في ذكرى وفاة الشيخ عبد الله الأحمر..ليس انحيازا لآل الأحمر
محمد الجماعي
محمد الجماعي

بسبب شكوك الإمام أحمد حميد الدين في موقف الشيخ حسين بن ناصر الأحمر المؤيد للأحرار الذين ثاروا ضد والده الإمام يحيى حميد الدين في ثورة الدستور 1948م تعرض الشيخ حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر للتضييق والحبس ومصادرة الأموال ثم الغدر والقتل له ولولده الأكبر حميد بن حسين من قبل الإمام أحمد عام 1959م، ولم يفصل بين إعدامهما سوى أسبوعين فقط.

وضمن سلسلة صراعات آل الأحمر مع الأئمة والحكام، فقد كان الشيخ حسين الأحمر /الأب/ منشغلاً مع الإمام يحيى حميد الدين ثم ابنه أحمد كما جرت عليه عادة المشايخ في اليمن، حيث كان الأئمة يحرصون على بقاء المشايخ تحت رقابتهم كضمان لعدم الالتفاف أو محاولة الانقلاب من أي واحد منهم. فيما كان أبناؤهم يؤخذون كرهائن لدى البلاط الإمامي عن أسرهم وقبائلهم. وهو ما كان عليه أمر الشهيد حميد بن حسين الأحمر.. في تلك الأثناء آلت مسئولية الإشراف على شؤون العائلة إلى الشيخ الشاب عبدالله بن حسين الأحمر الذي تولى الإشراف على الأمور الخاصة في منزل الأسرة والممتلكات الزراعية الخاصة بها مثل متابعة العمال والرعاة والعناية بالمواشي، واستقبال الضيوف.. واقتضت هذه المسئوليات أن يتنقل في مناطق أخرى في بلاد العصيمات وغيرها في لواء حجة للإشراف على ممتلكاتهم وأراضيهم فيها.

قضى الشيخ عبد الله رحمه الله ثلاث سنوات يتوسل الإمام في قاهرة تعز لإطلاق سراح والده وشقيقه. منها سنة كاملة يبذل الجهود لإطلاق سراح والده والسماح له بزيارة أسرته وقريته ثم قضى سنة ثانية سجيناً لدى الإمام بدلاً عن والده حتى يعود ثم قضى سنة ثالثة بذل فيها كل ما في وسعه لإطلاق سراح شقيقه الأكبر حميد حتى نجح في إقناع الإمام بالسماح له ببضعة أشهر فقط يعود فيها الشيخ حميد بن حسين إلى مسقط رأسه للزواج ثم العودة إلى سجن الإمام، ثم سافر الإمام أحمد إلى روما للعلاج .

في حالة آل الأحمر كأسرة كبيرة ذات تاريخ وثقل قبلي يؤهلها لاستلام زمام السلطة في أية لحظة عبر تاريخها، فقد ظلت عرضة لابتزاز الحكام وضغطهم وإطباق الحصار عليهم. يبدو لي من معرفتي بالمتأخرين منهم بدءا بالشيخ عبد الله الأحمر، عدم نزوعهم للحصول على منصب الرجل الأول في البلاد، حرصا منهم على إبقاء حبل الود بينهم وبين عامة الشعب متينا وقويا. وهو ما استفاد منه على وجه الخصوص الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، الذي حظي بإجماع مختلف الشرائح اليمن على مدى تاريخه الذي عاصر فيه خمس جمهوريات وإمامتين، بحسب الزميل علي الضبيبي.

في نهاية الخمسينيات وبعد سفر الإمام إلى روما تصاعد الرفض الشعبي ضد الإمام أحمد حميد الدين، وقاد الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وابنه الشيخ حميد تحركات وطنية للقبائل المتحمسة للتخلص من الإمام. لكن الإمام أحمد وبعد عودته من رحلته العلاجية ألقى خطاباً تهديدياً في الحديدة، أقسم خلاله أ نه لن يدع "أحمر ولا أخضر" إلا وسيحرقه. وقد نجح باستخدام أساليب ملتوية في إلقاء القبض على الشيخ/ حسين الأحمر بعد أن أعطاه الأمان ثم ألقى القبض على ولده الشيخ حميد في الجوف بعد أن غدرت به إحدى القبائل هناك. وقد تم إرساله إلى الحديدة على طائرة خاصة ليعدم بعد ذلك في حجة وبعد أسبوعين تم إعدام والده الشيخ/ حسين بن ناصر الأحمر كذلك في حجة. وكان الإمام قد أرسل قبل اعتقال الشيخين حملة عسكرية على قبيلة (حاشد) ومنازل آل الأحمر وممتلكاتهم عاثت فيها خراباً ودماراً واعتقلت بعض مشائخ حاشد.

