صهاريج عدن.. تاريخ عريق وجمال لا يضاهى
ايمن بجاش وبسام عبدالسلام

 مأرب برس ـ عدن ـ ايمن بجاش وبسام عبدالسلام

تعد " صهاريج الطويلة " بعدن من ابرز المعالم التاريخية والسياحية التي يحرص على زيارتها الزوار المحليين والسياح الاجانب القادمين الى مدينة عدن وتدل على عمق الحضارة اليمنية القديمة التي قامت على هذا الجزء الغالي من الوطن.

واختلفت المصادر التاريخية في تحديد الوقت الذي تم فيه بناء صهاريج الطويلة، فلم يج د الدارسون والباحثون الأثريون أي سند أو نقوش او دلالة تشير الى تاريخ بنائها، ولكن القول الغالب أن بناءها مر بمراحل تاريخية متعددة كان اولها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد السبئيين .

وتقع صهاريج الطويلة في مدينة كريتر بمديرية صيرة وتحديدا بوادي الطويلة على امتداد خط مائل من الجهة الشمالية الغربية للمدينة التي تقع أسفل مصبات هضبة عدن المرتفعة حوالي 800 قدم عن سطح البحر.

وتأخذ هذه الهضبة شكلاً شبه دائري حيث يقع المصب عند رأس وادي الطويلة وتتصل الصهاريج بعضها ببعض بشكل سلسلة وقد شيدت على مضيق يبلغ طوله 750 قدماً تقريباً، ويحيط بها جبل شمسان بشكل دائري مع وجود منفذ يؤدي لمدينة كريتر .

تسميتها ووصفها

وكلمة ( صهريج ) لفظة مستعربة من اللغة الفارسية وتعني : حوض الماء.

واشار عدد من المؤرخون والرحالة الى ان كلمة "صهاريج" قد تعني عدد من المسميات التي يقصد بها مكان حفظ المياه، فقد وصفها الهمداني في كتابه صفة الجزيرة العربية أثناء تناوله لتاريخ مدينة عدن بانها (بؤرة) والبؤرة في لغة القواميس هي"الحفرة" .اما ابن المجاور فقد بين معنى صهريج في كتابه تاريخ المستبصر بانها عمارة الفرس عند بئر الزعفران وقصد بها حوض المياه .. فيما قال الرحالة العربي ابن بطوطه في كتابه تحفة النظار بعد زيارته لمدينة عدن (... وبها صهاريج يجمع فيها الماء ايام المطر ...) .فيما وصفها الرحالة والأديب اللبناني أمين الريحاني بان (هذه الخزانات من أجمل الأعمال الهندسية في العالم ) .

وتعد صهاريج الطويلة مأثرة معمارية هندسية تبرهن على مابلغه الإنسان اليمني القديم من رقي وتقدم في ابتكاره لما يلبي احتياجاته في العصور القديمة، فكما استطاع بناء السدود والمدرجات الزراعية الجبلية بنى كذلك- الصهاريج كنظام مائي متطور لبى احتياجات عصره واستمرت حتى اليوم شاهداً حضارياً يستمد منه شعبنا اليمني في العصر الحديث دروساً وعبر.

ولصهاريج الطويلة اهداف متعددة تختلف عن اهداف الصهاريج الاخرى التي اقتصرت وظيفتها على خزن المياه وحفظها .. فصهاريج الطويلة تقوم بتوفير المياه وجمعها لتكون في متناول المستهلك وهو نظام يكشف عن براعة فريدة في كيفية تلقف الماء عبر جدران حاجزة منحوتة بصخور الجبل أو مبنية بالحجارة والقضاض تقوم بثلاث مهمات تلقف الماء، وحجز الحجارة والطمي الساقط مع الشلالات ، وتوجيه الماء عبر سلسلة من هذه الجدران لتصريفه إلى حيث تكون الحاجة .

ويغفل البعض عن وظيفة الصهاريج الاساسية والهامة في نفس الوقت والمتمثلة في حماية المدينة من كوارث السيول والامطار لامتصاص حدة اندفاعها وحفظ المياه في الصهاريج للاستفادة منها في اعمال الري وتغذية الابار الجوفية .

ويقدر الباحثون عدد صهاريج الطويلة بنحو 50 صهريجا معظمها مطمور تحت الأرض او اصابه الخراب، وما هو قائم منها لا يزيد على 18 صهريجا فقط تستوعب نحو 20 مليون جالون وتستقبل صهاريج الطويلة سنويا عشرات الاف من الزوار والسواح العرب والاجانب لغرض الاطلاع على مكوناتها المدهشة وخزاناتها ومتحفها .

تحفة صنعها الانسان

خلال تجوال مندوبي وكالة الانباء اليمنية (سبأ) في صهاريج الطويلة استطلعا آراء عدد من السياح العرب والاجانب حول الصهاريج، حيث قال سائح سعودي "ان صهاريج عدن تحفة صنعها الانسان وتفنن في اقامتها في ارض الرحمن" .. مشيرا الى ان اليمن تحظى بحماية الله في كل زمان لما تمتاز به اليمن من حب للايمان وابناءها من حكمة ورجاحة عقل .. مذكراً بقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "الايمان يمان والحكمة يمانية" .

