العدوان الثلاثي على اليمن
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 9 سنوات و شهر و 15 يوماً
الأربعاء 11 فبراير-شباط 2015 11:04 ص

منذ أكثر من قرن من الزمن واليمن تكابد ويلات الاعتداءات المستمرة على أرضها وإنسانها وجميع مصالحها، في خطوة لم يسبق لها مثيل في عالم الحيوان والجماد والنبات والجان، لأن هذه العوالم لم يكن لأي من منتسبيها أن يصبح أداة هدم وتدمير لحياة جنسه الذي ينتمي إليه.
غير أن ظاهرة التآمر المدمر أصبحت السمة البارزة في حياة القيادات المتعاقبة على حكم اليمن الذي كان (سعيداً) وظهرت للعيان في الممارسات العملية لتلك القيادات، بدءاً بالعهد الإمامي ومروراً بعهد الجمهورية ـــ التشطيري والموحد ـــ وانتهاءً بعهد التجاذبات الثورية المتلاحقة.
ففي عهد الإمامة تسلط عدوان الثالوث القاتل (الجهل والفقر والمرض) وعاشت البلاد حقبة من الزمن في حياة الذل والمهانة تحت قهر الخرافات الأسطورية التي مارستها سلطة آل حميد الدين إلى حد استهبال المجتمع وجعله (يتقطرن) خوفاً من السلطة الكهنوتية التي حكمت بأسلوب التضليل والأوهام وادعاء السيطرة على أشياء من عوالم الغيب، ثم جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م كمنقذ وبديل يعول عليه الخروج من مؤثرات الثالوث الإمامي وتلتها ثورة 14 أكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني، وما أن تحول اليمن إلى النظام الجمهوري في الشطرين حتى بدأت الصراعات والحروب داخل كل شطر من ناحية وبين الشطرين من ناحية أخرى، وقد فقد الشعب اليمني خلال تلك الصراعات كوكبة كبيرة من خيرة الرجال وخسر مبالغ طائلة من المال.
وفي غفلة من زمن الحقد والكراهية تم إعادة تحقيق الوحدة اليمنية واستبشر الناس خيراً وأملوا كثيراً في حياة جديدة تصان فيها الحقوق والحريات وتتحقق فيها العدالة والمساواة وينتهي فيها الظلم والاستبداد، غير أن تلك الآمال تحطمت على صخور الكراهية والحقد المزروع في النفوس الشريرة المنطوية على الخبث واللؤم الشديد والعدا المتأصل للوطن والشعب والحياة برمتها، عندما تتعارض مع مصالح أهل الظلم والاستبداد وعشاق الطمع في مزيد من الكسب المادي والمعنوي ولو على أشلا ودماء من يدّعون ـــ زوراً وبهتاناً ـــ تمثيل مصالحهم ورعاية شؤونهم.
وعوداً على بدء فإن العدوان الثلاثي على الوطن والشعب ما زال مستمراً على أشده وبأساليب تتناسب مع كل مرحلة ومقتضياتها، وبدلاً من جهل الرعية أصبحنا نعاني من جهل الحكام وسوء تدبيرهم في شؤون الحكم وطيش تصرفاتهم، وبدلاً من المرض العضوي في الرعية ازدادت الأمراض النفسية والعصبية وجنون العظمة التي تعتري الحكام وتقودهم إلى عبث التصرف في حياة الناس، وبدلاً من الفقر الذي يحوج العامة إلى ذلت السؤال لسد رمق الحياة من القوت الضروري، جاءت ذلة الحكام في طلب الثراء الفاحش والكسب غير المشروع ولو أدّى ذلك إلى الاستثمار في دماء وأرواح الشعب.
وانطلاقاً من هذه الأسس السلطوية المشينة تواجه اليمن عدوان ثلاثي جديد، بأقطاب جديدة من داخل الوطن ـــ للأسف الشديد ـــ والتي حيّرت العقلاء وأوهنت عزم النبلاء وفتحت على الوطن والشعب الشر والبلاء، ذلكم الثالوث الرهيب المعروف حالياً باسم (علي عبدربه عبدالملك) الذي دمّر أكثر مما عمّر وأفسد أكثر مما أصلح ... الخ.
فحينما يمارس الحكم على رؤوس الثعابين ويقود البلاد إلى الحروب ويمارس سياسة فرق تسد وينظٍّر للاقتتال بين الناس من طاقة إلى طاقة ويفتخر بقتل ما لا يقل عن ستين ألفاً من جيش البلاد وأمنها ويتفنن في تدمير منازل المواطنين وهدم مساجدهم ودور القرآن ومدارس التعليم التي يرتادونها ويصادر ممتلكاتهم الشخصية والعامة ويستولي عليها بالقوة والجبروت ويسجلها في حسابه الخاص، وحينما يتخلى عن مهامه ومسؤولياته في الحفاظ على صيانة الحقوق والحريات والممتلكات الخاصة والعامة وينطلق من نظرية الحياد تجاه الاعتداءات التي تمارس ضد الشعب من قبل الجماعات المسلحة الخارجة عن النظام والقانون ويعلن للملاء أنه ليس له علاقة بما يدور وأنه سيقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف، وهو يعلم علم اليقين أن هناك معتدي ومعتدى عليه يتوجب نصرته والوقوف إلى جانبه، وحينما يقول أنه لا علاقة له بما تتعرض له مؤسسات الدولة من نهب وسلب وأنه لا يعنيه من يقومون بأعمال وممارسات تقود إلى تدمير القوات المسلحة والأمن والاستيلاء على مقراتها ومصادرة ما تمتلكه من معدات وأسلحة وذخائر وقائمة طويلة من التبريرات حتى دمرت مقدرات الوطن، كل هذا يقود إلى استنتاج واحد أن هذا الثالوث لم يعد قادراً على ممارسة السلطة وأن استمرار وجوده يشكل كارثة محققة للوطن والشعب وللعالم بأسره.
وفي الجملة فقد ابتلي اليمن بهذا الثلاثي العدواني المستمر والذي يسير بالوطن نحو المصير المجهول وبالتالي إزالته من خارطة الوجود ليصبح أثراً بعد عين، بناءً على خطط الأعداء المتربصين بالوطن والشعب والراغين في تحويله إلى منطقة نفوذ ومصالح دولية وإقليمية لا تضع لمصالح الوطن والمواطن أي اعتبار، وقد وجدت في هذا الثالوث مطية سهلة الركوب هينة المقدار وكيف لا ؟؟ وهو مصمم على تحطيم الوطن وإبادة الشعب خدمة للأعداء ورغبة في الحصول عل مكاسب شخصية لا تساوي شيء أمام إهدار قيمتهم وكرامتهم كحكام لبلد له مكانته الجغرافية والسياسية في خارطة العالم.
وخلاصة القول فإنه ينبغي العمل الجاد لمحاربة هذا الثالوث والنهوض بأعباء المسئولية الوطنية من كافة الشخصيات والقوى السياسية الحية ذات التاريخ الناصع البياض والتي لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب ولم تتلوث عقولهم بمبادئ وأفكار حب السلطة والمال، ولم يسلكوا ــــ يوماً من الأيام ـــ دروب الخيانة والتآمر ضد وطنهم ومواطنيهم، ولم يخونوا أمانة المسئولية التي عهدها إليهم الشعب في العمل بجد وإخلاص من أجل تحقيق تطوره وتقدمه.