لله ثم للتاريخ .. مرة أخرى حول القضية الجنوبية
احمد طه خليفة
احمد طه خليفة
 

يفترض بمن يتصدون لقضايا الفكر والسياسة والدين أن يكونوا على مستوى عال من القدرة على فهم ما استغلق على عامة الناس فهمه ..ويفترض بهم أن يكونوا على مقدار طيب من تفهم هموم مواطنيهم مهما اختلفت مشاربهم ومهما تعارضت مصالحهم مع ما قد يطرح هنا أو هناك مما قد يتضاد مع توجهاتهم الفكرية ورؤاهم السياسية .. ويفترض بهم كذلك أن يكونوا متوازنين في طرح فكرهم وتقديم خلافهم ودفاعهم عن برامجهم وردهم على مخالفيهم ..ومهما طرأ من مستجدات في سير الحوادث من حولهم وكانت لهم بعض الإضافات لسابق طروحاتهم أو حتى التخلي عنها واتخاذ مواقف جديدة تواكب المتغيرات إلا أن هذه النخبة المفكرة يجب مع ذلك أن تحافظ على مستوى من التوازن الفكري والثبات النفسي الذي لا يجعل ما تقدمه للناس مليء وحافل بالاضطراب والتناقض والجهل وربما عدم فهم بسيط الأمور وواضح الأشياء والتي إذا حاول المرء أن يبحث لها عن شروح وتفسيرات كان كمن فسر الماء بعد طول الجهد بالماء!! وبخاصة إذا تبوأ بعض هؤلاء مناصب سياسية أو اجتماعية أو أكاديمية.. إلا إذا كانوا نتاج مجتمعات لم تفرز نخب حقيقة ولم تستطع أن تضع أحدا على درب الوصول إلى بوابة النخبة والسير من خلالها خطوة خطوة نحو الطريق الصحيح..

لقد أثبتت كتابات بعض الكتاب وبعض المعلقين على بعض كتاباتي في الأسابيع الماضية أنهم فعلا بحاجة لأن تشرح لهم الكلمات وتفسر له الألفاظ بوسائل مدرسات الحضانة والسنوات الأساسية الأولى مع أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم النخبة وينظر لهم المجتمع نظرة إعجاب وتقدير .. وكبف يمكن ان يكونوا كذلك وهم نتاج مبتعث لدراسة الهندسة وهو خريج أدبي أو مرسل إلى روسيا لدراسة العلوم السياسية وهو حاصل على الإبتدائية..

ولقد آليت على نفسي منذ سنوات ألا أرد على احد مهما كانت إساءاته ومهما كانت تجاوزاته .. ولا أرد إلا عندما أستشعر أن هناك سوء فهم وعدم إدراك لدى من رد علي فأعمل على توضيح ما استغلق فهمه لمن لم يمتلكوا قدرة الفهم البسيط لما هو واضح المعنى سهل المبنى مما أكتبه..

وعندما أنتقد في كتاباتي أي ظاهرة من الظواهر أو أي فكرة من الأفكار فإني أسعى جاهدا ألا أتناول اسما بعينه إلا إذا كنت مضطرا للتعليق على فكر تبناه هو وعمل على نشره بين الناس وليس للإساءة إليه أو لشخصه أو لأسرته أو منطقته .. لكن حقائق التاريخ لا يمكن أن تنسى كما لا يمكن للفكرة المنطلقة من رأس أحد من الناس والمنتشرة في وسائل النشر أن تمر دون أن تؤثر سلبا أو إيجابا وهو يتحمل وزر كلمته أمام الله ثم أمام التاريخ ..

