مليارات قروض ومساعدات ومنح من أحدث المعدات العسكرية، حتى وصل مجموع المنح والمساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل منذ عام 1949م حوالي 150 مليار دولار أمريكي، وهذا هو الذي مكن إسرائيل من بناء أكبر قوة عسكرية في المنطقة، وتمويل الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري، وخلق سجون مفتوحة للفلسطينيين في أراضيهم).

فجدار الفصل العنصري حول القدس وحدها يوفر السيطرة على كامل المدينة "الشرقية والغربية" ويخنق اقتصاد الضفة الغربية ويسرق آلاف الدونمات الزراعية، ويسرق 50% من المياه الجوفية الفلسطينية في الضفة.. ولقد كان انسحاب إسرائيل من غزة خدعة كبرى، رغم أن قليلاً من المستوطنين سُحبوا، أما الجيش الإسرائيلي فلم ينسحب وإنما أعاد الانتشار.

في عام 1967 اتخذ مجلس الأمن بالإجماع القرار 242 الذي يطالب بانسحاب إسرائيل من الأرض المحتلة، ويرفض مبدأ ضم الأرض بالقوة، ويؤكد على حق الجميع في العيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها. إلا أن إسرائيل فسرت القرار على هواها.. أما الفلسطينيون فقد رفضوه لأنه لا يذكر حق العودة ولا حق تقرير المصير.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنت القرار 148 عام 1948م الذي يؤكد حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم طبقاً للبند رقم 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقرر حق كل مواطن في ترك أو العودة إلى بلاده، وينص أيضاً على حق كل شخص في أن تكون له جنسية.

أما القرار 194 فينص صراحة على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم والعيش "في سلام مع جيرانهم.. ويعوَّضون عن ممتلكاتهم إذا اختاروا عدم العودة أو كانت ممتلكاتهم قد دمرت". وإسرائيل ملزمة بهذا القرار لأنها قُبلت عضواً في الأمم المتحدة بالقرار 273 الذي شرط قبولها بقبول القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين.


في الإثنين 15 مايو 2006 10:53:31 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=200