قامت ثورة سبتمبر 1962م والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ما يزال في سجن المحابشة.. وعند سماعه الخبر بدأ تحركاته لكسب ولاء المواطنين والجنود للثورة. وفي عصر اليوم نفسه أرسل المشير عبد الله السلال برقية عاجلة إلى عامل المحابشة بإطلاق سراح الشيخ عبدالله والسماح له بالتوجه إلى صنعاء في أسرع وقت ممكن.

في اليوم الثاني لقيام الثورة توجه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بصحبة عدد من الجنود والشخصيات الذين كسب تأييدهم للثورة إلى منطقة (عبس) حيث قضوا ساعات في ضيافة القبائل ثم اتجهوا إلى الحديدة ووصلوها يوم السبت. وفي يوم الأحد -الرابع من عمر الثورة- وصل الشيخ إلى صنعاء واستقبله قادة الثورة في مقر مجلس قيادة الثورة وتم تكليفه بسرعة التوجه إلى المناطق الشمالية الغربية لمطاردة الإمام المخلوع محمد البدر وإلقاء القبض عليه. ومنذ ذلك اليوم قاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر قبائل حاشد في معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية دون هوادة ولا توقف ولا تأثر بالظروف السياسية المتقلبة في صنعاء حتى انتهت المعارك في يناير 1970م.

هم ثوار من طراز رفيع، تحكي كتب التاريخ عن جدهم على بن قاسم الأحمر وذلك في أواخر القرن الحادي عشر الهجري الذي تعده مراجع تاريخية بأنه المؤسس الأول لتاريخ آل الأحمر المتصل بعلاقتهم مع الأئمة والحكام، حيث كانت علاقتهم تتراوح مدا وجزرا مع الحكام بحسب ظروف الحكم وبيئته في اليمن، وصلت بالنسبة لعلي بن قاسم إلى قطع رأسه، وأعقبها سقوط الإمام المنصور قاسم بن الحسين، وتولي آخر بشروط.

 كما تروي مصادر تاريخية ظهور الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر الذي اشتهرت قصته في صراعه مع الأئمة ضد الأتراك، وكذا الشيخ علي بن ناشر الأحمر، وحسم الأمور لصالح الأئمة (محمد حميد الدين) ثم صراع ناصر مبخوت مع الأئمة ذاتهم ووقوفه إلى جانب الإدريسي، الأمر الذي اضطر معه الإمام يحي بن محمد حميد الدين، لمباغتة الشيخ ناصر مبخوت الأحمر. وهنا قصة طويلة من المكر والنهب وتدمير الممتلكات وهدم الحصون وإتلاف المحاصيل الزراعية. ليأتي بعد ذلك دور ناصر بن ناصر وانتقال الزعامة لأخيه حسين بن ناصر بالتزامن مع ولده حميد. وقد أدى كل ذلك إلى زيادة مخاوف الإمام، واشتعال أحقاد الماضي ضد آل الأحمر، فلم يعد الأمر عائداً إلى مكانتهم القبلية بل تطور إلى خوف على السلطة نفسها حيث بدا الشيخ حميد وكأنه ينازعه (الملك) فكان ما كان من معاناة انتهت بإعدام كل من حميد الأحمر ووالده حسين بن ناصر الأحمر سنة 1959م على يد الإمام أحمد مما عجل بزوال ملك أئمة اليمن سنة 1962م.

