العلماء والأحداث
بقلم/ محمد الثالث المهدي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 4 أيام
السبت 23 إبريل-نيسان 2011 02:35 م

المشاهد لأحداث اليمن منذ انطلاق ثورة الشباب إلى هذا اليوم الذي اسطر به هذه الأحرف يدرك تماماً أن الحدث يزداد كل يوم تازماً وأن المرحلة انتقلت إلى المخاض الصعب كما ذكرت عن ثورة ليبيا في بدايتها , لا أريد أن أثبط الذين في الساحات , ولا ارغب بقتل أمل الحالمين بتحقيق الهدف , ولا باسترخاص الدماء , لكني لا أستطيع أن اكتب توصيفاً للحدث يبتعد عن واقعه , فالواقع هذا ويجب أن نقول هذا باعتبار أننا نتحرى في كتابتنا الحقيقة والواقع ومع هذا فآمال الشباب وطموحاتهم أصبح تحقيقها فريضة واردة الشعب ستكون هي الإرادة الثابتة إذا نصرت الشرع ,هذا عن المشهد اليمني .

دور العلماء:

بعد هذا التوصيف للمشهد المختزل , أقف أولاً إجلالً وتقديراً وحباً وشكراً لعلماء اليمن بكافة أطيافهم وتوجهاتهم أين كان موقفهم مادام الموقف منبثق من الكتاب والسنة و من قناعة وصل لها هذا العالم ابن كان , وليس لمثلي أن يكتب ليقيم دور العلماء لكن أجدني مضطراً للكتابة لآني أتابع مداً كبيراً توجه سهامة نحو العلماء من طرفي النزاع في اليمن ,ويشترك في هذه الحملات أقزام في صف المؤيدين وفي صف المعارضين فاصبح علمائنا محل تهجم من هذين النقيضين بغض النظر عن النقد المهذب فالفرق شاسع بين مفهوم النقد البناء وبين مفهوم التهجم .

فكم هي الأصوات التي نسمعها ليل نهار تتفنن في سلخ العلماء وكم هي الأنفس الشرهة إلتي تقتات من لحومهم المسمومة وكم يجرني سذجهم وتجرم في صناعة التهم وإلصاقها بعلمائنا الإجلاء إلى تذكر قول العلامة أبن عساكر ورحم الله حين قال : (( أعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإيّاك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ، بلاه الله قبل موته بموت القلب )) .

فعجباً لأمة نبذت علمائها وعجبت الأمة غيبت فضلائها , فالبعض أتخذ (الم تكن معي فانت ضدي) ليس في حق العامة فحسب بل في حق العلماء وكأنه يريد أن يسير العالم مع قناعاته ومع ماتوصل إليه هو وهو اجهل من حمار أهلة اليست هذه من المفارقات أن يطلب الجهال أن يلحق بهم العلماء اليس الأصل أن الأمة تنظر لعلمائها بعين التقدير والتبجيل واحترام الرأي حتى لو خالف العالم ,فالعلماء لم يلزموا أحداً باتخاذ رأيهم ولكنهم طرحوا ماعندهم ليكون محترم مردود او محترم مقبول , فلماذا التهجم ولماذا الاستماتة بالطعن في العلماء هذا بالصورة العامة , لكن البعض وهو اشد خطراً يؤصل لمسألة الطعن تأصيلاً (ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ) فيقول نحن نتبع نصوص شرعية ونتبع مناهج تحكمنا لسنا أتباع لرجال وهذا كلام لاغضاضة فيه وهو محل تقدير الجميع انه فعلاً نحن أتباع لعقيدة ومناهج تحكمنا لكن أن تتحول هذه المفاهيم إلى بوابة للطعن في علمائنا والحط من شأنهم والتغييب لدورهم فهذا هو الداء العضال , فمن تفنن في انتقاصهم ومن أبدع وفي طعنهم ومن استمات في ذمهم اعتبر متخلص من التبعية وصار تابع لمنهج وهنا فاقرة أخرى قنعت بقناع المنهج وبنيت بخيوط العنكبوت الواهية فلا يضر العلماء مايقول السفهاء .

ماجرني لكتابة هذه الأحرف بعد متابعة لدور العلماء المتباين من الأحداث الحاصلة في اليمن ومانتج من هذه المواقف من ردود أفعال أحدثتها الاتجاهات الموجودة في صلب المعركة فالعلماء انقسموا في اليمن بحسب رؤيتي الشخصية إلى ثلاثة أقسام :

الأول وهم الذين يرون التغيير بأي صورة كانت وبأي طريقة المهم أن يحصل تغير باعتبار أن التغيير اصبح فريضة وأن الواقع الذي أفرزته التراكمات العديدة من الفساد ومن النهب والسلب والوضع المتردي لمجتمعنا اليمن يحتم علينا التغيير أين كان وبأي صورة كان فهم يرون هذا الخروج جهاد في سبيل الله وأن مقارعة الظلم وجب لاستفحالته وانتشار شرورة وهو رأي يجب أن يحترم ولا يتهم أصحابه فلهم منطلقات شرعية انطلقوا منها وله أدلة توصلوا إلى قناعة وهو نفس الرأي الذي ينادي به الشباب في المعتصمات والساحات .

