عبدة العجل
د. عبده سعيد المغلس
د. عبده سعيد المغلس

كتبت للشباب وثورتهم وللعالم موضحا انها ثورة وليست ازمة مقالتي ( ثورة التغيير في اليمن محاولة للفهم) وكتبت عن الرحيل وانه مخرج يحقن الدماء مقالة( كارثة عدم الرحيل) وكتبت لشعبي وشباب الثورة عن جذور المأساة واسبابها وعلاجها وحصادنا المر طوال تاريخنا مقالتي ( شباب الثورة والحصاد المر) واليوم اكتب لجيل عبدة العجل عساهم يرفعون رؤوسهم المنحنية ليستطيعوا رؤية افق الشروق القادم المبشر بتبديد ظلمات الماضي قبل ان تأخذهم سنة التيه فلا يستطيعون منها فكاكا فيخسرون الدنيا والأخرة .

ان التدبر في آيات القرآن الكريم يعطينا فهما نستطيع من خلاله ان نفهم واقعنا ونصحح اخطائنا لأن كتاب الله هو نور نهتدي به ونبدد به ظلمات الجهل والانحراف فعندما نتدبر قصة قوم موسى في القرآن الكريم نجد وصفا رائعا للحالات التي عاشها قوم موسى عليه السلام تمثلت بالمراحل الآتية:

1-مرحلة الرق والمهانة والخضوع:

ويصف القرآن الكريم تلك المرحلة بالأتي

(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ )

هنا وصف للعلو الفرعوني الذي يمارسه كل فرعون في أي زمان ومكان وكيف يفرق الناس ويمزقهم شيعا و يستضعف بعضهم وكيف يذبح ابنائهم ويستحي نسائهم و هذا هو الفساد والبلاء العظيم .

وفي اية اخرى يذكر موسى عليه السلام قومه بما انعم الله عليهم وكيف انجاهم من ذالك البلاء العظيم الذي كانوا يعانونه من آل فرعون

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ )

2-مرحلة العقاب والمعجزات:

وهي مرحلة وصف الله بها المعجزات التي من خلالها تم معاقبة قوم فرعون حيث اخذهم الله بالسنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وهي آيات مفصلات ولكن قوم فرعون استكبروا ولم يتعظوا لأن الاجرام والهيمنة والإخضاع جزء اصيل من سلوكهم لم يستطيعوا التخلص منه. كما ان قوم موسى عليه السلام لم تغير هذه المعجزات العقابية من عبوديتهم المتأصلة في نفوسهم. ويصف القرآن الكريم هذه المرحلة بهذه الآيات

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ، فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.

3-مرحلة الإنقاذ:

وكان لابد في هذه المرحلة ان تتم سنة الله في انقاذ قوم موسى من هذا البلاء العظيم ويتم الانقاذ من خلال معجزة مبهرة بانفلاق البحر كطود عظيم, ويصف القرآن الكريم هذه المرحلة بهذه الآيات

قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسرائِيلَ، فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ، وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

3-مرحلة تأصل مرض العبودية:

 والتي مرة بمرحلتين الأولى اذ انه بمجرد ان جاوزوا البحر والمعجزة الكبرى مازالت عالقة بالذهن لم يوقنوا بالله الذي انقذهم من عدوهم ومشاهدتهم غرق اعدائهم فبمجرد رؤيتهم لعبدة الاصنام تمنوا ان يكون لهم صنما الاها يعبدونه , والثانية بمجرد ان تركهم موسى اربعين ليلة اذا به يعود ويجدهم يعبدون العجل ويصف القرآن الكريم هذه المرحلة بهذه الآيات

  قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ {  {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ،  {   

  { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ‏ }

ان هذه الآيات القرآنية تصف لنا مرض العبودية الذي يعاني منه أي مجتمع فبرغم كل ما يشاهده ويعايشه هؤلاء المرضى فانهم لا يستطيعون منه فكاكا فهم يمثلون نفس النموذج الذي مثله قوم موسى اذ لم تؤثر فيهم كل تلك المعجزات او الابتلاءات هم هم في كل زمان ومكان ويصف الله هذا الوضع بهذا الوصف الرائع (اشربوا في قلوبهم العجل) لقد خالط حب العجل نفوسهم حتى استقر في قلوبهم كما يخالط الماء أعماق الجسد. وحذف لفظ الحب من الجملة الكريمة، يشعر بشدة تعلق قلوبهم بالعجل حتى لكأنهم أشربوا ذاته .
والتعبير بقوله: { أُشْرِبُواْ } يشير إلى أنه بلغ حبهم العجل مبلغ الأمر الذى لا اختيار لهم فيه كأن غيرهم أشربهم إياه . وقوله تعالى: { بِكُفْرِهِمْ } دليل على أن محبتهم للعجل ناشئة عن كفر سابق، وجحود متأصل فكفرهم الذى ترتب على عبادتهم للعجل، قد سبقه كفر آخر، فهو كفر على كفر .

4-مرحلة العقاب الرباني والعلاج :

وفيها تتجلى قدرة الله بتذكيرهم بما انعم عليهم ويحذرهم من الطغيان الذي بموجبه سيحل بهم غضب الله وعقابه  ويصف القرآن الكريم هذه المرحلة بهذه الآيات

قال الله تعالى: {يَا بَنِي إسرائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}. 

{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.

لقد حكم الله عليهم بالتيه اربعين سنة لأنهم قوم لا يستطيعون بناء مجتمع حر لقد تمكن منهم مرض العبودية وبالتالي فقدوا القدرة على الفعل الحر فكان حكم الله على هذا الجيل بالتيه هذه الفترة الزمنية حتى يأتي جيلا جديدا لا يعاني من مرض العبودية, وبالتالي لديه القدرة على الفعل الحر بإرادة حرة.

وبإسقاط هذه الحالة على واقعنا اليوم فان الجيل الذي عايش الطغيان ويبرر له بالرغم من كل الحقائق والوقائع التي عاشها وعايشها من اخضاع وقهر واذلال ومهانة ما هم الا صورة مكررة من عبدة العجل.


في السبت 21 مايو 2011 12:41:47 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=10318