اليمن وأمريكا... صداقة أم ابتزاز؟
بقلم/ مجدي منصور
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 15 يوماً
الإثنين 11 أكتوبر-تشرين الأول 2010 04:11 م

هل العلاقة اليمنية الأمريكية هي علاقة كما تروج لها الصحف الأمريكية، أم هي كما تروج لها الصحف اليمنية الرسمية؟

أي، هل الحكومة اليمنية تبتز الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، وتطالب "بوقاحة" بمساعدات مالية لا حصر لها، تماما كما يتم الترويج لذلك في الصحف الأمريكية سواء في المواد الإخبارية أو التقارير أو المقالات أو البرامج الأمريكية الكوميدية السياسية واسعة الانتشار، وهناك قائمة طويلة بذلك عند الكاتب، سواء في الإعلام التابع للديمقراطيين أو الجمهوريين! مع وجود بعض الاستثناءات. وهل حقا أن أمريكا دولة "على نياتها" يتم استغلالها من قبل بعض المسؤولين اليمنيين، وهو أيضا ما يروج له الإعلام الأمريكي!

أم أن العلاقة بين الولايات المتحدة واليمن هي كما تروج لها الصحف الحكومية اليمنية التي تخاطب اليمنيين، وهي أن الولايات المتحدة صديق للحكومة اليمنية وللشعب اليمني، وقد التحقت مؤخرا بجهود الحكومة اليمنية في محاربة الإرهاب، وأن أمريكا تنظر إلى الحكومة اليمنية بنظرة الإعجاب والتشجيع، ومصرة أن تقف إلى جانب اليمنيين شعبا وحكومة وأن تدعمهم تنمويا وأمنيا، وأن الحرب على الإرهاب هي حرب بدأتها اليمن قبل 11 من سبتمبر وحذرت العالم منها، ولكن العالم لم يستمع لها، وندم عندما وقعت أحدات سبتمبر، ولكن اليوم أدرك العالم الحكمة اليمانية، وها هو كله اليوم يخوض الحرب التي بدأتها ودعت إليها اليمن قبل أن يدعو إليها بوش الإبن بسنوات!

إذن، هاتين هما روايتين وصورتين مختلفتين، فمن هو الإعلام الصادق، هل الإعلام الأمريكي هو الصادق، أم الإعلام اليمني الرسمي؟ فالإعلام الأمريكي يصور للرأي العام في أمريكا أن العلاقة اليمنية الأمريكية هي كالتالي: اليمن دولة تبتز الولايات المتحدة من أجل جني الأموال، وتشحت بوقاحة، وهي غير جادة في الحرب على الإرهاب، بينما الإعلام اليمني الرسمي يصور للشعب اليمني العلاقة بأنها صداقة، وأن على اليمنيين تقديم الشكر للمساعدات الأمريكية السخية. وبمبادلة الإعجاب والدعم الأمريكي بمزيد من العمل والمثابرة، لأننا جميعا والأمريكيين في صف واحد نخوض معركة الخير ضد الشر، والحق ضد الباطل.

الملفت في هاتين الصورتين المختلفتين أمران اثنان:

الأمر الأول: أن العلاقة بين اليمن وأمريكا ليست كالصورة الأولى، ولا كالصورة الثانية. أي أن الإعلام الأمريكي ليس صادق، والإعلام الرسمي اليمني أيضا ليس صادقا، فالمستهدف من الصورة الأولى وهو المتابع الأمريكي تم إعطاءه صورة مغلوطة مفادها أن اليمن تستغل أمريكا في موضوع الإرهاب، والحقيقة أن اليمن أضعف بكثير من أن تستغل أقوى دولة في العالم، وأمريكا أذكى بكثير من أن تلعب بها إحدى أضعف دول العالم. والمستهدف في الصورة الثانية وهو الشعب اليمني، لديه أيضا فكرة مغلوطة، فالعلاقة ليست على الإطلاق علاقة صداقة، وأحد الأدلة هو ما يروج له الطرف الثاني أي الأمريكي في إعلامه عن هذه العلاقة.

إذن ما هي طبيعة العلاقة، الإجابة عن هذا السؤال سيكون في الأخير، كما هو موضح بعنوان رئيسي في الأسفل.

