ويكيلكس والشبواني .. الحقيقة لا تموت!!
بقلم/ كاتب/علي الغليسي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 6 أيام
الإثنين 20 ديسمبر-كانون الأول 2010 12:08 م

ينتظر أبناء مأرب ما الذي ستكشفه وثائق ويكيليكس حول قضية اغتيال نائب محافظ مأرب الشيخ جابر الشبواني ، كون اللجنة المكلفة بتقصي الحقائق لم تفصح عن أي نتائج حتى اللحظة بالرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر تقريباً ، بالإضافة إلى تطرق الوثائق التي يتلقفها الرأي العام العالمي كل يوم إلى وقائع حدثت بعد تلك الحاثة المؤلمة .

كان الخبر الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مثير للاهتمام .. كسر حاجز الصمت المطبق على حادثة اغتيال الشيخ / جابر بن علي الشبواني ،بواسطة طائرة مجهولة المصدر قبل أكثر من ثلاثة أشهر تقريباً .. والذي ذكر أن الجيش الأميركي شن غارة جوية سرية في مايو/أيار الماضي على موقع يشتبه بأنه لتنظيم القاعدة، أسفرت عن مقتل نائب محافظ مأرب الشيخ جابر الشبواني. . وتابعت الصحيفة " كانت غارة جوية نفذتها طائرة بدون طيار في أواخر مايو المنصرم قد أودت بحياة الشيخ الشبواني ومجموعة من مرافقيه, في حين اندلعت مواجهات عنيفة بين قبائل عبيدة التي ينتمي لها الشبواني, وقوات حكومية بعيد الهجوم الذي نفذ قرب منتصف ليلة الـ24 من مايو".. ونقلت نيويورك تايمز عن مصادر أميركية رسمية, طبقا لما نقله موقع راديو "سوا" على شبكة الانترنت, أن الغارة استهدفت مجموعة من الأشخاص يعتقد أنهم من ناشطي القاعدة في منطقة نائية في صحراء محافظة مأرب، وأضافت الصحيفة أن الغارة أدت إلى مقتل نائب محافظ مأرب, وهو أيضا الأمين العام للمجلس المحلي فيها جابر الشبواني, الذي يتمتع باحترام كبير وكان يحاول التحدث إلى أعضاء القاعدة لإقناعهم بالتخلي عن القتال, طبقا لما ورد فيها.,. وتابعت الصحيفة أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح دفع دية الرجل لقبيلته. وهو ما نفاه والد الشبواني الشيخ علي بن جابر الشبواني حول استلامه دية من الرئيس، وقال أن ما نشر غير صحيح ولا يمت للحقيقة بصله،ونفى في بيان ما قيل بأنه طلب مليار ريال دية لولده ، موضحا أن "على الجميع أن يدركوا بأن أولياء دم الشهداء ليسوا ممن يبحثون عن الديات والأموال وأنهم في غنى عنها ".

الصحيفة الأمريكية قالت:" أن الغارة كانت مهمة سرية للجيش الأميركي والرابعة على الأقل التي تستهدف تنظيم القاعدة في جبال وصحراء اليمن منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي،ويعد مقتل الشبواني حدث غير مسبوق في تاريخ اليمن, إذ أنه أول مسئول حكومي يلقى مصرعه إثر هجوم نفذته طائرة بدون طيار, قيل إنها كانت تستهدف عناصر من القاعدة، وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة عززت بشكل كبير حاليا العمليات العسكرية والاستخبارية في المناطق الممتدة من صحراء شمال إفريقيا إلى جبال باكستان والجمهوريات السوفياتية السابقة.

وأوضحت نيويورك تايمز:" أن واشنطن تطارد الناشطين حاليا بطيارات بدون طيار يتم تسييرها عن بعد وفرق كوماندوس ودفع أموال لعملاء للتجسس وتدريب عملاء محليين لمطاردة إرهابيين, مشيرةً إلى أن أياً من الإجراءات الجديدة التي اتخذتها حكومة الولايات المتحدة لم تنشر بعد.

يمكن القول أن ذلك الخبر من شأنه تخفيف الضغط القبلي على الحكومة ، غير أن السلطات باتت بعيدة عن الضغط بعد أن استطاعت من خلال التحكيم الرئاسي امتصاص موجة الغضب التي اجتاحت المحافظة فور وصول نبأ مقتل نائب المحافظ.. كما أن النظام بادر إلى تمييع القضية من خلال تشكيل (لجنة خاصة لتقصي الحقائق) وإذا أردت أن تميع قضية ما فشكل لها لجنة .. حيث تشير مصادر مؤكدة أن تلك اللجنة التي يرأسها وزير الداخلية وتضم في عضويتها إلى جانب ممثلي أجهزة الأمن القومي والسياسي عدداً من مشائخ المحافظة لم تجتمع منذ قبول والد الشبواني التحكيم حتى اللحظة .. وهو ما يجعلنا نستغرب من التصريحات التي تظهر بين الفينة والأخرى من قيادات في اللجنة تتحدث عن وجود بصمات للقاعدة في تلك الحادثة .. وذلك الأمر فيه تضخيم لعناصر القاعدة وإبراز لخطورتها لينعكس ذلك سلباً على صورة محافظة مأرب لدى الرأي العام الدولي.