في عام 1994 م وصلت حدة الخلاف بين شركاء الوحدة ذروته ودخلوا في حرب مدمرة وانتظر علي سالم البيض وفريقه حتى لاحت علائم الهزيمة في الحرب ثم أعلنوا الانفصال وربما لو خسر علي عبدالله صالح الحرب أو كان مكان البيض لفعل نفس فعله .. ولقد عمل الفريق المنتصر عل الخلافات المناطقية والقبلية فأشعلها وربما هو حركها لتشتعل مرة أخرى وتقوم من تحت الرماد فالنفوس لم تكن قد طابت بعد..ووقفت معه قيادات قديمة سياسية وعسكرية جنوبية وباركت موقفه في الحرب ودافعت عنها وشاركت فيها ثم باركت اتفاقية الحدود مع السعودية بكل ما فيها من تنازل عن كل الأراضي الجنوبية المحتلة وتنازل عن معظم ما تبقى من أراض شمالية نظير لاشيء يعود للوطن الموحد أو للجنوب الخارج من حرب مدمرة .. ثم شاركت قيادات منها في تثبيت نظام صالح والعمل على فرز أبناء الجنوب وزيادة جراحاتهم وماعدا قيادات محدودة في الحزب الاشتراكي شارك معظم القيادات الجنوبية في ظلم واقع على أبنائهم وإخوانهم من حولهم .. فلا هم صححوا أخطاء ما قبل الوحدة ولا هم صححوا أخطاء ما بعدها وكان لمواقفهم أثرها في إضعاف ما تبقى من بنية اجتماعية جنوبية هشة كما أن تلك المواقف أفقدت إخوانهم المظلومين على طول وعرض المحافظات الشمالية من أي بارقة أمل لإصلاح الأوضاع أو وجود من يسند ظهورهم في محنتهم المستمرة أو يمد يدا تساعدهم على الوقوف بعد عثرتهم الطويلة..

ثم جاء الدور على كل هؤلاء وعلى غيرهم عندما بدا النظام يتخلص منهم ويرميهم واحدا واحدا من فوق دبابته التي ساهموا في قيادتها فتذكروا بعد حوالي 12 سنة أو تزيد أن هناك ظلما يقع على الجنوبيين وأن هذا الظلم يجب إزالته.. هنا تعاطف معهم الجميع في كل أرجاء الوطن وساندوا احتجاجاتهم وشاركوا فيها لكنهم سارعوا في مطالبهم وعملوا على تزييف الحقائق التاريخية والإساءة لكل إخوانهم .. وخرج البعض من القبور باحثين عن مكاسب قد تعيد لهم ما خسروه وأصبحت الشعارات تلقى في المنصات والمواقع الاليكترونية والمطالب ترتفع ولا يستطيع أحد أن يعترض ومن يعترض أو يناقش يتهم بالعمالة والابتزاز والخيانة..

وخلال أربع سنوات أو تزيد استمر ذلك التسليط على القضية الجنوبية وكانت التعليقات للأسماء والشخصيات الوهمية تمتلئ بها المواقع والقنوات والأموال لنقل المتظاهرين من محافظة إلى أخرى تدفع وفرض على كل الجنوبيين حالة من الإرهاب الفكري حتى أن أحد كبار السن من أبناء عدن أخبرني ذات يوم أنه لا يستطيع أن يعبر عن رأيه الرافض لكل تلك الأفكار في المقهى أو الشارع خوفا من ان يعتدي أحدهم عليه أو تحدث مستجدات تحقق مطالب هؤلاء ويجدهم ينتقمون منه ومن أبنائه في بيته كما كان يحدث في الماضي..

ثم جاءت ثورات الربيع العربي ومنها الثورة اليمنية المباركة فوجه هؤلاء سهامهم نحو الثورة والثوار وتركوا الحديث عن النظام المتهالك ووجوب المشاركة في الثورة عليه إلا قليلا .. ومع انخراط عشرات الآلاف من الجنوبيين في الثورة المباركة وانحسار المشاركين في فعاليات الحراك عاد أوصياء الماضي مرة أخرى لتقديم أنفسهم ولكن بصور جديدة فيها الكثير من الالتباس والتدليس على الناس بمشروع الفدرالية من إقليمين واجتماعات هنا وهنا ومقالات هنا وهنا.. وكثير منهم عندما يقول أنا أريد كذا ولغيري الحق في كذا فهو يستند إلى مركز سياسي يجعل قوله أنا كنحن ويجعل وزن أنا بوزن الكثير من الجماهير .. بينما نحن التي أقولها أنا أو غيري ربما تعبر عني وعن أخي .. ربما تعبر عن مئات الآلاف الذين لا يتحدث أحد عنهم ويعتبرهم البعض كمالة عدد.. بل ويستكثرون عليهم الحديث عن قضاياهم أيضا في بضع كتابات هنا أو هناك.. بل ويحاولون منعهم من الحديث وبأي وسيلة..