كان أول لقاء جمع بين الشهيد محمد محمود الزبيري والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، يوم وصول الشيخ إلى العاصمة للمرة الأولى في اليوم الرابع للثورة، ثم استمرت علاقة الرجلين حتى استشهاد الزبيري في 31 مارس 1965م. واتسمت علاقتهما بالاحترام والإعجاب فالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كان يرى في الشهيد الزبيري رمز الثورة اليمنية ضد الاستبداد والطغيان والتخلف.. فيما كان الزبيري يرى في الشيخ بطل الثورة والجمهورية الذي يقف هو قبائله سداً في وجه محاولات العودة إلى عهد الإمامة والاستبداد. وكان الاثنان يشكلان وحدة فكرية وشعبية مهمة في الصف الجمهوري، ووجد الشيخ الأحمر نفسه ينحاز إلى الشهيد الزبيري عند بروز الخلاف بين الجمهوريين والداعين للسلام والإصلاح بقيادة الزبيري من جهة وبين الجمهوريين الداعين لحسم الصراع بالقوة والسلاح بقيادة المشير عبدالله السلال ومعه القيادة المصرية في اليمن، حسبما تذكر الوقائع. ودعم الشيخ عبدالله موقف الشهيد الزبيري وإخوانه من العلماء والمشائخ والضباط، وتحولت مدينة (خمر) – المركز القبلي والعسكري الذي كان يواجه الملكيين- إلى قبلة للعلماء والمشائخ والضباط الملتفين حول الاستاذ الزبيري في دعوته إلى السلام وإصلاح ذات البين وتنقية النظام الجمهوري من الممارسات السلبية التي أساءت للثورة والجمهورية.

كما أسهم الشيخ عبد الله إسهاماً كبيراً في الإعداد والتنفيذ لحركة 5 نوفمبر التصحيحية 1967م التي أنقذت ثورة سبتمبر من الانهيار وفتحت الطريق أمام الانتصار والسلام. وكان الشيخ عبدالله من أبرز المنتقدين لسوء إدارة الدولة وانتشار مظاهر الضعف في مواجهة الفساد الإداري والمالي وعمليات التخريب الدموية التي نشرت الخوف والرعب في صفوف المواطنين وبددت ثقتهم بالدولة في عهد القاضي عبدالرحمن الإرياني ولا سيما في السنوات الأخيرة.

بعد ذلك وافق الشيخ عبدالله على عملية انتقال السلطة سلمياً التي قام بها العميد ابراهيم الحمدي في 13 يونيو 1974م بعد استفحال الأزمة السياسية في البلاد. ودعم العهد الجديد باعتباره فترة انتقالية يتم فيها إنقاذ البلاد من السلبيات التي كانت تعاني منها ولا سيما في المجالين الأمني والاقتصادي ولكن البلاد سرعان ما دخلت في مرحلة جديدة من التوتر السياسي بسبب النزوع الفردي والرغبة في الاستفراد بالسلطة والتسويف في إعادة الحياة الدستورية، من وجهة نظر الشيخ الأحمر. ولم تمض سوى عشر سنوات في عهد صالح حتى قامت الوحدة، كان الشيخ خلالها صاحب مواقف قوية ومشهودة، وكلمة مسموعة.

عقب قيام دولة الوحدة، وإقرار التعددية السياسية والحزبية تبنى الشيخ الأحمر الدعوة إلى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح واختير رئيساً لهيئته العليا منذ التأسيس حتى العام 2008م.

ها هو التاريخ يعيد نفسه، فبعد وفاة الشيخ الأحمر، تولى الشيخ صادق زعامة حاشد وسط دعم ومؤازرة إخوانه العشرة وأبناء الشيخ مجاهد أبو شوارب، وبقية مشايخ حاشد. وقد توزع الأبناء أدوار والدهم المرحوم الذي يعد بحسب معاصرين أقوى شخصيات حاشد وآل الأحمر على مدى خمسة قرون. وقد أبلى المشايخ الشبان بلاء حسنا في أوساط الشباب والأحزاب والقبائل والمنظمات وسط اتهامات لهم بالنزوع إلى السيطرة وحب الظهور، في الوقت الذي ظل العشرة يعانون من حرب سلطوية شاملة، خفية وظاهرة. وبحسب فإنه لا يرى أي إشكالية في بروز أسرة آل الأحمر، والمتأخرين منهم على وجه الخصوص، ومشاركتهم الفاعلة في هذه الثورات، بل ولا خوف من سيطرتهم عليها بعد نجاحها، كونهم لا يرغبون في ذلك، ولديهم من الجاه والمال والرجال ما يرغبهم في العزوف عن تحمل أعباء سلطة هم في غنى عن غرمها وغنمها في آن واحد.