بالطبع .. إذا صحت تلك الرواية الأمريكية فإن علينا أن نكبر أربعاً على السيادة الوطنية ، وأن نقرأ الفاتحة على أرواحنا لمعرضة لخطر القصف من تلك الطائرات التي تواصل التحليق في سماء مأرب ليلاً ونهاراً ، كما أن علينا الابتعاد عن تجمعات العزاء ودفن الموتى وولائم الأعراس التي قد تكون هدفاً لتلك الطائرات التي طالما قامت مثيلاتها بإلحاق الضرر وقتل المدنيين في باكستان وافغانستان ، كما أن (البدو الرحل) المنتشرين في صحراء الربع الخالي قد يكونوا ضحايا جدد لغارات أمريكا وتنازلات النظام ـ والمعجلة في أبين خير شاهد ـ ...يجب أن يستفز ذلك الخبر مشائخ ومسؤولي محافظة مأرب ويجمعوا أمرهم لتحديد موقف موحد بعيداً عن ردود الفعل الغاضبة التي لم تحقق في أي وقت ما نطمح إليه على أي مستوى من المستويات.

التركيز على ضرورة الإعلان الفوري عن تقرير لجنة تقصي الحقائق يجب أن يكون هدف المرحلة القادمة ..ينبغي أن نتعامل مع ما تسميه أمريكا والسلطة (الحرب على الإرهاب) بحذر بالغ وبرؤى ثاقبة .. التخلص من حماس اللحظة مهم للغاية ، حيث ردود الأفعال التي تثيرها العصبية وينفخ في لهيبها الحماس القبلي والمناطقي تصل عادةً بالقضايا إلى ظلام النسيان، وهذا ما تعيشه مأرب عند كل حدث تتعرض له دون أن تستلهم الدروس وتراجع آلية التعامل مع القضايا.

عندما وقعت الجريمة البشعة التي راح ضحيتها نائب المحافظ ثارت على الفور نيران الغضب القبلي في كل مكان ، وهذا من حق الجميع ... الغضب من إساءات المسيئين !! لكن المؤسف أن ذلك الغضب يكتفي في كل مرة بالانفعال دون متابعة القضية والحيلولة دون وصولها إلى (سلة المهملات).. وفي مثل ذلك الوضع الذي يتسم بنوع من السلبية تجاه التفكير في الأمور ، وعدم التفكير فيها بشكل ايجابي أوعقلاني ينقاد المجتمع خلف الحماسة وردة الفعل، دون إدراك بأبعاد المشكلة والتفكير الموضوعي في الوسائل العملية المؤثرة التي يمكن بها أن نحقق ما نريد.

صحيح أن الرواية الصحفية لـ نيويورك تايمز كانت أول محاولة أمريكية لنقل المسئولية في تلك الحادثة التي ظلت أصابع الاتهام فيها تتجه ناحية( النهدين)، بعد تصريحات الدبلوماسي الأمريكي عقب الحادثة بسؤال الجانب اليمني.. غير أن هناك أسرار وخفايا يصعب الاهتداء إليها للوهلة الأولى ، إلى جانب كونها بحاجة إلى معيار دقيق في التعاطي مع الحادثة ، والإجابة عن الأسئلة التي يضعها محللو الأبعاد على عتبات التحليل ، وهي أكثر من أن توجز قبل العبور إلى الأسرار ، لكنها تمرح كرمح في مسالك متعددة إن لم تكن متشظية .

كيف نهتدي إلى أسلم الدروب لتحليل أبعاد حادثة الشبواني ؟ ومتى تخرج العملية من عباءة الهروب من المسئولية .. وتحميل كل طرف للآخر ؟! وما هي المساحة التي يمكن أن يحصل عليها المحلل للربط بين الوقائع والأحداث والتداعيات ، وماهية التطورات والقناعات التي طالت شخصية المستهدف .. إنها أسئلة الأمس واليوم وستظل أسئلة الغد!!.

تتداخل الأحداث وتكثر التخمينات والتكهنات ، وتبرز لنا مسألة صراع أجهزة الأمن وتضارب المعلومات وتناقضها ، مما يجعل الأمور تتعقد في فضاء شاسع لا يخلو من الأذى والتغير فتظهر لنا مأساوية الخاتمة وخاتمة التفاعلات التي تحدث داخل مرجل ملتهب من المتناقضات.. لنجد أنفسنا في الأخير أمام مخرجات تثير الشهية للضحك ، لكنه ضحك أسود كالبكاء تماماً.

