ديمقراطيتان متناقضتان.. وقفة للتأمل
د. عادل صالح بن ناصر
د. عادل صالح بن ناصر

عندما استلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002 عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة كان واقع الاقتصاد التركي في تدهور مستمر وكانت تركيا حينها تحتل المرتبة 27 على مستوى الاقتصاد العالمي، ولكن بصعود هذا الحزب الذي يظم في صفوفه الكثير من الرجال المخلصين ـ أمثال رجب طيب أردوغان ـ تمكنت تركيا من التخلص من إرثها الاقتصادي الثقيل الذي خلفه النظام السابق، حيث استطاع أردوغان بنزاهته وكفاءته وخبرته أن ينهض بالاقتصاد التركي وينقذه من الانهيار الذي كان ينتظره، فارتفع دخل الفرد ونزلت نسبة التضخم وأسعار الفائدة لمستويات تاريخية وأصبح عجز الميزانية المتواضع ونسبة الدين العام الضئيلة مثار حسد من كثير من دول الاتحاد الأوروبي المتخبطة.

وواصل أردوغان وحزبه مسيرهم نحو الرقي بهذا الاقتصاد وأستطاع أن يقفز بالاقتصاد التركي قفزات هائلة فكافأه الشعب التركي وأعاد انتخابه للمرة الثانية في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2007، ووفاء لهذا الشعب عقد أردوغان العزم على مواصلة مشوار النهوض والتنمية واستطاعت تركيا استعادة مكانتها الإقليمية والدولية على كافة الأصعدة واستمر الاقتصاد التركي في الصعود بخطى ثابتة حتى وصل هذا العام 2011 إلى المرتبة السادسة عشر عالميا والسادسة على المستوى الأوربي، وها هو الشعب التركي يبادل حزب العدالة والتنمية الوفاء بالوفاء ويمنحه الأغلبية في الانتخابات الحرة والنزيهة التي جرت يوم الأحد 12 يونيو 2011 لتضرب تركيا للعالم نموذجا يحتذى به في الممارسة الديمقراطية.

وبهذه المناسبة أجدها فرصة لدعوة جميع القراء إلى وقفة تأمل لإجراء مقارنة سريعة بين واقع الديمقراطية التركية والديمقراطية اليمنية، ولكن بكل صدق وصراحة ومسؤولية وطنية متجردة عن أي انتماء، فالجميع يعلم علم اليقين كيف كان الاقتصاد اليمني منذ أول انتخابات شهدتها اليمن بعد الوحدة اليمنية المباركة يتراجع من سيئ إلى أسوأ وأوضاع الناس المعيشية تزداد سوءا تبعا لذلك، وكان الوضع الطبيعي أن يؤثر ذلك سلبا على نتائج السلطة الانتخابية وأن تفقد المزيد من أنصارها وتفقد بالتبعية المزيد من المقاعد من انتخابات إلى أخرى، غير أن واقع الحال في اليمن يحكي عكس ذلك، فبينما اقتصاد اليمن يتدهور عاما تلو آخر نجد \\\"حزب الحاكم\\\" في اليمن يحوز في كل انتخابات على نتيجة أعلى من سابقتها ابتدأ بالأغلبية العادية عام 1993 وانتقالا إلى الأغلبية المريحة عام 1997 ومرورا بالأغلبية الكاسحة 2003 وصولا إلى الأغلبية الساحقة الماحقة في انتخابات المجالس المحلية عام 2006 والتي كان \\\"حزب الحاكم\\\" يخطط لتكرارها في الانتخابات التشريعية عام 2009 لولا تأجيل إجراء تلك الانتخابات إلى أجل غير مسمى، وفي كل دورة من الدورات الانتخابية تلك كان الاقتصاد اليمني ينحدر نحو الهاوية و\\\"حزب الحاكم\\\" يصعد نحو القمة!!.

وهنا السؤال المحير يطرح نفسه: على أي أساس كان \\\"حزب الحاكم\\\" في اليمن يقفز تلك القفزات الهائلة للأمام في النتائج الانتخابية في الوقت الذي كان ولا يزال فيه الاقتصاد اليمني يقفز قفزات هائلة للوراء؟؟!!، هل الخلل في الشعب اليمني المشارك في العملية الانتخابية؟!!، بمعنى آخر: هل الشعب اليمني لا يزال يعاني من أمية سياسية تجعله غير قادر على إدراك واقعه المعيشي المتردي وبالتالي عدم قدرته على استغلال العملية الانتخابية للتغيير نحو الأفضل؟!!، أم أن الخلل كان في العملية الانتخابية نفسها؟!!، وبعبارة أخرى: هل كانت العملية الانتخابية تتم بطريقة ديكورية خالية من النزاهة حتى كانت تفرز تلك النتائج المخالفة لما ينبغي أن تكون عليه؟!!، أم أن استئثار \\\"حزب الحاكم\\\" بالثروة والسلطة ووسائل الإعلام وسعيه إلى تحويلها جميعا لخدمة أهدافه في البقاء والصعود بدلا من السعي للصعود بالوطن نحو الأفضل هو السبب في نتائجه الانتخابية المبهرة؟؟!!، أم أن تلك العوامل السابقة مجتمعة هي السبب؟؟!!، أم أن هناك معايير آخرى تنفرد بها اليمن دون سائر دول العالم تقاس بها درجة نجاح \\\"حزب الحاكم\\\" وعلى أساسها يكون الاختيار وبموجبها تتم النتائج؟؟!!، أم أن ثمة أسرار خفية لا يعلمها إلا الراسخون في الأغلبيات المريحة والكاسحة والساحقة؟؟!!، أتمنى أن تجد تلك الأسرار المبهمة طريقها إلى الانكشاف والظهور..وكل ديمقراطية والجميع بخير.


في الجمعة 17 يونيو-حزيران 2011 05:59:14 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=10692