الثاني : وهو الضد والمقابل والذي يكمن مطلبه بعدم الخروج وتحريم الخروج أين كانت صوره باعتبار أن الخروج محرم شرعاً وان حصل الظلم والجور وان ضرب الظهر واخذ المال وهو كذلك رأي يجب أن يحترم وان يتعايش مع القائلين به لأنهم كذلك انطلقوا من أدلة واضحة ومفاهيم واضحة بحسب افهام وقناعات توصلوا لها ويجب أن نقبله كرأي ولا يلزمنا العمل به ونعتب على الذين يتهمون علماء هذا الرأي بالتهمة الجاهزة من وصفهم بعلماء السلطان وغيرها من التهم .

الثالث : وهم الذين فصلوا في المسألة فهم يرون التغيير ولكن وفق منطلقات شرعية ورؤى واضحة لمابعد التغيير وهم ينظرون للمسألة في منطلقها الشرعي والسياسي وخرجوا برؤية تختلف عن الرؤى السابقة وتجمعها برأي واحد وهو (التغيير بالطرق السلمية مع وضوح الرؤية لمابعد هذا التغيير) ومما اعتبره مميزة لهذا الرأي انه ينقد تصرفات السلطة وتشنجات المعارضة , وأن كان مستوى الوعي عندنا لم يصل إلى المستوى بحيث يحترم هذا الراي من الجميع لكن للأسف الكل يتهجم على هؤلا العلماء من الطرفين فيتهمون بعلماء السلطة والمراوغين من قبل المعارضة وتتهمهم السلطة وأزلامها بأنهم من الخارجين عن الشرعية فأصبحوا كالطبل يضرب من الجهتين وهذه ضريبة الحقيقة.

فتلك هي تقسيمات الرأي لعلماء اليمن من الأحداث الأخيرة بحسب رؤيتي الشخصية ومتابعتي الدائمة

لكن الفاقرة الكبرى والتي اسطر أحرفي هنا لتلافي خطرها هي أن يتحول نقد احد هذه الآراء إلى تهجم لأشخاصها من العلماء والعجب أن كل اتجاه يمارس هذه المغالطات وما يلبث حتى يتهم الأخر بالإقصاء والشخصنة وهو في الحقيقة إقصائي من الطراز الأول .

ومن المضحكات المبكيات أن ينبري صغار الأمة ومن يعتبرون في ذيل قائمتها للتهجم على العلماء واختزالهم في موقف لم يتوافق مع هواه وهو ليس مؤهل للنقد المؤدب أصلا فإذا به يتجاوز ذلك إلى التهجم

وهذا والله نتيجة لانفصام كبير خلقناه بيننا وبين علمائنا , فالناظر لعلماء اليمن ومستوى التقدير لهم والاهتمام بهم رغم علميتهم وتفوقهم على كثير من علماء العالم الإسلامي إلا انك تجد العالم لايعطى قدره الحقيقي , لا ادعوا هنا للمبالغة إلى الحد الذي وصل له الرافضة مع آياتهم ولكني ادعوا إلى التوازن الذي يعطي العالم قدره ويسكت هذه الأصوات الساذجة التي تقتات في أشخاص العلماء .

أستطيع أن اختم هذا المقال بطرح رؤية تكمن في التالي :

-الدعوة لتقدير كافة الآراء المطروحة من قبل العلماء مادامت منطلقة من الشرع ولم تحكمها الاملاءات

-دعوة العلماء إلى قول كلمة الحق في هذه الأزمة الخانقة والتي هي بأشد الحاجة لعلمائنا .

-نطالب الشباب المتواجد في الميادين المؤيدة أو المعارضة إلى الترفع عن انتقاص العلماء وإلى احترام الآراء أين كانت .

-ندعوا السلطة الموجودة أو القادمة إلى تخصيص مشاريع من شأنها إبراز دور العلماء وإنشاء هيئات شرعية من الأطياف الموجودة في اليمن ليتم من خلالها استخلاص فتاوى صادرة عن هذه الهيئات يقبلها الجميع ولتخرجنا من هذا التجاذب .

-الدعوة لعقد لقاءات مستمرة عبر ساحات المعتصمين والمؤيدين للعلماء من كل الأطراف ليحدث هذا تعايش باعتبار أنهم سمعوا كافة الآراء وبالطبيعي سيخلق تعايش مع كل الآراء

-الدعوة للجميع بعدم الخلط بين المماحكات السياسية وبين التقدير للعلماء

-نؤكد على أن معنى التقدير ليس التقديس وإنما الاحترام ولا غضاضة من نقد الرأي بحدود الأدب

-أطالب بتقبل كل هذه الآراء من الجميع ولتقبل هذه الاراء حتى من خلال مبدأ الديمقراطية والرأي والرأي الأخر باعتبار واقعاً فرض التعايش معه خاصة من الذي كسروا رؤوسنا بالحديث عن هذه المبادئ فاذا بهم ابعد الناس عن تطبيقها .

أخيراً وليس بالأخير فالقادم كثير ادعوا الله أن يوفقنا للحق وأن يخرج اليمن من هذه الازمة بأقل الخسائر وان يجمع الشمل ويلم الشتات .