كل شيء يمر على شاشة مأرب لا يتم تفحصه بدقة ، وليس هناك من يكلف نفسه عناء تفكيكة وإعادة صياغته .. حتى خبر الصحيفة الأمريكية الجديد سنتعامل معه كما لو أنها الحقيقة ، مع أنه لا يخدم اليمن ولا مأرب ولا حتى أولياء الدم !! قد يقلب الخبر المشهد رأساً على عقب ، لكنه حتماً سيحول ثرثرة المتابع المستفحل إلى إطراقة حزينة وصمت مر ، وحين تنتهي مهلة الإطراق سنجد أنفسنا أمام نوع آخر من البث الحزين الذي سيرسله المجتمع ( لا طاقة لنا بأمريكا وطائراتها) .. مع أن أمريكا لا يمكن أن تقدم على فعل شيء دون التواطؤ الرسمي الذي جعل صحراء مأرب مرتعاً للضحكة والغصة ، والفكاهة والجمر ، وفي الأخير يجود بعسل الكلام في خضم لسعة الألم .

المادة الإعلامية السابقة التي نشرت قبل أربعة أشهر أعادت حادثة الشبواني إلى الواجهة ، هي بالنسبة لأي صحيفة مادة من العيار الثقيل إذا تضمنت حقائق ونشرت وثائق وهو ما غاب عن خبر النيويورك تايمز ولولا شهرة تلك الصحيفة لما تم تداوله على ذلك النحو من الإثارة وينتظر الناس القرائن الجديدة المفيدة .. لكن كل ذلك لا يمنع أن نستغل فرصة العودة لرؤية القضية من زاوية مثلى ضمن صورة أشمل ... كم هي الأحداث التي أعقبت مقتل نائب المحافظ وألقت بظلالها على قبيلته (عبيدة).. قتل العقيد/ الشايف بنيران مجهولة ، دمرت منازل الأبرياء وتم قتل الأطفال والنساء في الوادي ، زادت ضغوطات (دهم) على عبيدة من أجل الكشف عن قاتل الشايف الذي حددت اسمه القيادات الأمنية ، لتنفي القاعدة تلك المعلومات .. وتعود عملية البحث إلى نقطة الصفر!! استعرت حرب قبيلة بين عبيدة وبلحارث ولا تزال تداعياتها حتى اللحظة.. ولا ندري ما الذي تخبئة الأيام من سيناريوهات يبدو أنها من نسخ كيد مخرج واحد ، يقتفي أثر الآلام الصغيرة التي من شأنها ابتلاع الألم الكبير.

اسألوا.. آل حتيك ، آل مثنى ، آل الغويبي ، الحدد ، والد (حسن عريدان العقيلي ) ما هي نتائج لجنة تقصي الحقائق التي تم تكليفها عقب أحداث قصف يونيو الماضي؟ اسألوهم هل وصلت التعويضات ؟ هل هناك من سأل عنهم أو تابع القضية بعد بنادق التحكيم وتقبيل الخشوم؟!!

تطورات الأحداث التي عاشتها مأرب طيلة تلك الشهور الماضية في العام 2010م ليست وليدة الصدفة ، أو نتيجة عمل مصطنع ، بل كانت محصلة تكتيكات لتفجير الوضع بالشكل الذي سارت عليه الأمور.. كانت (مأرب) تحترق .. توقعت أنها تحولت (قندهار) أخرى بفعل موجة الرعب الممزوج بالمجهول .. تلمست دليلاً أو حجة أو برهان يمكن أن تكون مبرراً لعشوائية القصف ومخططات التدمير .. عدت لسبر أغوار الاستراتيجيات الأمنية الغائبة .. لقد ضاع كل شيء .. ووجدت أن كل ما في الأمر لعبة للكبار أشبة بمباراة في كرة القدم .. الكل فيها خاسر (اللاعبون ، والمتفرجون ، والحكام ) ... لكن (الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب)!!

يجيد النظام مع القبائل تقنية المخاتلة الصعبة حيث يطفو الضحك على السطح بين الجميع ، أما الأعماق فتظل مثخنة بالغصص والدموع والكوابيس، يكبر عنده حلم الهروب إلى الضفة الأخرى والتخلي عن مسئوليته رغم الأهوال المنتظرة والتداعيات المفترضة عند صحة هكذا معلومات ، يمارس باستمرار مع مأرب وأهلها لعبة المتاهة ، لكن قضية الشبواني أعتقد أنها ستظل متاهة مسكونة بالغرابة المقلقة .. وستظل تكتيكات النظام مجرد تعبير حقيقي عن واقع الزيف والوهم والحقائق المدمرة ، ليس لأن القضية عصية على الحلول أو أن نسيان الحادثة من المستحيلات ، لكن لأن الخوف سيعم النفوس ،وسيكون هدير الطائرات نذير شؤم بالنسبة للعامة ، ومصدر قلق لأنصار السلطة قبل معارضيها .. وقبل اكتشاف الممكن والمحتمل وتشريح الهوية المحتجبة للقاتل الخفي تظل الأمور على كف الترقب !! وهو ما يفرض تشكيل محكمة محلية خاصة بمتابعة قضية الشبواني والقضايا المماثلة ـ بما فيها حادثة أبو علي الحارثي ـ ، وقبل ذلك إيجاد منطلقات محددة تؤدي إلى نتائج معلومة ضمن منظور وطني ورؤية شاملة متجددة تتوخى أكبر قدر من الموضوعية ، ولا تجامل طرف على حساب الآخر لتخرج بهجين صالح وليس مستنسخ ، والحقيقة لا تموت!!.