تشخيص المشاكل الاجتماعية وحلها مدخل أساسي لحل المعضلة اليمنية
بقلم/ دكتور/ناصر احمد بن حبتور
نشر منذ: 14 سنة و 3 أسابيع و يومين
الخميس 04 مارس - آذار 2010 06:17 م

يطرح علماء الادارة دوما" مبدء بحث او تشخيص اسباب حدوث المشكلة كمدخل اساسي لحلها. وهذا مايجب علينا كيمنيين العمل به لحلحلة داء المشاكل التي اصبحت تحاصرنا من كل جانب.

هناك اهتمام دولي كبير تجاه اليمن في الاونة الاخيرة, وكنتيجة طبيعية لما يشهده اليمن من مشكلات كبيرة لم تعد خطورة تهديداتها تخص اليمن بل اصبحت مثيرة لقلق المجتمع الدولي خاصة بعد الحضور القوي لملفي القاعدة والقرصنة البحرية.

هناك محاولات كثيرة لتشخيص الحالة اليمنية كان ابرزها تشخيص الحكومة اليمنية والذي ارجع اسباب المعضلة الى اسباب اقتصادية وامنية بحته, اضافة للتشخيص الحكومي كان للدول الكبرى اوكما تسمي نفسها بالدول اصدقاء اليمن تركيز على المشكلات السياسية واعتبار حلها شرط اساسي على الحكومة اليمنية لضمان تدفق الدعم في الجوانب الاقتصادية والامنية.

كوجهة نظر للكاتب ان التشخيص او الاتجاة التي تبنته الحكومة كان سطحي الى درجة معينة فهو يهتم بالنتائج ولم يبحث المسببات. لاخلاف على وجود مشكلة اقتصادية واخرى امنية, ولكن هذه المشكلات لم تنتج من العدم بل هي عبارة عن نتائج لمشكلات اخرى.

نعم هناك مشكلة اقتصادية واخرى امنية اضافة الى المشكلات السياسية المرتبطة باختلال المنظومة السياسية الفاقدة لعامل التوازن الذي بواسطته تكون المصلحة العامة المظلة الوحيدة لمصالح كل الاطراف المتواجدة على الساحة الوطنية.

ان المشكلات الاقتصادية والامنية وايضا السياسية ماهي الا نتائج طبيعية لما يعانية اليمن من مشكلات اجتماعية كثيرة تمكنت من شل المقدرات الاجتماعية لمواجهة المشاكل والصعوبات في القطاعات الاخرى.

المشكلة الاجتماعية الاولى هي الامية والتي بالامكان تسميتها بأم المشاكل, فوجود 50% من اليمنيين لايجيدون القرأة والكتابة, وباختصار هذا يعني ان 50% من اليمنيين لايعرفون حقوقهم وواجباتهم تجاه انفسهم ووطنهم, ممايجعلهم غير مستجيبين لسلطة القانون بل لايدركون اهميتها. الى جانب وقوعهم كفريسة سهلة لدعاة للتطرف الديني ومايتبع ذلك من كوارث امنية على المجتمع والفرد.

ايضا" ذلك يعني ان نسبة 50% من اليمنيين تعتبر عمالة غير مؤهلة لاتستطيع المشاركة بفعالية في البناء الاقتصادي مما يرفع من نسبة البطالة (والتي بلغت في العام 2008 نحو 61% من قوة العمل) لعدم وجود فرص عمل كافية للعمالة غير المؤهلة.