وفي معرض الرد على آلة إعلام السلطة التي كرست لتخويف الثوار من مآل السلطة إلى أحد أنجال الأحمر أو اللواء علي محسن الأحمر في حال نجحت الثورة الشعبية، أكد الشيخ صادق في عديد مرات وقف فيها على منصة ساحة التغيير أنه مع الشباب وأنه جندي من جنود الثورة، ومثله اللواء الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع. وأكد الشيخ حميد من جهته عن عدم رغبته في تولي السلطة أو أي منصب سياسي، أسوة بوالده الذي كان بإمكانه الجلوس على كرسي السلطة في الوقت الذي يريده. وفي ذات السياق خرج الشيخ حسين الأحمر على الملأ في حشد جماهيري كبير ليعلن أنه سيكون أول الواقفين ضد أخيه حميد فيما لو انتوى الترشح لمنصب الرئاسة. يبدو أن أبناء الأحمر يسعون أكثر من غيرهم لتأمين حياة كريمة ينعمون خلالها بما تتوفر لديهم من إمكانات العيش الرغيد، الذي حرموا جزءا منه بسبب الضغط الحكومي المتواصل عليهم على عدة جبهات.

الحديث كما يبدو من عنوانه ليس دفاعا عن هذه الأسرة إذ ليست في قفص الاتهام، كما أنه ليس انحيازا إلى صفهم في مواجهة ما يتعرضون له اليوم من هجمات على كافة الأصعدة، وإن كان ذلك استحقاقا وطنيا لهم كأي أسرة يمنية تتعرض لما تعرضوا له من وحشية وهمجية. إلا أن ما دفعني لتسطير هذه الأحرف ونقل بعضها من مظانها حرفيا، هو الخوف من تكرار سيناريو ما تعرض له جدهم على بن قاسم وما تعرض له بعد ذلك ناصر بن مبخوت، ثم جدهم حسين بن ناصر وعمهم حميد بن حسين الأحمر رحمهم الله وكافة أحرار اليمن.

رغبة أطراف في السلطة إلى تخريب الثورة وتحويل مسارها السلمي عبر بوابة بيت الأحمر، دفعني إلى هذا القول وأثار في نفسي هذه الخشية، بعد أن سلموا الراية كغيرهم من قيادات وقبائل اليمن الكبيرة للشباب والخضوع لما ستنتجه ثورة الشعب من إبداعات يمنية خالصة تنقل البلاد إلى مصاف دول العالم التي يتساوى فيها الناس في كافة الحقوق والواجبات.

إن ما تعرض له الشيخ صادق الأحمر وإخوانه من قصف وتدمير ووحشية وحصار بكافة الآلات العسكرية التابعة للدولة، هو أبشع وأفضع ما يمكن أن يتعرض له أي مواطن يمني. سيما مجزرة قصف لجنة الوساطة في 24 مايو 2011، التي كنت أحد شهودها والتي لولا لطف الله على من كان متواجدا بصفة عامة، وأبناء الشيخ عبد الله خصوصا، لتكرر السيناريو الذي أبديت خشيتي من وقوعه، كونه سيجر البلاد إلى ثارات ومشاكل لا تحمد عقباها. برغم التعقل الذي أظهره أنصار وقبائل المشائخ الذين لقوا ربهم وسطاء بين النظام وبين صادق الأحمر وإخوانه.

قناة سهيل التابعة للشيخ حميد الأحمر، ومطابع الآفاق، ومنازل كل من صادق وحميد وحمير وعلي محسن الأحمر تعرضت لشتى صنوف وألوان التدمير والحصار والنهب، وهاهم الأبناء يتعرضون للقتل العمد، والإحصائيات تتحدث عن عشرات ومئات القتلى وآلاف الجرحى وملايين الدولارات من الأموال العينية والنقدية والحصار الجائر على الأموال والممتلكات والشركات.

وفي الأخير أتساءل عن نسبة تحقق هذه الخشية إزاء ما قامت به مختلف قبائل اليمن من دعم ومؤازرة لهذا البيت اليمني الأصيل، وهذه الحشود الكبيرة التي تزاحمت على مداخل صنعاء بالآلاف للنصرة ودعم خيار التغيير السلمي الذي أراد الحاكم تحويله إلى قضايا شخصية، بينه وبين أبناء الشيخ عبد الله، وربما ما حصل في دار الرئاسة بالأمس القريب، يعد أحد الحفر التي ظل النظام يحفرها لشعبه فوقع في أكبر حفرة فيها والله أعلم.

Gom1978@gmail.com


في الجمعة 28 ديسمبر-كانون الأول 2012 06:35:16 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=18603