والأمر الثاني الملفت في هاتين الصورتين: أن المسؤولين في كل دولة يقدمون للدولة الأخرى ما تحتاجه هذه الأخرى إعلاميا لتأكيد الصورة التي تروج لها عن هذه العلاقة، فالمسؤولين اليمنيين بتصريحاتهم في المحافل الدولية أو بتسريباتهم إلى الإعلام الأمريكي، يقدمون للإعلام الأمريكي ما يحتاجه لترويج فكرة الابتزاز، والمسؤولين الأمريكيين في زيارتهم للجمهورية اليمنية يقدمون للإعلام الرسمي اليمني ما يحتاجه لتأكيد فكرة الصداقة.

فهناك العديد من التصريحات اليمنية الحكومية، ليس لها أي فائدة سوى المساعدة في الترويج لفكرة الابتزاز التي يتحدث عنها الإعلام الأمريكي في كل مناسبة، فقبيل افتتاح مؤتمر نيويورك، فاجأتنا اليمن، وصرحت بأنها بحاجة إلى 48 مليار دولار!!!هذا تصريح عجيب، يتوافق مع مقالة أمريكية مشهورة عنوانها: "لا تعطوا اليمن شيكا مفتوحا"، وهي مقالة تحذر الأمريكيين من أن المسؤولين الحكوميين اليمنيين هم بالوعة دولارات، وأنهم يعتبرون المجتمع الدولي وأمريكا بقرة حلوب.

لماذا صرحت اليمن بهذا التصريح؟ وهي تدرك أنها لم تستوعب عدد أصابع اليد من المليارات، فكيف بها تطالب ب 48 مليار؟؟؟ هل هذا التصريح غير المنطقي بتاتا، يخدم اليمن، أم يخدم الإعلام الأمريكي الذي يريد أن يصور أمريكا بصورة البريئة التي يتم لوي ذراعها من قبل النظام اليمني المتعطش للمساعدات الدولية والأمريكية، وها هو التصريح اليمني يوثق هذه الصورة.

فهذا المؤتمر كما يفهمه المتابعين الأمريكيين هو جزء من مؤتمرات عقدت مع اليمن بعد المحاولة الإرهابية لتفجير طائرة أمريكية بمناسبة أعياد رأس السنة، وليس كما يصوره الإعلام اليمني بأنه مؤتمر أصدقاء وأحباب، وبالتالي فماذا يعني أن تستفتحه اليمن بالمطالبة ب 48 مليار دولار! لا أعتقد أن اليمن كانت تقدم نكتة للافتتاح!

وهناك تصريح يمني آخر، وكلنا نتذكره، مسؤول يصرح إلى قناة CNN بأن الحرب على القاعدة لعبة، هدفها الابتزاز؟؟ وبالتالي فالأمريكيون تداولوا الموضوع على أنه "شهد شاهد من أهله" ! وبالتالي فإن قضية الابتزاز، والاسترزاق، أصبحت في هذا التصريح موثقة وليست مجرد تشكيك وظنون!

من هو هذا المسؤول اليمني، الذي لم تكشفه الحكومة اليمنية؟ وإنما عندما شاع الأمر، قالت أنه من المعارضة! الرجل ليس من المعارضة، بل مسؤول يمني تماما كما قالت شبكة الأخبار الأمريكية. ولكن السؤال لماذا يقدم للإعلام الأمريكي هذه الخدمة الجليلة وبتزامن ملفت للنظر مع المطالبة ب 48 مليون دولار!

ونفس الشيء يقوم به المسؤولون الأمريكيين، فهم يقدمون خدمات إلى الإعلام الرسمي اليمني أثناء زياراتهم إلى اليمن، ويتحدثون عن الصداقة، وعن تثمين الدور اليمني، وهو أمر لا يتحدثون به إلى وسائل إعلامهم، وإذا ما نقلته وسائل إعلامهم فهي تنقله من باب أنه مجاملات دبلوماسية، وأنهم يجاملون عن مضض.

إذن ما هي طبيعة العلاقة؟

نعود الأن للإجابة على السؤال المهم، فإذا كانت العلاقة اليمنية الأمريكية ليست ابتزاز كما تصورها الصحافة الأمريكية، ولا صداقة كما تصورها الصحافة اليمنية الرسمية، ما هي إذن؟

الظريف هنا أنها علاقة ابتزاز، ولكن ليس كما تصورها الصحافة الأمريكية، وعلاقة صداقة لكن ليست كما تصورها الصحف اليمنية.

