صنعاء.....
د. محمد جميح
د. محمد جميح
   بمَ التـَّعللُ لا لحنٌ ولا طربُ

ولا حبيبٌ ولا شعرٌ ولا أدبُ

الشعرُ في القلبِ قد جفــَّتْ منابعـُهُ

واللحنُ في خاطري المكلومِ ملتهبُ

والحبُ ما الحبُ في قلبي مرارتُــهُ

وكأسُـهُ في مهبِّ الريح مـُنقلبُ

وكيف أهوى وفي الأحشاءِ لي وطنٌ

مُغرَّبٌ في فؤادٍ فيهِ مـُغتربُ

"ماذا أحـدثُ يا صنعاءُ" عنكِ إذا

سئلتُ عنكِ وماذا تحملُ الكتب

أما تزالين يا صنعاءُ في وطني

"مليحةً عاشقاها السُّـلُ والجربُ"

كم طابَ من دائه من مـُدنفٍ تـَعـِبٍ

وما شُـفيتِ فيا صنعاءُ ما السببُ

تموتُ في قلبكِ الأزهارُ من ظمأٍ

والماءُ جارٍ وتهمي فوقكِ السُّحُـبُ

وعالمُ النورِ يسعى في حضارتهِ

وأنتِ في حـُضْنِ "نـُقْـمٍ" وهو مُنـْتـصِبُ

والأوجهُ الغُـرُّ قد لاحتْ مُـنورةً

وأنتِ وجْـهُـكِ بالقـطـْرانِ مُنتقـبُ

أما ترين جبينَ الصبحِ مُـنْـبلجاً

بالنُّورِ من مُـقَـلِ الآفاقِ ينسكـبُ

أما تشوقكِ يا صنعاءُ أغنيةٌ

للفجرِ يرقصُ من أيقاعها الطَّـربُ

أما ارتشفـتِ كؤوساً في عُـصارتـِها

سِرُّ الحياةِ ومنها يسكرُ العـنبُ

أما اغتسلتِ بماء الخُـلْـدِ حيث جرى

ينبوعُهُ من شفاهِ الطُّـهرِ ينْـثَعِـبُ

أما يثيرُ نداءُ العَصْرِ فيك صدىً

أما يهزُّكِ ركبٌ خافـقٌ يـَثِبُ

دوَّتْ حواليكِ أقدامٌ مُجنَّـحةٌ

أما يُـفيقُـكِ هذا الخَـفْـقُ والصَّخَـبُ

صنعاءُ يا ثوبَ ماضٍ ما لهُ أثَـرٌ

ويا غـِلالةَ حالٍ ما لهُ أرَبُ

ويا خُـرافة مجدٍ بائـدٍ وقَـفَـتْ

على طلولِ بِـناهُ تضحكُ الحِقَـبُ

يَـمدُّ أمسُـكِ ذيلاً لا انتهاءَ لهُ

ورأسُ يومكِ خلفَ الذيلِ مُحْـتجبُ

صنعاءُ يا طبلة في كفِّ شاحذةٍ

لها النقودُ وفيكِ الضربُ والعَـطَـبُ

كمْ قيلَ باسمكِ من قولٍ وكمْ نُـسِجَـتْ

على منابركِ الأشعارُ والخُـطَـبُ

وكمْ إمامٍ ترقَّـى فيكِ مَـنزلةً

بِـبـُردةٍ تحتها التضليلُ والكذبُ

إن الأئمة يا صنعاءُ ما رحلوا

وفيكِ ما زالتِ الأوثانُ والنُّـصُبُ

إن ماتَ أحمدُ ما ماتتْ إمامتُهُ

وقد تعهَّـدها أبـناؤهُ "النُّـجُـبُ"

واليومَ ألفُ إمامٍ بعدَهُ حَـكَـمُوا

ظلماً وألفُ أميرٍ بعـدهُ غصبوا

صنعاءُ فيكِ غواياتٌ وسَـفْـسَـطةٌ

وفيكِ جهلٌ وفيكِ القيدُ والحُجُبُ

وفيكِ فكرٌ عـقيـمٌ لا حيـاةَ بهِ

مُعَـلَّـبٌ أفسدتْ مضمونَهُ العُـلَـبُ

وفيكِ قـومٌ لو اهتزتْ ذُرى "نـُقـُمٍ"

أو مادَ "عيبان"ُ ما مادوا ولا اضطربوا

وفيك رقصٌ وطبالـون شُـغلُـهُمُ

أمام بابكِ جمعُ المالِ واللعـبُ

صنعاءُ يعبدُ فيكِ الفرسُ نارَهُمُ

وفيكِ تسعى إلى أصنامِها العربُ

وفيكِ أبرهةُ الأحباشِ مـُحتبياً

في كفـِّهِ الكأسُ والأحباشُ قد شربوا

وفيكِ من كلِ شرعٍ سُنَّـةٌ سلفتْ

ما جاءَ في الكُتْـبِ أو لم تحوِهِ الكُـتُـبُ

شـرعٌ مريضٌ وعُرفٌ كُلُّهُ خبَلٌ

رأيٌ سـقـيمٌ وأمرٌ كلـُّهُ عَجَبُ

صنعاءُ هذا عِتابٌ كُلُّـهُ ألـمٌ

وهذهِ زفـرةٌ في جوفِـها عَـتَبُ

وذا حديثي على ما فيهِ من حُـرَقٍ

نزعتُـهُ من فؤادٍ كلُّـهُ لَهَـبُ

وكيفَ أصنعُ يا صنعاءُ من وَحَلٍ

حِلىً لجيدكِ ما في أرضِنِا ذَهَبُ

وكيف أبعثُ من قيثارتي نَـغَـماً

حـلواً وأوتارُها بالحُـزنِ تضْطَـربُ

وكيف أضحكُ في قلبي بكى وطني

حزناً وخلفْ ضلوعي الشَّعبُ يَـنْـتَـحِـبُ

صنعاءُ يا هَـمَّ قلبٍ لا يُـفارقُـهُ

والقلبُ منهُ ثقـيلُ الخَـفْـقِ مُكُـتئبُ

حملتُ هـمَّكِ في قلبي فَـأرَّقَـني

وهـدَّهُ الخَـفْـقُ والتَّـنْـهـيدُ والتَّـعَـبُ

عسى تـلوحُ بهـذا الليـلِ بارِقةٌ

وتقدحُ الفـجـرَ في آفاقـِنا الشُّـهُبُ 

* كتبت عام 1994 قبيل الحرب

  
في السبت 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 07:50:41 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=18156