صهاريج عدن فن معماري نادر

وقال سائح قطري يزور عدن لاول مرة "ان الصهاريج بناء عظيم ونادر وهي تفيد الماضي والحاضر وستفيد المستقبل .. وحث على الاعتناء بها والمحافظة عليها فنادرا ما توجد في الدول مثل هذه الصهاريج التي تفيد في اوقات الجفاف" .. مشددا على ضرورة الاعتناء بنظافتها حتى تكون صالحة لتلبية كافة الاحتياجات المعيشية .

ووافق السائح البريطاني رأي السائح القطري من حيث النظافة فاضاف قائلا " يجب الالتفات والاهتمام بنظافة الصهاريج حتى تكون مكان للجذب السياحي.

ارض طيبة ورب غفور

زائر مصري قال "اعتقد ان قوله تعالى (ارض طيبة ورب غفور) عنت مدينة عدن لما تتمتع به من معالم تدل على انها كانت مدينة لا ينضب منها الماء لوجود صهاريج الطويلة العظيمة ..واضاف: قال عز وجل في اية اخرى (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ) فمع ما تتمتع به المدينة من موقع جغرافي استرتيجي على مدخل باب المندب تجذب الطامعين اليها فهي ايضا مدينة تتمتع بهذه الصهاريج التي يمكن ان تمد جيش جرار بما يكفيه من الماء دون ان ينضب" .

الاجداد كانوا يفكرون جيداً

عدد من السواح اليابانيين اشاروا وهم يتطلعون لمعالم عدن الى ان الصهاريج تحفة معمارية وهندسة بنائية تدل على حنكة اليمنيين الذين كانوا يفكرون جيدا .. منوهين الى ان الصهاريج ستخدم اليمن مستقبلا في حال وجود ازمة مياه.

واضافوا "زرنا عدن اكثر من مرة ولا يمكن ان نخرج منها دون زيارة الصهاريج للتعرف على حالها ورؤية منسوب المياه فيها ولدينا صور كثيرة في الصهاريج ونتحدث عنها في بلادنا على انها ميراث الاجداد للابناء في اليمن .

اتمنى لو كانت الصهاريج في بلادي

من جانبه تمنى سائح ايطالي ان تكون هذه الصهاريج في بلاده حتى يتسنى له الاعتناء بها والمساعدة على نظافتها .

واضاف "انا احب هذا المكان وزرته اكثر من مرة ويشعرني بانه مكان للتفكر في صنع الانسان وكيف ان الرب سخر له العقل ليصنع مثل هذه الخزانات التي تحميه من العطش والجفاف .

زوجه السائح الايطالي اضافت على كلام زوجها قائلة "اتمنى من المسئولين ان يهتموا بنظافة هذه الصهاريج العظيمة والخزانات العملاقة فقد زرت الصهاريج مع زوجي اكثر من مرة واعجبت بطريقة عمارة هذه الاحواض " .

فيما قال عدد من اعضاء فوج سياحي نيوزلاندي "الصهاريج جميلة ونحن نعشق هذا المكان ونحب زيارته على الدوام ونشعر عندما نكون هنا ونرى هذه التحفة ان الانسان اليمني يتمتع بتفكير راقً وينظر الى المستقبل ..

الجهود المبذولة للاعتناء بالصهاريج

هناك جهود دولية ومحلية لاعادة تاهيل الصهاريج وبما يمكنها من استعادة دورها المزدوج كمعلم تاريخي اثري ذي ابعاد سياحية من ناحية، وكأداة وظيفية لخزن وتصريف مياه السيول والامطار كما تقوم السلطة المحلية في المحافظة باعمال الترميمات والصيانة لهذه الصهاريج من خزانات وممرات داخلية والحديقة الموجودة فيها بالاضافة الى تقوية الانارة .

وكانت الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية بالتعاون مع شركة بريطانية قد عملت على تنظيف قنوات تصريف المياه التي تمتد من الصهاريج مرورا بوسط المدينة وانتهاءا بساحل البحر من الاتربة والاحجار ومخلفات السيول التي تراكمت عشرات السنين وبلغت تكاليف هذا العمل مليون ريال، بالاضافة الى تنظيف الصهاريج من تراكمات الأتربة، حيث جرى رفع عشرة آلاف طن من المخلفات بتكلفة بلغت 120 ألف دولار .. كما قامت الهيئه اخيرا باستيراد 15من أجهزة القياس الجوي المتطورة التي ستعمل على رصد تراكم السحب الممطرة ومعدلات هطولها وكميات المياه الناتجة عنها، وبالتالي اعداد الصهاريج وتشغيلها بناء على ارقام ومعلومات دقيقة.

وتسير اعمال تأهيل صهاريج الطويلة قدما في اطار برنامج عمل ميداني أعده خبراء من منظمة اليونسكو والبرنامج الانمائي للأمم المتحدة، كجزء من حملة دولية تهدف الى اعادة تأهيل هذه المستودعات للاستفادة منها وظيفيا وسياحيا.

المصدر: سبأن


في السبت 07 إبريل-نيسان 2007 08:17:15 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=1488