تبقى معنا النسبة الاخرى 50% وهي الطبقة المتعلمة او التي تجيد القراة والكتابة, وهنا سنتحدث عن مجتمع امي ولكن من نوع اخر, فالمجتمعات المتقدمة لم تعد تقيس مستوى الامية بالذين لايجيدون القرأة والكتابة لعدم وجود هذا النوع من الامية, فالامي في تلك المجتمعات هو من لايجيد التعامل مع التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة . في اخر تصريح لوزير الاتصالات تحدث عن عدم تمكن الحكومة اليمنية العمل بالنظام الالكتروني قبل عشر سنوات. احصائية اخرى لوزارة الاتصالات تقول ان عدد مستخدي الانترنت في اليمن حوالي500,000 يمني. تصريحات الوزير واحصائية وزارة الاتصالات تدل على ان نسبة الامية في اليمن تتجاوز ال 90% وفقا" للمفهوم الحديث للامية. ذلك يعني ان المجتمع اليمني وطبقا للمعيار الحديث لتحديد مستوى الامية يعتبر مجتمع امي لايستطيع التعامل مع الاقتصادات العالمية الحديثة التي تعتمد على الطابع الرقمي في تعاملاتها. وممايعني عدم قدرة السوق اليمنية لاستقبال واستيعاب الاستثمارات الكبيرة والتي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في تسيير اعمالها.

مما يدل على ان الامية تعتبر العائق الاكبر في وجه التنمية وستكون عائق كبير امام المحاولات الحكومية لموجهة الازمات الاقتصادية والامنية.

المشكلة الاجتماعية الاخرى هي مشكلة الفساد الاداري والمالي, وهنا اصنف مشكلة الفساد كمشكلة اجتماعية نظرا لتشريع هذه الظاهرة اجتماعيا, فالعابثون بالمال العام يعيشون بين اوساط المجتمع متباهين بقدراتهم الخارقة باختلاس الاموال من مؤسسات الدولة المختلفة, والادهى من ذلك ان المجتمع اصبح يشير بالاعجاب بهؤلأ وبقدراتهم على تكوين الثروة بل اصبح الفاسد يوصف بالشاطر الجبار , واصبح المجتمع ينظر للوظيفة العامة كغنيمة وفرصة لتكوين الثروة. وهنا ونظرا لتشريع المجتمع لهذه الظاهرة, اصبح سن القوانيين وتشكيل اللجان لمكافحة الفساد وايضا الانظمام للمنظمة العالمية للشفافية غير مجدي ولن يؤكل ثماره, فالفساد اصبح ظاهرة اجتماعية تحتاج لحلول اجتماعية منها توعية المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة, وذلك لن يكون بالشي اليسير ان لم تكن هناك رغبة وارادة سياسية عند صانعي القرار للقضاء على هذه الظاهرة, وان لم تتوفر هذه الرغبة وتوضع المعالجات الاجتماعية كأولوية الى جانب الحلول الاخرى فلا سبيل لحل المشكلات الاقتصادية والامنية في المدى القريب.

الخطاب الديني المتخلف ايضا" مشكلة اخرى تقف في وجه الحداثة, فالكثير من علمائنا الاجلأ للاسف لايزالون ينشغلون بقضايا دينية لاتفيد المجتمع بل تزيد من انغلاقه على نفسه, فأعادة صياغة الخطاب الديني بشكل يتناسب مع الحداثة ونشر ثقافة تقبل الاخر سيسهم في حل المشاكل الاخرى وخاصة السياسية والامنية, وكذلك الاقتصادية فأذا مااردنا شراكة اقتصادية مع المجتمع الدولي فعلينا تهيئة انفسنا لتقبلهم باختلاف اديانهم وعاداتهم وتقاليديهم, وفي اعتقادي فأن الخطاب الديني المعتدل سيكون المساهم الاكبر في ذلك.

ذلك كان عرض لاهم المشاكل الاجتماعية والتي تلعب الدور الاكبر في توسيع نطاق المشاكل السياسية والاقتصادية والامنية, واي محاولات لحل هذه المشاكل بمعزل اوعدم اهتمام بالمشاكل الاجتماعية سيكون بمثابة حراثة في وسط البحر.

*باحث ومهتم بالشؤون الاقتصادية والإدارية.

habtoornasser@yahoo.com