فالابتزاز موجود، ولكن ليس ابتزاز يمني للولايات المتحدة، وإنما ابتزاز أمريكي للنظام اليمني، هذا النظام الذي يعاني من مشاكل داخلية تجعله غير قادر على الاستمرار إلا بدعم خارجي، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تطالب هذا النظام بثمن المحافظة على بقاءه، وهو ثمن باهظ جدا، موجود في قائمة مطالب لا أول لها، وأخرها سراب.

إلا أن الأمر الأكثر إيلاما، ليس في ابتزاز أمريكا للنظام اليمني، وإنما في أن تطلب أمريكا من اليمن أن تمثل دور الدولة المبتزة في المحافل الدولية، فمثلا: يتحدث العالم عن احتمال فشل اليمن، فتولول اليمن في مؤتمر لندن، بأنها على وشك السقوط إن لم يلحقها العالم بالمليارات، يتحدث العالم عن ضرورة تحقيق الدول لأهداف 2015، فتصرخ اليمن بأنها بحاجة إلى 48 مليار دولار، وهو مبلغ لن يقبل الكونجرس حتى في إعطاء جزء منه لإسرائيل. المسؤولون اليمنيون ليسوا أغبياء، فهم يعلمون جيدا بأن الأمريكي والغربي ليس عبيطا، و يصرف بحساب، ويعطي مقابل ما يأخذ، ولكنهم يصرون أمام العالم بالتمثيل على أنهم عرب أوغاد يتمادون في تقدير سذاجة الخواجة الأمريكي!! ليتمكن الإعلام الأمريكي من ترويج فكرة الابتزاز اليمني لأمريكا، كي يصنع في المستقبل ما سنستنتجه في أخر فقرات هذه المقالة.

وأما الصداقة فهي موجودة أيضا، ولكنها كما قلنا ليست كما يقدمها لنا الإعلام الرسمي، هي صداقة أمريكية يمنية في ذهن بعض اليمنيين تتولد أثناء الابتزاز، فالابتزاز يمتزج مع روح الصداقة، إما اضطرارا، وإما لأن بعض المسؤولين لا يجدون حرجا في المطالب الأمريكية. 

وهنا نضع سؤالا أخيرا، يتعلق فيما ذكر من قبل، وهو عن الإعلام الأمريكي والإعلام اليمني الرسمي، إلى ماذا تؤدي صورة الابتزاز "العكسي" التي يروجها الإعلام الأمريكي إلى شعبه ، وصورة الصداقة الطاهرة التي يروجها الإعلام الرسمي اليمني إلى شعبه؟

هذه الصورة الإعلامية تشكل في النهاية رأي عام أمريكي يشكك إلى أبعد الحدود في صدق الحرب التي تخوضها اليمن على الإرهاب، وعدم جدوى الاعتماد على الحكومة اليمنية في هذا الشأن مما يدفع في المستقبل هذا الرأي العام إلى أن يقبل التدخل الأمريكي المباشر في اليمن، وإن كان خيارا مكروها نتيجة للتجارب السابقة، ويقبل عواقب هذه المغامرة، التي ووفقا للمعطيات لا مفر منها!

ويتشكل أيضا رأي عام يمني، ولو محدود جدا، يؤمن بالصداقة اليمنية الأمريكية في مواجهة العدو المشترك، وبالتالي يمكن من خلاله تشكيل قوات صحوات يمنية عندما يحين موعد التدخل الأمريكي المباشر لا سمح الله في اليمن، أو قبل التدخل. هذا بافتراض عدم وجودة صحوات في الوقت الحالي.

أي أن الصورة الإعلامية الأمريكية واليمنية،رغم تناقضها، تتكامل لتشكل صورة هندسية رائعة، تقدم الخدمة الإعلامية لدعم أي تدخل عسكري أمريكي مباشر وطويل في الجمهورية اليمنية.

ولذا فمن الواجب علينا أن نحذر من التدخل الأمريكي القادم المباشر والعسكري في الجمهورية اليمنية.

يتبع في المقال القادم إن شاء الله.

Magdi_5000@yahoo.com