وعندما قام بعض الكتاب من جنوب اليمن معبرين عن أراء تخالف ما ذهب إليه أولئك وعبروا عن آلام تعمد أولئك محوها من التاريخ وآهات حاول أولئك تزييف معانيها ولقت كتاباتهم القبول والتأييد وبدا أن هناك محافظات استفاقت ومناطق استيقظت بعد أن أدخلت في غرف الإنعاش منذ عام 1967 م وكتب عليها الموت السريري الإجباري قامت قائمة الأوصياء القدامى والجدد وراحوا يكيلون لنا السباب والشتائم والقذف بكل الأنواع .. وماذا نتوقع أن يرد أولئك بغير ذلك لأن آلامنا تجرمهم وآهاتنا تدينهم وأحلامنا لمستقبل أبنائنا تروعهم.. كيف سيبقون في وصايتهم والواحد يكتب سطرين في تعليق لا يستطيع أن يفرق فيه بين الحروف الصوتية والكتابية والكثير يظهرون في القنوات الفضائية ولا يستطيع الواحد أن يركب ثلاث جمل متتالية باللغة العربية البسيطة إلا من رحم ربي وهم كانوا ومازالوا سياسيين وأكاديميين وقادة عسكريين كما يقولون فكيف أصبحوا كذلك؟؟.. ولقد بالغوا في الفجر في الخصام فأظهروا عوار وزيف المدنية الكاذبة التي عملوا على ترويج أكذوبة وجودها ..

لقد وصلت حدة الإساءات إلى درجة الخوض في الأعراض والأنساب ولصق المعلومات الكاذبة وادعاء التاريخ المظلم وإلقاء الاتهامات ..وقد مارسوا كل معاني الكذب والبهتان والنفاق والفجور في الخصومة وهم مستمرون في ذلك ليل نهار .. بل إن بعضهم وظف نفسه لتتبع كتاباتنا والتعليق عليها بالإساءة في كل المواقع .. بل إن لي بعض الكتابات التي نقلت إلى بعض المواقع والمنتديات حتى يتم فيها الشتم على الأصول الحراكية وبمزاج جهوي مناطقي قميء ..

ومطلبنا بسيط جدا وهو أنكم لا يحق لكم الحديث عنا دون أن تقبلوا الحديث عن قضايانا.. وأن القضية الحقيقة هي إصلاح مسار الدولة منذ الثورة في 1962 م و1963 م والمشكلة التي يجب بحث حلول لها هي بناء دولة مدنية حقيقة لكل اليمنيين في كل أنحاء البلاد تحفظ فيها خصوصياتهم وتتساوى فيها مواطنتهم ونحن – أنا وأخي وبعض الناس الذين يشملنا الضمير نحن – نرى أن حل الفدرالية الذي يشمل كل محافظات الوطن هو الحل الأمثل للمستقبل في البلد وأن التصالح والتسامح وفق الشرع والقوانين والأعراف ملك خالص لأصحاب الحقوق التي هي الدماء والأموال والأعراض والسنوات الضائعة من أعمار من نجى فهل مثل هذا بحاجة إلى إعادة شرح؟؟

طيب.. هناك قتل لعشرات الآلاف منذ 1967 وهناك قتل للآلاف منذ 1994

ماذا يعني هذا يا شطار ؟؟

يعني أن القاتل هو القاتل لا يجب ا ن يعطى حصانة ولا أن يوصف بأنه الزعيم الملهم أو التاريخي أو الشرعي ولا يجب أن يتم إعادة زمرة من القتلة وطغمة من السفاحين إلى مركز القيادة مرة أخرى على الأقل مراعاة لمشاعر شركائكم في الوطن وأصحاب الحقوق وأولياء الدماء.. هل فهمت النقطة؟؟

حسن.. هناك فصل لعشرات الآلاف من وظائفهم وملاحقتهم وتهجيرهم أو سجنهم وتعذيبهم بما يعبر عن فترة تاريخية كاملة وهناك أعمال تسريح مبكر وخليك في البيت طال عشرات الآلاف أيضا.. أيهما كان أشد وأخطر أيها المنصفون؟؟

بمنتهى البساطة يا من تتهم مخالفك بالإرهاب الفكري والابتزاز السياسي أنت جزء من مكون أقبل بالعيش معه ولست كل المكون الذي يجب أن أعيش معه.. اللهم هل بلغت ..اللهم فاشهد اللهم فاشهد اللهم فاشهد..

وآخر كلامي أن كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا الرسول الكريم.. و أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ..وأن ما جاء في كلامي من صواب فمن الله تعالى منة وكرما وما جاء في كلامي من خطأ فمني ومن الشيطان ..وآخر دعوانا ربنا آت نفوسنا تقواها و زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.. اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها .. والحمد لله رب العالمين..


في الأحد 08 يناير-كانون الثاني 2012 07:24:53 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=13228